الشيخ محمد بن صالح العثيمين / صحيح مسلم
كتاب الجهاد والسير والإمارة-06a
حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن جرير قال زهير حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت فقال حذيفة أنت كنت تفعل ذلك لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد ثم قال ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد ثم قال ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم قال اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تذعرهم علي ولو رميته لأصبته فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قررت فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان حفظ
القارئ : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : ( كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ : لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ، وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ ).
الشيخ : قُر: يعني برد .
القارئ : ( فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ ، فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَقَالَ : قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ ، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ، قَالَ : اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ ، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ ) .
الشيخ : قُررت يعني : أصابني البرد . وهذا من آيات الله عز وجل ، وفيه أيضا أن طاعة الله ورسوله فيها الوقاية من كل شر، ولهذا لما قام رضي الله عنه حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره باسمه قام كأنه في حمّام يعني في حر، مع أن الريح شديدة وباردة، شرقية ، ولكن طاعة الله ورسوله فيها الوقاية من كل شر.
لما انتهى غرضه ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أصابه القُرّ، يعني البرد.
وفيه أيضا دليل على كمال عقل الصحابة رضي الله عنهم، وأن الغيرة التي في قلوبهم لا تحملهم على مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، لو كان من أهل الطيش الذين يدّعون أنهم ذو غيره، لقتله لأنه تمكن منه بسرعة، ولكن حبس النفس على طاعة الله ورسوله هذا هو الجهاد، وليس الجهاد هو التهوّر، وأن الإنسان يتقدّم وينفعل في موضع قد يكون يُنْهى عن التقدم فيه، ولكن الجهاد هو أن يجاهد الإنسان نفسه ويَصْبرها على طاعة الله ورسوله.
في ظني والله أعلم لو وقع مثل هذا لكثير من شبان اليوم لقتله، ثم تأول، لكن هؤلاء القوم أعني الصحابة، يعلمون أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الخير كله.
القارئ : ( فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ : قُمْ يَا نَوْمَانُ ).
الشيخ : هذا من حُسن خُلُقه صلى الله عليه وسلم أنه يمزح، ولا يقول إلا حقّاً، والنومان : كثير النوم .