بسم الله الرحمن الرحيم
قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127

[مسألة النكاح بغير ولى]
قال أبو بكر حدثنا معاذ بن معاذ قال أخبرنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة لم ينكحها الولي أو الولاة فنكاحها باطل قالها ثلاثا فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها فإن تشاجروا فإن السلطان ولي من لا ولي له»
وقد خالف الزهرى روايته فأجاز النكاح بغير ولى وروى عنه إنكاره أن يكون روى هذا الحديث وصح عن عائشة أنها أنكحت ابنة أخيها وأخوها غائب بغير إذنه فلما قدم أنكر ذلك عليها.
قال أبو بكر حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي بردة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» وهذا مرسل.
قال أبو بكر حدثنا يزيد بن هارون عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي»
فوصله إسرائيل وأرسله أبو الأحوص.
قال أبو بكر: وذكر أن أبا حنيفة كان يقول: جائز إذا كان كفئا

اختلف أهل العلم فى النكاح بغير ولى ثم اختلف من اشترط الولى فى الولى من هو وهل يكون النكاح باطلا إذا عقد بغير ولى أم يكون موقوفا على إجازة الولى أو السلطان أم إنه إذا تطاول النكاح حتى حالت حولا أو ولدت بطنا فقد ثبت النكاح ولم يكن للولى ولا للسلطان أن يبطله والله أعلم.
فممن قال إن النساء يلين عقدة النكاح وإن المرأة قد تنكح نفسها بغير ولى على بن أبى طالب رضى الله عنه وروى عن ابنه الحسن أنه نكح خولة بنت منظور بغير إذن أبيها وصح عن عائشة إنكاح ابنة أخيها بغير رضاه وهو قول عطاء بن أبى رباح مفتى مكة وتلميذ عبد الله بن عباس وصح عن الشعبى وتوقف فيها إبراهيم النخعى وهو قول موسى بن عبد الله بن يزيد وابن شهاب الزهرى راوى الحديث الأول وروى ابن علية عن ابن جريج عن الزهرى إنكاره أن يكون روى هذا الحديث وأما الحديث الثانى فقال بعض أهل العلم إنه مرسل ولا يصح وصله وبقول هؤلاء قال أبو حنيفة وقال صاحباه لا يجوز النكاح إلا بولى فإن نكحت بغير ولى كان موقوفا على إجازة السلطان فإن أجازه جاز.
فأما حديث الزهرى عن عائشة فإن الزهرى قد أفتى بخلافه وروى عنه أنه أنكره وصح عن عائشة أنها أنكحت ابنة أخيها وأخوها غائب بغير إذنه فلما قدم أنكر ذلك عليها. ثم إن سليمان بن موسى قد تفرد بهذا الحديث عن الزهرى ولم يروه عن الزهرى الحجازيون ولا رواه عنه مالك وهو من أوثق أصحابه ولا رواه عنه معمر. ثم تفرد ابن جريج به عن سليمان بن موسى فلا يروى هذا الحديث إلا عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة. وهذا نادر فى أحاديث الأحكام وابن جريج من تابعى التابعين فإذا لم يُعرف هذا الحديث إلا غن ابن جريج فأين التابعون منه؟ ولم يخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما وقد استنبط البخارى اشتراط الولى لصحة النكاح وولاية السلطان فى النكاح إذا غاب الأولياء من أحاديث أخر ليس فى واحد منها نص صريح على اشتراط الولى ولا أن السلطان يقوم مقام الأولياء ولو كان حديث الزهرى ثابتا لاحتج به البخارى والله أعلم.
قال عبد الرزاق فذكرته لمعمر (يعنى حديث الزهرى) فقال: سألت الزهري عن الرجل يتزوج بغير ولي قال: «إن كان كفوا لم يفرق بينهما»
ففى هذا أن معمرا لم يعلم بحديث الزهرى وأنه سأله عن هذه المسألة فكان قول الزهرى بخلافه.
وقد روى هذا الحديث أيضا عن الزهرى حجاج بن أرطأة ولكن حجاجا مدلس وفيه ضعف وأهل العلم بالحديث مجمعون على أن روايته عن الزهرى مرسلة ولا يحتج بها. ورواه ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة وابن لهيعة ضعيف وجعفر بن ربيعة لم يسمع من الزهرى ولكن روى عنه كتابة.
وأما حديث أبى بردة فإن سفيان الثورى وشعبة قد روياه عن أبى إسحاق مرسلا ورواه غيرهم موصولا وسفيان وشعبة أوثق ممن رواه موصولا.
قال حرب الكرمانى: "قيل لأحمد: حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي عليه السلام: «أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل» قال: هذا لا يصح لأن الزهري سئل عنه فأنكره، وعائشة زوجت حفصة بنت عبد الرحمن بنت أخيها والحديث عنها فهذا لا يصح. قلت لأحمد: قد روى من غير هذا الوجه؟ قال: ما هو هشام بن سعد؟ قلت: نعم، فلم يرض هشام بن سعد. قلت: فأي شيء يصح في هذا: ((لا نكاح إلا بولي))؟ قال: لا أعلم شيئًا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث أبي موسى يضطربون فيه، شعبة يقول: عن أبي بردة، وإسرائيل يقول: عن أبي موسى. قلت: سفيان يقوله عن أبي بردة؟ قال: نعم، فلم يصححه، قال: ولكنه يروى عن عمر بإسناد صحيح، وعن ابن عباس أنه لا يجوز النكاح إلا بولي، قال: فأنا أذهب إليه" (مسائل حرب 1258)
قال ابن المنذر: "حدثنى علي عن أبي عبيد قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري. وذكر الحديث.
قال: وزادني آخره شيئا ما لدى أحد يذكره غيره قال: قال ابن جريج: ثم لقيت الزهري فذكرت ذلك له فلم يعرفه" (الأوسط 8/261)
الذى زاده هو ابن علية إسماعيل بن إبراهيم.
وقد أطال الطحاوى فى رد هذين الحديثين. قال: "وكان من الحجة لهم في ذلك أن حديث ابن جريج الذي ذكرناه عن سليمان بن موسى قد ذكر ابن جريج أنه سأل عنه ابن شهاب فلم يعرفه" (شرح معانى الآثار – باب النكاح بغير ولى عصبة)
قال: "فكان من الحجة عليهم في ذلك أن هذا الحديث على أصلهم أيضا لا تقوم به حجة وذلك أن من هو أثبت من إسرائيل وأحفظ منه مثل سفيان وشعبة قد رواه عن أبي إسحاق منقطعا" (شرح معانى الآثار – باب النكاح بغير ولى عصبة)
قال أبو بكر حدثنا ابن فضيل عن أبيه عن الحكم قال: كان علي «إذا رفع إليه رجل تزوج امرأة بغير ولي، فدخل بها أمضاه» ومراسيل الحكم عن على قوية.
قال أبو بكر حدثنا ابن إدريس عن الشيباني عن أمه عن بحرية بنت هانئ قالت: تزوجت القعقاع بن ثور فسألني وجعل لي مذهبا من جوهر على أن يبيت عندي ليلة فبات فوضعت له تورا فيه خلوق فأصبح وهو متضمخ بالخلوق فقال لي: فضحتني فقلت له: مثلي يكون شرا؟، فجاء أبي من الأعراب، فاستعدى عليه عليا فقال علي للقعقاع: «أدخلت؟» فقال: نعم، فأجاز النكاح.
روى عبد الرزاق عن أبي شيبة عن أبي قيس الأودي أن عليا كان يقول: «إذا تزوج بغير إذن ولي، ثم دخل بها لم يفرق بينهما، وإن لم يصبها فرق بينهما»
عبد الرزاق عن الثوري عن أبي قيس عن هزيل: «أن امرأة زوجتها أمها وخالها فأجاز علي نكاحها»
قال الدارقطنى حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا محمد بن شاذان حدثنا معلى بن منصور حدثنا أبو عوانة عن الشيباني عن بحرية بنت هانئ الأعور أنه سمعها تقول: زوجها أبوها رجلا وهو نصراني وزوجت نفسها القعقاع بن شور فجاء أبوها إلى علي رضي الله عنه فأرسل إليها ووجد القعقاع قد بات عندها وقد اغتسل فجئ به إلى علي وإن عليه خلوقا فقال أبوها: فضحتني والله ما أردت هذا. قال: أترى بنائي يكون سرا؟ فارتفعوا إلى علي رضي الله عنه فقال: «دخلت بها؟» قال: «نعم» فأجاز نكاحها نفسها.
أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يلى نكاح ابنته المسلمة وقال عامة أهل العلم لا يلى المسلم نكاح ابنته الكافرة.
قال سحنون: "قلت: حديث عائشة حين زوجت حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر بن الزبير أليس قد عقدت عائشة النكاح؟
قال: لا نعرف ما تفسيره إلا أنا نظن أنها قد وكلت من عقد نكاحها قلت: أليس وإن هي وكلت ينبغي أن يكون النكاح في قول مالك فاسدا وإن أجازه والد الجارية؟
قال: قد جاء هذا وهذا حديث لو كان صحبه عمل، حتى يصل ذلك إلى من عنه حملنا وأدركنا وعمن أدركوا لكان الأخذ حقا، ولكنه كغيره من الأحاديث مما لا يصحبه عمل" (المدونة 2/118)
روى مالك فى موطئه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زوجت حفصة بنت عبد الرحمن المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام فلما قدم عبد الرحمن قال: "ومثلي يصنع هذا به، ومثلي يفتات عليه؟" فكلمت عائشة المنذر بن الزبير فقال المنذر: "فإن ذلك بيد عبد الرحمن" فقال عبد الرحمن: "ما كنت لأرد أمرا قضيتيه" فقرت حفصة عند المنذر ولم يكن ذلك طلاقا.
وإنما يستدل أهل العلم على أن التخيير لا يكون طلاقا إذا اختارت المرأة زوجها لأن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال فيها إنها طالق ساعة خيرها زوجها وإن اختارته وهو قول لزيد بن ثابت رضى الله عنه وكان من حجتهم أن قالوا إن الزوجة هى التى لا تملك أن تفارق زوجها فإذا خيرها زوجها فقد ملكت أن تفارقه فبطل أن تكون زوجة له وصارت طالقا وأكثر أهل العلم يقولون إنها لا تطلق بتخييرها ولكن النكاح ساعتئذ موقوف لا يحل للرجل أن يستمتع بشىء منها لأنها ليست بزوجة ثابتة النكاح فإذا مكنته هى من نفسها فقد بطل خيارها وهذا قول عامة أهل العلم وقد ظهرت فى زماننا فرقة من نجد يقال لها الوهابية فزعموا أن الرجل لا يملك على امرأته أمرها وأنها متى شاءت خلعته عند قاض وهذا قول مخالف لكتاب الله مخالف لسنة رسوله مخالف لإجماع أهل العلم مخالف لإجماع عوام المسلمين مخالف لإجماع بنى آدم قبلهم ونسأل الله العافية.
قال أبو بكر حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن عائشة أنكحت حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب فلما قدم عبد الرحمن غضب وقال: "أي عباد الله أمثلي يفتات عليه في بناته؟" فغضبت عائشة وقالت: "أترغب عن المنذر؟"
قال أبو بكر حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل قال: رفعت إلى علي امرأة زوجها خالها قال: "فأجاز علي النكاح" قال: وقال سفيان: "لا يجوز لأنه غير ولي" وقال علي بن صالح: "هو جائز لأن عليا حين أجازه كان بمنزلة الولي"
وفى أصل محمد بن الحسن: "قال: بلغنا عن علي بن أبي طالب أن امرأة زوجت ابنتها برضى منها، فجاء أولياؤها فخاصموها إلى علي بن أبي طالب، فأجاز النكاح" (الأصل – باب النكاح بغير ولى)
روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل خطب امرأة إلى وليها فزوجها بشهادة رجل وامرأتين فقال: «إن أعلموا ذلك فإنا نراه نكاحا جائزا إذا أعلنوه ولم يسروه»
عبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل الأسدي عن الشعبي أنه قال: «إذا كان كفوا جاز النكاح» وأخرجه ابن أبى شيبة.
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن سالم عن الشعبي قال: «إذا كان كفؤا جاز»
وللشعبى قول آخر: لا يصح النكاح بغير ولى.
عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء: امرأة نكحت رجلا بغير إذن الولاة، وهم حاضرون فبنى بها قال: «وأشهدت؟» قال: نعم قال: «أيما امرأة مالكة لأمرها، إذا كان شهداء فإنه جائز دون الولاة ولو أنكحها الولي كان أحب إلي ونكاحها جائز» فهذا قول عطاء بن أبى رباح.
عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: امرأة خطبها ابن عم لها لا رجل لها غيره قال: «فلتشهد أن فلانا خطبها وأني أشهدكم أني قد نكحته وإلا لتأمُرْ رجلا من عشيرتها»
عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال قلت له: رجل تزوج بشهادة نسوة قال: "يفرق بينهما، وإن اطلع عليه كانت عقوبة، أدنى ما كان يقال: خاطب وشاهدان"
ولم يشترط إبراهيم النخعى الولى فى النكاح هاهنا وروى عنه أنه توقف فيها وروى عنه أنه أبطله بغير ولى.
قال أبو بكر حدثنا أبو داود عن شعبة عن منصور قال: سألت إبراهيم عن امرأة تزوجت بغير ولي فسكت وسألت سالم بن أبي الجعد فقال: «لا يجوز»
وهذا توقفه فيها.
عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: «فرق بين النكاح والسفاح الشهود» ولم يشترط طاوس الولى.
فهذا قول من أجاز النكاح بغير ولى. وقال بعض أهل العلم إن النكاح لا يصح أن تعقده امرأة والولى إنما هو رجل من المؤمنين فأيما امرأة ولت أمرها رجلا من المؤمنين ولو كان من سوى عصبتها فأنكحها فنكاحها جائز. هذا قول محمد بن سيرين وأبى ثور وكان مالك لا يبطله ويجعله موقوفا على إجازة الأولياء إلا أن يتطاول ذلك أو تلد عنده أو تكون معتقة أو إسلامية وهى التى أسلمت وليس لها آباء فى الإسلام أو دنيئة أو فقيرة لا تقدر أن تأتى السلطان فلا يكون للسلطان أن يفسخه وقول مالك فى ولى النكاح مضطرب جدا.
واحتجوا بقول الله تعالى: }وَالْمُؤْمِنُو َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ{ فقالوا هذا ولى من جملة المؤمنين.
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان عن أيوب عن الحسن وابن سيرين في المرأة من أهل السواد ليس لها ولي قال الحسن: «السلطان» وقال ابن سيرين: «رجل من المسلمين»
روى عبد الرزاق عن عن معمر عن أيوب في امرأة لا ولي لها ولت رجلا أمرها فزوجها قال كان ابن سيرين يقول: «لا بأس به المؤمنون بعضهم أولياء بعض» وكان الحسن يقول: «يفرق بينهما وإن أصابها وإن لم يكن لها ولي فالسلطان»
قال سحنون: "قلت: أرأيت الثيب إذا استخلفت على نفسها رجلا فزوجها؟ قال: قال مالك: أما المعتقة والمسالمة (الإسلامية) والمرأة المسكينة تكون في القرية التي لا سلطان فيها، فإنه رب قرى ليس فيها سلطان فتفوض أمرها إلى رجل لا بأس بحاله أو يكون في الموضع الذي يكون فيه السلطان، فتكون دنيئة لا خطب لها كما وصفت لك، قال مالك: فلا بأس أن تستخلف على نفسها من يزوجها ويجوز ذلك قال: فقلت لمالك: فرجال من الموالي يأخذون صبيانا من صبيان العرب من الأعراب تصيبهم السنة فيكفلون لهم صبيانهم ويربونهم حتى يكبروا، فتكون فيهم الجارية فيريد أن يزوجها قال: أرى أن تزويجه عليها جائز، قال مالك: ومن أنظر لها منه فأما كل امرأة لها مال وغنى وقدر فإن تلك لا ينبغي أن يزوجها إلا الأولياء أو السلطان قال: فقيل لمالك: فلو أن امرأة لها قدر تزوجت بغير ولي فوضت أمرها إلى رجل فرضي الولي بعد ذلك، أترى أن يثبتا على ذلك النكاح فوقف فيه، قال ابن القاسم: وأنا أراه جائزا إذا كان قريبا.
قلت: أرأيت إن كان دخل بها؟ قال ابن القاسم: دخوله وغير دخوله سواء إذا أجاز ذلك الولي جاز كما أخبرتك وإن أراد فسخه وكان بحدثان دخوله رأيت ذلك له ما لم تطل إقامته معها وتلد منه أولادا، فإذا كان ذلك وكان ذلك صوابا جاز ذلك ولم يفسخ، وكذلك قال مالك قال سحنون وقد قال غير عبد الرحمن وإن أجازه الولي لم يجز؛ لأنه عقدة غير ولي، وقد قال غير واحد من الرواة مثل ما قال عبد الرحمن إن أجازه الولي جاز" (المدونة 2/112)
وكتاب خلاف مالك قال الربيع: "سألت الشافعي عن النكاح فقال: كل نكاح بغير ولي فهو باطل فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: أحاديث ثابتة فأما من حديث مالك فإن مالكا أخبرنا عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن المسيب كان يقول: قال عمر بن الخطاب: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان.
(قال الشافعي) : وثَبَّتُّم هذا وقلتم: لا يجوز نكاح إلا بولي ونحن نقول فيه بأحاديث من أحاديث الناس أثبت من أحاديثه وأبين (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» ثلاثا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عكرمة قال: جمع الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فجعلت أمرها بيد رجل فزوجها رجلا فجلد عمر الناكح والمنكح وفرق بينهما (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل (قال الشافعي) : وهذا قول العامة بالمدينة ومكة. قلت للشافعي: نحن نقول في الدنية لا بأس بأن تنكح بغير ولي، ونفسخه في الشريفة فقال: الشافعي عدتم لما سددتم من أمر الأولياء فنقضتموه قلتم لا بأس أن تنكح الدنية بغير ولي فأما الشريفة فلا (قال الشافعي) : السنة والآثار على كل امرأة فمن أمركم أن تخصوا الشريفة بالحياطة لها واتباع الحديث فيها، وتخالفون الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمن بعده في الدنية؟ أرأيتم لو قال لكم قائل: بل لا أجيز نكاح الدنية إلا بولي لأنها أقرب من أن تدلس بالنكاح وتصير إلى المكروه من الشريفة التي تستحيي على شرفها وتخاف من يمنعها أما كان أقرب إلى أن يكون أصاب منكم؟ فإن الخطأ في هذا القول لأبين من أن يحتاج إلى تبينه بأكثر من حكايته (قال الشافعي) : النساء محرمات الفروج إلا بما أبيحت به الفروج من النكاح بالأولياء والشهود والرضا ولا فرق بين ما يحرم منهن وعليهن في شريفة ولا وضيعة، وحق الله عليهن، وفيهن كلهن واحد لا يحل لواحد منهن ولا يحرم منها إلا بما حل للأخرى وحرم منها." (الأم 7/254)
ولعل من حجة مالك على الشافعى أن يقول إنا قد اجتمعنا معكم على أن الولى فى النكاح إنما جُعِل لحقه فى أن لا يصاهر من ليس له بكفء فأما الدنية والتى أسلمت وليس لها أولياء فى الإسلام فلا عار يدخل على عصبتهما بنكاحها لأن الدنية كفء لكل أحد والإسلامية ليس لها ولى مسلم يدخل العار عليه بنكاحها.
قال ابن المنذر: "وكان أبو ثور يقول: والنكاح لا يكون إلا بولي إما عصبة وإما رجل توليه أمرها، ولمّا اختلفوا فإن كل من لزمه اسم ولي جائز" (الأوسط 8/269)
وقال آخرون إذا نكحت المرأة بغير ولى فالنكاح موقوف إن أجازه الأولياء أو السلطان جاز وإن أبطلوه لم يجز وهذا قول القاسم بن محمد وقول أبى يوسف ومحمد بن الحسن وإسحاق بن راهويه.
قال أبو بكر حدثنا أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن ابن المسيب والحسن في امرأة تزوجت بغير إذن وليها قال: "يفرق بينهما" وقال القاسم بن محمد: "إن أجازه الأولياء فهو جائز"
قال إسحاق بن منصور: "قلت: إذا تزوجت بغير إذن وليها، ثم أذن الولي بعد ذلك؟
قال أحمد: أعجب إلي أن يستأنف النكاح.
قال إسحاق: هو كما قال، ولكن إذا أجاز جاز؛ لأن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين رفع إليه بحرية بنت هانئ حين زوجتها أمها أجاز علي -رضي الله عنه- نكاحهما وليس فيه تجديد النكاح وعلي -رضي الله عنه- يومئذ خليفة، فكل عقد نكاح مثل هذا موقوف حتى يجيزه الولي أو السلطان" (مسائل الكوسج 871)
وقولهم جائز يعنى لازم لا تملك المرأة بعده أن تفارق ولا يملك ذلك وليها ولا السلطان ولا القاضى والعقود الجائزة الصحيحية هى ما لزم المرء فلم يكن له أن يدفعها عن نفسه إلا برضا من صاحب الحق ولأجل هذا لا تملك المرأة أن تفارق زوجها أبدا إلا أن يرضى أن يطلقها أو يخلعها ولا يملك الرجل أن يرجع فى مهر امرأته إلا أن ترضى أن تهبه له أو يطلق قبل الدخول فيرجع بنصف المهر بنص كتاب الله عز وجل والمرأة لا تملك أن تفارق لا قبل الدخول ولا بعده والله أعلم.
وقال سائر أهل العلم لا يجوز النكاح إلا بولى من العصبة وإذا نكحت المرأة بغير ولى فنكاحها باطل لا يصح بإجازة السلطان إلا أن يستأنفا نكاحا جديدا وهذا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم وهو قول عمر بن عبد العزيز والحسن البصرى وأبى الشعثاء جابر بن زيد وقول لإبراهيم النخعى وقول لعامر الشعبى وقول لمالك وهو قول الشافعى وأحمد بن حنبل وابن المنذر وكثير من أهل العلم وبه أقول.
قال الشافعى: "أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد قال جمعت الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فولت رجلا منهم أمرها فزوجها رجلا فجلد عمر بن الخطاب الناكح ورد نكاحها أخبرنا ابن عيينة عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد بن عمير أن عمر - رضي الله عنه - رد نكاح امرأة نكحت بغير ولي أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال قال عمرو بن دينار نكحت امرأة من بني بكر بن كنانة يقال لها بنت أبي ثمامة عمر بن عبد الله بن مضرس فكتب علقمة بن علقمة العتواري إلى عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة إني وليها وإنها نكحت بغير أمري فرده عمر وقد أصابها (قال الشافعي) : فأي امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «فنكاحها باطل»" (الأم - لا نكاح إلا بولي)
قال صالح: "وسألته عن رجل تزوج امرأة بشهود بغير ولي؟ قال: لا يجوز" (مسائل صالح 410)
قال عبد الله: حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا حصين عن بكر بن عبد الله قال: كتب عمر بن الخطاب إلى الأمصار: أيما امرأة تزوجت عبدها، أو تزوجت بغير بينة ولا ولي فاضربوها، وفرقوا بينهما.
قال البغوي: "وسمعت أحمد يقول: إن تزوج الرجل بغير إذن ولي المرأة، وقد ولدت من الرجل أولادا أللولي أن يفرق بينهما؟
قال أبو عبد الله: فكذا كان يقول ابن المبارك" (مسائل البغوى 18)
قال حرب: "سألت أحمد: امرأة تزوجت بغير ولي، ثم أراد الولي أن يجيز النكاح؟
قال: بنكاح جديد ومهر وخطبة جديدة، ولا يجوز أن يقول: قد أجزت ذلك النكاح.
وقال: وسئل أحمد مرة أخرى عن امرأة تزوجت بغير إذن ولي، ثم بلغ الولي فأجاز؟
قال: لا، ولكن يجدد النكاح." (مسائل حرب)
قال عبد الله: "سألت أبي عن امرأة زوجت نفسها من رجل بشهادة شاهدين ووليها غائب، فكتب الولي أن ما صنعت في نفسها من شيء فهو جائز، وهل يصلح ذلك؟
قال: يستأنفان النكاح." (مسائل عبد الله 1185)
والاستئناف هو البدء والإعادة لا الإكمال.
قال أبو بكر حدثنا حفص عن ليث عن طاوس عن عمر، قال: «لا نكاح إلا بولي» وليث بن أبى سليم ضعيف.
قال أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن خيثم عن سعيد عن ابن عباس قال: «لا نكاح إلا بولي، أو سلطان مرشد»
قال أبو بكر حدثنا غندر عن سعيد قال سمعت الوضاح قال سمعت جابر بن زيد يقول: «لا نكاح إلا بولي وشاهدين»
قال أبو بكر حدثنا ابن فضيل عن مغيرة عن إبراهيم قال: «لا نكاح إلا بولي»
قال أبو بكر حدثنا ابن علية عن يونس عن الحسن أنه كان يقول: «لا نكاح إلا بولي، أو سلطان»
قال أبو بكر حدثنا يزيد بن هارون عن أشعث عن الشعبي قال: «لا تنكح المرأة، إلا بإذن وليها، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان» وهذا خلاف قوله الأول.
قال أبو بكر حدثنا عبد الرحمن بن موسى عن عثمان بن الأسود عن عمرو بن أبي سفيان قال قال عمر: «لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها، وإن نكحت عشرة أو بإذن سلطان»
قول عمر: « وإن نكحت عشرة» يعنى ولو أنها كانت ثيبا قد نكحت قبل ذلك عشرة رجال فلا نكاح لها إلا بولى.
قال أبو بكر حدثنا معتمر عن أبيه قال قلت للحسن: جارية من أهل الأرض ـ يعني ليس لها مولى ـ خطبها رجل أيزوجها رجل من جيرانها؟ قال: «تأتي الأمير» قال: فإنها أضعف من ذلك قال: «فتكلم رجلا يحكم لها الأمير» قال: فإنها أضعف من ذلك قال: «لا أعلم إلا ذلك» قال: قلت له: «فالقاضي إذا، إلا أنه يجعل القاضي رخصة»
وفى قول مالك وابن سيرين إنه يزوجها رجل من المسلمين.