{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩} [السجدة : ١٥]
من أراد تفريج الكرب - وتفريج الهموم ، فليقترب من الحي القيوم ؛ فأقرب ما يكون العبد من ربه - وهو ساجد ؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه - أنَّ رسُولَ اللَّه صلى الله عيه وسلم قال: (( أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ - وَهَو ساجدٌ ، فَأَكثِرُوا الدُّعاءَ )).
مرافقةُ النبي عليه الصلاة والسلام في الجنة تُزَفُّ لِمَنْ أَكْثَرَ مِنَ السجُوُد - بين يديِّ الله ؛ فعن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: (( كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ ))؛ [ رواه مسلم ].
من أراد الرِّفْعَةَ من الله - والمحبة والرضوان، فليكن من الساجدين ؛ يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾ ، إخواني ، تدبَّروا معي ختام هذه الآية ؛ قال الله: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ .
فَالْهَوَانُ - كُلُّ الهَوَانْ ، والذُّلُ - كُلُّ الذَّلْ ، لِمَنْ أبَىَ أنْ يَسْجُدَ للهِ رَبِّ العَالَمِيِنْ ، والشَّرَفُ - كُلُّ الشَّرَفْ ، أنْ تَكُوُنَ عَبْدًا لِرَبِّ الأرضِ والسَمَاوَاتْ ، فَمِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَحْمَنْ - السُّجُوُدُ وَالقِيَامْ - للوَاحِدِ الدَّيَّانْ ؛ قال جل وعلا: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ).
معاشر الموحدين الساجدين:
إذا ضاقت صُدُوُرُكُمْ ، وَكَثُرَتْ هُمُوُمُكُم ، وَتَكَالَبَ عَلَيْكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ ، فَالسُّجُوُدُ لِرَبِّكُمْ عِلاَجُكُمْ ؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ .
من ذلَّتْ جَبْهَتُهُ للهِ رَبِّ العَالمين ، أكرمه الله - بِرَفْعِ هَامَتِهِ ، وثَبَّتَهُ وَنَصَرَهُ عَلَىَ القَوْمِ الظَّالِمِينْ ؛ فالسُّجُوُدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيِنْ - هُوَ سِلاَحُ - سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ - الِّذِيِنَ آمَنُوُا بِرَبِّ العَالَمِيِنْ ، تَسَلَّحُوُا بهِ - لِيُكْرِمَهُمُ اللهُ بالثبات على الحق المبين ؛ قال تعالى :﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾، فوقفوا أمام تهديدات فرعون كالطَّوْدِ العظيم ، وقالوا كما قال الله عنهم :﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ .
من أراد الفلاح - والفوز والنجاح ، فليكن من الراكعين الساجدين ؛ قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )، فَلْنَسْجُدِ اليَوْمَ جَمِيِعَاً - طَوْعَاً - قبل أن يأتيَ ذلك اليوم العصيب ، نتمنى أن نسجد لله ، لكن - هيهات هيهات ، فمن سجد لله اليوم ، كان له الشرف أن يسجد غدًا - أمام الواحد الديان ، ومن لم يسجد لله في هذه الدنيا الفانية ، لا يستطيع أن يسجد غدًا - يوم القيامة - يوم الحسرة والندامة؛ قال جل شأنه: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ . بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين .
محمد المرزوقي
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩} [السجدة : ١٥]
لن تجد أمتع ولا أنفع من سجدة خضوع وخشوع يسجدها معك كل مافيك الجسد والروح .. اسجد وارتق
(إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا) لمّا سمعوا آيات القرآن سقطوا ساجدين خاشعين بالتسبيح والحمد ... سماع القرآن يا أعزاء يورث رقة المشاعر ..
أنفع السجود للقلوب ماجمع بين تنزيه الله عن النقائص و شكر الله على الفضائل
خرّت قلوبهم أولاً ساجدة في محراب الإيمان بالله خضوعاً لعظمته ومحبةً وخوفاً وخشيةً ، فخرّت أجسادهم تبعاً لقلوبهم .. فالقلب هو ملك والجوارح جنوده ..
اللهم أكرمنا بجباه ساجدة وقلوب خاشعة ودمعة عين من خشيتك ندخل بها الجنة