﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَهُمْ لَهَا سَٰبِقُونَ ﴿٦١﴾ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٦١﴾]
لما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات وسبقهم إليها، ربما وهم واهم أن المطلوب منهم ومن غيرهم أمر غير مقدور أو متعسر؛ أخبر تعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعهاً. السعدي:554.
﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا۟ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَٰجِعُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٦٠﴾]
الأعمال الظاهرة يعظم قدرها، ويصغر قدرها بما في القلوب، وما في القلوب يتفاضل؛ لا يعرف مقادير ما في القلوب من الإيمان إلا الله. ابن تيمية:4/461.
﴿ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٨٨﴾]
أي: يمنع، ولا يمنع منه، وقيل: (يجير): يُؤمّن من شاء، (ولا يجار عليه) أي: لا يُؤمن من أخافه...أي: من أراد الله إهلاكه وخوفه لم يمنعه منه مانع، ومن أراد نصره وأمنه لم يدفعه من نصره وأمنه دافع. القرطبي:15/79.
﴿ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٨٨﴾]
(وهو يجير) من يشاء؛ أي: يحمي ويحفظ من يشاء؛ فلا يستطيع أحد أن يمسه بسوء. (ولا يجار عليه) أي: ولا يستطيع أحد أن يجير، أي: يحمي، ويحفظ عليه أحداً أراده بسوء. الجزائري: 3/535.
﴿ قُل لِّمَنِ ٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨٤﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٨٥﴾ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ ﴿٨٦﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٨٤﴾]
ودلت هذه الآيات على جواز جدال الكفار، وإقامة الحجة عليهم. القرطبي:15/80.
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَة َ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٨﴾]
وذكر السمع، والبصر، والأفئدة -وهي القلوب- لعظم المنافع التي فيها، فيجب شكر خالقها، ومن شكره: توحيده، واتباع رسوله عليه الصلاة السلام، ففي ذكرها تعديد نعمة، وإقامة حجة. ابن جزي:2/76.
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَٰهُم بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴿٧٦﴾ حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٦﴾]
(وما يتضرعون) إليه، ويفتقرون، بل مر عليهم ذلك، ثم زال كأنه لم يصبهم؛ لم يزالوا في غيهم وكفرهم، ولكن وراءهم العذاب الذي لا يرد، وهو قوله: (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد). السعدي:556.
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَٰهُم بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٦﴾]
يقول تعالى ذكره: ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا، وسخطنا، وضيقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسيف، (فما استكانوا لربهم) يقول: فما خضعوا لربهم؛ فينقادوا لأمره ونهيه، وينيبوا إلى طاعته، (وما يتضرعون) يقول: وما يتذللون له. الطبري:19/60.
﴿ وَلَوْ رَحِمْنَٰهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا۟ فِى طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٥﴾]
يقول تعالى: ولو رحمنا هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة، ورفعنا عنهم ما بهم من القحط والجدب، وضر الجوع، والهزال; (للجوا في طغيانهم) يعني: في عتوهم، وجرأتهم على ربهم. (يعمهون) يعني: يترددون. الطبري:19/59.
﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٠٢﴾]
أي: من رجحت حسناته على سيئاته ولو بواحدة؛ قاله ابن عباس. ابن كثير:3/249.
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٠١﴾]
(فلا أنساب بينهم) المعنى: أنه ينقطع يومئذ التعاطف والشفقة التي بين القرابة؛ لاشتغال كل أحد بنفسه؛ كقوله: (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه) [عبس: 34، 35] فتكون الأنساب كأنها معدومة. (ولا يتساءلون) أي: لا يسأل بعضهم بعضاً؛ لاشتغال كل أحد بنفسه، فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وبين قوله: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) [الصافات: 27] فالجواب: أن ترك التساؤل عند النفخة الأولى، ثم يتساءلون بعد ذلك؛ فإن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف كثيرة. ابن جزي:2/79.
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ ﴿٩٩﴾ لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٩٩﴾]
ودلت الآية على أن أحداً لا يموت حتى يعرف اضطراراً أهو من أولياء الله، أم من أعداء الله، ولولا ذلك لما سأل الرجعة. القرطبي:15/86.
﴿ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٩٧﴾]
أمر الله تعالى نبيه ﷺ والمؤمنين بالتعوذ من الشيطان في همزاته؛ وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه. القرطبي:15/83.
﴿ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٩٦﴾]
(ادفع بالتي هي أحسن السيئة)... هذه وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر، وأما المسيء من الشياطين فإنه لا يفيد فيه الإحسان، ولا يدعو حزبه إلا ليكونوا من أصحاب السعير، فالوظيفة في مقابلته أن يسترشد ما أرشد الله إليه رسوله، فقال: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين). السعدي:559
﴿ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٩٦﴾]
والتخلق بهذه الآية هو أن المؤمن الكامل ينبغي له أن يفوض أمر المعتدين عليه إلى الله؛ فهو يتولى الانتصار لمن توكل عليه. ابن عاشور:18/120.
﴿ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍۭ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٩١﴾]
هذا برهان على الوحدانية؛ وبيانه أن يقال: لو كان مع الله إله آخر لانفرد كل واحد منهما بمخلوقاته عن مخلوقات الآخر، واستبدّ كل واحد منهما بملكه، وطلب غلبة الآخر، والعلوّ عليه؛ كما ترى حال ملوك الدنيا. ولكن لما رأينا جميع المخلوقات مرتبطة بعضها ببعض-حتى كأن العالم كله كرة واحدة- علمنا أن مالكه ومدبره واحد، لا إله غيره. ابن جزي:2/77.
﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرْهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١١٧﴾]
انظر كيف افتتح السورة بفلاح المؤمنين، وختمها بعدم فلاح الكافرين؛ ليبين البون بين الفريقين، والله أعلم. ابن جزي:2/79.
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَٰكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴿١١٥﴾ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١١٥﴾]
(فتعالى الله) أي: تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل الذي يرجع إلى القدح في حكمته. السعدي: 560.
﴿ قَٰلَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴿١١٢﴾ قَالُوا۟ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْـَٔلِ ٱلْعَآدِّينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١١٢﴾]
والغرض من هذا: توقيفهم على أن أعمارهم قصيرة، أداهم الكفر فيها إلى عذاب طويل. ابن عطية:4/158.
﴿ إِنَّهُۥ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴿١٠٩﴾ فَٱتَّخَذْتُمُو هُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٠٩﴾]
وقوله في هذه الآية: (إنه كان فريق من عبادي) يدل فيه لفظ (إن) المكسورة المشددة، على أن الأسباب التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم، وسخريتهم من الفريق المؤمن الذي يقول: (ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين)؛ فالكفار يسخرون من ضعفاء المؤمنين في الدنيا حتى ينسيهم ذلك ذكر الله، والإيمان به؛ فيدخلون بذلك النار. الشنقيطي:5/360.
﴿ إِنَّهُۥ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴿١٠٩﴾ فَٱتَّخَذْتُمُو هُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٠٩﴾]
ويستفاد من هذا: التحذير من السخرية، والاستهزاء بالضعفاء والمساكين، والاحتقار لهم، والإزراء عليهم، والاشتغال بهم فيما لا يغني، وأن ذلك مبعد من الله عز وجل. القرطبي:15/95.
﴿ قَالُوا۟ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٠٦﴾]
وأحسن ما قيل في معناه: غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا، فسمى اللذات والأهواء شقوة؛ لأنهما يؤديان إليها... وقيل: حسن الظن بالنفس، وسوء الظن بالخلق. البغوي:15/91.
﴿ قَالُوا۟ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٠٦﴾]
أي: قد قامت علينا الحجة، ولكن كنا أشقى من أن ننقاد لها ونتبعها. ابن كثير:3/249.