ملخص قصة أصحاب الكهف أنهم فتية آمنوا بربهم، ووحدوه في العبادة، وكان قومهم مشركين، فاعتزلوهم إلى كهف، فضرب الله عليهم النوم، فناموا ثلاثمائة سنة وتسعة سنوات، ثم بعثهم الله من نومهم، فحفظ الله لهم دينهم، ووقاهم الفتن، وعصمهم منها، ونالهم شيء كبير من العز والشرف بعد أن تبدلت أحوال الناس جزاء صبرهم وثباتهم وإيمانهم.
ويستفاد من قصتهم فوائد كثيرة، منها:
أولًا: أن قصتهم مع عجيب شأنها، فإنها ليست بأعجب آيات الله، بل أعجب منها خلق الأرض، وما خلق فيها من أنواع الزينة ومن كل شيء، ثم يفني ذلك بقدرة الله، ثم يبعث الله الخلائق ليجازيهم على أعمالهم، فليتفكر المسلم في خلق السماوات والأرض، وليتذكر أنه خلق لعبادة الله وحده، وليتذكر معاده، وليستعد له بأحسن العمل، قال –عز وجل-: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8﴾ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾[الكهف:7-9]، أي وإن كانت قصتهم عجيبة، إلا أن ما تقدم ذكره أعجب وأعظم.
ثانيًا: أن هؤلاء الفتية نشأوا في بيئة كافرة مشركة، تعبد من دون الله آلهة أخرى، ولكن الله –عز وجل- أدركهم بلطفه ورحمته، فهداهم إلى الإيمان والتوحيد، فآمنوا بالله وحده، وعلى العاقل أن يكون رائده الحق، لا التعصب لما عليه الآباء والأسلاف، فحيث تبين له الحق فليلتزم به، ولا يمنعنه من قبول الحق هوىً أو حظ من حظوظ النفس الأمارة بالسوء، فالحق أحق أن يتبع.
ثالثًا: لما عرف أولئك الفتية الحق جهروا به، كما قال –تعالى-: ﴿إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾[الكهف:14-15]، وأكثر المفسرين أنهم قالوا هذا الكلام العظيم أمام ملك زمانهم، وما كانت دعوتهم إلا دعوة الرسل، ألا وهي إفراد الله بالعبادة، والبراءة من عبادة ما سواه، ، ومع ما هدى الله أولئك الفتية إليه من الدعوة إلى الحق، فقد من عليهم بأن ربط على قلوبهم، وثبتهم في ذلك الموقف الحرج، والله لا يخذل من صدق معه، وتسلح بسلاح الصبر واليقين.
رابعًا: حين خشي أولئك الفتنة من أذى قومهم رأوا أن يفروا بدينهم وبأنفسهم، في مكان يعبدون ربهم فيه آمنين مطمئنين، والعزلة مطلوبة حين لا يكون لمخالطة الناس ودعوتهم جدوى ولا أثر، أو كان المرء يخاف على نفسه من أهل الباطل بتسلطهم أن يتعرضوا له ببلاء لا طاقة له به، بأن يفتنوه عن دينه ببطشهم، أو أن يرتد على عقبيه، فيضعف إيمانه لمخالطتهم، فيشاركهم في معصية الله –تعالى-، فلجأوا إلى الكهف، وابتهلوا إلى الله قائلين: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾[الكهف:10]، فكانت قلوبهم معلقة بالله وحده، فآواهم الله، وسلمهم وحفظهم، وجعل لهم لسان صدق إلى يوم القيامة.
خامسًا: أن من صدق مع الله صدق معه، وأحاطه بلطفه، وهيأ له من الأسباب ما لا يخطر له على بال، فقد ألقى الله عليهم النوم مئات السنين، وأكرمهم بأن صرف عنهم ضياء الشمس فلا يؤذيهم، مع كونهم في مقابلها على ما حققه بعض المفسرين؛ لأنه جعل ذلك من آياته، فدل على أن ما حصل لهم أمر خارق للعادة، وكان سبحانه يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال؛ حتى يحسبهم الناظر أيقاظًا، وحتى لا تأكلهم الأرض، وألقى على من يطلع عليهم الرعب، فلا يدخل إليهم أحد، فحفظهم الله أيقاظًا، وحفظهم نائمين، وحفظهم في قلوبهم، وفي أبدانهم، وفي أموالهم، ومن حفظ اللهَ حفظه الله.
سادسًا: فضل الصحبة الصالحة، فإن الكلب لما صحب أولئك الصالحين ناله من بركتهم، فألقي عليه النوم معهم، وبقي ذكره معهم، وفي الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن الرجل يمر بحلقة ذكر فيجلس فيها، فيغفر الله له معهم.
فعلى المسلم –ولا سيما الشباب في مقتبل عمره- أن يحسن اختيار الصحبة، وليحرص على أصحاب العقيدة السليمة، المجافين للبدع وأهلها،
سابعًا:يستفاد من قصتهم الحرص على أكل الطيب المباح؛ فإنهم أرسلوا أحدهم، وأمروه بأن يعتني بأزكى الطعام، ويدخل في زكائه إباحته وحله دخولًا أوليًّا، ولا بأس باختيار أطايب الطعام، ولكن على المسلم أن يعنى أولًا بأن لا يأكل إلا طيبًا زكيًّا، وليحذر من المكاسب المحرمة؛ فالجسد إذا نبت على غذاء محرم كان إلى النار، وفي الحديث: «أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به».
ونحن في زمن -عباد الله- كثرت فيه المعاملات التجارية المحرمة والمشتبهة، وصار كثير من الناس لا يهمه إلا تحقيق الأرباح وتحصيل المكاسب، دون أن يبالي أمن حلال ربح، أم من حرام -والعياذ بالله-.
وثامنًا: في هذه القصة دليل ظاهر باهر على البعث والنشور يوم القيامة؛ فالذي أيقظ أولئك الفتية بعد ثلاثمائة سنة قادر على إعادة الأجساد بعد موتها، ولذلك قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا﴾[الكهف:21].
الفائدة التاسعة:نوه الله بشأن أولئك الفتية في آخر أمرهم، حيث أعثر عليهم، ورفع ذكرهم، وأجل قدرهم، حتى إن الناس اختصموا فيهم، بعد الخوف والذلة والعزلة
وهنا يجدر التنبيه إلى أن بناء المساجد على قبور الأنبياء أو الصالحين منكر عظيم، ومن فعله فهو ملعون، وقد حذر النبي –صلى الله عليه وسلم- عند موته من ذلك تحذيرًا بالغًا شديدًا، فقال: «لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما صنعوا؛ لأن بناء المساجد على القبور يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله، بدعائها والذبح عندها، والنذر لها، والله –عز وجل- لم يذكر مسألة بناء المسجد على أولئك الفتية ترغيبًا فيه ولا حثًّا عليه، ولكنها حكاية حال أولئك القوم، وقد قام النبي –صلى الله عليه وسلم- لبيان حكم هذا المنكر العظيم، فلا حجة لأن يستدلوا بالقصة على بناء المساجد على القبور، أو دفن الموتى في المساجد.
اللهم أمتنا على التوحيد، اللهم ثبتنا على لا إله إلا الله، اللهم ثبتنا على لا إله إلا الله، يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب، صرف قلوبنا إلى طاعتك، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ولوالدينا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الشيخ خالد الظفيري
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} (الكهف: ٩)
عجائب قدرة الله تعالى لاحصر لها ، وبهذا الكون الفسيح العديد من آيات قدرته سبحانه
إيمانهم الصادق بآيات الله جعل من قصتهم آية من آياته ، إنهم الفتية أصحاب الكهف . انظر في صفحات هذا الكون تجد من العجائب مايفوق قصتهم .. ومن آيات الله بعضها أعجب من بعض .. فليشغل المتدبر فكره في البحث عنها والتفكر في عظمتها ..
ربط الله على قلوبهم بالإيمان مع إنهم فتية ! وجعل ازورار الشمس عنهم تقرضهم عند الغروب بأشعتها ! وألقى الرعب على من اطلع عليهم فيبتعد عنهم ! يقلّبهم وهم نائمون في فجوة داخل الكهف أكثر من ثلاثة قرون ! ... ومع كل ماسبق يقول الله القادر {أم حسبت .... كانوا من آياتنا عجبا} لاعجب وآيات الله في كل شيء حولنا سبحانه تبارك وتعالى القادر ، إن أراد شيئاً فإنما يقول له : كن فيكون