تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، و سيصيب آخرها بلاء و أمور تنكرونها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    14,481

    افتراضي و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، و سيصيب آخرها بلاء و أمور تنكرونها

    241 - " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ،
    و ينذرهم شر ما يعلمه لهم ، و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، و سيصيب
    آخرها بلاء و أمور تنكرونها ، و تجيء فتنة ، فيرقق بعضها بعضا ، و تجيء الفتنة
    فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف ، و تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه
    ، فمن أحب أن يزحزح عن النار و يدخل الجنة ، فلتأته منيته و هو يؤمن بالله
    و اليوم الأخر ، و ليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، و من بايع إماما
    فأعطاه صفقة يده ، و ثمرة قلبه ، فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه
    فاضربوا عنق الآخر " .


    قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 430 :


    أخرجه مسلم ( 6 / 18 ) و السياق له و النسائي ( 2 / 185 ) و ابن ماجه ( 2 / 466
    - 467 ) و أحمد ( 2 / 191 ) من طرق عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن
    بن عبد رب الكعبة قال :
    دخلت المسجد ، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة ، و الناس
    مجتمعون عليه ، فأتيتهم فجلست إليه ، فقال :
    " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلا ، فمنا من يصلح
    خباءه ، و منا من ينتضل ، و منا من هو في جشره ، إذ نادى منادي رسول الله صلى
    الله عليه وسلم : الصلاة جامعة ، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
    فقال : " فذكره . و زاد في آخره : " فدنوت منه ، فقلت له : أنشدك الله آنت سمعت
    هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه و قلبه بيديه ، و قال :
    سمعته أذناي ، و وعاه قلبي ، فقلت له : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل
    أموالنا بيننا بالباطل ، و نقتل أنفسنا ، و الله يقول : ( يا أيها الذين آمنوا
    لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ، و لا تقتلوا
    أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) قال : فسكت ساعة ثم قال : أطعه في طاعة الله ،
    و اعصه في معصية الله " .
    و ليس عند غير مسلم قوله : " فقلت له هذا ابن عمك ... " الخ .
    ثم أخرجه أحمد من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة به ، و كذا رواه
    مسلم في رواية و لم يسوقا لفظ الحديث ، و إنما أحالا فيه على حديث الأعمش .
    غريب الحديث
    ------------
    1 - ( فيرقق بعضها بعضا ) . أي يجعل بعضها بعضا رقيقا ، أي : خفيفا لعظم ما
    بعده ، فالثاني يجعل الأول رقيقا .
    2 - ( صفقة يده ) أي : معاهدته له و التزام طاعته ، و هي المرة من التصفيق
    باليدين ، و ذلك عند البيعة بالخلافة .
    3 - ( ثمرة قلبه ) أي خالص عهده أو محبته بقلبه .
    4 - ( فاضربوا عنق الآخر ) . قال النووي :
    " معناه : ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام ، فإن لم يندفع إلا بحرب ،
    و قاتل ، فقاتلوه . فإن دعت المقاتلة إلى قتله ، جاز قتله ، و لا ضمان فيه لأنه
    ظالم متعد في قتاله " .
    و في الحديث فوائد كثيرة ، من أهمها أن النبي يجب عليه أن يدعو أمته إلى الخير
    و يدلهم عليه ، و ينذرهم شر ما يعلمه لهم ، ففيه رد صريح على ما ذكر في بعض كتب
    الكلام أن النبي من أوحي إليه ، و لم يؤمر بالتبليغ !

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    14,481

    افتراضي رد: و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، و سيصيب آخرها بلاء و أمور تنكرونها


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    14,481

    افتراضي رد: و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، و سيصيب آخرها بلاء و أمور تنكرونها

    الشيخ محمد بن صالح العثيمين / صحيح مسلم
    كتاب الجهاد والسير والإمارة-09b
    حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر فدنوت منه فقلت له أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له هذا بن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما قال فسكت ساعة ثم قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله حفظ

    القارئ : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ : ( دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ : سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، فَقُلْتُ لَهُ : هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ، يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَاللهُ يَقُولُ : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )) قَالَ : فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ : (أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ ).
    الشيخ : هذا الحديث فيه فوائد منها : أنه إذا حدث أمر مهم فإنه يُنادى الصلاة جامعة، وإن لم يكن صلاة، وهي في الأصل صلاة الكسوف، لأن الشمس كسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسع وعشرين من شوال في السنة العاشرة يوم مات ابنه إبراهيم، فقالت الناس : كسفت الشمس لموت إبراهيم، على حسب ما كانوا يعتقدون في الجاهلية ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة ُ جامعةً، قال أهل اللغة : تجوز الصلاةَ جامعةً، ويجوز الصلاةُ جامعة. فعلى الوجه الأول تكون الصلاة مفعولاً لفعل محذوف تقديره احضروا، وجامعةً تكون حالاً من الصلاة، وعلى الوجه الثاني تكون مُبتدأ وخبر، والأوْلى الثاني، لأنه لا يحتاج إلى تقدير، وكل إعراب لا يحتاج إلى تقدير فهو أولى من الإعراب الذي يحتاج إلى تقدير لأن الأصل عدم الحذف، إلا أن يكون هناك نُكتة بلاغية لا تحصل إلا بالتقدير فيؤخذ بالتقدير.
    المهم أن أصل الصلاة جامعة هي صلاة الكسوف، الصلوات الأخرى لا تقال فيها الصلاة جامعة حتى صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء لا يقال فيها الصلاة جامعة، خلافاً لمن استحب ذلك من الفقهاء رحمهم الله.
    لما قال الصلاة جامعة اجتمع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُم )، وهذا حق على كل الرسل، حتى على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حقٌّ على ورثة الرسل أهل العلم، يجب عليهم أن يدلوا الناس على خير ما يعلمونه لهم، لا على ما يهوى الناس ويريدونه، لكن على خير ما يعلمه لهم، وكذلك أيضاً يحَذّرهم شر ما يعلمه لهم، لأن العلماء ورثة الأنبياء، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الصحابة على أن يقولوا بالحق أينما كانوا، ولا يخافوا في الله لومة لائم.
    ومن فوائد الحديث : أن سلف هذه الأمة جُعلَت عافية الأمة فيها، يعني أنهم سلموا من الفتن والشرور، ثم حدثت الفتن والشرور بعد أول هذه الأمة، قال: ( وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الفتن منذ قُتل عثمان رضي الله عنه بدأت والعياذ بالله تموج بين المسلمين، كما يموج البحر الهائج. ومن فوائد قوله : ( سيصيب آخرها بلاء وأمور ) من فوائدها أن ذلك من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر فوقع بما أخبر، وما أكثر الآيات من هذا النوع، أي إخبار النبي صلى الله عليه وسلم في أمور مستقبلة فتقع كما أخبر.
    ( وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ) : المراد بالفتنة هنا الفتن المتعددة، لأن قوله : ( يرقق بعضها بعضاً ) يدل على التعدد، تجيء الفتنة ثم الأخرى ثم الثالثة فيرقّق بعضُها بعضاً أي أن الثانية تجعل الأولى رقيقة، هيّنة، لأن الثانية أشد من الأولى.
    ( وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : هَذِهِ مُهْلِكَتِي ) : والمراد فتنة الدين، وهلاك الدين، فتأتي الفتنة فيقول هذه المُهلكة، وسواء نسب الهلاك إلى نفسه أو إلى الأمة فيقول هذه مهلكة الأمة.
    ( ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : هَذِهِ هَذِهِ ) : هذا من باب التعظيم، يعني هذه هي الشديدة، القوية لأنها اقوى من سابقتها، ثم أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخلاص من هذه الفتن :
    ( فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ) : من فوائد هذا الحديث : أنه إذا عظُمت الفتن فإن الإنسان يُصلح نفسه، كما جاء في حديث فيه مقال : ( إذا رأيت شحّاً مُطاعاً، وهوىً متّبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك أو قال بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام )، فهذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث الذي سقته الآن، قال : ( فلتأته منيّته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ) أي : ثابت على إيمانه لم تُزَعْزعه الفتن، وليأت الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، الذي مفعول يأتي، وقوله : إلى الناس، هل المراد إلى الناس أهل الإيمان، أو إلى عموم الناس؟ الجواب : إلى العموم، ويُستثنى من ذلك من بيننا وبينهم حروب، فإنا لا نأتي لهم ما نحب أن يؤتى إلينا لأنهم حربيون ليس بيننا وبينهم عهد ولا ذمّة.
    قوله : ( الذي يُحب أن يؤتى إليه ) هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يجب لأخيه ما يحب لنفسه ).
    ثم قال النبي صلى الله علي وسلم : ( وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ ) : أعطاه صفقة يده: لأن المبايعة تكون باليد، وثمرة قلبه، لأن القلب هو الذي يريد، وهو الذي يكون فيه العداوة والبغضاء، والولاية والمحبة، فليطعه، وقوله : ( إن استطاع ) هذا من باب الحث على طاعته، لأن كل إنسان في الغالب لا يعجز عن طاعة ولي الأمر، فيكون هذا من باب الحث على طاعته.
    ( فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ ) : في هذه القطعة التي سبقت أنه يجب على كل من بايع إماماً أن يُطيعه، ولكن لو قال قائل : إذا كان هذا الرجل لم يبايع لأنه من عامة الناس الذين لا يؤبه لهم، ولا يُنظر إليهم، والجواب : أنه إذا بايع أهل الحل والعقد في البلد فإن المبايعة تكون للجميع.
    وقوله : ( فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ ) : ينازع الإمامة، يريد أن يأخذها منه فاضربوا عنق الآخر، وفي هذا التعبير ( فاضربوا عنقه ) : دليل على المبالغة في القضاء عليه، فإن قال قائل : هذا الأمر هل يُقَّد بما إذا استطعنا؟ الجواب : نعم، لأن جميع الأوامر مقيّدة بالاستطاعة.
    ( فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ : سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي ) : وهذا من باب التأكيد وإلا يكفي أن يقول نعم، لكنه أراد أن يؤكد هذا الخبر بأنه سمعه في أذنه ووعاه قلبه فحفظه.
    القارئ : " ( فقلت له هذا بن عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ وَلَا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إِلَى آخِرِهِ) الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَمَّا سَمِعَ كَلَامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ وَذِكْرَ الْحَدِيثِ فِي تَحْرِيمِ مُنَازَعَةِ الْخَلِيفَةِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الثَّانِيَ يُقْتَلُ فَاعْتَقَدَ هَذَا الْقَائِلُ هَذَا الْوَصْفَ فِي مُعَاوِيَةَ لِمُنَازَعَتِهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَةُ عَلِيٍّ فَرَأَى هَذَا أَنَّ نَفَقَةَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَجْنَادِهِ وَأَتْبَاعِهِ فِي حَرْبِ عَلِيٍّ وَمُنَازَعَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ إِيَّاهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَمِنْ قَتْلِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ قِتَالٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مَالًا فِي مُقَاتَلَتِهِ. قَوْلُهُ : ( أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْمُتَوَلِّينَ لِلْإِمَامَةِ بِالْقَهْرِ مِنْ غَيْرِ إِجْمَاعٍ وَلَا عَهْدٍ قَوْلُهُ : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ ".
    الشيخ : معاوية رضي الله عنه من المعلوم أنه ما أمر بأكل أموال الناس بالباطل وقال : أيها الناس كلوا أموالكم بينكم بالباطل، ولا أمر أيضا أن نقتل بعضنا بعضاً، لكن هذا الحرب الذي وقع مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقع عن اجتهاد، وظنّ أنه على صواب ، ولكن علي أقرب إلى الصواب منه بلا شك، إلا أن هذه الأمة والحمد لله إذا اجتهد المجتهد وأصاب له أجران، وإذا اخطأ فله أجواحد، ولهذا سكت، ثم ذكر ما يترتب على هذا وقال : أطعه بطاعة الله واعصه بمعصية الله، بمعنى أنه إذا أمرك بشيء فأطعه إلا إذا كان بمعصية فلا تطعه.



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    14,481

    افتراضي رد: و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، و سيصيب آخرها بلاء و أمور تنكرونها

    شرح حديث عبدالله بن عمرو: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم"


    سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
    شرح حديث عبدالله بن عمرو:

    "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم"

    عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فنزلنا منزلًا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جَشَرِه، إذا نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاةَ جامعةً. فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إنه لم يكن نبيٌّ قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمَّتَه على خير ما يعلمه لهم، ويُنذِرَهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإن أُمَّتَكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمور تنكرونها، وتجيء فتنٌ يرقِّق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحَبَّ أن يُزحزَح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه.ومن بايَعَ إمامًا فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر))؛ رواه مسلم.قوله: ((ينتضل))؛ أي: يسابق بالرمي بالنبل والنشاب، ((والجَشَر)) بفتح الجيم والشين المعجمة وبالراء: وهي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها. وقوله: ((يرقِّق بعضها بعضًا))؛ أي: يصير بعضها رقيقًا؛ أي خفيفًا لعِظَمِ ما بعده، فالثاني يرقق الأول، وقيل: معناه: يشوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها، وقيل: يشبه بعضها بعضًا.قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله في كتاب رياض الصالحين في باب وجوب طاعة ولاة الأمور. وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلًا، فنزل الناس فتفرَّقوا، منهم من كان يصلح خباءه، ومنهم من ينتضل، ومنهم من هو في جَشَرِه. كالعادة أن الناس إذا نزلوا وهم سفر كلٌّ يشتغل بما يرى أنه لا بد من الاشتغال فيه.فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة جامعة، وهذا النداء ينادى به لصلاة الكسوف، وينادى به إذا أراد الإمام أو الأمير أن يجتمع بالناس، بدلًا من أن يقول: يا أيها الناس هلموا إلى المكان الفلاني، يقول: الصلاة جامعة؛ حتى يجتمع الناس.فاجتمع الناس، فخطبهم النبي عليه الصلاة والسلام، وأخبرهم أنه ما نبي بعثه الله إلا دلَّ أمَّتَه على خيرِ ما يعلمه لهم، وأنذَرَهم عن شر ما يعلمه لهم؛ كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان منهم النصيحة لأقوامهم، يعلِّمونهم الخير ويدلُّونهم عليه ويحثُّونهم عليه، ويبيِّنون الشر ويحذرونهم منه.وهكذا يجب على أهل العلم وطلبة العلم أن يبيِّنوا للناس الخير ويحثوهم عليه، ويبيِّنوا الشر ويحذروهم منه؛ لأن علماء هذه الأمَّة ورثةُ الأنبياء، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليس بعده نبيٌّ، خُتمت النبوة به، فلم يبق إلا العلماءُ الذي يَتلقَّون شرعه ودينه، فيجب عليهم ما يحب على الأنبياء من بيان الخير والحث عليه ودلالة الناس إليه، وبيان الشرِّ والتحذير منه.ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمَّةَ - يعني أمة محمد - جعل الله عافيتها في أولها، يعني أن أول الأمة في عافية ليس فيها فتنٌ، ففي عهد النبي عليه الصلاة والسلام لم تكن هناك فتن، وكذلك في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.وحين قُتِل عمرُ رضي الله عنه، قتَلَه غلام المغيرة؛ غلام يقال له: أبو لؤلؤة، وهو مجوسي خبيث، كان في قلبه غلٌّ على أمير المؤمنين عمرَ، فلما تقدَّم لصلاة الصبح ضربه بخنجر له رأسان، وقيل: إنه كان مسمومًا، فضربه حتى قدَّ بطنَه رضي الله عنه، وحُمل فبقي ثلاثة أيام ثم مات رضي الله عنه.ثم إن هذا الرجل الخبيث هرَب، فلحقه الناس فقتَل ثلاثة عشر رجلًا؛ لأن الخنجر الذي معه مقبضه في الوسط وله رأسان، فهو يضرب الناس يمينًا وشمالًا، حتى ألقى عليه أحد الصحابة بساطًا فغمه فقتَل نفسَه والعياذ بالله.ومن هذا الوقت بدأت الفتنة ترفع رأسها، وأخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أنه تأتي فتن يرقِّق بعضها بعضًا؛ أي: إن بعضها يجعل ما قبله رقيقًا وسهلًا؛ لأن الثانية أعظم من الأولى، كل واحدة أعظم من الأخرى فترقِّق ما قبلها؛ ولهذا قال: ((يرقِّق بعضها بعضًا))، فتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي؛ لأنه يستعظمها عند بداية إتيانها، فيقول: من هنا نَهلِكُ.ثم تأتي الأخرى فترقِّق الأولى وتكون الأولى سهلة بالنسبة إليها، فيقول المؤمن: هذه هذه، يعني هذه التي فيها البلاء كلُّ البلاء، ولكن نسأل الله أن يعيذنا من الفتن، ولكن المؤمن يصبر ويحتسب ويلجأ إلى الله عز وجل، ويستعيذ بالله من الفتنة، وفي كل صلاة يقول: ((أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)).ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((فمن أحَبَّ أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأتِه منيتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر))، نسأل الله أن يميتنا وإياكم على ذلك؛ من كان يحب أن يُزحزَح عن النار ويدخل الجنة - وكلنا يحبُّ أن يُزحزَح عن النار ينجو منها ويدخل الجنة - فلتأتِه منيتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر.((وليأتِ إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه)) يعني يعامل الناس بما يحبُّ أن يعاملوه به، فينصح للناس كما ينصح لنفسه، ويكره للناس ما يكره لنفسه، فيكون هذا قائمًا بحق الله، مؤمنًا بالله واليوم الآخر، وقائمًا بحق الناس، لا يعامل الناس إلا بما يحب أن يعاملوه به، فلا يكذب عليهم، ولا يغشهم، ولا يخدعهم، ولا يحب لهم الشر، يعني يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به، فإذا جاء يسأل مثلًا: هل هذا حرام أم حلال؟ قلنا له: هل تحب أن يعاملك الناس بهذا؟ إذا قال: لا، قلنا له: اتركه سواء كان حلالًا أم حرامًا، ما دمت لا تحب أن يعاملك الناسُ به فلا تعامل الناسَ به، واجعل هذا ميزانًا بينك وبين الناس في معاملتهم؛ لا تأتِ الناس إلا ما تحب أن يؤتى إليك؛ فتعاملهم باللطف كما تحب أن يعاملوك باللطف واللين، بحسن الكلام، بحسن المنطق، بالبيان باليسر، كما تحب أن يفعلوا بك هذا، هذا الذي يُزحزَح عن النار ويدخل الجنة.نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم.
    المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 660- 664)


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •