﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ ﴾
سيجد الكفار والمنافقون يوم القيامة عاقبة سخريتهم بالرسل وأتباعهم، وبما جاءت به الرسل عليهم السلام، وحينها يعرفون أن من كانوا يسخرون منهم كانوا هم أهل الحق والهدى، وأنهم هم أهل الباطل والضلال، وذلك حين يقال لهم: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُو هُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 109-111].ويعجبون يوم القيامة حين لا يرون من كانوا يسخرون منهم في الدنيا معهم في النار، وقد كانوا يظنون أنهم على ضلال ﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُم ْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ ﴾ [ص: 62-63].
ويكون الضحك في الآخرة للمؤمنين حين يدخلون الجنة فيرون ما هم فيه من النعيم العظيم المقيم، ويرون من كانوا يسخرون منهم في الدنيا من الكفار والمنافقين في العذاب الأليم المهين ﴿ فَاليَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين: 34-36]، نعم والله قد ثُوِّبوا وجوزوا بأعظم العذاب، وأشد النكال على كفرهم ونفاقهم، وعلى سخريتهم بالمؤمنين في الحياة الدنيا، نعوذ بالله من حالهم ومآلهم.وإذا كانت السخرية من أخلاق الكفار والمنافقين فلا يليق بمسلم أن يتخَلَّق بأخلاقهم، فيسخر من إخوانه المسلمين، أو يلمزهم، أو ينابزهم بألقاب فيها تحقير لهم، وحط من شأنهم وقد نهاه الله تعالى عن ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره))؛ رواه مسلم.والسخرية من الناس تنمُّ عن كبر في قلب صاحبها، وتعالٍ على من سخر بهم، فلا يرى لهم عليه حق التوقير والاحترام، ويأنف من أُخُوتهم وهم إخوانه في الدين، والكبر من كبائر الذنوب، وجاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))، ثم فسر عليه الصلاة والسلام الكبر بأنه ((بطر الحق وغمط الناس))، وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم؛ وذلك يحصل من النظر إلى النفس بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص.وقد يكون الدافع إلى سخرية المرء بأخيه المسلم: حسده له على نعمة لم يبلغها، ويرى أن أخاه لا يستحقها، فيبلغ به حسده، وظلمة قلبه عليه أن يسخر من أخيه ويحتقره ويتنَقَّصه؛ ليحط من قدره، وينزله من مكانته، ويعلي من شأن نفسه، ويلفت الأنظار إليه، ولسان حاله يقول: أنا أحقُّ به من نعمته.والسخرية تقود إلى الغيبة، وهي من كبائر الذنوب، فقد لا يستطيع السخرية بحضرة أخيه، فيسخر به من ورائه؛ فتكون سخرية وغيبة، ويكون هو بمثابة من أكل لحم أخيه ميتًا.وصاحب السخرية لا بد أن يكون همَّازًا لمَّازًا، واللمز هو المباشرة بالسوء والمكروه، والمواجهة بالقدح والعيب، ويكون بالقول. والهمز يكون بالفعل كأن يعيبه بالإشارة بالعين أو بالشدق أو بالرأس بحضرته أو عند تولِّيه.
وهذان الخُلُقان الذميمان اتصف بهما بعض المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فكانوا يهمزونهم ويلمزونهم، فأنزل الله تعالى فيهم سورة الهمزة ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1] وتوعَّدهم فيها بنار الله الموقدة ﴿ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾ [الهمزة: 7-9].فالهمَّاز اللمَّاز في الناس متصف بصفات المشركين، مُتخلِّق بأخلاق أهل السعير، ويناله من الوعيد في ذلك بقدر همزه ولمزه في إخوانه المسلمين. كما أن الهماز قد أخذ من الشياطين بعض صفاتهم التي أمر الله تعالى نبيَّه أن يتعوَّذ بالله تعالى منها ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون: 98]. فالهمَّاز من الشياطين يطعن بني آدم بالصرع والمس، والهمَّاز من البشر يطعن أخاه بالعيب والنقص.والهمَّاز قد يسعى بالنميمة وهي من كبائر الذنوب، وقد حذر الله تعالى نبيَّه عليه الصلاة والسلام منه ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 10-11].
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ} (ص:٦٢)
هذه مشكلة بعض الناس أنهم لايعرفون قدر الناس إلا بعد فوات الأوان .
(وقالوا مالنا لانرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار) نعوذ بالله من تمكّن الكفر .. مع إنهم في قعر الجحيم ، ومع ذلك مازالوا مسكونين بهاجس الفوقية !!..
إن مقاييس الخير والشر والاحترام والازدراء مختلفة يوم القيامة .
حينما اغتر الكفار بدنياهم كانوا يصفون المؤمنين بأقذع الأوصاف (شرذمة - أرذلون) لكن عندما صاروا في النار قالوا : (مالنا لانرى رجالاً ) كانوا يصفونهم ( بالأشرار) ، والآن يقولون ( رجالاً ) هؤلاء الأشرار الآن على سرر متقابلين .. كم من محتقر في الدنيا مكرّم عند الله ! .
اللهم أكرمنا ولا تهنّا ، وأعزنا ولا تذلنا .