{بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٨١]
قال الحسن والسدي : السيئة : الكبيرة من الكبائر ،وعن مجاهد : ( وأحاطت به خطيئته ) قال : بقلبه .
وقال أبو هريرة ، والحسن : ( وأحاطت به خطيئته ) قالوا : أحاط به شركه .
وقال الأعمش : ( وأحاطت به خطيئته ) قال : الذي يموت على خطايا من قبل أن يتوب .
وقال مجاهد : ( وأحاطت به خطيئته ) الكبيرة الموجبة .
وفي تفسير البغوي “معالم التنزيل”: قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هو الشِّرْكُ يَمُوتُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: السَّيِّئَةُ الْكَبِيرَةُ وَالْإِحَاطَةُ بِهِ أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَيَمُوتُ غَيْرَ تَائِبٍ،
وقال الواحدي رحمه الله في تفسيره «الوسيط» : المؤمنون لا يدخلون في حكم هذه الآية؛ لأن الله تعالى أوعد بالخلود في النار من أحاطت به خطيئته، وتقدمت منه سيّئة وهي الشرك، والمؤمن وإن عمل الكبائر لم يوجد منه الشرك،
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الذُّنُوبُ تُحِيطُ بالقلب كلما عمل ذَنْبًا ارْتَفَعَتْ حَتَّى تَغْشَى الْقَلْبَ، وهي الرين،
وفي الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ بلى ﴾ أُعذِّب ﴿ مَنْ كسب سيئة ﴾ وهي الشِّرك ، ﴿ وأحاطت به خطيئته ﴾ : سدَّت عليه مسالك النَّجاة وهو أّنْ يموت على الشِّرك ﴿ فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ الذين يُخلَّدون في النَّار.
وفي التفسير الميسر : ( فحُكْمُ الله ثابت: أن من ارتكب الآثام حتى جَرَّته إلى الكفر، واستولت عليه ذنوبه مِن جميع جوانبه وهذا لا يكون إلا فيمن أشرك بالله، فالمشركون والكفار هم الذين يلازمون نار جهنم ملازمة دائمةً لا تنقطع.
وهكذا يتبين لنا أن علماء التأويل والتفسير مختلفون في معنى الآية
شؤم المعصية
إن المعاصي لها آثارٌ وخيمة وشؤم، فهي تزيل النعم وتحل النقم، قال علي بن أبي طالب : (ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)، وقال الله سبحانه وتعالى : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) [الشورى:30]، وقال الله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) [الأنفال:53]. ويقول سبحانه: ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112]، ويقول سبحانه: ( فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء:160]،
وروى أحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله : « إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ وَلاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلاَّ الْبِرُّ » ،
ومن شؤم المعصية أنها تمنع القطر وتسلِّط السلطان، وغير ذلك ، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :« يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ». وقال مجاهد في قوله تعالى: (وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ) [البقرة:159]، قال: “دواب الأرض تلعنهم، يقولون: يُمنع عنّا القطر بخطاياهم “، وشؤم المعصية هذا بلغ حتى البر والبحر، كما قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].
الشيخ حامد ابراهيم
{بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٨١]
هو الذي يموت على خطاياه من قبل أن يتوب .. يالخسارته
إذا حقّر المرء الذنوب هان عليه ارتكابها حتى تسقط رهبتها من عينه ثم تحيط به فتهلكه . أغبن الناس من سجن نفسه بخطاياه .
{وأحاطت به خطيئته} هناك ذنوب لديها خاصّية تدمير جميع زوايا حياتك ، تعبث بممتلكات نفسك ، تشعل حرائقها في غرف روحك الداخليه ... لقد طوقتك في الدنيا وهاهي تكتنفك في الآخرة تلك هي خطيئاتك .. تخلّص منها قبل أن تقضي عليك