﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٨﴾] فلله رحمة قد عمت الخلق؛ برهم، وفاجرهم، سعيدهم، وشقيهم، ثم له رحمة خص بها المؤمنين خاصة؛ وهي رحمة الإيمان، ثم له رحمة خص بها المتقين؛ وهي رحمة الطاعة لله تعالى، ولله رحمة خص بها الأولياء نالوا بها الولاية، وله رحمة خص بها الأنبياء نالوا بها النبوة، وقال الراسخون في العلم: (وهب لنا من لدنك رحمة). ابن تيمية: 2/34.
﴿ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧﴾] مدحا للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر؛ لما أنهم قد تجردت عقولهم عما يغشاها من الركون إلى الاهواء الزائغة المكدرة لها، واستعدوا إلى الاهتداء إلى معالم الحق، والعروج إلى معارج الصدق. الألوسي: 3/83.
﴿ ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧﴾] بين سبحانه وتعالى أنه لا يضل بحرف المتشابه إلا ذوو الطبع العوج؛ الذين لم ترسخ أقدامهم في الدين، ولا استنارت معارفهم في العلم. البقاعي: 2/22.
﴿ ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧﴾] (زيغ) أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل. (فيتبعون ما تشابه منه) أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها؛ لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دافع لهم، وحجة عليهم، ولهذا قال الله تعالى: (ابتغاء الفتنة) أي: الإضلال لأتباعهم؛ إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم. ابن كثير: 1/336.﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٌ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٌ ۖ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٧﴾] إنما أنزل المتشابه لذلك؛ ليظهر فضل العلماء، ويزداد حرصهم على الاجتهاد فى تدبره، وتحصيل العلوم التى نيط بها استنباط ما أريد به من الأحكام الحقيقية؛ فينالوا بذلك وبإتعاب القرائح، واستخراج المقاصد الرائقة والمعاني اللايقة المدارج العالية. الألوسي: 3/83.
﴿ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣﴾] من الكتب السابقة؛ فهو المزكي لها؛ فما شهد له فهو المقبول، وما رده فهو المردود، وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون، وهي شاهدة له بالصدق، فأهل الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم إن لم يؤمنوا به؛ فإنَّ كفرهم به ينقض إيمانهم بكتبهم. السعدي: 121.
﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣﴾] وإنما قال: (وأنزل التوراة والإنجيل) لأن التوراة والإنجيل أنزلا جملة واحدة، وقال في القرآن: (نزَّل) لأنه نزل مفصلاً؛ والتنزيل للتكثير. البغوي: 1/320.
﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا۟ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٥﴾] بدأ سبحانه في هذه الآية أولا بذكر المقر وهو الجنات، ثم ثنى بذكر ما يحصل به الأنس التام؛ وهو الأزواج المطهرة، ثم ثلث بذكر ما هو الإكسير الأعظم والروح لفؤاد الواله المغرم؛ وهو رضا الله عز و جل. الألوسي: 3/101.
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤﴾] وخص هذه الأمور المذكورة؛ لأنها أعظم شهوات الدنيا، وغيرها تبع لها. السعدي: 124.
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤﴾] فبدأ بالنساء؛ لأن الفتنة بهن أشد، كما ثبت في الصحيح أنه عليه السلام قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه. ابن كثير: 1/332.
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسْنُ ٱلْمَـَٔابِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٤﴾] وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تُنال إلا بترك الشهوات، وفطام النفس عنها. القرطبي: 5/43.
﴿ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِۦ مَن يَشَآءُ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُو۟لِى ٱلْأَبْصَٰرِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢﴾] لو نظر الناظر إلى مجرد الأسباب الظاهرة والعدد والعُدد لجزم بأن غلبة هذه الفئة القليلة لتلك الفئة الكثيرة من أنواع المحالات، ولكن وراء هذا السبب المشاهد بالأبصار سبب أعظم منه لا يدركه إلا أهل البصائر والإيمان بالله والتوكل على الله والثقة بكفايته؛ وهو نصره وإعزازه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين. السعدي: 123.
﴿ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِۦ مَن يَشَآءُ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُو۟لِى ٱلْأَبْصَٰرِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٢﴾] أي: إن النصر بمشيئة الله؛ لا بالقلة، ولا بالكثرة؛ فإن فئة المسلمين غلبت فئة الكافرين مع أنهم كانوا أكثر منهم. ابن جزي: 1/138.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٠﴾] هؤلاء الكفار قد ألهتهم أموالهم وأولادهم عن الله تعالى والنظر فيما ينبغي له إلى حيث يخيل للرائي أنهم ممن يعتقد أنها تسد مسد رحمة الله تعالى وطاعته. الألوسي: 3/93.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۦنَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢١﴾] دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجباً في الأمم المتقدمة. القرطبي: 5/73.
﴿ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٩﴾] إخبار أنهم اختلفوا بعد معرفتهم بالحقائق من أجل البغي؛ وهو الحسد. ابن جزي: 1/139.
﴿ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَٰمُ ۗ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٩﴾] سبب الاجتماع والألفة: جمع الدين والعمل به كله؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به باطنا وظاهرا. وسبب الفرقة: ترك حظ مما أمر العبد به، والبغي بينهم. ونتيجة الجماعة: رحمة الله، ورضوانه، وصلواته، وسعادة الدنيا والآخرة، وبياض الوجوه. ونتيجة الفرقة: عذاب الله، ولعنته، وسواد الوجوه، وبراءة الرسول ﷺ منهم. ابن تيمية:2/55
﴿ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلْمَلَٰٓئِكَ ةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلْعِلْمِ قَآئِمًۢا بِٱلْقِسْطِ ۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨﴾] في هذه الآية دليل على شرف العلم من وجوه كثيرة: منها: أن الله قرن شهادة العلماء بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلاً... ومنها: أنه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به؛ فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم، وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه. السعدي: 125
﴿ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلْمَلَٰٓئِكَ ةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلْعِلْمِ قَآئِمًۢا بِٱلْقِسْطِ ۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٨﴾] وفي هذا دليل على أن أشرف الأمور علم التوحيد؛ لأن الله شهد به بنفسه، وأشهد عليه خواص خلقه، والشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة للبصر. السعدي: 125.
﴿ ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلْقَٰنِتِينَ وَٱلْمُنفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِ رِينَ بِٱلْأَسْحَارِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧﴾] كانوا يحيون الليل صلاة، ثم يقعدون في السحر يستغفرون؛ فيختمون قيام الليل بالاستغفار. ابن تيمية:2/39.
﴿ ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلْقَٰنِتِينَ وَٱلْمُنفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِ رِينَ بِٱلْأَسْحَارِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿١٧﴾] تخصيص الأسحار بالاستغفار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة، إذ العبادة حينئذ أشق، والنفس أصفى، والروع أجمع. الألوسي:3/102.
﴿ قُلْ إِن تُخْفُوا۟ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٩﴾] ففيه إرشاد إلى تطهير القلوب، واستحضار علم الله كل وقت؛ فيستحي العبد من ربه أن يرى قلبه محلاً لكل فكر رديء، بل يشغل أفكاره فيما يقرب إلى الله من تدبر آية من كتاب، أو سنة من أحاديث رسول الله، أو تصور وبحث في علم ينفعه، أو تفكر في مخلوقات الله ونعمه، أو نصح لعباد الله. السعدي: 128.
﴿ قُلْ إِن تُخْفُوا۟ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٩﴾] وهذا تنبيه منه لعباده... لئلا يرتكبوا ما نهى عنه، وما يبغضه منهم؛ فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أنظر من أنظر منهم، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر. ابن كثير: 1/338.
﴿ قُلْ إِن تُخْفُوا۟ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٩﴾] وهذا من التهديد؛ إذ المهدد لا يحول بينه وبين تحقيق وعيده إلا أحد أمرين: الجهل بجريمة المجرم، أو العجز عنه، فلما أعلمهم بعموم علمه، وعموم قدرته؛ علموا أن الله لا يفلتهم من عقابه. ابن عاشور: 3/222.
﴿ لَّا يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِى شَىْءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُوا۟ مِنْهُمْ تُقَىٰةً ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٨﴾] الصحيح أن كل ما عدَّه العرف تعظيماً وحسبه المسلمون موالاة فهو منهى عنه، ولو مع أهل الذمة؛ لا سيما إذا أوقع شيئا في قلوب ضعفاء المؤمنين. الألوسي: 3/120.﴿ وَتُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَىِّ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٧﴾] وهذا أعظم دليل على قدرة الله، وأن جميع الأشياء مسخرة مدبرة، لا تملك من التدبير شيئاً؛ فخلقه تعالى الأضداد والضد من ضده بيان أنها مقهورة. السعدي: 127.
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا۟ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ ۖ وَغَرَّهُمْ فِى دِينِهِم مَّا كَانُوا۟ يَفْتَرُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٤﴾] انعدم اكتراثهم باتباع الحق لأن اعتقادهم النجاة من عذاب الله على كل حال جرأهم على ارتكاب مثل هذا الإعراض. ابن عاشور: 3/211.
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٢٣﴾] ما أنكرَ مُنكِرٌ حقاًً وهو يعلمه إلا سلبه الله تعالى علمه حتى يصير إنكاره له بصورة وبوصف من لم يكن قط علمه. الألوسي: 3/50.
﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٧﴾] يشعر بأنه عطاء متصل، فلا يتحدد ولا يتعدد؛ فهو رزق لا متعقب عليه. وأعظم الشكر لرزق الله سبحانه وتعالى معرفة العبد بأنه من الله تعالى. البقاعي: 2/75.
﴿ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٦﴾] فيه دلالة على تفضيل الذكر على الأنثى، وعلى التسمية وقت الولادة، وعلى أن للأم تسمية الولد إذا لم يكره الأب. السعدي: 129.
﴿ قُلْ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٢﴾] فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله، ويتقرب إليه؛ حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل. ابن كثير:1/338.
﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣١﴾] وهذا لأن الرسول هو الذي يدعو إلى ما يحبه الله، وليس شيء يحبه الله إلا والرسول يدعو إليه، وليس شيء يدعو إليه الرسول إلا والله يحبه؛ فصار محبوب الرب ومدعو الرسول متلازمين. ابن تيمية: 2/60.
﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣١﴾] هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله. ابن كثير: 1/338.
﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُۥ ۗ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٠﴾] أعاد تعالى تحذيرنا نفسه رأفة بنا ورحمة؛ لئلا يطول علينا الأمد فتقسو قلوبنا، وليجمع لنا بين الترغيب الموجب للرجاء والعمل الصالح، والترهيب الموجب للخوف وترك الذنوب. السعدي: 128.
﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُۥ ۗ وَٱللَّهُ رَءُوفٌۢ بِٱلْعِبَادِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٠﴾] فالله سبحانه وتعالى منتقم ممن تعدى طوره ونسي أنه عبد. البقاعي: 2/61.
﴿ وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٤٣﴾] خص السجود والركوع؛ لفضلهما، ودلالتهما على غاية الخضوع لله. السعدي: 130.
﴿ يَٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٤٣﴾] وصوها بالمحافظة على الصلاة بعد أن أخبروها بعلو درجتها وكمال قربها إلى الله تعالى؛ لئلا تفتر، ولا تغفل عن العبادة. الألوسي: 3/156.
﴿ يَٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٤٣﴾] يراد بالركوع: الخشوع والتواضع؛ وكأن أمرها بذلك [حفظٌ] لها من الوقوع في مهاوي التكبر والاستعلاء بما لها من علو الدرجة. الألوسي: 3/157.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰكِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٤٢﴾] اختارها لكثرة عبادتها، وزهادتها، وشرفها، وطهارتها من الأكدار والوساوس. ابن كثير: 1/342.
﴿ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٤١﴾] (رب اجعل لي آية) أي: علامة على وجود الولد. قال: (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) أي: ينحبس لسانك عن كلامهم من غير آفة ولا سوء؛ فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز. وهذا آية عظيمة أن لا تقدر على الكلام، وفيه مناسبة عجيبة؛ وهي أنه كما يمنع نفوذ الأسباب مع وجودها، فإنه يوجدها بدون أسبابها؛ ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره. السعدي: 130.
﴿ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٩﴾] واختلفوا في أنه لم سمي يحيى؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن الله أحيا به عقر أمه، و قال قتادة: لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان، وقيل: سمي يحيى لأنه استشهد، والشهداء أحياء. البغوي: 1/348.
﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ﴾ [سورة آل عمران آية:﴿٣٨﴾] وجاء الطلب بلفظ الهبة؛ لأن الهبة إحسان محض ليس في مقابلة شيء، وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد لكبر سنه، ولا للوالدة لكونها عاقرة لا تلد. الألوسي: 3/144.
يتبع
