قوله تعالى : (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون* هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم .)الحشر22-23-24
جاءت في هذه الآيات الثلاث : ذكر كلمة التوحيد مرتين ، كما ذكر فيها أيضا تسبيح الله مرتين ، وذكر معهما العديد من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، فكانت بذلك مشتملة على ثلاث قضايا أهم قضايا الأديان كلها مع جميع الأمم ورسلهم ؛ لأن دعوة الرسل كلها في توحيد الله تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وتنزيهه ، والرد على مفتريات الأمم على الله تعالى .
فاليهود قالوا : عزير ابن الله [ 9 ] .
والنصارى قالوا : المسيح ابن الله [ 9 ] .
والمشركون قالوا : اتخذ الرحمن ولدا [ 21 \ 26 ] ، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [ 43 \ 19 ] ، وقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ ص: 68 ] [ 38 \ 5 ] .
فكلهم ادعى الشريك مع الله ، وقالوا : ثالث ثلاثة [ 5 \ 73 ] وغير ذلك .
وكذلك في قضية التنزيه ، فاليهود قالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء [ 3 \ 181 ] ، وقالوا : يد الله مغلولة غلت أيديهم [ 5 \ 64 ] .
والمشركون قالوا : وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ، ونسبوا لله ما لا يرضاه أحدهم لنفسه ، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، في الوقت الذي وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم [ 16 \ 58 ] .
وهذا كما تراه أعظم افتراء على الله تعالى ، وقد سجله عليهم القرآن في قوله تعالى : وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا [ 18 \ 4 ] وكما قال تعالى : ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون [ 37 \ 151 - 152 ] ، وقال مبينا جرم مقالتهم : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا [ 19 \ 88 - 92 ] .
فكانت تلك الآيات الثلاث علاجا في الجملة لتلك القضايا الثلاث ، توحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وتنزيه الله سبحانه وتعالى مع إقامة الأدلة عليها .
وقد اجتمعت معا لأنه لا يتم أحدها إلا بالآخرين ، ليتم الكمال لله تعالى .
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
محمد الأمين الشنقيطي
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ } [الحشر : ٢٢]
الأحداث في الأرض تتغير ، والآلام تغيب وتحضر والفتن تجيء وتنكشف وفي كل الأحوال والعصور والظروف ربنا {هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ}
{عالم الغيب والشهادة} كيف يخاف أو يقلق من له رب يعلم بحاله وما يناسبه ؟! وكيف يغتم أو يتكدر من ربه أرحم به من نفسه ؟! فالهموم يا أعزاء مثل الغيوم ماتراكمت إلا لتمطر فرحا يوما ما ...
نذنب مراراً فيعفو ، ونتكبر حيناً فلا يذيقنا بأسه ، نتكاسل عن السعي حيناً ، فلا يكف عنا رزقه حقاً هو {الرحمن الرحيم}
{هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له مافي السموات والأرض وهو العزيز الحكيم}أبعد كل هذا نرتجي غيره ؟!