بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فهذا تلفيق مني لنص رواية أثر الحسن البصري - رحمه الله تعالى - في بيانه لأصناف قرأة القرءان، جمعتها من مصادر التخريج الآتي ذكرها
أخرج ابن المبارك في الزهد (٧٩٣)، وعبد الرزاق في المصنف (٦١٥٨/ط. التأصيل٢)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص١٢٧)، وابن أبي الدنيا في الهم والحزن (١٥٢)، وابن نصر المروزي في مختصر قيام الليل (ص٤٦، ص١٧٥)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (١٧٧)، وأبو بكر الآجري في آداب حملة القرآن (٣٤)(٦٠)، وأبو علي القالي في المقصور والممدود (ص٢٠١)، وابن خالويه في إعراب القراءات السبع (ص٣٤)، وأبو بكر البيهقي في شعب الإيمان (٢٣٨٠)(٢٣٨١)، ويحيى الشجري في ترتيب الأمالي الخميسية (٤٣٣)
عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّه ُقَالَ:
قُرَّاءُ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ رِجَالٌ:
فَرَجُلٌ قَرَأَهُ فَاتَّخَذَهُ بِضَاعَةً، فَنَقَلَهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَمِنْ مِصْرٍ إِلَى مِصْرٍ؛ يَطْلُبُ بِهِ مَا عِنْدَ النَّاسِ.
وَقَوْمٌ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِتَأْوِيلِهِ، وَلَمْ يَأْتُوا الْأَمْرَ مِنْ قِبَلِ أَوَّلِهِ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: ٢٩]، وَمَا تَدَبُّرُ آيَاتِهِ إِلَّا اتِّبَاعُهُ بِعِلْمِهِ.
قَرَأُوهُ فَثَقِفُوهُ كَمَا يُثْقَفُ الْقِدَحُ، أَقَامُوا حُرُوفَهُ وَضَيَّعُوا حُدُودَهُ، وَاسْتَدَرُّوا بِهِ مَا عِنْدَ الْوُلَاةِ، وَاسْتَطَالُوا بِهِ عَلَى النَّاسِ، فَوَاللَّهِ لَهُمْ أَشَدُّ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ السَّرِيرِ عَلَى سَرِيرِهِ، وَمِنْ صَاحِبِ الْمِنْبَرِ عَلَى مِنْبَرِهِ.
يَقُولُ أَحَدُهُمْ: وَاللَّهِ مَا أُسْقِطَ مِنَ الْقُرْآنِ حَرْفًا، وَقَدْ - وَاللَّهِ - أَسْقَطَهُ كُلَّهُ، ما ترَى لهُ الْقرْآنَ فِي خُلُقٍ وَلَا عَمَلٍ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ: وَاللهِ إِنِّي لأَقْرَأُ السُّورَةَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ، مَا لَهُمْ؟!، وَاللَّهِ مَا هَؤُلَاءِ بِالْقُرَّاءِ، وَلَا الْعُلَمَاءِ، وَلَا الْحُكَمَاءِ، وَلَا الْوَرَعَةِ، وَمَتَى كَانَ الْقُرَّاءُ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا؟.
وَقَدْ كَثُرَ هَذَا الضَّرْبُ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ، لَا كَثَّرَ اللَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَؤُلاءِ، كَثَّرَ اللَّهُ بِهِمُ الْقُبُورَ، وَأَخْلَى مِنْهُمُ الدُّورَ.
وَقَوْمٌ عَمَدُوا إِلَى دَوَاءِ الْقُرْآنِ فَوَضَعُوهُ عَلَى دَاءِ قُلُوبِهِمْ، فَاسْتَشْعَرُوا الْخَوْفَ، وَتَسَرْبَلُوا بالْحُزْنَ، وَارْتَدُوا الْخُشُوعَ، وَكَدُّوا فِي مَحَارِيبِهِمْ، فَهَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَذَبَلَتْ شَفَاهُهُمْ، وَخَنُّوا فِي بَرَانِسِهِمْ، وَأَسْهَرُوا لَيْلَهُمْ، وَأَظْمَأُوا هَوَاجِرَهُمْ، وَمَنَعُوا شَهَوَاتِهِمْ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَسْقِي اللَّهُ بِهِمُ الْغَيْثَ، وَيَدْفَعُ بِهِمُ الْبَلَاءَ، وَيَنْصُرُ بِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ.
وَاللَّهِ لَهَذَا الضَّرْبُ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ أَعَزُّ مِنَ الْكَبْرِيتِ الْأَحْمَرِ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ: قَوْلُ الْحَسَنِ: وَخَنُّوا فِي بَرَانِسِهِمْ، الْخَنِينُ: تَرَدُّدُ الْبُكَاءِ فِي الْأَنْفِ.