من شك في كفرهم فإن كفره متعين
عبدالفتاح أنور البطة
يَصعب على المرء ابتداءً أن يَقْبل وَصْم مَن يشهد (أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله) بالكُفْر؛ فكيف لي أن أسوِّي بين مَن نطَق بالشهادتين، وبين اليهودي أو النصراني، أو عابد بوذا، أو البقرة، أو الحيَّة، أو فرج المرأة، أو الجن، أو الملائكة، أو الشيطان؟
ولكن عندما تَصْدر الفتوى مِن عالم بحجم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - يرحمه الله - محدِّث الأُمَّة في هذا العصر، فإنَّ صعوبة التصديق تخفُّ قليلاً، ولكن يظلُّ في النفس شيءٌ.
أما عندما نَقرأ ونسمع مَن يقول في كتابه "الحكومة الإسلامية": "إنَّ من ضروريَّات مذهَبِنا أنَّ لأئمتنا مقامًا لا يَبْلغه ملَكٌ مقرَّب، ولا نبيٌّ مرْسَل".
وعندما نقرأ مَن يتحدَّث عن قيام المهدي المنتَظَر بما لم ينجح فيه الأنبياءُ جميعًا، حتى نبينا محمَّد - عليه الصَّلاة والسلام - الذي لم يَنجحْ - حسب زَعْمه - في إرساء قواعد العدالة في جميع أنحاء العالَم في جميع مراتب إنسانيَّةِ الإنسان، وتقويم انحرافاته.
وعندما نسمع من يقول في الإذاعة الإيرانية بمناسبة عيد المرأة: إنَّ الوحي ظلَّ يَنْزِل على فاطمة - رضي الله عنها - مدَّة 75 يومًا بعد وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وعندما نقرأ فَصْلين كاملين في كتابه المسمَّى "كشف الأسرار" عن كفر أبي بكر الصِّديق - رضي الله عنه - والفاروق عمر - رضي الله عنه - وعندما نعلم أنه وقع على دُعاءِ ما يُسمَّى بـ "صنَمَي قريش"، وهو من أدعية الشِّيعة على الشَّيخين أبي بكر وعمر، يدعو به الشِّيعة تقرُّبًا إلى الله - عزَّ وجل - كما يزعمون.
وعندما يقول في كتابه "تحرير الوسيلة": إنَّ ماء الاستنجاء من بول أو غائط طاهر، وإن صَلاة الجنازة تصحُّ من الجنُب! وإن المشهور والأَقْوى جوازُ وطْء الزوجة دبُرًا؛ يعني اللّواط بها! وإنه لا يجوز وَطْء الزوجة قبل إكمال تسْع سنين، وأمَّا سائر الاستمتاعات، كاللَّمس بشهوة، والضمِّ، والتفخيذ، فلا بأس به، حتى مع الرضيعة! وإنه يجوز نكاح بنت الأخ على العمَّة، وبنت الأخت على الخالة بإِذْنهِما، وكذلك نكاح العمَّة والخالة على بِنتَي الأخ والأخت! وإنه في المتْعة يجوز التمتُّع بالزَّانية، ويجوز أن يشترط عليها وعليه الإتيان ليلاً أو نهارًا، وأن يشترط المَرَّة والمرَّات، مع تعْيِين المُدَّة بالزَّمان!
وقوله: إن من مُبطِلات الصَّلاة وضْعَ إحدى اليدين على الأخرى، وإنَّ مَن فعَل ذلك فهو إمَّا محْدِث أو كافر، كما يفعل غيرنا (يقصد أهل السُّنة) ولا بأس به في حال التَّقِية، وكذلك تعمُّد قول (آمين) بعد الفاتحة، إلاَّ مع التقيَّة، فلا بأس بها.
وقوله في كتابه "الحكومة الإسلامية": "يَشعر الناس بالخسارة بِفُقدان الخواجة نصير الدين الطوسي، وأضرابه ممَّن قدَّموا خدماتٍ جليلةً للإسلام"، مع أنَّ نصير الدِّين الطوسي هذا سمَّاه ابنُ القيِّم: نَصير الشِّرك والكفر، ووزير الملاَحِدة الذي مكَّن للمغول من دخول بغداد، وقتْلِ أهلها، وتحريق كتب السُّنة.
عندما يَعْلم أَصْغر طالبِ عِلم بكلِّ هذه الأقوالَ التي كتَبَها ونطَق بها آيةُ الله الخُميني، مفجِّر الثَّورة الإيرانية، وما تلاَها من فِتَن في الأمَّة الإسلامية - لا يَعلم مَداها إلا الله - فلا أعتقد أنه يتلعْثَم في الحُكْم بكُفْر قائلها ومَن على شاكِلَته مِن مُعمَّمي الشِّيعة "الذين يَلبسون العمامة البيضاء دلالة على أنَّهم ليسوا من أهْل البيت، أمَّا السَّوداء فدلالة - كما يَزْعمون - على انتسابهم لأهل البيت".
فما بالُنا إذا كان صاحب الفتوى هو الألباني الذي قال ما نصُّه: "إن كلَّ قول من تلك الأقوال - الأربعة الأولى التي كانت محَلَّ الفتوى - كفْرٌ بوَاح، وشِرك صُرَاح؛ لمخالفته للقرآن الكريم، والسُّنة المطهَّرة، وإجماع الأُمَّة، وما هو معلوم من الدِّين بالضرورة.
ولذلك فكلُّ من قال بها معتقِدًا ولو ببعض ما فيها، فهو مشْرِك كافر، وإن صام وصلَّى، وزعم أنه مسلم.
والله - سبحانه وتعالى - يقول في كتابه المحفوظ عن كلِّ زيادة ونقص: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء - 115].
ومع كون الشِّيعة يتديَّنون بالتقيَّة، التي تُجِيز لهم أن يقولوا ويكتبوا ما لا يَعتقدونه، كما قال - عزَّ وجل - في بعض أسلافهم: ﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم ْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [الفتح: 11].
حتى قرأتُ لبعض المعاصرين منهم قولَه وهو يَسْرد المُحرَّمات في الصلاة: "والقبض فيها إلاَّ لِتَقيَّة"، يعني وضْع اليمين على الشمال في الصَّلاة، ومع ذلك فقد ﴿ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ﴾ [التوبة: 74] في كتيبهم "الحكومة الإسلامية"، للخميني، مصداق قوله - تعالى - في أمثالهم: ﴿ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 72]، ﴿ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].
ويضيف - رحمه الله - محذِّرًا أهل السُّنَّة والجماعة من التَّعاون مع الخُمينيِّين في الدَّعوة إلى إقامة دولتهم، والتمكين لها في أرض المسلمين؛ جاهلين أو مُتَجاهلين عمَّا فيها من الكُفر والضَّلال والفساد في الأرض:
"وختامًا أقول محذِّرًا جميع المسلمين بقول ربِّ العالمين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118]".
ورَدًّا على قولهِم بنقْص القرآن وارتداد الصَّحابة - رضوان الله عليهم - إلاَّ نفَرًا قليلاً، يقول ابن تيميَّة: "من زَعَم أنَّ القرآن نقص منه آيات وكُتِمت، أو زعَم أنَّ له تأويلاتٍ باطنةً تُسقط الأعمال المشروعة، فلا خلاف في كفرهم، ومن زعم أن الصحابة ارتدُّوا إلا نفرًا قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفسًا، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضًا في كفره، بل مَن يشكُّ في كُفْر هذا فإنَّ كفره متعيِّن؛ فإنَّ مضمون هذه المقالة أن نَقَلَة القرآن والسُّنَّة كُفَّار أو فُسَّاق، وأنَّ هذه الآية التي هي: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].
وخيرها هو القرن الأول كان عامَّتهم كفارًا أو فُسَّاقًا، ومضمونها أنَّ هذه الأُمَّة شرُّ الأمم، وأن سابِقِي هذه الأُمَّة هم شِرارُها، وكفر هذا مما يُعلَم بالاِضْطرار من دين الإسلام".
ولو ناقَشْنا أقوال الشِّيعة بالعقل، فقلنا لهم: إن الخُميني لم يُحسِن اختيار رجاله، وإنَّهم كُلَّهم خوَنة، إلاَّ 3 أو 5 أو 7 في أحسن الأحوال، لشَتَموا، وسَبُّوا، وربَّما قاتَلُوا مَن يجهر بهذا، فكيف يَرضونه لِخَير مَن مشى على البسيطة، محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ّ
ولو اتَّهمنا زوجة الخُميني بالزِّنا، لقاتَلُوا مَن ينطق بذلك، فكيف يتَّهمون زوجة النبي؟ هل الخُميني عندهم أفضل؟ أم أنَّ في الأمر يهوديَّةً مبطَّنةً، كما كان سلَفُه عبدالله بن سبأ اليهودي الذي أظهَرَ الإسلام؛ ليدمِّره من الداخل؟
ويقولون: إنَّ القرآن محرَّف، فبأيِّ قرآنٍ كان يَؤُمُّ النبيُّ الناسَ في الصلاة؟ وبأيِّ قرآن كان يَحكم؟ وبأيِّ قرآن كان عليٌّ - رضي الله عنه - يصلِّي؟ وإذا كان هناك قرآن آخَر، فمعنى ذلك أنَّ الأمَّة كلَّها مِن بعد الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ضلال، وأنتم كذلك؛ لأنَّكم تقولون: إنَّ القرآن الصَّحيح عند المهْدِي المنتظَر!