إِذَا دخَلَ الشُّهْرُ الْحَرَامُ فَوَدِّعِي ♦♦♦ بِلاَدَ تَمِيمٍ وَانْصُرِي أَرْضَ عَامِرِ
ولذلك يسمَّى المطرُ نَصْرًا.
ونُصِرتِ الأرضُ، فهي منصورة، ونَصَرَ الغيثُ الأرضَ؛ أي: غاثَها.
ونُصِرَتِ الأرضُ فهي مَنْصورَةٌ؛ أي: مُطِرَتْ، والنَّصْر العَطاء، قال:
إِنِّي وَأَسْطَارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا ♦♦♦ لَقَائلٌ يَا نَصْرُ نَصْرًا نَصْرَا
نَصَرَ المَظْلومَ نَصْرًا ونُصورًا: أعانَهُ، ونصر الغَيْثُ الأرضَ: عَمَّها بالجَوْد، ونَصَرَهُ منه: نَجَّاهُ وخَلَّصَهُ، وهو ناصِرٌ ونُصَرٌ - كصُرَدٍ - من قومٍ نُصَّارٍ وأنْصارٍ ونَصْرٍ، كصَحْبٍ.
والنَّصيرُ: الناصِرُ، وبهذا سمِّي أنْصارُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الاسم، فقد غَلَبَتْ عليهمُ الصِّفَةُ، ورجلٌ نَصْرٌ، وقومٌ نَصْرٌ، والنُّصْرَةُ: حُسْنُ المَعونَةِ.
والاسْتِنْصارُ: اسْتِمْدادُ النَّصْرِ، والسُّؤالُ، نُصِرَت البلاد إِذا مُطِرَت، فهي مَنْصُورة؛ أَي: مَمْطُورة، ونُصِر القوم إِذا أُغِيثُوا، وفي الحديث: ((إِنَّ هذه السَّحابةَ تَنصُر أَرضَ بني كَعْب))؛ أَي: تُمطرهم.
والنَّصْر العَطاء، قال رؤبة:
إِنِّي وَأَسْطَارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا ♦♦♦ لَقَائلٌ يَا نَصْرُ نَصْرًا نَصْرا
ونَصَره ينصُره نَصْراً: أَعطاه، والنَّصائِرُ: العطايا، والمُسْتَنْصِر السَّائل، ووقف أَعرابيٌّ على قوم فقال: انْصُرُوني نَصَركم الله؛ أَي: أَعطُوني أَعطاكم الله.
بين الفتح والنصر:
النصر - مما سبق -: كلمة جامعة للظفر والخير والعطاء، وليس هناك خير أفضل مِن أن يعمَّ البسيطة الدِّين الحق، الذي هو مصدر كل خير وبركة؛ لقول الحق - سبحانه -: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 – 12]، وفي هذا إثبات بأن الخير لا يعمُّ الفرد أو الأسرة أو المجتمع أو الأمَّة، إلا بالرجوع للحق؛ ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقد أضيفتْ هذه الكلمة إلى ربِّ العزَّة في هذه السورة الكريمة؛ ليزداد المعنى عظمةً وخيرًا، فما أسعد القوم إذا عمَّهم نصرُ الله - تعالى.
و فيما يخصُّ ﴿ الفتح ﴾، نقول: فَتَحْتُ الباب فانفتح، وفَتَّحْتُ الأبوابَ - شدِّد للكثرة - فَتَفَتَّحَتْ هي، وبابٌ فُتُحٌ؛ أي: واسع مفتوح، وقارورة فُتُحٌ؛ أي: واسعة الرأس، قال الكسائي: ليس لها صِمامٌ ولا غلافٌ، وهو فُعُلٌ بمعنى مفعول، واستفتحتُ الشيءَ وافتتحتُهُ، والاستفتاح: الاستنصار، والمِفتاح: مفتاحُ البابِ وكلِّ مستغلق، والجمع: مفاتيحُ، ومَفاتِحُ أيضًا، والفَتْحُ النصر، فقد التقى (النصر) مع ﴿ الفتح ﴾ في المعنى، وهو اشتراك يدل على زيادة في الخير والظفر.
والفَتْحُ الماء يجري من عينٍ أو غيرها، وفاتحة الشيء: أوَّلُه؛ مثل فاتحة الكتاب، والفَتَّاحُ: الحاكم، هو اسم من أسماء الله الحسنى؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26]، وتقول: افْتَحْ بيننا؛ أي: احْكم، والفُتاحة بالضم: الحُكْم، والفَتوحُ من النوق: الواسعة الإحليلِ، تقول منه: فَتَحَتِ الناقة وأفْتَحَتْ، فَعَلَ وأفْعَلَ بمعنًى.
والاسْتِفْتاحُ: الاسْتِنْصارُ، والافْتِتاحُ، ومن هنا نفهم وندرك أن ﴿ الفتح ﴾ و(النصر) يسيران معًا، فأول الأمر النصر والظفر، ثم يأتي الفتح، كقول أبي تمام:
فَتْحٌ تُفَتَّحُ أَبْوَابُ السَّماءِ لَهُ ♦♦♦ وتَبْرُزُ الأَرْضُ في أَبْرَادِهَا القُشُبِ