الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة
شعيب ناصري
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد:
فقد قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، وهذه الدعوة سواء للكفار أو أهل البدع من المسلمين أو أصحاب الكبائر والعصاة من المسلمين، فتكون دعوتهم إلى الحق من باب الحكمة، ولا تكون هذه الحكمة إلا تحت سلطة العلم والمعرفة بما يدعون إليه، وإلا دعا الناس من باب الجهل والعنف، وهذا ما يفتقده الكثير من الناس اليوم، فيبدأ بالسب والشتم؛ سواء في الواقع أو المواقع، والله المستعان، ودعوة الكافر تكون للإسلام، ودعوة أهل البدع تكون للسُّنَّة، ودعوة العصاة من المسلمين تكون للتوبة، ودعوة الكسالى من المسلمين إلى الاستقامة، ودعوة نفوسنا إلى قبول الحق كما هو والعمل به، وهذا أول ما يبدأ بها المسلم في حياته لكي لا نكون ممن قال الله فيهم: ﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 226]، أو كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: 44]، والدعوة إلى الله تشمل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة لوجه الله في كل ما هو خير للمسلمين بين الترغيب والترهيب، وقد قال تعالى: ﴿ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ﴾ [الإسراء: 28]، وهذا أثناء دعوة الناس لقبول الحق والاعتراف به، والآية نزلت على من لم يجد ما يُقدمه للفقير من مال، فيُحسن القول بدلًا من الإعطاء، وخلاصة القول فإن الكلام الحسن له أثر في القلب، فإن لم يقبل الدعوة في تلك اللحظة سيبقى الكلام الجميل في قلبه يجول مرة على مرة، فقد يرجع للحق يومًا ما؛ ولهذا يقال: (دعوتنا إبلاغٌ وليست إقناعًا) وطريقة الإبلاغ تكون بحكمة ورزانة وعلم وأمانة؛ ولهذا يقال: (يُؤخذ بالرفق ما لا يُؤخذ بالقوة)، وأهم شيء في الدعوة إلى الله عز وجل هو الاقتداء، فإن كنت تدعو الناس إلى أمر لا تفعله أنت، فلن يقبلوه منك؛ لأن أكثر الناس يُحب الاقتداء والتقليد مُتأثرين بالمُقتدى به، فهناك من يدعو الناس للخير بأفعاله، وهناك من يدعو الناس للخير بأفعاله وأقواله، وهناك من يدعو الناس لفعل الخير بأقواله فقط، فمن أراد الاقتداء فليبدأ بنفسه أولًا؛ فالقدوة نعمة لا تُبلى، فلا تنصح الناس بها وأنت لا تُطبق شيئًا منها، وتكون دعوة الناس للخير من باب المواعظ أيضًا، فإن الموعظة هي قلب الدعوة إلى الله عز وجل، وأما دعوة أهل البدع، فقد قال الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: (السلف رحمهم الله لا يردون بدعة ببدعة)؛ معجم المناهي اللفظية له ص (220)؛ لأن الرد يكون بالسُّنة والدليل، فلا نُخطَّأ بنفس خطئهم، فالاستقامة لا تكون على هوان؛ بل إن الاستقامة لا تكون إلا بالكتاب والسُّنة، وأما نصيحة المُخطئ لا تكون بين الناس بل تكون سرًّا، كما قالت أم الدرداء رضي الله عنها: (من وعظ أخاه سرًّا فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه)؛ النوادر والنتف للأصبهاني ص (15)، ومن شروط الداعي إلى الله عز وجل ألَّا يكون غاضبًا أثناء دعوته حتى يتمكَّن من دعوته، وكل داعي إلى الله عز وجل يجب أن يتحدث بثلاث لغات؛ وهي: لغة العلم، ولغة الذكاء، ولغة الحق؛ أي: بأن تطلب العلم الشرعي وتتبع الحق متى وجدته، وتستعمل الذكاء في المواقف الصعبة والحرجة، فالعلم لسانه هي الحكمة، والحق لسانه هو الدليل الموافق للكتاب والسُّنة، والذكاء لسانه البصيرة، فمن أتقن هذه اللغات فقد امتلأ قلبه بالخير العظيم، وأما عن دعوة الناس لا تكون بالقوة والعُنْف؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((...فإنما بُعثتم مُيسِّرين ولم تُبعثوا مُعسِّرين))؛ رواه الترمذي وغيره، وقال أيضًا: ((يسِّروا ولا تُعسِّروا، وبشِّروا ولا تُنفِّروا))؛ متفق عليه، وفي رواية لمسلم زيادة قوله: ((وتطاوعا ولا تختلفا))، وقد قال لمن يستعمل الخشونة من باب التشدُّد في دعوته: ((أيها الناس، إنكم منفرون...))؛ رواه البخاري برقم (90)، وتنفير الناس من الحق يكون من باب سوء المعاملة والتعامل، وهو نوع من التشدد، وأحسن الدعوة إلى الله عز وجل هي التي يشملها الإحسان والأدب والعلم والاحترام المتبادل والتكرار؛ لقوله تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55]، فيكون الحق كالعسل في قلوب المخالفين له، فالدعوة إلى الله لا بد لها من صبر طويل، وعمر مديد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.