دروس مستفادة من حياة أبي بكر الصِّدِّيق
وليد عبدالله حواله
كلما ذُكِر أبو بكر أمامي تنتابني مشاعرُ مِن الفخر والعِزَّة، وتأمُّلات في شخصيته وسيرته الذكية العطرة، ورحت أتأمل التاريخ، تاريخ حياته وتاريخ أمة الإسلام في صدر الإسلام، وما أحوجنا في هذه الأوقات إلى العودة إلى تاريخنا؛ لنأخذ من فيضه ما يساعدنا على تخطِّي العقبات التي نواجهها!
التاريخ هو الكَنز الذي يحفظ مُدَّخرات الأمة في الفكر والثقافة، والعلم والتجربة، وهو الذي يمدُّها - بإذن الله - بالحِكَم التي تحتاج إليها في مسيرة الزمن وتقلُّب الأحداث، والأُمَّة التي لا تُحسِن فقه تاريخها، ولا تحفظ حقَّ رجالها، أُمَّةٌ ضعيفةٌ هزيلةٌ، ضالَّة عن حقائق سُنن الله، مُضَيِّعة لمعالِم طريقها، وتاريخ الإسلام ليس مُجرَّد أحداث مُدَوَّنة، ووقائع مسجَّلة؛ ولكنَّه عقيدة الأُمَّة ودينها، ومقياسها وميزانها، وعِظَتها واعتبارها، إنه صاحبُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ بل أعظم الصحابة، وأفضلهم وأحبُّهم إلى الحبيب المصطفى، إنه ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ، إنه الرجل الذي وُزِن إيمانه بإيمان الأُمَّة، إنه أوَّل الخلفاء الراشدين، وأوَّل العَشْرة المُبَشَّرين، وأوَّل مَن آمَنَ من الرجال، عبدالله بن عثمان بن عامر القُرَشي التميمي، أبو بكر الصِّدِّيق بن أبي قُحافة، خليفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
إسلامه ودعوته:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما عرضتُ هذا الأمرَ على أحدٍ، إلا كانت منه كبوة وتردُّد، إلا ما كان من أبي بكر، ما أن عرضت عليه الأمر، حتى صدَّقني وآمن بي))، سمَّاه النبي "الصدِّيق"، وأسلم على يد أبي بكر رضي الله عنه صفوةٌ من الصحابة رضوان الله عليهم، ومن أبرزهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوَّام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجرَّاح، وكانوا رضوان الله عليهم من الدعامات التي قام عليها صرح الدعوة إلى الإسلام، كما أنه أعتق عشرين من الصحابة من ربقة العبودية، الذين كانوا يعذَّبون بأشد أنواع العذاب وأقساه.
لم يسلم الصديق رضي الله عنه من أذى قريش للمسلمين رغم أنه كان من ساداتهم وأشرافهم، فقد ألقي التراب على رأسه، وضرب بالنعال في المسجد الحرام حتى حمل إلى بيته في رداء، ولم يمكث فيه طويلًا حتى ألحَّ على أُمِّه في لقاء النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه وهو يتَّكئ عليها وعلى أُمِّ جميل (أخت عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، فلمَّا رآه رقَّ له رقةً شديدةً، وأكبَّ عليه فقبَّله.
خلافة أبي بكر:
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة وناقشوا أمر اختيار خليفة لرسول الله، وقدَّمُوا لذلك زعيم الخزرج سعد بن عبادة، فلمَّا بلغ نبأ اجتماع الأنصار إلى أبي بكر، وخطب أبو بكر في الأنصار وأثنى عليهم وعلى نصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدَّم أبو بكر عمر وأبا عبيدة رضي الله عنهما للخلافة.
ورفض عمر ذلك، ثم بايَعَ سعد بن عبادة والأنصار من بعده أبا بكر، واختاره المسلمون خليفةً لهم، وبايعوه في اليوم التالي بيعةً عامةً بعد بيعة سقيفة بني ساعدة الخاصة، وبذلك كان أول الخلفاء الراشدين، وبدأت خلافته في العام الـ11 للهجرة.
وقالت حفصة بنت عمر رضي الله عنهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: "إذا أنت مرضت قدمت أبا بكر"، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لست أنا أقدمه ولكن الله يقدمه)).
وأبرز حوادث خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أربعة:
• إعداد الجيوش لقتال أهل الرِّدَّة ومانعي الزكاة.
• جَمْع القرآن في مصحفٍ واحدٍ.
• التوسُّع في دولة الإسلام بفتح العراق والشام.
الدروس المستفادة من حياة الصِّدِّيق:
1- قوة الإيمان التى تصنع من البشر رجالًا، إن رجلًا كأبي بكر ارتقى بالإيمان في نفسه من أول لحظة آمن فيها، ليضع نفسه وماله وكل ما يمتلك من ملكاتٍ وصفاتٍ تحت تصرُّف الرسول صلى الله عليه وسلم في خدمة هذا الدين، وهذا المعنى خاصةً هو ما يرتقي من مجرد الرجولة - على عظم مكانتها - إلى أثر الرجولة في صنع الرجال، ليصير أبو بكر - الرجل الثاني في الإسلام - نموذجًا حيًّا للتدريب على صناعة الرجولة في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم.
2- تفاني أبي بكر في خدمة الدين وفي حُبِّ النبي صلى الله عليه وسلم، فكان علامةً بارزةً يعلمها الجميع في شتى العصور من شدة حبِّه للنبي.
3- نصرة الدين والمعتقد بكل الوسائل سواء الإنفاق من المال أو من الصحة أو الوقت أو العلم.
4- الحرص على وحدة المسلمين؛ دوره في حروب الردة من الحفاظ على جميع فرائض الإسلام.
5- الجهاد في سبيل الله؛ تجهيز الجيوش لفتح العراق والشام ونشر الإسلام.
6- التخطيط للمستقبل بناءً على دراسة وترتيب والشورى مع الصحابة سواء في تنظيم أمور الجهاد أو أمور الدولة الأخرى.
7- الاستفادة من الوقت، على قصر مدة حكم أبي بكر إلَّا أنها تحتوي على أحداث رُبَّما تتجاوز أعمال آخرين، فقد كان رحمه الله موفقًا في كل أعماله، وفي السعي لنَشْر الدين.
8- السعي للوصول إلى أعلى المنازل، كان أبو بكر الأول في كل شيء، ويجب على كل ساعٍ نحو التميُّز أن يقتدي بأبي بكر.
9- أفضل الرجال أحاسنهم أخلاقًا، كان أبو بكر من أفضل الناس أخلاقًا، وكان مشهورًا قبل الإسلام وبعده بحُسْن خُلُقِه، وبشدة شبهه في هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
10- دراسة سِيَر العظماء والتأسِّي بهم يساعد الإنسان على الارتقاء في منازل الدنيا والآخرة.
----------------------------
المراجع:
1- الإبانة الكبرى.
2- سيرة ابن هشام.
3- سيرة الخلفاء.