هذا هو الإسلام

لبنى شرف


الإسلام، تلك النِّعمة العُظمى الَّتي أنعم اللهُ بِها علينا، دين يَشْمَلُ حياةَ المُسْلِم كلَّها، ويستغرق جميع جوانب الحياة، صغيرها وكبيرها، ومعنى الإسلام واسعٌ وعميق، فهو يَجمع إلى رقَّة التوجيه دقَّة التشريع، وإلى جلال العقيدة جَمال العبادة، وإلى إمامةِ المِحراب قيادة الحرب، وبذلك يكون منهجَ حياةٍ بكل ما في هذه الكلمة من معنًى،
فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف، وليس الإسلام طلقة فارغةٌ تُحدِثُ دويًّا ولا تُصيبُ هدفًا، إنَّه نورٌ في الفِكْر، وكمالٌ في النَّفس، ونظافةٌ في الجسم، وصلاحٌ في العمل، ونظامٌ يرفُض الفوضى، ونشاطٌ يُحاربُ الكسل، وحياةٌ فوَّارة في كل ميدان.

وحتَّى يكون الإسلام منهجَ حياةٍ واقعية، فلا بد أن يتحول إلى حركة واقعية، وأن لا يبقى نظريات مسطرة في كتب على الأرفف، ولابد ألا يبقى في حدود الشعائر التعبُّديَّة فَقَطْ،
ولن يكونَ الإسلامُ شعائِرَ وعبادات، أو إشراقات وسبحات، أو تهذيبًا خلقيًّا وإرشادًا روحيًّا، دون أن يتْبَع هذا كلَّه آثارُه العمليَّة مُمثَّلةً في منهجٍ لِلحياة موصولٍ بالله الذي تتوجَّه إليه القلوب بالعبادات والشَّعائر والإشراقات والسبحات، والذي تستشعر القلوب تقواه فتتهذَّب وترشد، فإنَّ هذا كلَّه يبقى معطَّلاً لا أثر له في حياة البَشَر ما لم تنصبَّ آثارُه في نظامٍ اجتماعيٍّ يعيشُ النَّاس في إطاره النَّظيف الوضيء.

وهذا يتطلَّب ألاَّ يكونَ المسلمون جاهِلِين بأُمُور دُنياهُم، بل لا بد من أن يَخوضوا المِضْمار، ويكونوا مُطَّلعين على الأحداث، فلَيْسَ من الحِكْمة أن ينعزلوا ويترُكوا السَّاحة لغَيْرِهم ليعيثوا في الأرض فسادًا، يقول الأستاذ فتحي يكن: إنَّ الإسلامَ يُريدُنا أن نكون قمَّةً في كُلِّ شيء، في أمور دينِنا وفي أمور دُنيانا، وليسَ من الإسلام في شَيْءٍ جهْلُنا بأمورِ دُنيانا، فالدُّنيا مطيَّة الآخِرَة، إن لم نُحْسنِ امتِطاءَها وتسخيرَها في مصلحة الإسلام، سخَّرها أعداؤُنا ضدَّنا، ونالُوا بِها منَّا ومن إسلامِنا، كما هو حاصلٌ اليوم.

فالواجب على المسلمين إذًا تسخيرُ الدُّنيا في مصلحة الإسلام، لا الانغماس فيها وفي ملذَّاتِها ونِسيان الآخِرة، فالأَمْرُ يَحتاجُ إلى منهجٍ مُنضَبِط، ليس من عِنْدِ البَشَرِ، إنَّما هو منهجٌ ربَّاني،

أيها المسلمون، لقد وعى الصحابةُ رضِيَ الله عنهم هذه المعانيَ كُلَّها، وعاشوا الإسلام حياة واقعيَّة، فكُلِّ فردٍ مِنْهم نموذجًا مُجسَّمًا للإسلام، يراهُ النَّاس فيَرَوْنَ الإسلام، ففتحوا البلاد، ودخل النَّاس في دين الله أفواجًا، عندما رأوا هذه السلوكيات الراقية.

سَائِلُوا التَّارِيخَ عَنَّا مَا وَعَى
مَنْ حَمَى حَقَّ فَقِيرٍ ضُيِّعَا



مَنْ بَنَى لِلعِلْمِ صَرْحًا أَرْفَعَا
مَنْ أَقَامَ الدِّينَ وَالدُّنْيَا مَعَا




خَلَّفْتَ جِيلاً مِنَ الأَصْحَابِ سِيرَتُهُمْ
تَضُوعُ بَيْنَ الوَرَى رَوْحًا وَرَيْحَانَا



كَانْتْ فُتُوحُهُمُو بِرًّا وَمَرْحَمَةً
كَانَتْ سِيَاسَتُهُمْ عَدْلاً وَإِحْسَانَا



لَمْ يَعْرِفُوا الدِّينَ أَوْرَادًا وَمِسْبَحَةً
بَلْ أَشْبَعُوا الدِّينَ مِحْرَابًا وَمَيْدَانَا



أيها المسلمون، إنَّ دعايةَ العَمَلِ أبلغُ من دعايةِ القَوْلِ، والشَّواهِدُ على هذا كثيرةٌ، منها هذه القِصَّة التي ذكرها أحد الدعاة: حدث مع المسلم الألماني يحيى شوفسكه أنه بعد زواجه ركب مع زوجته سيارة عامة، وكانا جالسين، فرأيا إفريقيًّا أسود هرمًا، فقام يحيى وقدم مكانه للرجل، فإذا بالرجل يَبكي، ولما كان يحيى لا يعرف الإنجليزية فقد سأل جيرانه عما يُبكي الرجل، قالوا له: إنه قادم من جنوب إفريقيا، ولأول مرة في حياته يرى رجلاً أبيض يقوم له ويعطيه مكانه، يحكي يحيى القصة ويقول: هذا هو الإسلام، وإذا حضرت الصلاة، خرج يحيى لأدائها مع الناس في الحرم المكي، ونسي أن يأخذ سجادته معه، نظر حيث سيضع جبهته، فوجد الحصى والحجارة، قال في نفسه: هذا ما قسمه الله لي، فإذا إلى جواره حاج هندي يخلع معطفه، ويفرشه له، يقول يحيى: وهذا هو الإسلام.