الكذب ..!!
مصطفى لطفي المنفلوطي
كذب اللسان من فضول كذب القلب فلا تامن الكاذب على ود ولا تثق منه بعهد واهرب من وجهه الهرب كله واخوف ما اخاف عليك من خلائك وسجرائك : الرجل الكاذب.
عرف الحكماء الكذب بانه مخالفة الكلام للواقع ولعلهم اروا في هذا التعريف الحقيقة العرفية ولو شاءوا لأضافوا الى كذب الاقوال كذب الافعال.
لافرق بين كذب الاقوال و كذب الافعال في تضيل العقول والعبث بالاهواء وخذلان الحق واستعلاء الباطل عليه ولافرق بين ان يكذب الرجل فيقول:
اني ثقة امين لا اخون ولا اغدر فاقرضني مالا ارده اليك ثم لا يؤديه بعدذلك وبين ان ياتيك بسبحة يهمهم بها فتنطق سبحته بما سكت عنه لسانه من دعوى الامانة والوفاء فيخدعك في الثانية كما خدعك في الاولى
لا بل يستطيع كاذب الافعال ان يخدعك الف مرة قبل ان يخدعك كاذب الاقوال مرة واحدة لانه لا يكتفي بقول الزور بلسانه حتى يقيم على قضيته بينة كاذبة من جميع حركاته وسكناته .
ليس الكذب شيئا يستهان به فهو اس الشرور ورذيلة الرذائل فكأنه اصل والرذائل فرع له بل هو الرذائل نفسها وانما ياتي في اشكال مختلفة ويتمثل في صور متنوعة.
المنافق كاذب لان لسانه ينطق بغير ما في قلبه والمتكبر كاذب لانه يدعي لنفسه منزلة غير منزلته والفاسق كاذب لانه كذب في دعوى الايمان ونقض ما عاهد الله عليه والنمام كاذب لانه لم يتق الله في فتنته فيتحرى الصدق في نميمته والمتملق كاذب لان ظاهره ينفعك وباطنه يلذعك.
لقد هان على الناس امر الكذب حتى انك لتجد الرجل الصادق فتعرض على الناس امره وتطرفهم بحديثه كأنك تعرض عجائب المخلوقات وتتحدث بخوارق العادات .
فويل للصادق من حياة نكدة لا يجد فيها حقيقة مستقيمة وويل له من صديق يخون العهد ورفيق يكذب الود ومستشار غير امين وجاهل يفشي السر وعالم يحرف الكلم عن مواضعه وشيخ يدعي الولاية كذبا وتاجر يغش في سلعته ويحنث في ايمانه وصحفي يتجر بعقول الاحرار كما يتجر النخاس بالعبيد والاماء ويكذب على نفسه وعلى الله وعلى الناس في كل صباح ومساء .