رعاية الشيخوخة في الإسلام





المسنين هم أنفسهم طاقة بناءة يمكن استغلالها والإفادة منها، وإلا فإن الآية تنعكس ويصبحون عوامل هدم


في الصين تحاول الحكومة الاستفادة من المسنين؛ حيث نجد أن أغلب العاملين في المصانع من النساء المسنات ولاسيما في مصانع لعب الأطفال



في هذا العصر الذي نحرص فيه على تجميع كل طاقاتنا البشرية وحشدها في سبيل البناء، تقف مسألة رعاية المسنين ضمن موضوعات الساعة التي يجب أن تسترعى اهتمام المسؤولين وانتباههم.

ولا شك في أن تزايد أعداد الأشخاص المسنين في مجتمعاتنا العربية سيكون له تأثير عميق على كل مجالات الحياة كافة، فعلى المستوى العربي يمكن تقدير عدد المسنين في الدول العربية بحوالي 7.5 مليون نسمة، وعلى المستوى العالمي هناك حوالي ثمانية وعشرين مليونا من البشر تصل أعمارهم إلى سن خمسة وستين عاما أو أكثر في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتعد مرحلة الشيوخة من أهم المراحل العمرية التي يجب أن تحظى باهتمام جميع المجتمعات أفرادا ومؤسسات.

وذلك نظرا لما يصاحبها من تغيرات تؤثر على المسن في جميع الجوانب الصحية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، فرعاية هذه الفئة يجعلها تشعر بأهميتها لمن حولها، ويعطيها هذا الشعور بالقوة التي تجعلها تتمسك بالحياة، وتشعر بالراحة في السنوات الأخيرة من عمرها.

والشيخوخة هي المرحلة العمرية التي تبدأ فيها الوظائف العقلية والحسية في التدهور تدهوراً أكثر وضوحا مما كانت عليه في الفترات السابقة من العمر، ويصاب كبار السن بالأمراض، ويحتاجون في مرضهم إلى رعاية طبية أكثر.

قال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}(ا لروم:54).

من خصائص مرحلة الشيخوخة

إن الشيخوخة نفسها هي مجموعة تغيرات جسيمة ونفسية تحدث بعد مرحلة الرشد، ومرحلة الشيخوخة هي الحلقة الأخيرة من الحياة، وهي تتميز بمجموعة من الخصائص الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية.

من الخصائص الجسمية

الضعف العام ونقص القوة العضلية، وانحناء الظهر، وترهل الجلد، وارتعاش الأطراف، وبطء الأداء الحركي، وضعف الطاقة الجسمية والجنسية عموماً، وضعف الحواس ولاسيما السمع والبصر.

من الخصائص العقلية

نجد أن الذاكرة تقل حدتها وتضعف، ويضعف الانتباه، ويلاحظ الجمود العقلي والتشبث بالرأي، كما يلاحظ صعوبة تعلم الجديد، ومن الخصائص الاجتماعية: زيادة تعصب الشيوخ لآرائهم وكثرة وقت الفراغ، وتظل علاقة الشيوخ بأولادهم على النمط الذي كان سائدا بينهم وهم في مرحلة الرشد.

من الخصائص الانفعالية

الحساسية النفسية وشدة التأثير الانعفالي.

ومن الخصائص الاجتماعية: التمركز حول الذات، وضيق الميول والاهتمامات، وازدياد الاتجاهات النفسية والاجتماعية رسوخا، ويسود الاتجاه المحافظ على القديم والمناهض للجديد، وزيادة تعصب الشيوخ لآرائهم ولماضيهم الذي يمثل بالنسبة لهم ذكرى القوة والشباب والمكانة الاجتماعية وحيوية الكفاح وإيجابية العمل، وتظل علاقة الشيوخ بأولادهم على النمط الذي كان سائدا بينهم وهم في مرحلة الرشد، سوية كانت أم مضطربة، ويقل التصادم مع الأولاد، إلا أنه قد يزداد مع أزواج الأولاد، وتزداد علاقة الشيخ بالحفيدة؛ حيث يهرعون إليه في الأزمات والمشكلات التي يقضي الصغار منهم أوقاتا طويلة معهم، وهكذا يلتقي جيل الأجداد وجيل الحفدة، وترتبط مرحلة الشيخوخة بالتقاعد وكثرة وقت الفراغ.

ولقد بدأت المجتمعات الحديثة تنظر إلى كبار السن على أساس تمكينهم من أن يصبحوا أعضاء نافعين في بيئاتهم، سعداء في مجتمعهم منتجين ما استطاعوا الإنتاج.

إن قضايا المسنين واحتياجاتهم تحظى باهتمام مختلف دول العالم؛ نتيجة لأن زيادة عدد المسنين قد يؤدي إلى مشكلة خطيرة إذا لم يواكب هذه الزيادة خطط تستهدف الاستفادة من جهد المسنين وخبراتهم وتوفير أوجه الرعاية التي تكفل لهم حياة كريمة مستقرة.

وتهتم الدول المتقدمة بالمسنين؛ حيث تنشئ لهم مساكن خاصة مزودة بما يحتاجون إليه مجانا أو بأجور بسيطة بحسب حالة كل منهم، كما زودت هذه المساكن بالخدم والزائرات الصحيات للإشراف على النزلاء وتوفير وسائل الترفيه والراحة لهم.

وتهتم كل دول العالم بكبار السن والمتقاعدين، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا تخصص الحكومة لهم إعانة أسبوعيا حسب الحالة الاجتماعية، وفي الغرب عموما يعيش كبار السن حياة تتمثل في السفر والنزهات والاسترخاء.

وتتمتع ألمانيا بنظام ضمان اجتماعي من أفضل النظم في العالم، وتقوم الحكومة بتنفيذ برامج جديدة لتعزيز وضع المتقاعدين في إطار خطة تتكلف مليارات الدولارات.

وفي الصين تحاول الحكومة الاستفادة من المسنين؛ حيث نجد أن أغلب العاملين في المصانع من النساء المسنات ولاسيما في مصانع لعب الأطفال.

إن المسنين هم أنفسهم طاقة بناءة يمكن استغلالها والإفادة منها، وإلا فإن الآية تنعكس ويصبحون عوامل هدم بدلا من أن يكونوا عوامل بناء، فمن المعروف أن كبار السن إذا لم يشغلهم عمل يصرفون فيه جهدهم أو يقضون فيه وقت فراغهم ، قد يصبحون عبئا شديدا على من حولهم، حتى ولو كانوا أقوياء أشداء من الناحية الصحية، ذلك أنهم قد يصبحون شديد العند، كثيري النقد، شديدي التسلط، يأمرون وينهون لمجرد إشباع رغبتهم في الأمر والنهي وهم في ذلك معذرون.

إن ديننا الحنيف أمرنا أن نبر والدينا ونرعاهما، وأن نحفظ كرامتهما، وأن نهتم بهما، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا }} (الإسراء:23-25).

إن رعاية المسنين في الإسلام إنما تستهدف فتح أبواب المشاركة الإيجابية للمسنين في الحياة العامة ما داموا قادرين على ذلك، أما إذا عجزوا عن ذلك فمن الطبيعي أن تقوم الأسرة برعايتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من سره أن يمد الله له في عمره ويزداد له في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه»، وإن عجزت الأسرة عن تقديم الرعاية للمسنين، قامت الدولة من خلال مؤسساتها برعايتهم.

إن اهتمامنا بالمسنين نابع من حقيقة ديننا، وتراثنا ومن واقع أسلوب حياتنا وإن المكان الأنسب والبيئة الأفضل لرعاية المسنين يتمثلان في الأسرة اعتبارا لقيمة تواجد كبار السن في الأسرة سواء بالنسبة للمسنين نفسهم أو بالنسبة لأعضاء أسرهم، وكذلك لما ينطوي عليه هذا التوجه من معان مستمدة من تراثنا الحضاري والروحي من الإحسان بالوالدين والبر بهم، وإحساسا منهم بالوفاء والتراحم والتعاطف بهم واعتبارا أيضا لقيمة وجود كبار السن في الأسر كأساس لمناخ نفسي وجداني إيجابي وتدريب لأعضاء الأسرة آباء وأحفاداً على السمو الوجداني وترقية المشاعر الإنسانية النبيلة، من خلال تفاعل أعضاء الأسرة.

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر».

الإحالات:

1- حامد عبدالسلام زهران: التوجيه والإرشاد النفسي- عالم الكتب- القاهرة 1998م.

2- الجمعية الأمريكية لتعليم الكبار: التوجيه التربوي لكبار السن - ترجمة: محمد عبدالمنعم نور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1980م.






اعداد: د. محمد محمود العطار