11143 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ، حَفِظَهَا مِنَّا مَنْ حَفِظَهَا، وَنَسِيَهَا مَنْ نَسِيَ فَحَمِدَ اللهَ - قَالَ عَفَّانُ، وَقَالَ حَمَّادٌ: وَأَكْثَرُ حِفْظِي أَنَّهُ قَالَ: بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُم ْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى، مِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا،وَمِن ْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا، أَلَا إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمَ، أَلَا تَرَوْنَ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَالْأَرْضَ الْأَرْضَ، أَلَا إِنَّ خَيْرَ الرِّجَالِ مَنْ كَانَ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا، وَشَرَّ الرِّجَالِ مَنْ كَانَ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الرِّضَا، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ وَسَرِيعَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ (1) فَإِنَّهَا بِهَا، أَلَا إِنَّ خَيْرَ التُّجَّارِ مَنْ كَانَ حَسَنَ الْقَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ، وَشَرَّ التُّجَّارِ مَنْ كَانَ سَيِّئَ الْقَضَاءِ سَيِّئَ الطَّلَبِ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ حَسَنَ الْقَضَاءِ سَيِّئَ الطَّلَبِ، أَوْ كَانَ سَيِّئَ الْقَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ، فَإِنَّهَا بِهَا أَلَا إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، أَلَا وَأَكْبَرُ الْغَدْرِ غَدْرُ أَمِيرِ عَامَّةٍ، أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا (2) مَهَابَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا عَلِمَهُ، أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ "، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ قَالَ: " أَلَا إِنَّ مِثْلَ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِيمَا مَضَى مِنْهُ " (3)
__________
(1) في (ظ) و (ق) : أو سريع الغضب، وفي (م) : وسريع الفيء.
(2) في (ظ 4) : رجل.
(3) إسناده ضعيف، لضعف علي بن زيد: وهو ابن جُدْعان، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح. عفان: هو ابن مسلم الصفار، وأبو نضرة: هو المنذر بن مالك العبدي.
وأخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" (684) عن يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطيالسي (2156) ، وأبو يعلى (1101) ، والحاكم 4/505، والبيهقي في "الشعب" (8289) من طرق عن حماد بن سلمة، به. وقال الحاكم: هذا حديث تفرد بهذه السياقة علي بن زيد بن جدعان القرشي، عن أبي نضرة، والشيخان رضي الله عنهما لم يحتجا بعلي بن زيد، وتعقبه الذهبي بقوله: ابن جُدْعان صالح الحديث!
وأخرجه الحميدي (752) عن سفيان بن عُيينة، والترمذي (2191) ، والبغوي في "شرح السنة" (4039) من طريق حماد بن زيد، والخطيب في "تاريخه" 10/237-238 من طريق شعبة، ثلاثتهم عن علي بن زيد، به، وعند البغوي زيادة: "ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأكرمها على الله عز وجل".
وقال الترمذي: ولهذا حديث حسن صحيح! قلنا: لهذه الزيادة ستأتي برقم (11587) .
وقوله: "إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء".
أخرجه الرامهرمزي في "الأمثال" (18) من طريق هدبة، عن حماد بن سلمة، به.
وأخرجه ابن ماجه (4000) من طريق حماد بن زيد، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1141) من طريق يحيي بن سعيد، كلاهما عن علي بن زيد، به.
وسيأتي بإسنادٍ صحيح برقم (11169) .
وقوله: "ألا إن لكل غادر لواء يوم القيامة ... "
أخرجه ابن ماجه (2873) من طريق حماد بن زيد، عن علي بن زيد، به.
وقد سلف برقم (11038) .
وقوله: "ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه".
سلف بإسنادٍ صحيح برقم (11017) .
وقوله: "ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر":
أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (1141) من طريق يحيى بن سعيد، عن علي بن زيد، به، بلفظ: "وما من كلمة أفضل من كلمة عدل عند إمام جائر".
وأخرجه أبو داود (4344) ، والترمذي (2174) ، وابن ماجه (4011) ، والخطيب في "تاريخه" 7/238-239 من طريق عطية العوفي، عن أبي سعيد، به. وقال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. قلنا: عطية ضعيف.
وله شاهد من حديث أبي أمامة عند الطبراني في "الكبير" (8081) ، سيرد 5/251، وإسناده لا بأس به.
وآخر من حديث طارق بن شهاب عند النسائي 7/161، وسيرد 4/314، لكن نصَّ على إرساله أبو حاتم فيما نقله العلائي في "جامع التحصيل" ص243-244، لأن طارق بن شهاب رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمع منه شيئاً، فتعقبه العلائي بقوله: يلحق حديثه بمراسيل الصحابة. وقال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" 2/220: إذا ثبت أنه لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو صحابي على الراجح، وإذا ثبت أنه لم يسمع منه فروايته عنه مرسل صحابي، وهو مقبول على الراجح، وقد
أخرج له النسائي عدة أحاديث، وذلك مصير منه إلى إثبات صحبته. قلنا: فالحديث بهذين الشاهدين حسن لغيره.
وقوله: "ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها ... ":
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (1593) من طريق المعتمر بن سليمان، عن علي بن زيد، به.
وأخرجه أبو الشيخ في "الأمثال" (283) من طريق عبد العزيز بن مسلم، عن أبي نضرة، به.
وقد سلف نحوه من حديث ابن عمر برقم (5911) ، وهو حديث صحيح.
وسيأتي برقم (11587) .
قال السندي: قوله: "إلى مغيربان الشمس": في "المجمع": غربت الشمس غروباً ومغيرباناً، وهو تصغير على غير مكبر، كأنه مصغر مغربان.
قوله: "بما هو كائن"، أي: خطب بما هو كائن، أي: من الأمور المتعلقة بالأمة.
قوله: "خضرة": بفتح خاء وكسر ضاد.
قوله: "حلوة": بضم مهملة، أي: ترغيب فيها لحسن لونها، وطيب طعمها.
قوله: "مستخلفكم"، أي: جاعلكم متصرفين.
قوله: "فاتقوا الدنيا"، أي: كلها، النساء من جملتها، فإنهن أعظم ضرراً منها.
قوله: "منهم من يولد مؤمناً ... " الخ، أي: منهم من يكون على دين واحد على الدوام، إما الإيمان أو خلافه، ومنهم من تصير خاتمته على خلاف ما عليه في أول الأمر، ولعله قاله تحذيراً عن سوء العاقبة، وأن لا يغتر بأول الأمر، فإن العبرة بالخواتيم.
قوله: "جمرة"، أي: كجمرة.
قوله: "إلى حمرة عينيه": فإن أمثاله من آثار النار.
قوله: "فالأرض الأرض": بالنصب، أي: فليقصد الأرض. أو بالرفع، أي: فالأرض دافعة له، والمقصود: فليضطجع وليتلبد بالأرض -كما في رواية الترمذي-، وهذا بيان لطريق دفعه بعد بيان عظم مفسدته.
قوله: "فإنها بها"، أي: فإن أحديهما بالأخرى -كما في رواية الترمذي-، أي: فلا يستحق فاعلهما المدح ولا الذم.
قوله: "أمير العامة"، أي: الإمام الأعظم، فإن شؤم غدره يعم الرعايا، فيكون أعظم ضرراً.
قوله: "ألا إن أفضل الجهاد": لأن من جاهد العدو فهو متردد بين رجاءٍ وخوف، وبين أن تكون الغلبة له أو لعدوه، وهاهنا الغالب الهلاك والتلف وغضب السلطان، فصار أفضل، وأيضاً الغالب أن الناس يتفقون على تخطئته وتوبيخه، وقل من يساعده على ذلك بخلاف القتال مع الكفرة، والله تعالى أعلم.
الكتاب: مسند الإمام أحمد بن حنبل
المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني
المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون