تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

  1. #1

    Post تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

    تثنية الإقامة
    (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية)
    للشيخ عيد فهمي حفظه الله
    إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
    من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
    وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
    ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَّاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
    أما بعد
    فهذه دراسة لمسألة تثنية الإقامة تناولتها من أربعة جوانب: الحديثي والفقهي والتاريخي والعقدي.
    وسبب هذه الدراسة أني كنت في أحد المساجد التي تسير على المنهج السلفي، وعند إقامة الصلاة قام أحد الفضلاء ممن يظهر عليهم سمت العلم فثنّى الإقامة على خلاف ما هو معهود في جميع المساجد عندنا في مصر، وقد سبّب ذلك لغطًا كثيرًا بعد الصلاة، فقام ذلك الفاضل خطيبًا في الناس وبيّن لهم أنّ تثنية الإقامة من السنن المهجورة التي ينبغي أنّ نأتي بها أحيانًا.
    وبعد أن أنهى كلمته ناقشته في ذلك، وسألته كيف تكون سنّة ولا يُعمل بها في عموم مساجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟ وبيّنتُ ه أنّ الأمّة معصومة أن تُجمع على بدعة وكذلك أن تُجمع على ترك سنّة، ثم سألته: ما سبب إعراض المسلمين عن هذه السُّنّة إن صحّت؟ هل هو سياسي أم عقدي؟
    ثم سألته: مَن كان يفعل هذه السُّنّة قبل أن تُهجر؟ فلا شكّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم لم يؤذن والثابت عن مؤذنه بلال رضي الله عنه أنه كان يُوتر الإقامة كما روى أنس رضي الله عنه وحديثه في الصحيحين وغيرهما.
    وكذلك أبو محذورة في المسجد الحرام وسعد القرظ في المسجد النبوي بعد بلال، كلاهما كان يوتر الإقامة وظلّ ذلك كذلك في أبنائهما يتوارثونه كما ذكر ذلك الإمامان مالك والشافعي رحمهما الله.
    لكن لم أجد عنده جوابًا شافيًا غير عزوه هذا القول لأحد أهل العلم والفضل، فعلمتُ أنّه مجرد مقلّد لا جدوى من مجادلته.
    ثمّ سمعتُ أنّ هذا الأمر تكرّر في واحد من أكبر مساجد السلفيين في العاصمة المصرية القاهرة؛ ألا وهو مسجد العزيز بالله بدعوة من أحد الدعاة تحت مسمّى السنن المهجورة!
    فحفزني ذلك لدراسة الأمر وأنا أظنّ أنّ هذا لا وجود له في مساجد المسلمين، وخشيتي أن يكون من مَيلِ النفوس إلى كل غريب وجديد حتى التقيت بأحد العراقيين المهاجرين إلى مصر من أهل السنّة بعد احتلال العراق، فسألته هل سبق له أن سمع تثنية الإقامة في مسجد بالعراق وأنا أكاد أجزم أنّ سيجيب بالنفي، إنما سألته ليطمئنّ قلبي أنّ الأمر واحد غي داخل مصر وخارجها لأني في الحقيقة لم أسافر إلى أي بلد خارج مصر حتى لحظتي هذه، فوجدتُ ردّه خلافا لما كنت أظنّه بل كان بمثابة الصّاعقة لي؛ إذ ذكر أنّ ذلك مشهور عندهم لكنّه خاصّ بمساجد الشيعة دون غيرهم!
    فتعجّبتُ لذلك، وقلتُ: منذ متى يحرص السلفيون على نشر سنن يختصّ بها الشيعة دون غيرهم؟ وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنّ مصلحة التميز عن أهل البدع -وخصوصًا الرافضة- لأجل هجراتهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة الإتيان ببعض المستحبات إذا صارت شعارًا لهم.
    فزاد عزمي على إتمام هذه الدراسة، وتوصّلت منها لنتيجة لعلّها تنفع من يقرؤها فلا ينساني من دعوة صالحة بظهر الغيب.
    فما كان فيها من صواب فهو من توفيق الله وما كان فيها من خطأ أو زلل فهو من نفسي.
    واللهَ أسأل أن يغفر لي ذنبي، وهزلي وجدي، وخطأي وعمدي، وكل ذلك عندي.
    الله المستعان

  2. #2

    افتراضي رد: تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

    الدراسة الحديثية

    عن أبي محذورة رضي الله عنه: »أنَّ النبي صلَّىَ اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ عَلَّمَه الأذانَ تسْعَ عشْرةَ كلمةً ، والإقامةَ سبْعَ عشْرةَ كلمةً«
    هكذا أخرجه الترمذي (192) -واللفظ له- والنسائي (630)، وفي الكبرى (1594)، وأبو داود الطيالسي (1354)، والدارمي (1197)، والدارقطني (1/238/ح7)، والطبراني في الكبير (6730)، والأوسط (3091)، وفي مسند الشاميين (2162، 3559)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (792)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (767)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (5/147) وغيرهم.
    زاد الدارقطني في روايته: «بعد فتح مكة»
    وزاد النسائي في روايته: «عدهن أبو محذورة تسع عشرة وسبع عشرة»
    وأخرجه أبو داود (502) -وهذا لفظه-، وابن ماجه (709)، وأحمد (15418)، وابن حبان (1681)، وابن الجارود في المنتقى (162)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (765)، وغيرهم -مطولا مفسرًا-: »أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً؛
    الْأَذَانُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
    وَالْإِقَامَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ«.
    وأخرجه أحمد (27293)، والدارمي (1196)، والسراج في مسنده (46)، وابن خزيمة (377)، والدارقطني (1/237/ح3) والطبراني في الكبير (6728) وفي مسند الشاميين (2160) والبيهقي في الكبرى (1822)، ((وقال: هكذا رواه وأجمعوا على أن الإقامة ليست كالأذان في عدد الكلمات إذا كان بالترجيع فدل على أن المراد به جنس الكلمات وان تفسيرها وقع من بعض الرواة وقد روى هشام بن أبي عبد الله الدستوائي هذا الحديث عن عامر الأحول دون ذكر الإقامة فيه وذلك المقدار أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح كما تقدم ذكرنا له ولعله ترك رواية همام بن يحيى للشك في سند الإقامة المذكورة فيه والله أعلم.)) والطحاوي في شرح معاني الآثار (764، 766)، وغيرهم فذكر الأذان سواء مثل رواية أبي داود وقال بعده: «والإقامة مثنى مثنى». ولم يذكر ألفاظها
    أخرجوه جميعًا من طرق عن همام بن يحيى عن عامر الأحول عن مكحول عن ابن محيريز عن أبي محذورة به.
    والحديث صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والمزني وابن المنذر والطحاوي وابن الجوزي وابن تيمية والذهبي والحازمي وابن القطان وابن السكن وابن دقيق العيد والزيلعي والهيثمي وابن حجر والبوصيري وأحمد شاكر والألباني.
    قلت: تفرد به عامر الأحول عن مكحول، ولم يروه عنه غير همام بن يحيى.
    وعامر بن عبد الواحد الأحول وإن كان من رجال مسلم فإنه متكلم فيه؛ قال أحمد بن حنبل: ليس بقوي، ضعيف الحديث. وقال أيضًا: ليس حديثه بشيء. وقال النسائي: ليس بالقوي، فمثله لا يقبل من حديثه إلا ما وافق الثقات.
    وقد تفرد بذكر تثنية الإقامة عنه همام بن يحيى، وهو مع ثقته ربما وهم.
    وقد روى هذا الحديث هشامٌ الدستوائي الثقة الثبت عن عامر فلم يذكر فيه تثنية الإقامة.
    وهو ما أخرجه مسلم (379)، وأبو داود (503، 505)، والنسائي (631)، وفي الكبرى (1595)، وأبو عوانة (964)، وابن حبان (1682)، وابن الجارود (162)، والدارقطني (1/243/ ح43)، والطبراني (6729، 6732، 6733)، والطحاوي (744، 745، 746)، والبيهقي (1317)، وغيرهم من طريق هشام الدستوائي عن عامر الأحول عن مكحول عن ابن محيريز أبي محذورةَ رضي الله عنه «أنَّ نبيَّ اللهِ - صلَّىَ اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ- عَلَّمَه هذا الأذانَ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ. [اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ.] أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ. أشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ. أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ. أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ.» ثم يعود فيقول: «أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ. أشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ. أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ. أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ. حَيَّ على الصلاةِ. مرتين. حَيَّ على الفلاحِ. مرتين. اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ. لا إلــهَ إلا اللهُ.»
    وهذا لفظ مسلم والزيادة عند أبي داود وغيره.
    ولذلك فقد تكلّم بعض أهل العلم في حديث همام بن يحيى:
    قال أبو عوانة في المستخرج: بيان الدليل على أن الإقامة -إقامة بلال- وتر لم ينسخ إذ لم يصح في حديث أبي محذورة تثنية الإقامة في رواية إلا وحديث أنس في الإفراد أصح منه، فإذا تعارض الخبران وأحدهما أصح كان الأخذ به أولى.
    ثم ذكر حديث أبي محذورة من طريق هشام الدستوائي ثم قال بعده: وزاد همام في حديثه ذكر الإقامة فتركته؛ لأن هشامًا أحفظ وأتقن منه، ولأن إجماع أهل الحرمين على خلاف زيادته.
    قال البيهقي في معرفة السنن والآثار: رواه همام بن يحيى عن عامر الأحول واختلف عليه في لفظه في الإقامة، فقيل عنه: والإقامة مثنى مثنى، وقيل عنه: والإقامة مثل ذلك، وقيل عنه مفسرا تثنية الإقامة وأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة، ودوام أبي محذورة وأولاده على إفراد الإقامة يضعف هذه الرواية.
    وقال أيضًا: وفي بقاء أبي محذورة وأولاده على إفراد الإقامة دلالة ظاهرة على وهم وقع فيما روي في حديث أبي محذورة من تثنية الإقامة، وأن الحديث في تثنية كلمة التكبير وكلمة الإقامة فقط، فحملها بعض الرواة على جميع كلماتها.
    وقال في السنن الكبرى: جاء في أكثر روايات الحديث -يعني حديث همام-: «والإقامة مثل ذلك» هكذا رواه، وأجمعوا على أن الإقامة ليست كالأذان في عدد الكلمات إذا كان بالترجيع، فدل على أن المراد به جنس الكلمات وأن تفسيرها وقع من بعض الرواة.
    وقال –ردا على تصحيح ابن خزيمة لهذا الحديث-: وفي صحة التثنية في كلمات الإقامة سوى التكبير وكلمتي الإقامة نظر؛ ففي اختلاف الروايات ما يوهم أن يكون الأمر بالتثنية عاد إلى كلمتي الإقامة، وفي دوام أبي محذورة وأولاده على ترجيع الأذان وإفراد الإقامة ما يوجب ضعف رواية من روى تثنيتهما ويقتضي أن الأمر صار إلى ما بقي عليه هو وأولاده، وسعد القرظ وأولاده في حرم الله تعالى وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن وقع التغيير في أيام المصريين( ) والله أعلم.
    وقال أيضا: ولعله -أي: مسلم- ترك رواية همام بن يحيى للشك في سند الإقامة المذكورة فيه والله أعلم.
    وقال ابن التركماني في الجوهر النقي: يجوز أن يكون مسلم ترك حديث همام؛ لاعتقاده أنه غير محفوظ لمخالفته عمل أهل الحجاز، ولأن هشاما أتقن منه.
    وقال النووي في المجموع: الأخذ بالإفراد أولى؛ لأنه الموافق لباقي الروايات والأحاديث الصحيحة كحديث أنس وغيره.
    وقال الزيلعي في نصب الراية: جماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، ونقل عن البيهقي قوله: وهذا الخبر عندي غير محفوظ لوجوه:
    أحدها: أن مسلما لم يخرجه ولو كان محفوظا لما تركه مسلم.
    الثاني: أن أبا محذورة قد رُوي عنه خلافه.
    الثالث: أن هذا الخبر لم يدُم عليه أبو محذورة ولا أولاده، ولو كان هذا حكما ثابتا لما فعلوا بخلافه.
    وأجاب ابن دقيق العيد في الإمام عن ذلك:
    بأن عدم تخريج مسلم له ليس بمقتض لعدم صحته؛ لأنه لم يلتزم إخراج كل الصحيح.
    وما أخرجه البيهقي من روايات ولد أبي محذورة فلم يقع لها في الصحيح ذكر.
    ثم إن لحديث همام ترجيحات:
    أحدها: أن رجاله رجال الصحيح وأن أولاد أبي محذورة لم يخرج لهم في الصحيح.
    الثاني: أن فيه ذكر الكلمات تسع عشر، وسبع عشر، وهذا ينفي الغلط في العدد بخلاف غيره من الروايات فإنه قد يقع فيها اختلاف وإسقاط.
    الثالث: أنه قد وجد متابعة لهمام في روايته عن عامر كما أخرجه الطبراني عن سعيد بن أبي عروبة عن عامر بن عبد الواحد عن مكحول عن عبد الله بن أبي محيريز عن أبي محذورة قال: علمني النبي صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشر كلمة والإقامة سبع عشر كلمة.
    ثم إنه معارض بتصحيح الترمذي له.
    وقول البيهقي: إن هذا لم يدم عليه أبو محذورة. فهذا داخل في باب الترجيح لا في باب التضعيف... وإذا آل الأمر إلى الترجيح فقد تختلف الناس فيه. هذا كله كلام ابن دقيق العيد.
    وقال ابن التركماني في الجوهر النقي: دوامهم على ذلك بعد صحته يقتضى الترجيح لا ضعف رواية من روى تثنيتهما؛ إذ ترك العمل بالحديث لوجود ما هو أرجح منه لا يلزمه تضعيفه، ألا ترى أن الأحاديث المنسوخة كلها إذا كانت رواتها عدولا حكمنا بصحتها ولم يعمل بها لوجود الناسخ.
    قلت: قول ابن دقيق العيد إن عدم تخريج مسلم له ليس بمقتض لعدم صحته؛ لأنه لم يلتزم إخراج كل الصحيح. إنما يقبل إذا كان مسلم لم يخرج الحديث أصلا، أما إخراجه للحديث مع إعراضه عن هذه الزيادة وهي على شرطه فهو يؤيد ما ذهب إليه البيهقي.
    وأما قوله: روايات ولد أبي محذورة لم يقع لها في الصحيح ذكر، فمعارض بأن رواية عامر وهمام ليس لها وجود عند البخاري، وأعرض مسلم عنها هنا كما مرَّ.
    وأما قوله: ذكر الكلمات تسع عشر، وسبع عشر، ينفي الغلط في العدد بخلاف غيره من الروايات فإنه قد يقع فيها اختلاف وإسقاط. فهذا يقال إذا ذكر العدد من يوثق بحفظه، وهذا محل الاعتراض.
    وأما المتابعة التي ذكرها عند الطبراني من طريق سعيد بن أبي عروبة عن عامر بن عبد الواحد عن مكحول عن عبد الله بن أبي محيريز عن أبي محذورة قال: علمني النبي صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشر كلمة والإقامة سبع عشر كلمة. فإن سندها واهٍ بمرة، لم يروه عن سعيد إلا عبدة بن سليمان، ولا عن عبدة إلا عمرو بن هاشم البيروتي، تفرد به بكر بن سهل الدمياطي. وبكر هذا شيخ الطبراني، ترجم له ابن حجر في اللسان، ضعفه النسائي ورُمي بوضع الحديث، وشيخه عمرو، قال محمد بن مسلم: ليس بذاك، وقال العقيلي: مجهول بالنقل، لا يتابع على حديثه.
    ودعواه هو وابن التركماني: أن هذا من باب الترجيح لا التضعيف تسلم إذا كانا حديثين مختلفين مخرجًا، أما إذا كان الحديث واحدًا ومخرجه واحدًا، فترجيح أحد طريقيه يقتضي تضعيف الآخر، وإلا فما هو حدّ الشاذّ والمنكر عندهما؟ ولماذا أدخل أهل العلم المخالفة في باب التضعيف لا الترجيح؟
    الله المستعان

  3. #3

    افتراضي رد: تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

    وقد ذكروا لتثنية الإقامة شواهد مرفوعة وآثار موقوفة ومقطوعة.
    أما الأحاديث المرفوعة:
    1- فأخرج الترمذي من طريق ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: كان أذانُ رسولِ اللهِ - صلَّىَ اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ- شَفعًا شَفعًا، في الأذانِ والإقامةِ.
    2- وأخرج أبو داود من طريق ابن جريج عن عثمان بن السائب أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة وفيه: وعلمني الإقامة مرتين مرتين ثم ذكرها مفسرة. وقال الحازمي: حديث حسن على شرط أبي داود والترمذي والنسائي.
    3- وأخرج الطحاوي من طريق شريك عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة قال: سمعت بلالا يؤذن مثنى ويقيم مثنى
    4- وأخرج عبد الرزاق في مصنفه من طريق حماد عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد أن بلالا كان يثني الأذان ويثني الإقامة.
    5- وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط والدارقطني في سننه من طريق زياد بن عبد الله البكائي عن إدريس الأودي عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن بلالا كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى ويقيم مثنى مثنى. وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات
    6- وأخرج الطبراني في مسند الشاميين من طريق إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن بلال أنه كان يجعل الأذان والإقامة مثنى مثنى
    7- وروى أبو حنيفة في مسنده عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه أن رجلا من الأنصار رأى في منامه أن قائلا قال له: مُرْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر بلالا بالأذان: الله أكبر مرتين أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. ثم علمه الإقامة كذلك، ثم قال: قد قامت الصلاة مرتين كأذان الناس وإقامتهم
    8- وأخرج الطحاوي من طريق شريك عن عبد العزيز بن رفيع قال: سمعت أبا محذورة يؤذن مثنى مثنى ويقيم مثنى مثنى.
    9- وأخرج ابن قانع في معجم الصحابة والخطيب في تاريخ بغداد من طريق محمد بن جابر عن أبي إسحاق السبيعي عن الأسود بن يزيد قال: قلتُ لأبي محذورةَ: كيفَ كنتَ تُؤَذِّنُ لرسولِ اللهِ صلَّىَ اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ؟ قال: كنتُ أُثَنِّي الإقامةَ كما أُثَنِّي الأذانَ.
    10- وأخرج البيهقي في الخلافيات من طريق أبي العميس قال سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري يحدث عن أبيه عن جده: أنه أري الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: علمهن بلالا. قال: فتقدمت فأمرني أن أقيم. قال الحافظ في الدراية: إسناده صحيح.
    11- وأخرج أبو عوانة في صحيحه من طريق المغيرة بن مقسم عن الشعبي عن عبد الله بن زيد الأنصاري سمعت أذان رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان أذانه وإقامته مثنى مثنى.
    أما الآثار:
    1- فقد أخرج ابن أبي شيبة من حديث علي بن أبي طالب أنه كان يقول: الأذان والإقامة مثنى، وأتى على مؤذن يقيم مرة مرة، فقال: ألا جعلتها مثنى لا أم لك
    2- وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن جارية عن عبيد مولى سلمة بن الأكوع أن سلمة بن الأكوع كان يثني الإقامة
    3- وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار من حديث حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال: كان ثوبان يؤذن مثنى ويقيم مثنى.
    4- وروى الطحاوي أيضًا من حديث فطر بن خليفة عن مجاهد قال -في الإقامة مرة مرة-: إنما هذا شيء قد استخفته الأمراء، الإقامة مرتين مرتين.
    5- وروى البيهقي في الخلافيات من طريق ابن إسحاق الحنظلي السمرقندي عن محمد بن أبان عن حماد عن إبراهيم قال: أول من نقض الإمامة معاوية بن أبى سفيان.
    6- وروى ابن أبي شيبة في المصنف من حديث ابن أبي ليلى عن الحكم عن إبراهيم قال: لا تدع أن تثنى الإقامة.
    الله المستعان

  4. #4

    افتراضي رد: تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

    بيان حال الشواهد المذكورة:
    أما الشواهد المرفوعة التي ذكروها:
    فالشاهد الأول: تفرد به ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد به.
    قال الترمذي: «وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام. وهذا أصح من حديث ابن أبي ليلى. وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد.»
    وقال ابن حبان: «هذا خبر مرسل؛ لا أصل لرفعه.»
    وقال الدارقطني: «ابن أبي ليلى هو القاضي محمد بن عبد الرحمن ضعيف الحديث سيئ الحفظ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لا يثبت سماعه من عبد الله بن زيد، والصواب ما رواه الثوري وشعبة عن عمرو بن مرة وحسين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى مرسلا»
    قلت: فيتحصل من كلامهم أن للحديث ثلاثَ عللٍ:
    الأولى: ضعف ابن أبي ليلى الابن؛ لسوء حفظه. قاله الدارقطني
    الثانية: الانقطاع؛ لأن ابن أبي ليلى الأب لم يسمع من عبد الله بن زيد. قاله الترمذي والدارقطني.
    الثالثة: المخالفة في الإسناد؛ فقد روى الحديث الثوري وشعبة عن عمرو بن مرة وحسين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى مرسلا. قاله الترمذي وابن حبان والدارقطني
    وأما الشاهد الثاني: فقد تفرد به عثمان بن السائب عن أبيه وأم عبد الملك بن أبي محذورة، وعثمان بن السائب لا أعلم روى عنه غير ابن جريج، وقال ابن القطان: غير معروف، وأبوه السائب، لم يرو عنه غير ابنه، وقال الذهبي: لا يعرف، وأم عبد الملك مثله، وهذا سند مجهول، فلا تغتر بقول الحازمي فيه: وهذا حديث حسن على شرط أبي داود والترمذي والنسائي!.
    وقال الترمذي: وقد رُوِي عن أبي محذورة أنه كان يفرد الإقامة.
    قلت: رواه الدارقطني من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حدثني عبد الملك بن أبي محذورة أنه سمع أباه أبا محذورة يحدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
    وهذا أصح، فإن إبراهيم هذا من آل أبي محذورة، وكان قد ورث الأذان عنهم، وهو أعلم بحديث أبائه من عثمان بن السائب، وأدركه الشافعي وابن راهوية والحميدي وغيرهم، ورووا عنه إفراد الإقامة، وذكروا أنه كان يؤذن هكذا في المسجد الحرام، ويحكي أن آباءه كانوا يؤذنون هكذا؛ قال الحميدي عن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك قال: أدركت جدي وأبي وأهلي يقيمون فيقولون: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر لا إله إلا الله. ولا يتصور أن يغير في الأذان أو ينقص منه-وهو من أهل الورع كما وصفه ابن حبان في المشاهير- خاصة وهو يؤذن على رءوس الناس في المسجد الحرام، ولذلك قال البخاري في ترجمته في التاريخ: إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة القرشي المكي أبو إسماعيل سمع جده عبد الملك سمع أبا محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الآذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة. وتابعه جماعة عن أبيه منهم عمَّاه محمد وعبد العزيز وابن عمه إبراهيم بن إسماعيل وغيرهم، فمنهم من يقتصر على ذكر الأذان فقط، ومنهم من يذكر الإقامة مفردة، مما يؤكد أن تثنية الإقامة وهم من بعض الرواة.
    وله شاهد أخرجه الحاكم والدارقطني من حديث كامل بن العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا محذورة أن يشفع الأذان و يوتر الإقامة. وأبو العلاء كامل بن العلاء، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وشيخه أبو صالح ذكره ابن حبان في الثقات. فهذا يُقَوِّي ذاك ويَقْوَى به.
    وأما الشاهد الثالث: فقد تفرد به شريك عن عمران بن مسلم، وشريك سيئ الحفظ كما سبق، واعترضه الحاكم أيضا بأن سويد بن غفلة لم يدرك بلالا، وأذانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر.
    وردَّه ابن الدقيق العيد في الإمام بقوله: وكون سويد بن غفلة لم يدرك أذان بلال في عهده عليه الصلاة والسلام صحيح؛ لأنه لم يَرَ النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه أدرك الجاهلية وأدَّى الزكاة لمصدقه عليه السلام، وأما أبو بكر ففيه نظر؛ إذ لا مانع منه، فقد رُوي أن خروج بلال إلى الشام كان في زمن عمر، كما رواه حفص بن عمر بن سعد القرظ قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلال إلى أبي بكر فقال: يا خليقة رسول الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله" وإني أريد أن أربط نفسي في سبيل الله حتى أموت. فقال له أبو بكر: أنشدك الله وحقي وحرمتي فقد كبر سني واقترب أجلي. فقام بلال مع أبي بكر حتى هلك، فلما هلك أبو بكر أتى عمر فقال له: مثل ذلك. فقال له عمر: أنشدك الله وحقي وحبي أبا بكر وحبه إياي. فقال بلال: ما أنا بفاعل. فقال: إلى من يدفع الأذان؟ فقال: إلى سعد.
    قال: وكذلك روى ابن أبي شيبة عن حسين بن علي عن شيخ يقال له: الحفص عن أبيه عن جده قال: أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن لأبي بكر حياته ولم يؤذن في زمان عمر. فهذان الخبران يقتضيان استمرار أذان بلال حياة أبي بكر.
    قلت: هذا الأثر ضعيف تفرد به حفص بن عمر بن سعد القرظ وهو مجهول الحال، ورواه مرة عن آبائه عن أجداده، ومرة عن عمومته عن أجداده، ومرة عن أبيه عن جده، وهذا سند مجهول، قال ابن معين: ليس بشيء، ولذلك ضعفه الألباني في ضعيف الجامع، وقد روى أبو داود وغيره من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب: أن بلالا كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات عليه الصلاة والسلام أراد أن يخرج إلى الشام، فقال أبو بكر: تكون عندي. فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحتبسني، وإن كنت أعتقتني لله فذرني أذهب إلى الله. فقال: اذهب. فذهب إلى الشام فكان بها حتى مات. لكن قال ابن حجر في التلخيص الحبير: مرسل وفي إسناده عطاء الخراساني وهو مدلس.
    قلت: لكن هذا هو المشهور عند أهل السير، أن بلالا لم يؤذن لغير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تواتر أيضا أن بلالا كان يوتر الإقامة، ذكره أنس بن مالك وسعد القرظ وابن عمر وجابر وأبو جحيفة وأبو رافع وأبو هريرة وبريدة وعبد الله بن زيد وسلمة بن الأكوع وغيرهم، فأقل أحوال هذا الأثر أن يكون شاذًّا -إن لم نقل منكرًا-؛ لمخالفته رواية الثقات الأثبات، والله أعلم.
    وأما الشاهد الرابع: ففيه نظر من وجوه:
    أولا: تفرد حماد وهو ابن أبي سليمان به عن إبراهيم، وحماد وإن كان من أهل الصدق ففيه كلام معروف، قال شعبة: كان حماد بن أبى سليمان لا يحفظ، وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج بحديثه، ولذلك قال فيه ابن حجر: صدوق له أوهام ورُمي بالإرجاء.
    ثانيا: احتمال تدليسه أو خطئه، فمع شهرة حماد بالرواية عن إبراهيم، لكن قال حماد بن سلمة: كنت أقول له: قل: سمعت إبراهيم. فكان يقول: إن العهد قد طال بإبراهيم، وقال حبيب بن أبى ثابت: كان حماد يقول: قال إبراهيم. فقلت: والله إنك لتكذب على إبراهيم، أو إن إبراهيم ليخطئ، وذكر الشافعي أن شعبة حدث بحديث عن حماد عن إبراهيم قال: فقلت لحماد: سمعته من إبراهيم؟ قال: لا، أخبرني به مغيرة بن مقسم عنه.
    ثم وجدت متابعا له وهو أبو معشر، أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عنه، وأبو معشر ثقة؛ لكن قال أحمد: كانوا يرون أن عامة حديث أبى معشر عن حماد، وسئل عن حديث أبي معشر عن إبراهيم فقال: يقولون كان يأخذه عن حماد. فرجع الحديث مرة أخرى إلى حماد بن سليمان وفيه ما فيه.
    وقد خولفا في ذلك فرُوِيَ هذا الأثر عن إبراهيم عن بلال ليس فيه الأسود، وهو أصح، قال البيهقي: وإبراهيم عن بلال مرسل.
    ثالثا: الأسود بن يزيد تابعي مخضرم ثقة جليل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ولم يره، لكن قال البيهقي: والأسود بن يزيد لم يدرك أذان بلال، وقال ابن الجوزي في "التحقيق": والأسود لم يدرك بلالا، ورده صاحب "التنقيح" بقوله: وفيما قاله نظر وقد روى النسائي للأسود عن بلال حديثا.
    قلت: لكن بلال لم يؤذن لغير النبي صلى الله عليه وسلم -على الراجح-، وقد مضى قريبا، فأقل أحوال هذا الأثر أيضا أن يكون شاذًّا؛ لمخالفته رواية الثقات الأثبات، وجزم ابن حبان أن بلالا ما أقام مثنى مثنى قط إنما كانت إقامته فرادى، وهو الحق؛ فيكون الأثر منكرًا، والله أعلم.
    وأما الشاهد الخامس: فقد تفرد به زياد البكائي عن إدريس الأودي عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه، وزياد ثقة في المغازي وفي مغازي ابن إسحاق خاصة، وأما في غيرها ففيه كلام، قال يحيى بن معين : لا بأس به في المغازي، وأما في غيره فلا، وقال أيضًا: ليس بشيء، و كان عندي في المغازي لا بأس به، وقال أبو داود: سمعت يحيى بن معين يقول: زياد البكائي في ابن إسحاق ثقة، كأنه يضعفه في غيره.
    وخبره هذا غير ثابت؛ قال ابن حبان في المجروحين: وهذا خبر باطل، ما أقام بلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى قط، إنما كانت إقامته فرادى، وهذا الخبر رواه الثوري والناس عن عون بن أبى جحيفة بطوله ولم يذكروا فيه تثنية الإقامة. وإنما قالوا خرج بلال فأذن فقط.
    قلت: وقد ذكره البيهقي في المعرفة من طريق محمد بن إسحاق، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: «كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثنى مثنى، والإقامة فرادى» وتابعه الثوري وغيره عن عون كما قال ابن حبان.
    وهذا أصح من حديث زياد البكائي، وهو ما يؤكد نكارته.
    وأما الشاهد السادس: فقد تفرد به إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن بلال، وعبد العزيز بن عبيد الله، قال يحيى بن معين: ضعيف، لم يحدث عنه إلا إسماعيل بن عياش، وقال أبو حاتم: لم يرو عنه أحد غير إسماعيل بن عياش، ضعيف منكر الحديث، وقال أبو زرعة: مضطرب الحديث واهي الحديث، وقال الجوزجاني: غير محمود في الحديث، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه، وقال الدارقطني: حمصي متروك, والحديث ضعفه البخاري وابن حجر والشوكاني وغيرهم.
    وأما الشاهد السابع: فقد رواه الطبراني من طريق أبي حنيفة وقال: لم يروه عن علقمة بن مرثد إلا أبو حنيفة، وأبو حنيفة فقيه مشهور، لكنه في الحديث ضعيف باتفاقهم، ثم الحديث ليس فيه تصريح بتثنية الإقامة، وإنما فيه: "ثم علمه الإقامة كذلك" فمن الممكن أن تحمل المثلية على الصفة لا العدد؛ خاصة وقد رُوي عن أبي حنيفة ما يوافق الرواية المحفوظة، رواه ابن حبان في المجروحين من طريق أبي حنيفة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وسنده ضعيف أيضًا.
    وأما الشاهد الثامن: فقد تفرد به شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي محذورة. وقد ذكر البيهقي عن الحاكم أن عبد العزيز لم يدرك أذان أبي محذورة؛ لأنه ولد بعد ذلك بسنتين، ويؤيد قول الحاكم أن ابن أبي شيبة روى هذا الحديث عن أبي الأحوص عن ابن رفيع عن قائد أبي محذورة، وليس عن أبي محذورة، لكن ابن التركماني رد كلام الحاكم في الجوهر النقي وقال: يحمل على أنه أذّن بعد النبي عليه السلام فسمعه عبد العزيز، وما قاله ابن التركماني له ما يؤيده، فقد أخرج ابن أبي شيبة وغيره بسند صحيح عن ابن رفيع قال: رأيت أبا محذورة جاء وقد أذّن إنسان فأذن هو وأقام، فابن رفيع سمع أذان أبي محذورة لا محالة.
    قلت: لكن تبقى علة الحديث الحقيقية، وهي تفرد شريك عن عبد العزيز بن رفيع وهو سيئ الحفظ لا يحتمل تفرده؛ خاصة إذا خالفه من هو أرجح منه، فقد روى ابن أبي شيبة عن جرير وأبي الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي محذورة أن إقامته كانت واحدة، وهو إسناد صحيح، ثم ابن رفيع لم ينفرد بروايته عنه، فقد تابعه عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت أبا محذورة يقول في آخر أذانه: إن أذانه كان مثنى وأن إقامته كانت واحدة، مثله سواء، أخرجه ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة عنه، وحسبك بهذا السند، فالحديث بهذه المتابعة صحيح غاية. وهذا يؤكد نكارة ما انفرد به شريك.
    وأما الشاهد التاسع: فهو منكر؛ تفرد به محمد بن جابر عن أبي إسحاق السبيعي، قال أحمد: كان محمد بن جابر ربما ألحق في كتابه أو يلحق في كتابه يعنى الحديث، وقال يحيى بن معين: محمد بن جابر كان أعمى واختلط عليه حديثه، وكان كوفيا فانتقل إلى اليمامة، وهو ضعيف، وقال أبو زرعة: محمد بن جابر ساقط الحديث عند أهل العلم، وروى ابن حبان من طريق إسحاق بن عيسى قال: ذاكرت محمد بن جابر ذات يوم بحديث لشريك عن أبي إسحاق فرأيته في كتابه قد ألحقه بين السطرين كتابا طريا.
    وأما الشاهد العاشر: فذكر تثنية الإقامة فيه غير محفوظ؛ فقد تفرد به أبو أسامة عن أبي العميس، قال البيهقي: وقد رواه عبد السلام بن حرب عن أبي العميس فلم يذكر فيه تثنية الإقامة، وعبد السلام أعلم الكوفيين بحديث أبي العميس وأكثرهم عنه رواية.
    وأما الشاهد الحادي عشر: ففي إسناده انقطاع؛ لأن الشعبي لم يثبت سماعه من عبد الله بن زيد، والمغيرة بن مقسم مدلس وروى هذا الحديث عن الشعبي بالعنعنة.
    الله المستعان

  5. #5

    افتراضي رد: تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

    الدراسة الفقهية
    بعد أنّ بيّنّا ضعف الأحاديث الواردة في تثنية الإقامة نذكر باختصار مذاهب الفقهاء في ذلك ونصدّر هذه الدراسة بكلمة أبي عبد الله محمد بن نصر المروزي حيث قال: أرى فقهاء أصحاب الحديث قد أجمعوا على إفراد الإقامة.
    قلت: وكلامه قاب قوسين أو أدنى من الصواب؛ فإفراد الإقامة هو مذهب مالك وأهل المدينة، والأوزاعي وأهل الشام، وابن عيينة والحميدي وأهل مكة والحجاز، والليث والشافعي وابن القاسم وأهل مصر والمغرب، وأحمد وأبو ثور ويزيد بن زريع من وافقهم من أهل العراق، والذهلي ويحيى بن يحيى وابن راهوية وأهل خراسان، ومروي بالأسانيد الصحاح والحسان عن الخلفاء الأربعة أنه كان يقام لهم مرة، وعن أنس ومعاذ وجابر وابن عمر وابن عباس وسعد القرظ وأبي محذورة وعبد الله بن زيد وسلمة بن الأكوع وأبي جحيفة وبريدة وجمع غفير من الصحابة رضوان الله عليهم، وعن بكير بن عبد الله الأشج وعبد الرحمن بن أبي ليلى والقرظي، وفقهاء المدينة السبعة: سعيد بن المسيب و أبي بكر بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار وخارجه بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وعروة بن الزبير، وعن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري ومحمد بن سيرين وسالم والزهري وخالد بن معدان ومكحول وإبراهيم النخعي في خلق كثير من التابعين رضي الله عنهم.
    ولم يخالف في ذلك إلا الثوري وابن المبارك والحسن بن صالح بن حي وابن أبي شيبة فكأن المروزي لم يقف على خلافهم أو لم يثبت عنده، وكذلك أبو حنيفة وأصحابه من أهل الرأي، فكأنه لم يعتد بخلافهم؛ لأنهم ليسوا من أهل الحديث، ومن عادتهم رد السنن بآرائهم على خلاف مذهب أهل الأثر، فمن ذلك قولهم هنا: إن حديث أبي محذورة ناسخ لحديث أنس "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" قالوا: وحديث بلال إنما كان أول ما شرع الأذان كما دلّ عليه حديث أنس المذكور، وحديث أبي محذورة كان عام حنين وبينهما مدة مديدة.
    قال الحازمي: وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم، وحديث أبي محذورة لا يصلح أن يكون ناسخا لهذا؛ لأن من شرط الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوى من جميع جهات الترجيح على ما تقدم وحديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس من جهة واحدة.
    واعترض ابن دقيق العيد في الإمام قول الحازمي: "من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوى من جميع جهات الترجيح" فقال: لا نسلم إن من شرط الناسخ ما ذكر بل يكفي فيه أن يكون صحيحا متأخرا معارضا غير ممكن الجمع بينه وبين معارضه فلو فرضناهما متساويين في الصحة ووجد ما ذكرناه من الشروط لثبت النسخ وأما أنه يشترط أن يكون أرجح من المعارض في الصحة فلا نسلم نعم لو كان دونه في الصحة ففيه نظر.
    قلت: وهذا من تكثير الكلام الذي لا طائل من وراءه، ومع ذلك فقد رد هذه الحجة –على فرض صحتها- إمام أهل السنة والجماعة:
    قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل-: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد؛ لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال الإمام: أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقرَّ بلالا على أذان عبد الله بن زيد؟
    وقد أخذه الحازمي فقال: لو سلمنا أن هذه الزيادة محفوظة، وأن الحديث ثابت، لقلنا بأنه منسوخ، فإن أذان بلال هو آخر الأذانين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من حنين، ورجع إلى المدينة، أقرَّ بلالا على أذانه وإقامته.
    ونقل ابن المنذر وابن عبد البر وابن رجب وغيرهم اختلاف أهل العلم في تثنية الإقامة وإفرادها، وحاصل قولهم: أن العلماء اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
    الأول: إفراد الإقامة، وهو مذهب مالك وأهل الحجاز، والأوزاعي وأهل الشام، والليث وأهل مصر، والشافعي وأصحابه، ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور، وروي عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع وعطاء وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير والحسن البصري وخالد بن معدان والأوزاعي، ومكحول والزهري وقالا: مضت السنة بذلك. وقال بكير بن الأشج: أدركت أهل المدينة على ذلك.
    والثاني: الأذان والإقامة مثنى مثنى، هذا مذهب أبي حنيفة وأصحاب الرأي، وروي عن سلمة بن الأكوع وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي وابن المبارك، ، وذكره حجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق عن أصحاب علي وابن مسعود.
    والثالث: يجوز تثنية الإقامة وإفرادها، والإفراد أفضل، وهو القول الثاني لأحمد وإسحاق وداود الظاهري وجماعة من فقهاء أهل الحديث واختاره ابن تيمية.
    وهذا القول إنّما بناه أصحابه على صحّة الأحاديث الواردة في تثنية الإقامة، فأجازوا العمل بالأمرين معًا لذلك؛ ولكن بعد أنْ بيّنّا ضعف هذه الأحاديث لم يعُدْ لهذا القول مستندٌ يعتمد عليه، ويبقى الإجماع الذي نقله محمد بن نصر المروزي، وقول مَنْ خالفه يعتبر شذوذًا خاصة إذا علمنا أنّه لم يعمل به أحدٌ من أهل العلم، وهو ما سنبيّنه في الدراسة التاريخية.
    الله المستعان

  6. #6

    افتراضي رد: تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

    الدراسة التاريخية
    كان إفراد الإقامة هو المعمول به على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قَالَ:«أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ» متفق عليه.
    قال الحافظ ابن حجر: وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِقَامَة مَثْنَى مِثْلُ الْأَذَان.
    وظل إفراد الإقامة هو المعمول به في عهد الخلفاء الراشدين وعهد الأمويين وأوائل عهد العباسيين:
    قال الإمام مالك: أذّن سعد القرظ في هذا المسجد في زمان عمر بن الخطاب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فيه فلم ينكره أحد منهم، فكان سعد وبنوه يؤذنون بأذانه إلى اليوم ولو كان والٍ يسمع مني لرأيت أن يجمع هذه الأمة على أذانهم. فقيل لمالك: فكيف كان أذانهم قال: الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة.
    وقال الإمام الشافعي: الرواية فيه -أي تثنية الأذان وإفراد الإقامة- تكلّف الأذان خمس مرات في اليوم والليلة في المسجدين على رءوس الأنصار والمهاجرين. ومؤذنو مكة آل أبي محذورة وقد أذَّن أبو محذورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه الأذان ثم ولاه بمكة، وأذَّن آل سعد القرظ منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وزمن أبي بكر رضي الله عنه، كلهم يحكون الأذان والإقامة والتثويب وقت الفجر كما قلنا، فإن جاز أن يكون هذا غلطا من جماعتهم والناس بحضرتهم، ويأتينا من طرف الأرض من يعلمنا، جاز له أن يسألنا عن عَرَفَة وعن مِنَى ثم يخالفنا، ولو خالفنا في المواقيت كان أجوز له في خلافنا من هذا الأمر الظاهر المعمول به.
    وظل الحال على ما هو عليه من إفراد الإقامة في مساجد المسلمين جميعًا إلى منتصف القرن الرابع الهجري تقريبًا وبالتحديد يوم الثلاثاء الثاني عشر من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة حين استولى جوهر الصقلي على مصر من قِبَل مولاه المعز لدين الله أبي تميم معد العبيدي الفاطميّ ادّعاءً، وأنشأ أوّل دولة شيعيّة رافضيّة في العالم الإسلامي، وهي التي عُرفت في التاريخ باسم الدّولة الفاطميّة نسبة لفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهي نسبة زورٍ وبهتانٍ كما هو معلوم لكلّ ذي لبّ
    وقد رصد لنا ذلك الإمام البيهقي المولود في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاث مائة -أي بعد ستة وعشرين عاما من استيلاء الفاطميين على مصر- حيث قال في السنن الكبرى:
    وفي دوام أبي محذورة وأولاده على ترجيع الأذان وإفراد الإقامة ما يوجب ضعف رواية من روى تثنيتهما ويقتضي أن الأمر صار إلى ما بقي عليه هو وأولاده، وسعد القرظ وأولاده في حرم الله تعالى وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن وقع التغيير في أيام المصريين والله أعلم.
    ويقصِد بالمصريين هنا العبيديين الفاطميين.
    وقد صار ذلك شعارًا لهؤلاء الروافض في كلّ بلدٍ يتملّكون عليه:
    قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية في أحداث سنة ستين وثلاثمائة: قال ابن عساكر في ترجمة جعفر بن فلاح نائب دمشق: وهو أول من تأمر بها عن الفاطميين، أخبرنا أبو محمد الأكفاني قال: قال أبو بكر أحمد بن محمد بن شرام: وفي يوم الخميس لخمس خلون من صفر من سنة ستين وثلاثمائة أعلن المؤذنون في الجامع بدمشق وسائر مآذن البلد، وسائر المساجد بـ «حي على خير العمل» بعد «حي على الفلاح»، أمرهم بذلك جعفر بن فلاح، ولم يقدروا على مخالفته، ولا وجدوا من المسارعة إلى طاعته بدًّا. وفي يوم الجمعة الثامن من جمادى الآخرة أمر المؤذنون أن يثنّوا الأذان والتكبير في الإقامة مثنى مثنى. وأن يقولوا في الإقامة: «حي على خير العمل» فاستعظم الناس ذلك وصبروا على حكم الله تعالى.
    ثمّ صار ذلك شعارًا للشيعة أينما حلّوا؟، يحرصون عليه كحرصهم على: «حي على خير العمل» سواءً بسواء:
    قال القاضي عياض في ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ترجمة جبلة بن حمود بن عبد الرحمن بن جبلة الصدفي رحمه الله: قال الفقيه ابن سعدون القروي: لما دخل عبيد الله الشيعي القيروان، وخطب أول جمعة، وجبلة حاضر، فلما سمع كفرهم قام قائمًا. وكشف على رأسه، حتى رآه الناس، وخرج يمشي إلى آخر الجامع، ويقول: قطعوها قطعهم الله. فما حضرها أحد من أهل العلم بعد هذا. ولما ولي الصديني القضاء -أيام أحمد بن الأغلب- كان جبلة يصلي الظهر أربعًا بأذان وإقامة ... وجاء صاحب الحرس، فقال له: يقول لك الأمير، كرّر الإقامة. وسلّم من اثنتين، ولا تقنت. فقال له جبلة: الأمير لا يعلّمنا أمر ديننا. وجاءه آخر من قِبَل القاضي بمثل ذلك. وبقراءة «بسم الله الرحمن الرحيم» وبزيادة «حيّ على خير العمل» في الأذان. فقال له جبلة: قم قبّحك الله، وقبّح من أرسلك.
    واستقرّ ذلك وارتبط بالشيعة في ملكهم بل وفي كتبهم، فلا تجد كتابًا واحدًا مصنّفًا على أي مذهب من مذاهب الشيعة إلا ويذكر حي على خير العمل في الأذان وتثنية الإقامة:
    قال زين الدين بن علي العاملي الجبعي في كتابه الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية (وهو من كتب الفقه الإمامية الشيعية): والإقامة مثنى في جميع فصولها وهي فصول الأذان إلا ما يخرجه، ويزيد بعد حي على خير العمل: قد قامت الصلاة مرتين. ويهلل في آخرها مرة واحدة. ففصولها سبعة عشر تنقص عن الأذان ثلاثة ويزيد اثنين، فهذه جملة الفصول المنقولة شرعا.
    وقال جعفر بن الحسن الهذلي في كتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال (وهو من كتب الفقه الإمامية الشيعية): والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلا: التكبير أربع ، والشهادة بالتوحيد، ثم بالرسالة، ثم يقول: حي على الصلاة، ثم حي على الفلاح ثم حي على خير العمل، والتكبير بعده، ثم التهليل. كل فصل مرتان. والإقامة فصولها مثنى مثنى، ويزاد فيها قد قامت الصلاة مرتين، ويسقط من التهليل في آخره مرة واحدة .
    وقال أحمد بن يحيى بن المرتضى في كتابه التاج المذهب لأحكام المذهب (وهو من كتب الفقه الزيدية الشيعية): الأذان والإقامة مثنى إلا التهليل في آخرهما فإنه مرة واحدة (ومنهما حي على خير العمل) يعني أن من جملة ألفاظ الأذان والإقامة حي على خير العمل بعد حي على الفلاح.
    فإذا ثبت لنا تاريخيًّا ارتباط نشأة تثنية الإقامة بنشأة دولة الشيعة وجب أخذ الحذر في تناول هذه المسألة لأن الخلاف فيها لم يعدْ مجرّد خلاف فقهي بل أصبحت المسألة تتعلّق بالعقيدة، وهو ما سنبيّنه في الدراسة العقديّة.
    الله المستعان

  7. #7

    افتراضي رد: تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

    الدراسة العقديّة
    من المعروف أنّ تقسيم الدين إلى أصول وفروع وتخصيص الأصول بمسائل الاعتقاد والفروع بمسائل المعاملات هو أمر محدث؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع، بل جعل الدين قسمين أصولا وفروعا لم يكن معروفا في الصحابة والتابعين)
    ومع ذلك فقد ذكر كثير من أهل السنة بعض المسائل التي اتفق عليها الأصوليون أنها من مسائل الفروع ذكروها في كتب الاعتقاد لمّا صارت شعارًا لبعض طوائف أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة:
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من شأن المصنفين في العقائد المختصرة على مذهب أهل السنة والجماعة أن يذكروا ما يتميّز به أهل السنة عن الكفار والمبتدعين)
    من ذلك تقرير الإمام الطحاوي لمشروعية المسح على الخفين في عقيدته المشهورة حيث قال: (ونرى المسح على الخفين، في السفر والحضر، كما جاء في الأثر)
    وقال الدكتور عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف في رسالته: «مسائل الفروع الواردة في مسائل العقيدة»: (ومن أقدم الأئمة الذين قرروا تلك المسألة: الإمام سفيان الثوري في عقيدته حيث قال -مخاطباً من سأله عن معتقده-: يا شعيب بن حرب ، لا ينفعك ما كتبت لك حتى ترى المسح على الخفين دون خلعهما أعدل عندك من غسل قديمك.
    بل قال سفيان الثوري: من لم يسمح على الخفين فاتهموه على دينكم.
    وعدّ سهل بن عبد الله التستري المسح على الخفين من خصال أهل السنة .
    كما قرر أبو حنيفة وأبو الحسن الأشعري في كتابه الإنابة والطحاوي في عقيدته وابن بطة في الإنابة الصغرى ، والبربهاري في شرح السنة، وابن خفيف في عقيدته، وأبو عمرو الداني في الرسالة الوافية.
    ووجه إيراد مسألة المسح على الخفين ضمن كتب الاعتقاد : مخالفة الروافض والخوارج الذين لا يجيزون المسح على الخفين، وكما قال الإمام محمد بن نصر المروزي: وقد أنكر طوائف من أهل الأهواء والبدع من الخوارج والروافض المسحَ على الخفين.
    وقال الإمام النووي: أجمع من يُعتد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر سواء كان لحاجة أو لغيرها... وإنما أنكرته الشيعة والخوارج ولا يعتد بخلافهم
    وجاء عن الإمام الشعبي أنه قال: واليهود لا يرون المسح على الخفين، وكذلك الرافضة.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين ، وبغسل الرجلين ، والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة ، كما تخالف الخوارج نحو ذلك.
    وقال في موضع آخر: وكان سفيان الثوري يذكر من السنة المسح على الخفين ؛ لأن هذا كان شعاراً للرافضة) أ.هـ.
    والمسح على الخفين من مسائل الفروع اتفاقا
    بل كان أئمة السلف يتركون بعض مسائل مذهبهم إذا صارت شعارًا لأهل البدع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: (ولهذا يوجد في كلام أئمة السنة من الكوفيين كسفيان الثوري أنهم يذكرون من السنة المسح على الخفين وترك الجهر بالبسملة كما يذكرون تقديم أبي بكر وعمر ونحو ذلك لأن هذا كان من شعار الرافضة. ولهذا ذهب أبو علي بن أبي هريرة -أحد الأئمة من أصحاب الشافعي- إلى ترك الجهر بها قال: لأن الجهر بها صار من شعار المخالفين، كما ذهب من ذهب من أصحاب الشافعي إلى تسنمة القبور؛ لأن التسطيح صار من شعار أهل البدع)
    وبعضهم ترك ما هو مشروع بل ما هو مستحب أحيانًا لعلّة المخالفة نفسها:
    قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: (وهذا القول يقوله سائر الأئمة فإنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحبا، ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعارًا لهم فلا يتميز السنى من الرافضي، ومصلحة التميز عنهم لأجل هجراتهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب)
    فكيف بمسألة أصبحت شعارًا لهؤلاء الروافض منذ نشأتهم، وليست من المستحبات، بل وفي ادّعاء مشروعيتها نظر لعدم ثبوت الأحاديث الواردة فيها كما بيّنّاه بفضل الله وحده؟
    فإذا كان ذلك كذلك، كانت الدّعوة ؟إلى تثنية الإقامة أحيانًا كما نادى به البعض بدعة منكرة تردّ على قائلها كائنًا من كان، ولا ينبغي له أن يستدلّ بمثل قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (كل هذا ثابت عن الصحابة، كما ثبت عنهم أن منهم من كان يرجع في الأذان ومنهم من لم يرجع فيه ومنهم من كان يوتر الإقامة ومنهم من كان يشفعها وكلاهما ثابت عن النبي) لأنه بناه على ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وقد أثبتنا بالحجة والبرهان عدم ثبوته، ولو ثبت عنه صلى الله عليه وسلّم لقلنا به حتى لو كان شعارًا للرافضة، كما قال الإمام أحمد لسلمة بن شبيب لما قال له: يا أبا عبد الله قويت قلوب الرافضة لما أفتيت أهل خراسان بالمتعة -يعني متعة الحج-. فقال: يا سلمة كان يبلغني عنك أنك أحمق وكنت أدفع عنك والآن فقد ثبت عندي أنك أحمق، عندي أحد عشر حديثا صحاحا عن النبي صلى الله عليه و سلم أتركها لقولك.
    الله المستعان

  8. #8

    افتراضي رد: تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

    شبهة و ردّها
    هنا شبهة تقول:
    لماذا لم تعملوا قاعدة علماء الحديث في تقوية الحديث إذا لم يشتدّ ضعفه بالطرق والآثار؟
    ونجيب عن ذلك بقولنا:
    لابد عند إعمال هذه القاعدة من مراعاة قيد عدم مخالفة الحديث للأحاديث الصحيحة، وهو غير متحقق هنا حيث صحّت الأحاديث بل تواترت على إفراد الإقامة.
    كذلك فإن هذه القاعدة ليست عامّة في كلّ مسألة، بل المسائل العامّة لا يصلح تطبيق هذه القاعدة فيها يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لابد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ولابد أن تنقلها الأمة)
    والأذان والإقامة من أظهر الأمور بل هما شعار الإسلام على مرّ السنين، فلا يتصوّر أن تتهاون الأمّة في نقل كيفية ثابتة لأحدهما أوكلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا تصل إلينا إلا من الطرق الضعيفة التي لا يعتمد على مثلها إذا انفردت.
    أضف إلى ذلك اتفاق الأمّة على عدم العمل بذلك في القرون الفاضلة حتى أظهره الشيعة حين تملّكوا على مصر، والأمّة كما لا تجمع على فعل بدعة فهي أيضًا لا تجمع على ترك سنّة أبدًا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (ويمتنع انعقاد الإجماع على خلاف سنة)
    وقد نقل ذلك الإجماع مَن لا يشكّ عاقل في صحة نقلهم:
    قال الإمام مالك: أذّن سعد القرظ في هذا المسجد في زمان عمر بن الخطاب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فيه فلم ينكره أحد منهم، فكان سعد وبنوه يؤذنون بأذانه إلى اليوم ولو كان والٍ يسمع مني لرأيت أن يجمع هذه الأمة على أذانهم. فقيل لمالك: فكيف كان أذانهم قال: الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة.
    وقال الإمام الشافعي: الرواية فيه -أي تثنية الأذان وإفراد الإقامة- تكلّف الأذان خمس مرات في اليوم والليلة في المسجدين على رءوس الأنصار والمهاجرين. ومؤذنو مكة آل أبي محذورة وقد أذَّن أبو محذورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه الأذان ثم ولاه بمكة، وأذَّن آل سعد القرظ منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وزمن أبي بكر رضي الله عنه، كلهم يحكون الأذان والإقامة والتثويب وقت الفجر كما قلنا، فإن جاز أن يكون هذا غلطا من جماعتهم والناس بحضرتهم، ويأتينا من طرف الأرض من يعلمنا، جاز له أن يسألنا عن عَرَفَة وعن مِنَى ثم يخالفنا، ولو خالفنا في المواقيت كان أجوز له في خلافنا من هذا الأمر الظاهر المعمول به.
    وقال محمد بن نصر المروزي: أرى فقهاء أصحاب الحديث قد أجمعوا على إفراد الإقامة.
    شبهة على الشبهة
    وأورد هنا مسألة هي محل اتفاق يمكن القياس عليها:
    اتفق أهل السنّة على عدم جواز زيادة: «حي على خير العمل» في الأذان، واعتبروه بدعة منكرة لأنه شعار الشيعة، فمن أظهره في بلاد الإسلام كان داعيًا إلى بدعة هؤلاء ولابد.
    والسؤال الآن: مِن أين أتى الشيعة بهذا الأمر؟
    وسآتيك بالجواب من كتب الحديث لا من غيرها:
    قال ابن أبي شيبة في المصنف (2241) حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبيد الله عن نافع قال: «كان ابن عمر زاد في أذانه: حي على خير العمل»
    وهذا إسناد صحيح غاية:
    أبو أسامة هو حماد بن أسامة؛ ثقة ثبت
    وعبيد الله هو ابن عمر العمري؛ ثقة ثبت
    ونافع هو مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه مشهور، من أئمة التابعين وأعلامهم.
    ولم ينفرد به عبيد الله العمري عن نافع؛ بل تابعه عليه أئمة حفّاظ؛ منهم:
    1- ابن جريج:
    أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1797) عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر نحوه.
    2- الليث بن سعد:
    قال البيهقي في السنن الكبرى (1/424): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق حدثنا بشر بن موسى حدثنا موسى بن داود حدثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر نحوه.
    3- ابن عجلان:
    قال ابن أبي شيبة في المصنف (2240) حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر نحوه.
    4- مالك بن أنس:
    قال البيهقي في السنن الكبرى (1/424): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر نحوه
    ولم ينفرد به عبد الوهاب عن مالك
    تابعه محمد بن الحسن في الموطأ (92) قال: أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر نحوه
    وقال البيهقي في السنن الكبرى (1/424)
    ورواه محمد بن سيرين عن ابن عمر أنه كان يقول ذلك في أذانه وكذلك رواه نسير بن ذعلوق عن ابن عمر.
    وقد رُوي ذلك مرسلا من الحديث الإمام علي بن الحسين رحمه الله:
    قال ابن أبي شيبة في المصنف (2239) حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه ومسلم بن أبي مريم أن علي بن حسين كان يؤذن فإذا بلغ حي على الفلاح قال: حي على خير العمل. ويقول: هو الأذان الأوّل.
    وحاتم بن إسماعيل ثقة من رجال الشيخين.
    وجعفر هو ابن محمد بن علي بن الحسين ثقة فقيه إمام
    وأبوه محمد بن علي بن الحسين ثقة من أعلام التابعين
    ومتابعه مسلم بن أبي مريم ثقة من رجال الشيخين
    وعلي بن الحسين زين العابدين ثقة ثبت من أئمة التابعين
    وقال البيهقي في السنن الكبرى: وروي ذلك عن أبي أمامة.
    وقال ابن حزم في المحلى: وقد صح عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف أنهم كانوا يقولون في أذانهم حي على خير العمل.
    فلو قال قائل:
    قد صحّ ذلك موقوفا من قول عبد الله بن عمر وأبي أمامة سهل بن حنيف رضي الله عنهم، وهو مما لا يُقال بالرأي فيكون مرفوع حكمًا، يتقوى به مرسل علي بن الحسين فيصبح الحديث حسنًا بشواهده، وتكون زيادة: «حي على خير العمل» مما يستحب الإتيان به أحيانًا لعدم هجر هذه السنّة!
    فكيف يمكن أن يجاب على شبهته هذه؟
    لا أرى عندي جوابًا غير ما ذكرته في مسألة تثنية الإقامة حيث قلتُ -نصًّا- كما مضى:
    لابد عند إعمال هذه القاعدة من مراعاة قيد عدم مخالفة الحديث للأحاديث الصحيحة، وهو غير متحقق هنا حيث صحّت الأحاديث بل تواترت على عدم ذكر «حي على خير العمل» في الأذان
    كذلك فإن هذه القاعدة ليست عامّة في كلّ مسألة، بل المسائل العامّة لا يصلح تطبيق هذه القاعدة فيها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لابد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ولابد أن تنقلها الأمة)
    والأذان والإقامة من أظهر الأمور بل هما شعار الإسلام على مرّ السنين، فلا يتصوّر أن تتهاون الأمّة في نقل كيفية ثابتة لأحدهما أو كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا تصل إلينا إلا من الطرق الضعيفة التي لا يعتمد على مثلها إذا انفردت.
    أضف إلى ذلك اتفاق الأمّة على عدم العمل بذلك في القرون الفاضلة حتى أظهره الشيعة حين تملّكوا على مصر، والأمّة كما لا تجمع على فعل بدعة فهي أيضًا لا تجمع على ترك سنّة أبدًا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (ويمتنع انعقاد الإجماع على خلاف سنة)
    والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
    وكتبه
    راجي عفو ربه
    عيد بن فهمي بن محمد بن علي
    الحسيني الهاشمي
    الله المستعان

  9. #9

    افتراضي رد: تثنية الإقامة (دراسة حديثية فقهية تاريخية عقدية) للشيخ عيد فهمي حفظه الله

    يا شيخ عيد ! شكرا لك ... بارك الله فيك ...
    قسوت فلِنْ قليلا !
    أنت تقول أنك لم تخرج من مصر ولم تسافر ! فكيف تحكم هكذا على العالم كله ؟
    اسأل من سافر إلى بلدان الشرق وأخص الباكستان والهند وبنغلادش والجمهوريات المستقلة وهؤلاء جميعا يزيد عدد المسمين منهم على 250 مليون نسمة ! كلهم يثنون الإقامة في مساجدهم !!!
    وكذا الإخوة المهاجرين منهم إلى أوربا وكذا في دول جنوب شرق إفريقيا ...!!
    هل هؤلاء كلهم على ضلال وتشيع ...
    قف وتأمل !!
    ثم قولكم : ولم يخالف في ذلك إلا الثوري وابن المبارك والحسن بن صالح بن حي وابن أبي شيبة فكأن المروزي لم يقف على خلافهم أو لم يثبت عنده، وكذلك أبو حنيفة وأصحابه من أهل الرأي، فكأنه لم يعتد بخلافهم؛ لأنهم ليسوا من أهل الحديث، ومن عادتهم رد السنن بآرائهم على خلاف مذهب أهل الأثر، ... وهذا كلام قاس جدا !!!
    وأقول ألا يسعكم ما وسع هؤلاء :
    والثاني: الأذان والإقامة مثنى مثنى، هذا مذهب أبي حنيفة وأصحاب الرأي، وروي عن سلمة بن الأكوع وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي وابن المبارك، ، وذكره حجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق عن أصحاب علي وابن مسعود.
    والثالث: يجوز تثنية الإقامة وإفرادها، والإفراد أفضل، وهو القول الثاني لأحمد وإسحاق وداود الظاهري وجماعة من فقهاء أهل الحديث واختاره ابن تيمية.
    - تأملوا لفظ : عن أصحاب علي وابن مسعود ثم تأملوا قول أحمد واختيار ابن تيمية وأنتم تعرفون موقفه من الرافضة فهل خفي عليه هذا !!!!!
    - ثم تأملوا واعلموا أن هذا معروف ومشهور بين أتباع أبي حنيفة .
    - والخطأ ليس خطأ من ثنى ، وإنما خطأ من أغرب على الناس وأتاهم بما لا يعرفون بدعوى إحياء السنة المهجورة !!
    - ولو أفردت الإقامة فيما ذكرت لكم من البلدان لألفت الرسائل والردود وبدأ أمر التبديع والتفسيق ... والله المستعان
    - دعوا الناس وما يعرفون وما تعاهدوه ولا تغربوا ولا تفرقوا من أجل أمر فيه سعة وجواز ... !!
    - ثم هل كل أمر من أمور الشيعة ومذهبهم نحن مطالبون بتركه ولو وافقونا عليه ....!!
    على أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر وبحث آخر لعلنا نعود إليه
    ويشاركنا الإخوة الكرام فيه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •