تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قيمة الجمال في الإسلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي قيمة الجمال في الإسلام

    قيمة الجمال في الإسلام ( 1/2)




    د. علي الأصبحي


    إن الجمال قيمة من القيم الإسلامية التي نطقت بها الآيات في الكتابين المسطور والمنظور كليهما، فالمتأمل في الكتاب الأول يجد تصويرا بديعا لقيمة الجمال في سياقات مختلفة، ومثله في السنة النبوية المبينة لما جاء فيه مجملا، أما كتاب الكون المنظور فزاخر بالصور الجمالية المنثورة على صفحاته االناطقة، لدرجة يمكن القول معها أن الكون كله يعد لوحة وآية للجمال، لكن هذه القيمة -مع مرور الزمن- تأثرت بالمؤثرات الثقافية، والعوامل الاجتماعية، ونحت الزمن في مدلولها حتى أصبح استعمالها في سياقات غير السياق الذي وضعت له أول مرة، ونقلت دلالته الأصلية إلى دلالات فرعية لا تستقيم، بل كان الضغط –شديدا- في اتجاه قصر مدلوله على ما يثير الشهوات والغرائز، وهو حق أريد به باطل، فما حقيقة الجمال إذن؟ وما مدى عناية الإسلام به؟ وما مظاهره؟ وأية علاقة بين جمال الظاهر والباطن؟

    فحقيقة الجمال في معناه العام، كل قول أو فعل أو صورة تأخذ بلب الإنسان السوي الإحساس بعد أن تنفذ إلى أعماقه وتلامس شغاف قلبه، والإحساس بالجمال والميل إليه شيء فطري ما لم تكل العين ويمرض القلب، وإلا تراءت الأشياء على غير حقيقتها على حد قول الشاعر:

    ويرى الشوك فــي الــورود ويعمـى أن يـــرى فوقهــــا النــدى إكلـيـــــلا

    وعلى غير ما يتصور الكثير من الناس عبر تاريخنا الإسلامي؛ فإن قيمة الجمال كانت موضع عناية عز نظيرها، يظهر ذلك واضحا في تأكيد النصوص الشرعية -قرآنا وسنة- على العناية بالجمال باعتباره قيمة أساسية، سواء تعلق الأمر بجمال الظاهر كالمأكل والمشرب والملبس والمركب والبيوت وأفنيتها، والطرق وفضاءاتها، والأكوان وبهائها، أو جمال الباطن المتمثل في تطهير القلوب من الشرك، والتحلي بمكارم الأخلاق من حياء وصدق وأمانة وبر وإحسان وغيرها، وبحكم هذه الثقافة السائدة للحياة العامة في كنف الإسلام، اكتسب الإنسان في ظلها ذوقا رفيعا، ونفسا مرهفة، تنشرح لمظاهر الجمال، وتنقبض لمنظر القبح والقذارة، ولا غرو أن عد الرسول صلى الله عليه وسلم إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الإيمان بضع وسبعون –أو بضع وستون- شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"[1]؛ لكون نظافة الطريق أبهج لنفوس السالكين، وأنقى للنسيم، ووسيلة للوقاية من انتشار الأوبئة، كما أرشد الرسول الأكرم إلى الجزاء الذي أعده الله لمن يتمتع بالحس الجمالي قائلا: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخره فشكر الله له فغفر له"[2]. وكل ذلك مستمد من شيوع قيم الجمال المترسخة في الحياة الثقافية للمجتمع الإسلامي، والمنبثقة من جمال الطبيعة التي أبدعها الباري عز وجل على غير مثال، والتي يعيش الإنسان بين أحضانها ويقلب نظره بين آياته فيها في كل لحظة من اليوم والليلة، حيث قال عز من قائل: "بديع السماوات والاَرض" [سورة البقرة، جزء من الآية: 117].

    وقال سبحانه واصفا جمال الأرض مخصصا: "اِنا جعلنا ما على الاَرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا" [سورة الكهف، الآية: 7]، كما قال –أيضا- في وصف جمال السماء: "ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين" [سورة الحجر، الآية: 16]، وهكذا لم يترك التصوير القرآني مظهرا من مظاهر الجمال الظاهر والباطن إلا صوره في أجمل صورة، وأبرزه في أبهى حلة.

    لكن على الرغم من عناية الإسلام بقيمة الجمال على مستوى الظاهر والباطن؛ فإن المسلمين لم يعطوا هذه القيمة ما تستحق من العناية فهما وتطبيقا، يدل على ذلك درجة ضمور تآليفهم وإنتاجاتهم في المجال الجمالي، مقارنة بإنتاجاتهم واهتماماتهم بالقيم الأخرى التي أشبعت بحثا ولو على المستوى النظري، ما يؤكد التراجع عن الفهم السليم للجمال الذي ساد قرونا وقرونا، ولا زالت معالم الحضارة الإسلامية في شتى مجالاتها العمرانية والثقافية شاهدة على رسوخ هذا النوع من القيم في حضارتنا الخالدة، فهلا عادت أمتنا إلى إحياء تراثها القيمي وتجديده حتى تعود إليها حياتها الطيبة التي لا عوج فيها ولا ضنكا.

    -------------------------------

    1. أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة رقم: 58.

    2. أخرجه الإمام البخاري، رقم: 652.


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: قيمة الجمال في الإسلام

    قيمة الجمال في الإسلام ـ2 ـ

    د. علي الأصبحي

    لقد حاول الكثير من الفلاسفة والمفكرين أن يعرف الجمال انطلاقا من قسماته وملامحه الحسية، ومعاييره المتواضع عليها، فهذا أبو حامد الغزالي يقسم الجمال إلى ظاهر وباطن، ويعتبر الظاهر من شأن الحواس، والباطن من شأن البصيرة فيقول في الإحياء: "الصورة ظاهرة وباطنة، والحسن والجمال يشملهما، وتدرك الصور الظاهرة بالبصر الظاهر، والصور الباطنة بالبصيرة الباطنة، فمن حرم البصيرة لا يدركها ولا يتذوقها ولا يحبها ولا يميل إليها... ومن كانت عنده البصيرة غالبة على الحواس الظاهرة كان حبه للمعاني الباطنة أكثر من حبه للمعاني الظاهرة".
    ويعرف إخوان الصفا الجمال بأنه التناسق، تأثرا بنظرية التناسق في الكون عند الفيثاغوريين، ويعبر عنه أرسطو "بالانسجام" الحاصل في وحدة تجمع في داخلها التنوع والاختلاف في كل منسجم.
    لكن مهما حاول الإنسان أن يضع للجمال حدا وتعريفا نهائيا فإنه لن يحقق ذلك لسببين اثنين: أولهما أن الجمال أجمل من أن يعرف؛ لأنه ليس قيمة ملموسة دائما قابلة للتقييم والتكميم، فهناك جمال الروح، وجمال الخلق...
    وثانيهما أنه نسبي من حيث تباين إدراك الناس له، فما يراه البعض جميلا قد لا يراه الآخر كذلك..
    وما أود الحديث عنه في هذه العجالة هو جمال الباطن الذي يغفل الكثيرعن مكانته الاعتبارية وأثره الفاعل في السلوك الإنساني كقيمة من القيم الثابتة في ثقافة أمتنا، وماثلة في تراثها وحضارتها، فما حقيقته إذن؟ وما علاقته بجمال الظاهر؟ وما هي وسائل تنميته والمحافظة عليه؟
    جمال الباطن يشمل المعتقدات الصحيحة، والأخلاق الكريمة، والطباع المهذبة، وبتعريف أشمل يتناول كل الاستعدادات الفطرية التي فطر الله الإنسان عليها ليؤدي الوظيفة التي خلق من أجلها على هذه الأرض وهي العبادة بمفهومها الشامل، وجمال الباطن محبوب لذاته، وهو المعتبر في تقييم عمل الإنسان، والمقدم في ميزان الشرع، إذ بصلاحه يصلح الظاهر، أخرج الإمام مسلم في صحيحه: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"[1].
    والرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء: "اللهم كما حسنت خلقي فحسن أخلاقي"...
    إرشادا منه إلى العناية بالفطرة / جمال الباطن، وتأكيدا على أهميتها في تنمية السلوك الإنساني وترقيته.
    وجمال الباطن له أثره الواضح على صورة الإنسان الظاهرة، فيضفي عليها حسنا وبهاء، وقبولا واستحسانا غريبا، وإن كانت تلك الصورة في حقيقتها صورة موحشة، فالمؤمن المهتم بتزكية نفسه، والعناية بمخبره قبل مظهره، يتصف بصورة مميزة، فكل من رآه هابه، ومن خالطه أحبه، وازداد به أنسا وقربا، يشهد لذلك الحديث الذي رواه جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن يألف ولا يؤلف"[2].
    فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره، فتختفي معه ملامحه، ويحل محله البهاء والوضاءة.
    ولما كان جمال الظاهر والباطن معظما في النفوس؛ فإن الله تعالى لم يبعث نبيا إلا كان جميل الصورة، حسن الوجه، كريم الحسب، حسن الصوت، جميل الخلق، وكان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نموذجا جامعا لمكارم الأخلاق بثناء الله عليه في قوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم" [سورة القلم، الآية: 4]، غير أن هذه الفطرة النقية تتأثر بمؤثرات المحيط إيجابا وسلبا، ومن ثم تتأكد الحاجة إلى الحرص على حماية تلك الفطرة من المؤثرات السلبية من خلال وسائل نذكر منها:
    - التربية المنطلقة من أصولنا الثقافية، وفلسفتنا المنبثقة من تلك الأصول، والهادفة إلى غرس الفضائل الجامعة، وهذا معين على حماية الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛
    - التعويد على العمل الصالح الذي يزكي النفوس، ويُنمي الإيمان، ويرقى بالسلوك؛
    - التأسي بالرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه في أقواله وأفعاله، إذ كان من بين أهداف رسالته إصلاح الفطرة والحفاظ عليها نقية سليمة من المؤثرات السلبية الطارئة.
    ----------------------------
    1. صحيح مسلم عن أبي هريرة، رقم: 4651.
    2. أخرجه الطبراني في الأوسط رقم: 5949.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •