إبادة المخطوطات
المخطوطات من كتب ووثائق ونشرات هي تراث أصيل للأمة، من يعرف قدرها يجعل لها خزائن ويحرص على حفظها بكل الوسائل المتطورة حتى تستفيد منها الأجيال، وهي الوجه الحضاري للدول، ولها قيمة عند المثقفين بل يعتد عليها في المحاكم الدولية في حال النزاع .
للأسف في هذا الزمان ينظر للمخطوطات على أنها ليس لها مردود مادي، فهي تكلف الدولة مبالغ كبيرة من خلال الصرف على المقر والموظفين والأجهزة والأرشيف وغيرها، ولم ينظر على أنها تراث مهم تزيد من قوة الدولة وعراقتها وأصالتها وتزيد مكانتها بين أهل العلم والمثقفين .
للأسف عندما حدثت الثورات في مصر وتونس واليمن فإننا سمعنا بأن عددا من هذه المخطوطات فقد أو سرق أو أهمل أو بيع من أصحابها لحاجتهم الماسة إلى المال. سرقت مخطوطات العراق، وبدأنا نراها في متاحف بعض الدول الأوربية .
لقد فقدت الأمة الإسلامية عددا كبيرا من تلك المخطوطات بسبب الحروب والعداوة والانتقام، وتحولت الأنهار إلى لون أزرق بسبب الكم الهائل الذي وضعت به المخطوطات .
وهناك عصابات متخصصة بتزوير المخطوطات لتزايد الطلب عليها، ومنهم من يعتم عليها، وأحيانا تصدر أوامر بالتخلص منها مثلما فعل الامبراطور (تيودوز الثاني) في شرق الامبراطورية الرومانية ففي عام 1448م أصدر مرسوما يطالب بحق كل ما كتبه (الفيلسوف بورفير ) (234 - 305) أو أي شخص آخر ضد فكره وعقيدته التي يؤمن بها .
المخطوطات بدأت توجد في مكتبات شخصية وخاصة أو مراكز خاصة، وكم كنا نرجو أن تقوم الحكومات بشرائها وجعلها في مركز كبير عام ليستفيد منها الجميع ولتضاف إلى تراث البلاد، وذلك لصيانتها من التلف والضياع وتجميعها، ووضع هذه الكنوز في خزائن تحت أياد علمية آمنة ترعاها من أيدي العابثين، وتخطو على هدي أسلافنا في حفظ الكنوز، وتوقظ الهمم لنرى إنتاجهم وإنتاجنا ورسائلهم ورسائلنا محفوظة ومحققة، والنظر إلى الجهود الفردية الجبارة .
وانظروا كيف اقام الخليفة العباسي هارون الرشيد بوضع أسس بيت الحكمة في بغداد ليمثل أول مجمع للغة العربية وفق المفهوم المعاصر للمجامع اللغوية من إثراء اللغة ومواكبة متطلبات العصر لها وتوحيد المصطلحات العلمية وألفاظ الحضارة، وتشجيع الترجمة والتعريف وتيسير قواعد تعليم اللغة من ناحية النحو أو الصرف أو الكتابة، وإحياء التراث، وتحقيق أمهات الكتب العربية القديمة في شتى المجالات .
وأخيرا أقول وبصوت عال: أرجوكم احفظوا المخطوطات في ظل الأوضاع الحالية؛ فهي كنوز لماضي الأمة وحاضرها .
اعداد: د.بسام خضر الشطي