تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: بين الخوف والرجاء.. لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي بين الخوف والرجاء.. لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل

    بين الخوف والرجاء.. لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل (1)






    كتبه/ وائل عبد القادر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ، فَقَالَ لِلْأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ -أَوْ قَالَ مَخَافَتُكَ- فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ).

    وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا) (رواه مسلم). قَالَ الزُّهْرِيُّ: "ذَلِكَ، لِئَلَّا يَتَّكِلَ رَجُلٌ، وَلَا يَيْأَسَ رَجُلٌ".

    وبمجموع روايات الحديث تبيَّن أن هذا الرجل ممَّن كان قبلنا وأنه لم يعمل خيرا قط.

    قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرح هذا الحديث: "قال بن شِهَابٍ -أي: الزهري-: لِئَلَّا يَتَّكِلَ رَجُلٌ وَلَا يَيْأَسْ رَجُلٌ: معناه: أن ابن شِهَابٍ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ خَافَ أَنَّ سَامِعَهُ يَتَّكِلُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ سَعَةِ الرَّحْمَةِ وَعِظَمِ الرَّجَاءِ؛ فَضَمَّ إِلَيْهِ حَدِيثَ الْهِرَّةِ الَّذِي فِيهِ مِنَ التَّخْوِيفِ ضِدَّ ذَلِكَ لِيَجْتَمِعَ الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لِئَلَّا يَتَّكِلَ ولا ييأس، وَهَكَذَا مُعْظَمُ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ".

    وحقًّا قال -رحمه الله-؛ فإن أغلب آيات القران بل وسنة النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على الجمع بين الأمرين (الخوف والرجاء)؛ وذلك "لِئَلَّا يَتَّكِلَ رَجُلٌ، وَلَا يَيْأَسَ رَجُل".

    فالعبد في طريق سيره إلى الله -تعالى- يجمع بين الحالين؛ لئلا يتكل الراجي على سعة رحمة الله فيترك العمل، ولئلا يقنط الخائف من سعة رحمة الله تعالى فييأس ويترك التوبة، وكلا الحالين مذموم؛ قال -تعالى-: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، وقال -عز وجل-: (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (الأعراف: 99).

    فمن أمثلة الجمع بينهما في القرآن: قوله -عز وجل-: (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأعراف: 167)، وقوله -تعالى-: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (غافر: 3)، وقوله أيضًا: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) (الحجر: 49، 50)، وقوله -تعالى-: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام: 147)، وقوله -تعالى-: (اعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة: 98).

    وهذه طريقة الرسل وزبدة دعوتهم في كل أمة حيث قال -تعالى-: (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ) (فصلت: 43).

    وآيات القرآن في الجمع بين الوعد والوعيد، والخوف والرجاء كثيرة جدًّا، جمعت بينهما ليعظم رجاء الناس في فضله -تعالى-، ويشتد خوفهم من عقابه وعذابه الشديد؛ لأن مطامع العقلاء محصورة في جلب النفع ودفع الضر، فاجتماع الخوف والطمع أدعى للطاعة.

    ومن أمثلة ذلك في السنة المطهرة: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ) (رواه مسلم).

    والمعنى: لو اطلع المؤمن على عظم ما عند الله من العقوبة؛ لغطى ذلك على ما يعلمه من سعة الرحمة فيكون ذلك سببًا في حصول الخوف والقنوط، ولو اطلع الكافر على ما عند الله من سعة الرحمة لغطى ذلك على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء.


    قال المباركفوري -رحمه الله-: "وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته؛ كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه، ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه".

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    2,060

    افتراضي رد: بين الخوف والرجاء.. لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل

    جزاك الله خيراً ...

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: بين الخوف والرجاء.. لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل

    آمين وإياكم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: بين الخوف والرجاء.. لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل

    بين الخوف والرجاء.. لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل (2)






    كتبه/ وائل عبد القادر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فمن أمثلة الأحاديث النبوية في الجمع بين الوعد والوعيد، والخوف والرجاء: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ) (رواه البخاري).

    قال ابن بطال -رحمه الله- في شرح البخاري: "الحديث دليل واضح أن الطاعات الموصلة إلى الجنة، والمعاصي المقربة من النار قد تكون في أيسر الأشياء؛ ألا ترى قوله: -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ)؛ فينبغي للمؤمن ألا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا يستقل قليلًا من الشر أن يجتنيه؛ فيحسبه هينًا وهو عند الله عظيم، فإن المؤمن لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا يعلم السيئة التي يسخط الله عليه بها".

    وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "معنى الحديث: أن تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة، والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية".

    وفى السنة المطهرة أحاديث كثيرة في هذا المعنى، وقد بوَّب الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه: "بَابُ الرَّجَاءِ مَعَ الْخَوْفِ".

    قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: "أَيِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ فَلَا يَقْطَعُ النَّظَرَ فِي الرَّجَاءِ عَنِ الْخَوْفِ، وَلَا فِي الْخَوْفِ عَنِ الرَّجَاءِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ فِي الْأَوَّلِ إِلَى الْمَكْرِ، وَفِي الثَّانِي إِلَى الْقُنُوطِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَذْمُومٌ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الرَّجَاءِ: أَنَّ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِاللَّهِ، وَيَرْجُو أَنْ يَمْحُوَ عَنْهُ ذَنْبَهُ، وَكَذَا مَنْ وَقَعَ مِنْهُ طَاعَةٌ يَرْجُو قَبُولَهَا، وَأَمَّا مَنِ انْهَمَكَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ رَاجِيًا عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِغَيْرِ نَدَمٍ وَلَا إِقْلَاعٍ فَهَذَا فِي غُرُورٍ".

    واستدل للترجمة بعدة أحاديث في هذا المعنى.

    وخلاصة ذلك: أن الله تعالى يتعبد عباده بالوعد والوعيد المقتضيين للرجاء والخوف، فكان حريًّا بالمومن وهو يسلك طريق التعبد أن يجمع بين الأمرين فهما كجناحي الطائر يحلِّق بهما.

    وذلك على قواعد وضعها العلماء؛ منها:

    1ـ قال بعض العلماء: إذا كان في طاعة؛ فليغلب الرجاء، وأن الله يقبل منه، وإذا كان على معصية؛ فليغلب الخوف؛ لئلا يتجاسر على المعصية.

    قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "والإنسان ينبغي أن يكون طبيب نفسه، إذا رأى من نفسه أنه أمن من مكر الله، وأنه مقيم على معصية الله، ومتمنٍ على الله الأماني؛ فليعدل عن هذا الطريق، وليسلك طريق الخوف، وإذا رأى أن فيه وسوسة، وأنه يخاف بلا موجب؛ فليعدل عن هذا الطريق وليغلب جانب الرجاء حتى يستوي خوفه ورجاؤه".

    وقال بعضهم: يجعل رجاءه وخوفه واحدًا في كل أحواله، واستدل لذلك بحديث رواه الترمذي، وابن ماجه، وغيرهما بسند حسنه الشيخ الألباني: عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ: (كَيْفَ تَجِدُكَ؟) قَالَ: أَرْجُو اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ الَّذِي يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ).


    جاء في حاشية السندي على ابن ماجه: "قوله: (لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ): يدل على أنه ينبغي وجود الأمرين على الدوام حتى في ذلك الوقت، وأنه لا ينبغي أن يغلب الرجاء في ذلك الوقت، بحيث لا يبقى من الخوف شيء".


    ورجح آخرون أن يغلب الخوف حال الصحة، والرجاء حال المرض؛ قال العلائي: "هذا بيان واضح لوقوف العبد بين حالتي الرجاء والخوف، وإن كان الخوف وقت الصحة ينبغي كونه أغلب أحواله؛ لأن تمحض الخوف قد يوقعه في القنوط، فينقله لحالة أشر من الذنوب".

    وقال النووي -رحمه الله-: "قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ لِلْوَاعِظِ أَنْ يَجْمَعَ فِي مَوْعِظَتِهِ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ؛ لئلا يقنط أحد ولا يتكل. قَالُوا: وَلْيَكُنِ التَّخْوِيفُ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ إِلَيْهِ أَحْوَجُ؛ لِمَيْلِهَا إِلَى الرَّجَاءِ وَالرَّاحَةِ وَالِاتِّكَالِ، وَإِهْمَالِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ".



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •