أعظم أسباب النصر
محمد بن إبراهيم السبر
الحمد لله أرشدَ وهدى، ووفَّق من شاء من عباده طريق الهدى، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، أحمده سبحانه وأشكره، لا تحصى آلاؤه عددًا، ولا تنقطع فضائله مددًا، وأشهد أن لا إله إلا الله ندعوه ولا نشرك به أحدًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله المجتبى ورسوله المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان صلاةً وسلامًا دائمًا أبدًا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فإن الله وعد المتقين من عباده بالعون والتأييد: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].
عباد الله، لا يزال الصراع بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر قائمًا ومستمرًّا حتى يرث الله الأرض ومَن عليها، ولا يزال أهل الكفر يَمكرون ويكيدون للإسلام وأهله فيقتلون، ويعيثون فسادًا في بلاد المسلمين، جرائم وجراحات تُدمي القلوب، وتدمع لها العيون، وتتفطر لها الأكباد، فالآلام متجددة وأفعال الكفرة المعتدين في بلاد المسلمين متعددة ومتشابهة، اجتمعوا على اختلافهم مِللهم ضد أهل الإسلام، {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8].
لكن أهل الإيمان بربِّهم مستيقنون، وبصدق وعده مؤمنون، فنصره قريب لهم بعد أن تمضِيَ فيهم سُنَّةُ الابتِلاء بالتمحيص، كما مضَت فيمن سبقَهم من الأُمم {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة: 214].
النصر قريب وهو من عند الله وحده، يؤيد به من يشاء {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[ آل عمران: 126[، {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} [ آل عمران: 13].
النصر له أسبابه الشرعية التي متى ما أخذ بها المسلمون تنزل عليهم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ الأنفال:45-44].
الاستغاثة بالله أعظم وأقوى عوامل النصر، فهو القوي القادر على نصر أوليائه، إلا أن بعض المسلمين بذلوا الأسباب المادية، ونسوا أو تناسوا السبب الأكثر أهمية منها، وهو صدق الدعاء والتضرع، فمن حكم الله الظاهرة في إنزال المحن والبلاء أن يتضرع إليه العباد، ويلجؤوا إليه؛ كما قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[ الأنعام:43]، {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [ المؤمنون: 76].
وقد كان للدعاء أثرٌ بالغٌ في تثبيت المؤمنين وإحراز النصر في مواطن كثيرة؛ قال تعالى واصفًا حال المؤمنين يوم بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [ الأنفال: 9].
و(لَما كان يوم بدر نظر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المُشركين وهم ألف، وأصحابُه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبلَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم القِبلة، ثم مدَّ يدَيْه، فجعلَ يهتِفُ بربِّه: «اللهم أنجِز لي ما وعدتَّني، اللهم آتِ ما وعدتَّني، اللهم إن تهلِك هذه العِصابةُ من أهل الإسلام لا تُعبَد في الأرض»، فما زالَ يهتِف بربِّه مادًّا يدَيْه، مُستقبِلًا القِبلة، حتى سقط رداؤُه عن منكِبَيْه)؛ (رواه مسلم).
ودَعَا النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى الأَحْزَابِ، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ»؛ (رواه مسلم).
صدقُ اللجأ إلى الله والاعتصامُ به هو سلاح المؤمنين الصادقين، والسلاح بضاربه، فكلما كان الداعي أخلص وأقرب لربه، كان مستجاب الدعوة، وكان منصورًا بإذن الله تعالى.
وفي قصة طالوت وجنده وصف القرآن حالهم عند ملاقاة عدوهم: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، وبعد هذا الدعاء، كان الجواب من الله: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} [البقرة: 250- 251].
قال الحافظ الذهبي: الاستنصار بالله والاستعانة به، أعظم الجهاد، وأعظم أسباب النصر، فلا تهوين من شأن الدعاء، وصدق اللجأ إلى الله، في طلب النصر والفرج، كما يظن الجهلاء والسفهاء.
أتَهزأ بالدعاء وتزدريــــــــه ** وما تدري بما صنع الدعاء
سهامُ الليل لا تخطي ولكن ** لها أمدٌ وللأمد انقضـــــاء
فيا أيها المسلمون الدعاءَ الدعاءَ والإلحاحَ الإلحاح، والتضرعَ التضرع، وإياكم والغفلة عن هذا السلاح العظيم، فأعجزُ الناس من عجز عن الدعاء.