مشكلات التربية في مرحلة الطفولة (1)
الأمية التربوية
كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تكلمنا في مقالاتٍ سابقةٍ عن كيفية التربية في مرحلة الطفولة في ضوء الكتاب والسُّنَّة، والخبرات الموافقة لهما -والحمد لله على فضله-، وسوف نتبعها -إن شاء الله- بسلسلةٍ مِن المقالات عن مشكلاتها، وكيفية حلِّها بالمنهج نفسه، والله المستعان، ومنه التوفيق والسداد.
- فهناك حقيقة مجمع عليها بين علماء النفس: أن الأسرةَ مِن أهم عوامل النجاح والفاعلية؛ لأنها مرتكز العلاقات الأولى، ونقطة انطلاق الفرد إلى المجتمع، فإذا شابها خلل عاد بالسلب على الطفل، ممتدًا إلى المجتمع.
- ومِن الثابت أيضًا: أن كثيرًا مِن مشاكل الكبار، ترجع إلى خبراتٍ قاسيةٍ عانوها في طفولتهم داخل الأسرة؛ ولذلك كانت رأس مشاكل التربية، هي: الأمية التربوية، وضعف الإعداد التربوي عند كثيرٍ مِن الآباء والأمهات؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وضعيف الشيء لا يحسنه؛ فتنشأ مِن ذلك مشاكل تربوية جمة، تؤثِّر على الأجيال؛ صغارًا وكبارًا.
- ولذلك كانت أول لبنة في بناء التربية الشامخ هي: "إصلاح الوالدين أنفسهما": فتربية الولد تحتاج إلى إعدادٍ جيِّدٍ قبل وجوده بسنين، كما قال أحد الغربيين: "إن تربية الولد تكون قبل أن يُولَد بعشرين سنة!".
وصدق في ذلك، والمقصود: أن يُصلح الزوجان من أنفسهما، وأن يكونا قدوة صالحة لولدهما؛ لأن التربية الناجعة تكون بالقدوة.
ويشمل ذلك ما يأتي:
1- تزكية النفس وتنقيتها من الشوائب:
فلكلٍّ منا شوائب نفسية كثيرة تحتاج إلى تنقية بتزكية النفس، وتحليتها بضدها؛ حتى لا تتأثر بها زوجته أو ولده، فكثيرًا ما نسمع عمَّن يُصبغ ولده بمشاكله النفسية، وخبراته القاسية التي تألَّم منها وهو صغير، وهذا خطأ كبير، بل ينبغي أن يتخلص الإنسان من هذا الماضي سريعًا، وأن يقول: قَدَّر الله وما شاء فعل، وأن يدعو لوالديه، وأن يستفيد مِن هذه الأخطاء، فيحذرها في تعامله مع زوجته أو طفله، ويحلّي نفسه بضدها، وهذا -إن شاء الله- مقدور عليه بالدعاء، وبالتطبع حتي يصير طبعًا محمودًا فيه.
- ومما يعين على ذلك أيضًا: الأخذ بأسباب الصلاح مِن: المحافظة على الفرائض، والتقرب لله -تعالى- بالنوافل، والمحافظة على تلاوة الورد اليومي مِن القرآن بتدبرٍ وتفهمٍ، وكذا أذكار الصباح والمساء، وذِكر الله في كلِّ الأحيان، وصوم الاثنين والخميس، وصوم ثلاثة أيام مِن كل شهر، وكذا قيام الليل، والصدقة، والصلة، وفعل المعروف والإحسان، والتحلي بأخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وآدابه.
- ولهذا الصلاح أثر عظيم في تربية الأولاد: قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) (الكهف:82).
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: "فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفَظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة؛ لتقر عينه بهم كما جاء في القرآن، ووردتْ به السُّنَّة.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: حُفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاحًا. وتقدَّم أنه كان الأب السابع! والله أعلم" (انتهى من تفسير ابن كثير).
فمن قـَرَّت عينه بالله قـَرَّتْ به العيون، ومَن أحبَّ اللهَ؛ أحبَّه كلُ شيء مِن: زوجة، وولد، وغيرهما.
وهذه الصفة أصل لما وراءها من الصفات، ومنها تنبع.
2- العلم:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
قال إسحاق بن راهويه -رحمه الله-: "معناه: يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه من وضوئه وصلاته وزكاته إن كان له مال، وكذلك الحج وغيره" (جامع بيان العلم وفضله).
فيلزم هنا تعلم العلم الذي يتعلَّق بتربية الأولاد، ويشمل العلم بالشرع، والعلم بالواقع:
أما العلم بالشرع فهو: ما يتعلق شرعًا بتربية الطفل من تعهُّد صلاته وصيامه، وأخلاقه، وضوابط تأديبه؛ خاصة الزجر والضرب، والعدل بين الأولاد في العطية ونحوها.
وأما العلم بالواقع: بالنظر في تجارب عقلاء المربين الملتزمين بالمنهج الصحيح، ومِن غيرهم، إذا وافق منهج الإسلام وشرائعه.
ونكمل في المقال القادم -بمشيئة الله-.