القواعد الفقهية والأصولية المنظمة للعمل الخيري
يركز البحث على ضرورة اتخاذ القواعد الفقهية دليلا علميا ومنهجا تطبيقيا يجنب الأعمال الخيرية ومؤسساتها الزلل والوقوع في الأخطاء
المؤلف: عيسى صوفان القدومي
نستعرض في هذه الحلقة كتابا يعد إضافة لمكتبة العمل الخيري لا غنى عنه لكل باحث؛ حيث إن هذا الإصدار (القواعد الفقهية والأصولية المنظمة للعمل الخيري) لمؤلفه د. عيسى صوفان القدومي، يتضمن تعريفا مختصرا بعلم القواعد الفقهية وعلاقته بغيره من علوم الفقه، كما يتضمن تقرير أهمية التأصيل الشرعي لمؤسسات العمل الخيري، في مجالاتها الإدارية والعملية وأعمالها الميدانية، وقد صدر هذا البحث عن (جمعية الدراسات والتنمية الوقفية) ضمن سلسلة الوثائق والحجج الوقفية، ويقع البحث في مجلد واحد بعدد صفحات 72 صفحة، يحتوي على تمهيد ومقدمة وخمسة بحوث ثم الخاتمة والنتائج والتوصيات.
التَّعريفُ بمَوضوعِ الكتابِ
تضمن البحث سردا وشرحا لأهم القواعد الفقهية التي يتسع مجال تطبيقها وتكثر الصور المندرجة تحتها في مجال الأعمال الخيرية، لا سيما ما ارتبط منها بالنوازل المعاصرة، ويركز البحث على أن اتخاذ تلك القواعد دليلا علميا ومنهجا تطبيقيا، يجنب الأعمال الخيرية ومؤسساتها الزلل والوقوع في الأخطاء الكبيرة؛ فالعمل في المجال الخيري من المهمات الشرعية والوظائف الدينية والاجتماعية التي تتطلب علما شرعيا وبصيرة، ولا تبرأ الذمم إلا إذا نفذت الأعمال وفق ضوابط الشرع وقواعده. المقدمة
تناول الباحثُ في مقدمة بحثه أمورا عدة، منها أن علم (القواعد الفقهية)، يعد فرعا من فروع علم الفقه الإسلامي ونتيجة له، وكذلك تناول أهمية تأصيل العمل الخيري على طريقة القواعد الفقهية، وأنه من مميزات العمل الخيري أنه دوما مواكب للنوازل، ومصاحب للكوارث، وهو من قبيل العلاج الشرعي للتقديرات الكونية التي يقضيها الله -عز وجل- على عباده بحكمته، كما أجمل المؤلف فوائد دراسة القواعد الفقهية للقائمين على المؤسسات الخيرية بالآتي: أنها تعين من تولى إدارة الأموال المتبرع بها على ضبط كثير من المسائل التي قد تشتبه عليه.
أنها تضبط الفروع الفقهية وتجمع شتاتها، وهذا من فوائدها العامة.
أنها تعين المفتين والقضاة والمحكمين عند البحث عن حلول للمسائل الخيرية المعروضة والنوازل الطارئة.
أنها تجعل الأداء في المؤسسات الخيرية والوقفية والتطوعية مبنيا على قواعد وضوابط مرعية.
أنها باب لضمان حفظ الأصول والأموال الخيرية والوقفية ونمائها والتحسين المستمر للأعمال.
أنها تجنب العاملين الوقوع في المخالفات والشبهات التي قد تلحق بالمؤسسات الخيرية والعاملين فيها.
مباحث الكتاب
تناول الباحث في مؤلفه خمسة مباحث، جاءت على النحول الآتي: المبحث الأول
القواعد الأصولية المؤثرة في نوازل العمل الخيري
في هذا المبحث بين المؤلف أن من بين القواعد الأصولية، جملة من القواعد التي يستفاد منها في دراسة أعمال المكلفين وتصرفاتهم القولية والفعلية وبيان آثارها الشرعية على المكلف وغيره، مما جعلها قواعد أصولية فقهية في آن واحد، لوجود التطبيقات المشتركة لها، ثم تناول المؤلف العديد من هذه القواعد نذكر منها على سبيل المثال ما يلي: الأصل في الأشياء الإباحة
التوضيح: هذه قاعدة استصحاب البراءة الأصلية في كل ما لم يرد دليل على منعه وأنه حلال مباح، وذلك على السواء في الأعيان والتصرفات. ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
التوضيح: هذه قاعدة أصولية، فكل ما كان مباحا في ذاته، ولم يرد نص شرعي يدل على وجوبه، وكان لا يمكن التوصل إلى أداء واجب شرعي إلا به، فالأخذ به واجب. المبحث الثاني
القواعد الفقهية المتعلقة بنوازل العمل الخيري
في هذه المبحث أكد المؤلف أن للأعمال الخيرية أنواعا ثابته يحرص عليها المسلمون في كل مجتمع وفي كل زمان ومكان تقريبا، كما بين أنه لابد من وعي ومعرفة بالقواعد الفقهية الكلية التي تستوعب أحكام النوازل، وقد عرض كثيرا منها، وكان مما تناوله المؤلف في هذا المبحث: الإنفاق لا يحتمل التأخير
هذه القاعدة من القواعد الحاكمة على زمن التصرف؛ فالواجب على المنفق إعطاء ما وجب عليه من النفقة في وقتها المحدد المعتاد، ففي حالات النكبات والنوازل العامة والكوارث، فإن تقديم المساعدات الفورية من طعام وشراب وأغطية وأماكن الإيواء مقدم على ما دونه من الأعمال الخيرية، والإنفاق على مثل هذه الأساسيات واجب لا يحتمل أدنى تأخير. كل متصرف على الآخر فعليه أن يتصرف بالمصلحة
وتوضيح هذه القاعدة أن إنفاذ ما يصدر عن الحاكم أو من يتولى أمرا من الأمور التي تتعلق بتدبير أمور الناس وسياستهم، ينبغي أن يكون متعلقا بتحقيق المصلحة لهم، ودفع المفسدة عنهم، وهذا يشمل الوالي، والقاضي، وولي البنت ومتولي الوقف، والوصي، وغيرهم. المبحث الثالث
قواعد التفاضل في برامج العمل الخيري
ذكر المؤلف في هذا المبحث أنه لما كانت الأعمال الخيرية ذات تأثير اجتماعي عام، فإن التزام القائمين عل الأعمال الخيرية باختيار الفاضل دوما، من شأنه أن يزيد في بصمة المؤسسات الخيرية في الحياة العامة، ويضاعف من قدرتها على النفع والإصلاح والتأثير الإيجابي، ومن القواعد التي يستعان بها على معرفة الوجوه الفاضلة من المفضولة في عمل الخير نذكر منها: النفع المتعدي أولى من القاصر
فالثواب يتناسب مع شيوع الخير وانتشاره وكثرة المستفيدين منه، فإذا كان أثر الفعل يتعدى صاحبه إلى غيره، فإن ثوابه يكون أكثر من ثواب الفعل الذي لا يقتصر أثره على فاعله فقط. يقدم في كل ولاية من هو أقوم مصالحها
هذه قاعدة تكشف المعيار الأهم الذي لابد من مراعاته وعند اختيار من يراد توليته أو إسناد عمل إليه، وهذا يختلف باختلاف المهام والأعمال؛ إذ كل عمل يحتاج لمهارة معينة؛ فيقدم في كل عمل من كان أدرى وأقوم بمصالحه. المبحث الرابع
قواعد الضرورة والحاجة في العمل الخيري
جعل المؤلف هذا المبحث خاصا بالقواعد التي تندفع بها الضرورات، والأمور التي يمكن أن تستباح ويتسامح فيها في العمل الخير تماشيا مع المضايق وتناول في هذا المبحث قواعد منها: الميسور لا يسقط بالمعسور
ومفاد هذه القاعدة العظيمة أن الشيء إن لم يكن مقدورا على تحقيقه كله، وإنجازه بتمامه، لم يًجعل ذلك ذريعة إلى تركه بالكلية، مع كون تحقيق مُعظمه وأكثره ممكنا. الاحتساب لا يمنع الاكتساب
بمعنى أن الإتيان بالعمل وإيقاعه طلبا في الأجر والثواب وابتغاء مرضاة الله، لا يتعارض ولا يكون مانعا من أن يترتب على ذلك العمل كسب ورزق للعامل. المبحث الخامس
فقه المآلات وأثره في العمل الخيري
وهنا تناول المؤلف بابا من أدق أبواب الفقه؛ حيث إن اعتبار المآلات، ومراعاة نتائج التصرفات واستشراف ما تكون عليه الأمور في المستقبل لا يحسنه إلا ذو نظر ناقد وبصيرة، وتناول المؤلف في هذا المبحث قواعد كان منها: الدفع أسهل
وتلك القاعدة تدور على تقرير أن الوقاية من الشر قبل وقوعه أيسر وأسهل من رفعه وعلاج آثاره بعد وقوعه وتمكنه، وهذا المعنى مشهور في الطب بلفظ (الوقاية خير من العلاج). إذا تبين عدم إفضاء الوسيلة إلى المقصود بطل اعتبارها
وذلك معناه أن الوسائل والأسباب المفضية إلى أمور مقصودة للشارع، وليست مقصودة في ذاتها، إنما تتخذ وتتبع إذا تحقق المكلف من إيصالها إلى المقصود، فإذا تبين عدم إيصالها إلى المقصود وإسهامها في تحقيقه، فالأخذ بها ليس مطلوبا في الشرع، وعدها ساقطا.
منقول