حكم الاحتفال بالمولد النبوي
الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي ما ترك خيرًا إلا هدى إليه، ولا شرًّا إلا حذَّر منه، عليه من ربِّه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم.
أمَّا بعد، فقد اعتاد كثيرٌ من الناس في سائر الأقطار الإسلامية والعربية إقامة الحفلات الرائعة لذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من كلِّ سنة، زاعمين أن هذه الاحتفالات عبارة عن إظهار الشكر لله على وجود هذا النبي الكريم، بإظهار السرور بمثل اليوم الذي وُلِد فيه صلى الله عليه وسلم وإظهار محبته والولاء له.
فيقال: لا شك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو سيِّد الخلق وأعظمهم، وقد أرسله الله رحمةً للعالمين، وحجة على الخلائق أجمعين، وكانت ولادته وهجرته ووفاته في شهر ربيع الأول، وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود والشفاعة العظمى، أرسله الله بين يدي الساعة شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وقد بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهَد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين من ربِّه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ومع هذا فلا يجوز لأحدٍ أن يُقِيم احتفالات بمولده صلى الله عليه وسلم ولا بمولد غيره.
الأدلة على تحريم الاحتفال بالمولد:
1- أنه صلى الله عليه وسلم لم يُقِم احتفالًا بمولده، لا هو ولا خلفاؤه الراشدون ولا الأئمة الأربعة، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضَّلة الثلاثة الذين هم خير القرون، ولو كان في هذا الاحتفال خير لسبقونا إليه، وهم أعلم الناس بالسنَّة، وأكمل حبًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممَّن بعدهم.
2- قول الله -تعالى-: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، وقد بيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ ما نحتاج إليه في أمور ديننا ودنيانا، فلم يشرع لنا الاحتفال بمولده لا بقوله ولا بفعله، وقد أكمل الله له ولأمَّته دينهم، وأتَمَّ به عليهم النعمة، ورضِي لهم الإسلام دينًا.
3- قوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين؛ تمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحدَثات الأمور؛ فإن كلَّ مُحدَثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة))، رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وهذا تحذيرٌ للأمة من اتِّباع الأمور المُحدَثة، ومن ذلك الاحتفال بالمولد.
4- قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ))؛ رواه البخاري ومسلم، وفي روايةٍ لمسلم: ((مَن عمل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ))، وهو صريح في ردِّ كلِّ بدعة ليس لها أصلٌ في الكتاب ولا في السنَّة؛ كالاحتفال بالمولد.
5- أن العبادات توقيفيَّة ليس لأحدٍ أن يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله؛ قال -تعالى-: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21].
6- دعوى إظهار محبَّة الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الاحتفالات دعوى باطلة، وإنما تظهر محبَّته في الاقتداء به واتباع سنته، والعمل بشريعته وتحكيمها في القليل والكثير، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتخلق بأخلاقه والتأدُّب بآدابه؛ قال الله -تعالى-: ﴿ قُل إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
ما تشتمل عليه الاحتفالات بالمولد النبوي من المنكرات:
1- مخالفة السنة.
2- ارتكاب البدعة.
3- اختلاط الرجال بالنساء والافتتان بهن؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))؛ رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
4- مشابهة النصارى في الاحتفال بميلاد عيسى - عليه السلام -، وقد نُهِينا عن مشابهتهم وأُمِرنا بمخالفتهم، وفي "جامع الترمذي" عن عبدالله بن عمرو - رضِي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منَّا مَن تشبَّه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ومَن تشبَّه بقوم فهو منهم))؛ رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصحَّحه ابن حبان.
5- استعمال آلات اللهو والغناء المحرَّم وشرب المسكرات.
6- الإسراف والتبذير وإضاعة الأموال في سبيل هذه الموالد، فهي نفقة لم يأذن بها الله ولا رسوله.
7- وقد يقع في هذه الموالد ما هو أعظم من ذلك من الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وطلب المدد منه، وسؤاله قضاء الحاجات وتفريج الكربات، وشفاء المرضى والنصر على الأعداء، وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، وقد قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ [الجن: 21]، وهذا في حياته فكيف بعد وفاته؟
ذِكْرُ بعض مَن أنكر الاحتفال بالمولد من علماء الإسلام:
1- الإمام سليمان بن خلف الباجي، من أئمَّة العلماء بالمغرب، وشارح كتاب "الموطأ"، وأحد شيوخ الإمام ابن عبدالبر الأندلسي المتوفى سنة 494 هـ سُئِل - رحمه الله - عن المولد، فأجاب: لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة، ولا بنقل عمل عن أحدٍ من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، بل كل هذا بدعة ابتدعها البطالون[1].
2- شيخ الإسلام ابن تيميَّة المتوفى عام 728 هـ في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" (ص 294) قال: ما يُحدِثه بعض الناس مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى - عليه السلام - من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا فإن هذا لم يفعله السلف.
3- ابن الحاج في "المدخل" (ج2/ ص3) قال: ومن جملة ما أحدثوه من البدع - يعني: الصوفية - ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد، وقد احتوى على بدع وانحرافات جمَّة.
4- الشيخ علي محفوظ في كتابه "الإبداع في مضارِّ الابتداع" (ص 126- 130) قال: "لا نزاع في أن الاحتفال بالمولد من البدع"، وذكر المفاسد الناتجة عنها.
5- الشيخ محمد بن عبدالسلام في كتابه "السنن والمبتدعات" (ص 122، 123) قال: فاتخاذ مولده صلى الله عليه وسلم موسمًا والاحتفال به بدعة منكرة وضلالة، لم يَرِد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير فكيف غفل عنه الخلفاء الراشدون والتابعون والأئمة وأتباعهم؟
6- الشيخ إبراهيم عبدالباقي في كتابه "تصحيح الإيمان" (ص 188، 193) قال: ولو حلَّلنا هذه الموالد تحليلًا صحيحًا لما وجدنا فيها عنصرًا من عناصر الخير، ثم ذكر عيوبها وما ينتج عنها من مفاسد.
7- الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة السابق، له رسالة "حكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على مَن أجازه" قال فيها: إن ممَّا أُحدِث بعد القرون المشهود لها بالخير بدعة الاحتفال بالمولد النبوي.
8- الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، له رسالة خاصة في هذا الموضوع ضمن رسائله في التحذير من البدع قال فيها: "إن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله - سبحانه - ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها.
9- الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد، له رسالة ضمن رسائله المسماة بـ"الرسائل الحسان في نصائح الإخوان" ص (23) قال: إن هذه الاحتفالات المبتدعة هي من سنن النصارى، وليس في الإسلام أصلٌ لهذا، بل الإسلام ينهى عن مشابهتهم ويأمر بمخالفتهم، ومعلوم أن كلَّ بدعة يتعبَّد بها أصحابها فهي محرَّمة ممنوعة.
10- الشيخ عبدالله بن محمد الخليفي إمام الحرم المكي في رسالته "القول المبين في رد بدع المبتدعين" (ص 43) قال: "اعلم - رحمك الله - أن اتِّخاذ بعض الناس يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم عيدًا مُحدَث لا أصل له في الشرع".
نصيحة وتحذير:
وبناءً على ما تقدَّم من كلام الله -تعالى- وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم فإننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يتمسَّكوا بتعاليم دينهم وبكتاب ربهم وسنة نبيهم، وأن يحذروا من الوقوع في البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ ليفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة، ويسلموا من شقاوة الدنيا والآخرة، فإن الخير كله في طاعة الله ورسوله، والشر كله في معصية الله ورسوله؛ قال -تعالى-: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71]، ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
============================== =========
[1] انظر كتاب: "البيان في تصحيح الإيمان"؛ لإبراهيم عبدالباقي: ص193.