تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: من آداب طالب العلم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي من آداب طالب العلم

    من آداب طالب العلم (1)

    د. أمين بن عبدالله الشقاوي



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
    «فإن طلب العلم عبادة من أجلِّ العبادات وأفضلها، فقد جعله الله تعالى في كتابه قسيمًا للجهاد في سبيل الله؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة: 122]؛ يعني بذلك الطائفة القاعدة: ﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْيُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُفِيالدِّينِ»[1]، والفقه هو العلم بالشرع فيدخل فيه علم العقائد والتوحيد وغير ذلك؛ قال الإمام أحمد: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيتُه، قالوا: وكيف تصح النية يا أبا عبد الله؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره.
    1- والإخلاص في طلب العلم يحصل بالآتي:
    أ- بأن ينوي امتثال أمر الله بطلب العلم؛ لأن الله قال: ﴿ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد: 19] وذكر فضل أهل العلم، فقال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11].
    ب- حفظ شريعة الله؛ لأن حفظ شريعة الله يكون بالتعلم والحفظ في الصدور، ويكون بالكتابة.
    ج- حماية الشريعة والدفاع عنها؛ لأنه لولا العلماء ما حميت الشريعة ولا دافع عنها أحد.
    د- اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يتبع شريعته حتى يتعلم هذه الشريعة.
    وليحذر طالب العلم من حب الظهور والتفوق على الأقران وجعله سلمًا لأغراض من جاه أو مالٍ، أو تعظيمٍ أو سمعة، أو طلب محمدة أو صرف وجوه الناس إليه، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية أفسدتها، وذهبت بركة العلم؛ روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[2].
    2- أن يكون طالب العلم على طريق السلف الصالح في جميع أبواب الدين من التوحيد والعبادات والمعاملات وغيرها، وعليه ترك الجدل والمراء والخوض في علم الكلام لما يجلبه من الآثام، وأن يبتعد عن التنطع والتكلف بل يجعل علمه سهلًا ميسرًا.
    3- ملازمة خشية الله تعالى، والمحافظة على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها والدعوة إليها؛ قال الإمام أحمد: «أصل العلم خشية الله تعالى»، والخشية هي الخوف المبني على العلم والتعظيم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر: 28].
    4- دوام المراقبة لله، والمراقبة أن يعبد الله كأنه يراه؛ يقوم للصلاة فيتوضأ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6]، يقوم يتوضأ وكأنه ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، عندما قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا»[3]، وهذا أمر مهم.
    5- التحلي بآداب النفس من العفاف والحلم والصبر والتواضع للحق، وخفض الجناح متحملًا ذلَّ التعلم لعزة العلم، ذليلًا للحق، بعيدًا عن الخيلاء؛ وذلك لأن المقام يقتضي أن يكون عند طالب العلم عفة عما في أيدي الناس، وعفة عن النظر المحرم، وحلم لا يُعاجل العقوبة إذا أساء إليه أحدٌ، وصبر على ما يحصل له من الأذى مما يسمعه، إما من عامة الناس، وإما من أقرانه، وإما من معلمه فيصبر ويحتسب، والتواضع للحق، وكذلك للخلق، فالتواضع للحق بمعنى أنه متى بان له الحق خضع له ولم يتبع سواه بديلًا، وكذلك للخلق فكم من طالب فتح على معلمه أبوابًا ليست على بال منه، فلا تحقرن شيئًا، وكذلك ينبغي لطالب العلم أن تعلوه السكينة والوقار، والمقصود أن يحذَر كل الحذر من الإعجاب بالنفس، ففي الحديث: «مَنجَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ،لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إلَيْهِ يَومَ القِيامَةِ»[4]، فالإعجاب يكون بالقلب فقط، فإن ظهرت آثاره فهو خيلاء.
    6- أن يكون بعيدًا عن الكبر والحسد، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه: «بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ»[5]، وبطر الحق: هو رد الحق، وغمط الناس؛ يعني: احتقارهم وازدراءهم.
    والحسد هو أول ذنب عُصي الله به؛ قال تعالى عن الشيطان: ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص: 76].
    7- القناعة والزهد: «الزهد في الحرام والابتعاد عن حماه بالكف عن الشبهات وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس»، فالتحلي بالقناعة من أهم خصال طالب العلم.
    ومعناه أن يقتنع بما آتاه الله تعالى؛ لأن بعض طلبة العلم وغيرهم تجده يريد أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين، فيتكلف النفقات في المأكل والمشرب والملبس والفرش، ثم يثقل كاهله بالديون وهذا خطأ، فالقناعة خير زاد المسلم، وفي الحديث: «قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا،وَقَنّ َعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ»[6].
    قيل لمحمد بن الحسن الشيباني رحمه الله: لِمَ لا تصنف كتابًا في الزهد؟ قال: «قد صنفت كتابًا في البيوع، يعني: الزاهد من يتحرز عن الشبهات والمكروهات في التجارات، وكذلك في سائر المعاملات والحِرَف»؛ ا.هـ.
    قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله عن شيخه محمد الأمين الشنقيطي: كان رحمه الله متقللًا من الدنيا، وقد شافهني بقوله: «لقد جئت من بلاد شنقيط ومعي كنز قلَّ أن يوجد عند أحد وهو القناعة، ولو أردت المناصب لعرفت الطريق إليها، ولكني لا أُوثر الدنيا على الآخرة، ولا أُبدل العلم بنيل المآرب الدنيوية»، فرحمه الله رحمة واسعة.
    8- التحلي بحسن السمت والهدي الصالح من دوام السكينة والوقار، وعليه أن يجتنب اللعب والعبث، والعبث هو أن يفعل فعلًا لا داعي له، أو يقول قولًا لا داعي له.
    قال محمد بن سيرين: كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم، وكذلك البعد عن التبذل في المجالس بالسخف والضحك والقهقهة، وكثرة التندُّر وإدمان المزاح والإكثار منه، فإنما يستجاز من المزاح بيسيره ونادره، وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر ويزيل المروءة، وخاصة عند عامة الناس، فإن ذلك يُذهب هيبة طالب العلم وهيبة العلم الذي يحمله.
    قال الأحنف بن قيس: جنِّبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل يكون وصَّافًا لفرجه وبطنه، وقد قيل: «من أكثر من شيء عُرف به»[7].

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ============================== ================
    [1] صحيح البخاري برقم (7312)، وصحيح مسلم برقم (1037).
    [2] (14 /169) برقم (7457) وقال محققوه: إسناده حسن.
    [3] صحيح البخاري برقم (164)، وصحيح مسلم برقم (226).
    [4] صحيح البخاري برقم (3465)، وصحيح مسلم برقم (2085).
    [5] صحيح مسلم برقم (19).
    [6] صحيح مسلم برقم (1054).
    [7] شرح حلية طالب العلم للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ص (15 /46) بتصرف.


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: من آداب طالب العلم

    من آداب طالب العلم رقم (2)

    د. أمين بن عبدالله الشقاوي


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:
    فلا زال الكلام على آداب طالب العلم وما ينبغي أن يتحلى به، فمن ذلك:
    1- التحلي بالمروءة وما يحمل إليها من مكارم الأخلاق وطلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وتحمُّل الناس والأنفة من غير كبرياء، والعزة في غير جبروت، والشهامة في غير عصبية، والحمية في غير جاهلية، والمروءة: هي استعمال ما يجمل العبد ويزيِّنه من الأعمال والأقوال والهيئات، وترك ما يدنِّسه ويشينه في كل ذلك، سواء مع الخالق أو مع المخلوق، وسواء تعلق ذلك به أو تعداه إلى غيره.
    قال ابن حبان رحمه الله: والمروءة عندي خصلتان: اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال، واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال [1].
    ومكارم الأخلاق هي أن يتخلق المسلم بالأخلاق الفاضلة الجامعة بين العدل والإحسان، فيأخذ بالحزم في موضع الحزم، وباللين واليسر في موضع اللين واليسر، وعليه أن يجتنب خوارم المروءة في طبع أو قول أو عملٍ من حرفةٍ مهينةٍ، أو خلة رديئة، كالعجب والرياء والبطر والخيلاء، واحتقار الآخرين، وغشيان مواطن الرِّيَب، قال أبو حاتم البستي رحمه الله: الواجب على العاقل تفقُّد الأسباب المستحقرة عند العوام من نفسه؛ حتى لا يثلم[2] مروءته، فإن المحقرات ضد المروءات تؤذي الكاهل في الحال بالرجوع القهقرى إلى مراتب العوام وأوباش الناس[3].
    2- التمتع بصفات الرجولة؛ من الشجاعة، وشدة البأس في الحق، والبذل في سبيل المعروف، والحذر من ضعف الجأش، وقلة الصبر.
    فالشجاعة هي الإقدام في محل الإقدام، ويلزم أن تُسبق برأي وتفكير وحنكة، ولهذا قال الشاعر:
    الرَّأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُّجعانِ

    هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثَّانِي

    فَإِذا هُما اجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ

    بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ

    فلابد من رأي؛ لأن الإقدام في غير رأي تهوُّر، وتكون نتيجته عكس ما يريده هذا المقدام، وكذلك شدة البأس في الحق بحيث يكون قويًّا فيه صابرًا على ما يحصل من أذًى أو غيره في جانب الحق.
    والبذل في المعروف يشمل بذل المال والجاه والعلم، وكل ما يُبذل للغير في سبيل المعروف.
    3- هجر الترفه: لا ينبغي لطالب العلم أن يسترسل في التنعم والرفاهية، «فإن البذاذة من الإيمان»[4].
    قال عمر رضي الله عنه: «إياكم والتنعم وزي العجم، وتَمعدَدوا[5] واخشوشنوا».
    والمقصود بالبذاذة: ترك التنعم والترفه.
    والإنسان الذي يعتاد الرفاهية يصعب عليه معاناة الأمور؛ لأنه قد تأتيه على وجه لا يتمكَّن معه من الرفاهية، ومثال ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالاحتفاء أحيانًا [6].
    نجد بعض الناس لا يحتفي، وإنما ينتعل دائمًا ولو عرض له عارضٌ، وقيل له: تمشي مسافة قصيرة بدون وقاية للرجل، لوجد بذلك مشقة عظيمة، وربما تُدمى قدمه من مماسة الأرض، لكن لو عوَّد نفسه على الخشونة وعلى ترك الترفه دائمًا، لحصل له خيرٌ كثير.
    إن البدن إذا لم يُعوَّد على مثل هذه الأمور، لم يكن عنده مناعة، فتجده يتألم من أي شيء من ذلك، لكن من عنده مناعة لا يهتم به.
    والتنعم يكون باللباس والبدن وغيره، والمراد بذلك كثرته؛ لأن التنعم بما أحل الله على وجه لا إسراف فيه من الأمور المحمودة بلا شك، وعلى طالب العلم أن يختار اللباس الحسن؛ لأن الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن، والناس يُصنِّفون الرجل من لباسه، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من الرصانة والتعقل، أو التمشيخ والرهبنة، أو التصابي وحب الظهور.
    وكذلك الحذر من لباس الإفرنج؛ قال عمر بن الخطاب: «أحب إليَّ أن أنظر القارئ أبيض الثياب»؛ أي ليعظم في نفوس الناس فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق.
    والناس كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه لله: كأسراب القطا مجبولون على تشبُّه بعضهم ببعض.
    أما لباس التصابي: «بأن يلبس الشيخ الكبير سنًّا ما يلبسه الصبيان من رقيق الثياب وما أشبه ذلك، وهذا من الأمور التي لا ينبغي للإنسان أن يفعلها.
    أما اللباس الإفرنجي، فهو اللباس المختص بهم بحيث لا يلبسه غيرهم، إذا رآه الرائي قال: إن لابسه من الإفرنج، وأما ما كان شائعًا بين الناس من الإفرنج وغيرهم، فهذا لا يكون فيه التشبه، لكن قد يحرم من جهة أخرى مثل أن يكون حريرًا بالنسبة للرجال أو قصيرًا بالنسبة للنساء، أو ما أشبه ذلك،
    وفي الحديث: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ[7]»[8].
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ============================== =================
    [1] روضة العقلاء ونزهة العقلاء ص (218).
    [2] الثلم هو: الخلل.
    [3] روضة العقلاء ونزهة العقلاء، ص (234).
    [4] حديث في سنن أبي داود برقم (4161)، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (2 /784) برقم (3507).
    [5] تمعددوا: أمر باللبسة الخشنة المنسوبة إلى معد بن عدنان.
    [6] مسند الإمام أحمد (39 /389) برقم (23969)، وقال محققوه: إسناده صحيح إن كان عبد الله بن بريدة سمعه من أحد صحابييه.
    [7] جزء من حديث في مسند الإمام أحمد (4031)، وقال شيخ الإسلام 2 في الفتاوى (5 /331): إسناده جيد.
    [8] شرح حلية طالب العلم للشيخ ابن عثيمين2 (ص: 60-66).



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: من آداب طالب العلم

    من آداب طالب العلم رقم (3)

    د. أمين بن عبدالله الشقاوي


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
    فلا زال الكلام على آداب طالب العلم وما ينبغي أن يتحلى به، فمن ذلك:
    1- الإعراض عن مجالس اللغو: واللغو نوعان، لغو ليس فيه فائدة ولا مضرة، والنوع الثاني لغو فيه مضرة.


    أما الأول فلا ينبغي للعاقل أن يذهب وقته فيه لأنه خسارة.


    وأما الثاني: فإنه يحرم عليه أن يمضي وقته فيه لأنه منكر محرَّم، فلا يجوز للمسلم أن يجلس في المجالس التي تشتمل على المحرم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء: 140].


    فلو رأينا طالب علم يجلس مجالس اللهو واللغو والمنكر، فجنايته على نفسه واضحة وعظيمة، وتكون جناية على العلم وأهله؛ لأن الناس قد يقولون: هؤلاء طلبة العلم، وهذه نتيجة العلم، وما أشبه ذلك، فيكون قد جنى على نفسه وغيره.


    2- التصون من اللغط والهيشات: والمقصود بالهيشات يعني هيشات الأسواق؛ كما جاء في الحديث التحذير منها؛ لأنها تشتمل على لغط وسب وشتم.


    وبعض طلبة العلم يقول: أنا أقعد في الأسواق من أجل النظر لما يفعل الناس وما يكون بينهم، فيقال: إن هناك فرقًا بين الاختيار والممارسة، يعني لو ذكر لك أن في السوق الفلاني كذا وكذا، فهنا لا حرج عليك أن تذهب وتختبر بنفسك، لكن لو كان جلوسك في هذا السوق مستمرًّا تمارسه كل عصر، لكان هذا خطأً منك؛ لأنه إهانة لك ولطلبة العلم عمومًا وللعلم الشرعي.


    3- على طالب العلم: أن يتحلى بالرفق في أقواله وأعماله، فإن الخطاب اللين يتألف به النفوس النافرة؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»[1].


    4- التحلي بالتأمل: فعليه أن يتأمل عند التكلم بماذا يتكلم، وما عائدته، وعند السؤال والجواب هل جوابه واضح لا لبس فيه أو مبهم، والمقصود التأني وألا يتكلم حتى يعرف ماذا يتكلم به، وما هي النتيجة.


    قال الشاعر:
    قَدْ يُدرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ
    وقَدْ يكونُ معَ المُستعجِلِ الزَّلَلُ

    5- الثبات والتثبت: هذا أهم ما يكون في هذه الآداب، وهو التثبت فيما ينقل من الأخبار، والتثبت فيما يصدر منك من الأحكام، فالأخبار إذا نقلت فلا بد أن يتثبت منها هل صحت عمن نُقلت عنه أو لا؟ ثم إذا صحت فلا تحكم بل تثبت في الحكم فربما يكون الخبر مثبتًا على أصل تجهله أنت، فتحكم أنه خطأ والواقع أنه ليس خطأ.


    ويلزم من الثبات والتثبت الصبر والمصابرة، وألا يمل ولا يضجر، وألا يأخذ من كل كتاب نتفة أو من كل فن قطعة ثم يترك؛ لأن هذا يضر الطالب ويقطع عليه الأيام بلا فائدة، إذا لم يثبت على شيء تجده مرة في الآجرومية، ومرة في متن القطر، ومرة في الألفية.


    وكذلك في المصطلح، مرة في النخبة، ومرة في ألفية العراقي، ويتخبط في الفقه، مرة في زاد المستقنع، ومرة في عمدة الفقه، ومرة في المغني.


    هذا في الغالب لا يحصِّل علمًا، ولو حصَّل علمًا، فإنما يحصل مسائل لا أصولًا، وتحصيل المسائل كالذي يلتقط الجراد واحدة بعد الأخرى، لكن التأصيل والرسوخ والثبات هذا هو المهم، فكن ثابتًا بالسنة للكتب التي تقرأ أو تراجع، وكذلك بالنسبة للشيوخ الذين تتلقى عنهم، فلا ينبغي لطالب العلم أن يكون ذواقًا كل أسبوع أو شهر عند شيخ، لا بأس أن يجعل طالب العلم له شيخًا في الفقه وشيخًا في التفسير، وشيخًا في النحو، المهم هو الاستمرار وعدم التنقل والتذوق الذي لا فائدة منه [2].


    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله عليه وعلى نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ============================== ==========
    [1] صحيح البخاري برقم (6528).

    [2] شرح حلية طالب العلم للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ص (50-76) بتصرف.






الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •