النفاق العملي منتشر


المنافق هو من أظهر الإسلام خوفاً من المسلمين وأبطن الكفر وسعى لنصرته، وقد كان من الأوس والخزرج واليهود منافقون أظهروا الإسلام نفاقاً، ومن أكبر المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول، وكان من كبار الخزرج.
عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة يعوده من شكوى أصابته - على حمار عليه إكاف فوقه قطيفة فركبه مختمطه بحمل من ليف - وأردفني رسول الله خلفه، قال فمر بعبدالله بن أبي بن سلول وهو في ظل (مزاحم) أطمه، وحوله رجال من قومه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تذمم من أن يجاوزه حتى ينزل، فنزل فسلم، ثم جلس فتلا القرآن ودعا إلى الله وذكر بالله وحذر وبشر وأنذر، قال وهو زام لا يتكلم، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته.
قال: يا هذا إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقاً فاجلس في بيتك، فمن جاءك فحدثه إياه، ومن لم يأتك فلا تغشه به، ولا تأته في مجلسه بما يكره، فقال: عبدالله بن رواحة في رجال كانوا عنده من المسلمين بلى فاغشنا به وائتنا في مجالسنا ودورنا، فهو والله مما نحب ومما أكرمنا الله به وهدانا له، فقال عبدالله حين رأى من خلاف قومه:
متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل

ويصرعك الذين تصارع
وهل ينهض البازي بغير جناحه
وإن جذ يوما ريشه فهو واقع
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على سعد بن عبادة وفي وجهه ما قال عبدالله بن أبي عدو الله، قال: والله يا رسول الله إنى لأرى في وجهك شيئاً كأنك سمعت شيئا تكرهه؟ قال صلى الله عليه وسلم : «أجل» ثم أخبره بما قال ابن أبي، فقال سعد: يا رسول الله أرفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه، فإنه ليرى أن قد سلبته ملكاً، وهو الذي قال في غزوة بني المصطلق ليخرجن الأعز منها الأذل، يعني نفسه والرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين، وفي قوله نزلت سورة المنافقين.
قال ابن إسحق: فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وسيد أهلها عبدالله بن أبي لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان، لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين حتى جاء الإسلام غيره، ومعه في الأوس رجل هو في قومه من الأوس.
هذا الرجل هو الذي سعى في مسجد الضرار والذي نزل فيه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿107﴾لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين َ ﴿108﴾أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿109﴾لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿110﴾}(التوبه: 107 - 110).
وقد كانت فتنة مسجد الضرار أن هذا الشقي أبو عامر النعمان أرسل إلي المنافقين أن ابنوا مسجداً واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح؛ فإني ذاهب إلى قيصر الروم فآتي بجنود من الروم وأخرج محمداً وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، وكانوا يقولون: إنهم بنوه للضعفاء وأهل العلة في الليلة الشاتية، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه ويدعو بالبركة، فنزل قوله تعالى: {لا تقم فيه أبدا}(التوبه: 108)، وأرسل له من يهدمه.
ويمكن أن نستخلص من ذلك بعض العبر:
1 - أن المنافق كل من أظهر الإسلام وأبطن الكفر والبغض للدين وللرسول صلى الله عليه وسلم ولأهل الإسلام وأحب الكفر وتمنى تمكنه.
2 - أن المنافقين يكثرون وقت قوة الدين، فإنهم ينافقون حفاظاً على أرواحهم وأهلهم وأموالهم، أما وقت الضعف فإنهم يقلون لأنهم لا يخشون.
3 - أن المنافقين لهم صفات يعرفون بها، بينت في سورة التوبة حتى سميت بالفاضحة.
4 - أن النفاق نوعان: نفاق اعتقادي، وهو حقيقة إظهار الإسلام وإبطان الكفر، ونفاق عملي، وهذا النوع منتشر وللأسف بين كثير من المسلمين، ويخشى أن يؤدي إلى النفاق الاعتقادي، بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلق، وإذا اؤتمن خان» متفق عليه.
ومن أتى بخصلة فقد وقع في خصلة من النفاق، ومن وقع فيها كلها فقد استكمل النفاق العملي، وكم من المسلمين اليوم ممن لا يتورع عن الكذب، بل لا يتكلم به ولا يتورع عن إخلاف الوعد وتضييع الأمانات، بل لا يتعامل ولا يعرف إلا بها، والنفاق العملي يفضي إلى النفاق الاعتقادي، وهذه هي المهلكة {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}(النساء : 145).


اعداد: الشيخ: حماد الحماد