لا تؤدي حق ربها حتى تؤدي حق زوجها - 2-
الشيخ أحمد النعسان
هذا الموضوع خاصٌّ بالمرأة المؤمنة الملتزمة:
أيها الكرام: حديثنا هذا متوجِّه إلى المرأة المسلمة الملتزمة بدين الله عز وجل, إلى المرأة المؤمنة بالله تعالى وباليوم الآخر, إلى المرأة المؤمنة التي وصفها الله عز وجل: {فَالصَّالِحَات قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}. إلى المرأة التي عرفت بأن الزواج مسؤولية دنيوية وأخروية, إلى المرأة التي عرفت بأنها آيبة إلى الله تعالى.
هذا الموضوع ليس متوجِّهاً إلى المرأة المسلمة اسماً, ليس إلى المرأة التي ما عرفت من الإسلام إلا اسمه ورسمه, ليس إلى المرأة التي تتطلَّع إلى المرأة الغربية, ليس إلى المرأة التي تسير خلف كل ناعق يقول بأن الإسلام ظلم المرأة.
هذه المرأة التي تتطلَّع إلى المرأة الغربية, وتسمع لكل ناعق من الغرب ومن أذنابه من أبناء المسلمين بأن الإسلام ظلمها, والله ـ وهذا قسم شرعي ـ ما هي إلا امرأة حمقاء.
هي حمقاء تريد أن تكون ذليلة كما هو شأن المرأة الغربية, حيث المرأة في الغرب إذا دخلت سنَّ الرشد والتمييز وجب عليها أن تعمل لتعيش, لتلبس, لتسكن, لأن النفقة واجبة عليها لا على أبيها أو أخيها, وإن تزوَّجت فيجب عليها أن تعمل لتأكل, لأن النفقة لا تجب على الزوج, أما إذا دخلت سنَّ الكهولة أو الشيخوخة صار أنيسها الوحيد هو كلبها الوفي, لا أب يرعاها, ولا زوج يرعاها, ولا ابن يرعاها, ولا أخ يرعاها, وهي في نهاية المطاف إما هي في بيتها الصغير, أو في دار من دور العجزة تنتظر موتها, وبعد موتها إلى جهنم وبئس المصير, إن كانت كافرة بدين الله عز وجل.
أليست المرأة المسلمة التي تتطلَّع إلى الغرب, وتريد أن تسير على خطى الغرب حمقاء؟ لذلك أقول: حديثي مع المرأة المؤمنة التي ترجو الله واليوم الآخر, وليس مع هذه المرأة المخدوعة ببريق الغرب وهي متجاهلة بداية ونهاية المرأة الغربية عندهم.
لماذا هذا الترهيب للمرأة إذا قصَّرت في إحصان زوجها؟
أيها الإخوة: قد يتساءل البعض, أو تتساءل بعض النساء: لماذا هذا الترهيب إذا قصَّرت المرأة في إحصان زوجها؟ لماذا تلعنها الملائكة, ويسخط عليها الذي في السماء, ولا ترفع لها صلاة, ولا تؤدي حقَّ ربها حتى تؤدي حق زوجها, ولا تصوم نافلة إلا بإذنه, وتدعو عليها زوجة زوجها من الحور العين؟
الجواب على ذلك أيها الإخوة الكرام هو:
أن الإسلام ينظر إلى الزواج بأنه بناء أسرة, والأسرة هي نواة المجتمع, فإذا باءت الأسرة بالفشل فشل المجتمع كله, الإسلام ينظر إلى الزواج بأن إعفاف وإحصان لكلٍّ من الزوجين من أجل بناء جيل مترابط فيما بين بعضه البعض, فإذا قصَّرت المرأة في حقِّ زوجها دفعته للتطلع إلى خارج البيت, وربما أن يؤدي هذا الأمر إلى ارتكاب الفاحشة والعياذ بالله تعالى.
وما انتشار الزنى واللواطة والخيانات الزوجية إلا بسبب التقصير من جهة الزوجات نحو أزواجهنَّ في الغالب الأعم, لذلك رهَّبَ النبي صلى الله عليه وسلم المرأة, وحذَّرها من أن تُقَصِّر في حق زوجها عليها ليضمن لها الأمور التالية:
أولاً: حتى تكون جنةً وسكناً لزوجها:
أيها الإخوة: عرِّفوا بناتكم بأن الزوجة الصالحة هي جَنَّةُ الرجل في الدنيا وسَكَنُه, يعيش معها حتى يرجع إلى الجنة والمسكن الخالد يوم القيامة في جنة عرضها السموات والأرض.
علِّموها هذه المقارنة اللطيفة, الجنة في الآخرة رحمة وسكن, قال تعالى: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}. فالجنة سكن لهما, والجنة رحمة قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ}. أي جنته.
فإذا كانت الجنة سكناً ورحمة, فكذلك الزوجة المؤمنة للرجل المؤمن سكن ورحمة, قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}. فهي سَكَنٌ, {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}. والرحمة بين الزوجين جَنَّةٌ.
فإذا قصَّرت المرأة في حقِّ زوجها قَلَبَت حياتَها الزوجية إلى جحيم والعياذ بالله تعالى, ومن هذا المنطلق جاء الترهيب من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة المقصِّرة في حق زوجها, وخاصة في إعفافه وإحصانه.
ثانياً: حتى لا تُخْفِقَ في حياتها الزوجية:
أيها الإخوة الكرام: علِّموا بناتكم هذا الواجب الذي عليهنَّ وعلِّموهنَّ هذا الترهيب الذي جاء على لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حتى لا تُخْفِقَ المرأة في حياتها الزوجية.
أيها الإخوة الكرام: من خلال اطِّلاعي على بعض الخلافات الزوجية التي أدَّت إلى الطلاق فإني رأيت أن 70% من أسباب الطلاق هو تقصير المرأة في حقِّ زوجها من حيث إعفافه عن الحرام.
الرجل المسلم الذي يغضُّ بصره, ويحفظ فرجه إلا من زوجته إذا لم تعفه زوجته عن الحرام فماذا يفعل؟
الذي يفعله أنه يُلبِس هذا الموضوع خلافاً من الخلافات بينه وبين زوجته, وربما أن يكون تافهاً وربما أن يكون بسيطاً, فيجعل منه سبباً للشقاق بينهما حتى يؤدي إلى طلاق الزوجة.
يأتي ويشكو زوجته بأنها لا تحترمه, بأنها لا تُقَدِّر أمه, بأنها لا تستقبل أخواته فهو يريد طلاقها, فإن سألت هذا الرجل عن علاقته من زوجته من حيث المعاشرة والقيام بواجبها نحوه لرأيت هذا الرجل يتنهَّد ويقول لك: هذا هو بيت القصيد. ولكن حياءه يمنعه أن يتحدَّث عن هذا الموضوع.
أيها الإخوة الكرام: يجب علينا عندما نعالج مشكلة أسرية بين زوجين أن ننتبَّه إلى هذا الجانب, كما يجب على أولياء البنات أن يركِّزوا على ذلك في حديثهم مع بناتهم, وإلا فحياتهم الأسرية في ضياع وفشل عاجلاً أم آجلاً.
ثالثاً حتى تحافظ على معقِل الأسرة:
أيها الإخوة الكرام: الإسلام جاء ليحافظ على معقِل الأسرة من التفتُّت والضياع, جاء ليجعل من الزوجين روضة من رياض الجنة, لينشأ فيها الطفل ويشبَّ على الإسلام, ليكون هذا الشاب في ظل عرش الرحمن, كما قال صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ) وعدَّ منهم: (وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. فإن لم يكن البيت جنَّة فكيف يشبُّ الشابُّ على طاعة الله عز وجل؟
لذلك رهَّب النبي صلى الله عليه وسلم المرأة وحذَّرها من التقصير في حقِّ زوجها من أجل سلامتها وسلامة ذرِّيَّتها, وسلامة المجتمع كلِّه بإذن الله تعالى.
والغرب اليوم يلاحقنا في المعقِل الأخير, يريد دمار الأسرة, يريد أن يصوِّر للمرأة بأن الإسلام ظلمها وما عرف قَدْرها ومِقْدَارها, يريد أن يُحلِّل هذه الأسرة من سائر القيود الشرعية التي تحافظ على الأسرة من الشتات والضياع, لأنه هو في ضياع, وصدق الله القائل: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.
الإسلام جاء ليجعل من الأسرة جنة تترابط أفرادها مع بعضها البعض من البداية على النهاية, قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. خدمة ودعاء وطلب رضا.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة الكرام: لقد عرفتم لماذا شدَّد الإسلام على المرأة إذا قصَّرت في حق زوجها, كل ذلك من أجل سلامتها دنيا وأخرى, ومن أجل سلامة أسرتها, ومن أجل سلامة المجتمع.
أيها الإخوة: كما حذَّر الإسلام المرأة من التقصير في حقِّ زوجها من حيث الإعفاف والإحصان, كذلك حرَّض الرجل على إعفاف المرأة وإحصانها, وهذا موضوع خطبتنا القادمة إن شاء الله تعالى. أقول هذا القول وكل منا يستغفر الله فيا فوز المستغفرين