أخص صفات المؤمن


عباد الله، إن من أخص صفات المؤمن عمله بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة»، ومحبته للناصحين، وكلما اجتهد المسلم وبالغ في النصيحة لإخوانه المسلمين، قويت محبته في قلوب إخوانه المؤمنين.

وأما المداهن والمتملق الذي يُحسن لكل إنسان حاله، ولو كانت حالة إجرامٍ وفسادٍ، فهذا ينفر منه المؤمنون، ولا يحبونه ويرون صداقته مصيبةً وبليةً، فلذا يبتعدون عنه كل البعد؛ لأنه إن صحب مستقيمًا أدخل عليه العجب في عمله، وخُيِّل إليه أنه من صفوة عباد الله المتقين، فيغره بنفسه، والمرء إذا اغتر هوى في هوة الأشقياء، وإذا صحب المداهن المتملق معوجًا زاد اعوجاجه؛ حيث إنه يفهمه بمداهنته أنه من خيار الفضلاء ومن الأجلاء النبلاء.

ومتى فَهِمَ ذلك عن نفسه استمرَّ وتمادى في اعوجاجه، وقوِيت وتمكَّنت منه الأخلاق الفاسدة، ومات وهو على تلك الحال الشنيعة، وأما المؤمن الناصح المحب لأخيه ما يحب لنفسه، فيفهم المهذب المتنور أنه مهما كان كماله أنه مقصِّر في شكر مولاه الذي جعله من بني آدم، ولم يجعله من سائر الحيوانات، ووفَّقه للإيمان، وتفضَّل عليه بالحواس الخمس وغيرها ووهبه العقل، وسائر النعم التي لا تعد ولا تحصى.

ومتى فَهِمَ أنه مقصر، حمد مولاه وشكره على ما أولاه، وجد واجتهد فيما به رقيُّه في دنياه وأخراه، وإن رأى معوجًا أفهَمه ما هو عليه من نقص ووضح له عيوبه، وما عنده من تقصير في دينه، وحثه على الجد والاجتهاد، والسعي إلى معاني الأخلاق.

ومتى عرَف العاقل نقصه، وأن الضرر عائد إليه، أقلَع عنه، وأصبح من المهذبين المتنورين الصاعدين إلى أَوْجِ الكمال، فكم اهتدى بإذن الله بسبب المؤمن الناصح من أناس قد تاهوا وتمادوا في الضلال.

واسمع إلى قول الإمام ابن القيم رحمه الله لما ذكر نفاة الصفات أهل البدع وحيرتهم وشبهاتهم وشكوكهم، وأنه جرَّب ذلك، وأنه وقع في بعض تلك الشباك والمصايد حتى أتاح له المولى بفضله من نشله، وأوضح له تلك الشُّبَه، وأزاح عنه تلك الشكوك، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال في النونية:
يا قوم بالله العظيم نصيحـــــــــــ ـة ** من مشفق وأخ لكم معـــــــــــــ وان
جرَّبت هذا كله ووقعت فـــــــــــــي ** تلك الشباك وكنت ذا طيـــــــــــرا ن
حتى أتاح لي الإله بفضلـــــــــــ ـــــه ** من ليس تجزيه يدي ولسانـــــــــي
حبرًا أتى من أرض حران فيـــــــــــا ** أهلًا بمن قد جاء من حــــــــــــرا ن
فالله يَجزيه بما هو أهلــــــــــــ ــــــه ** من جنة المأوى مع الرضـــــــــوا ن
أخذت يداه يدي وسار فلم يـــــــرم ** حتى أراني مطلع الإيمــــــــــ ــــان
ورأيت أعلام المدينة حولهـــــــــــ ـا ** نزل الهدى وعساكر القــــــــــــ ـرآن
ورأيت آثارًا عظيمًا شأنهـــــــــــ ــــا ** محجوبةً عن زمرة العميــــــــــ ــان
ووردت رأس الماء أبيض صافــــيً ** حصباؤه كلآلئ التيجــــــــــ ـــــــان
ورأيت أكوابًا هناك كثيــــــــــــ ـــرةً ** مثل النجوم لوارد ظمـــــــــــــ ـــآن
ورأيت حوض الكوثر الصافي الذي ** لا زال يشخب فيه ميزابــــــــــ ــان
ميزاب سنته وقول إلهــــــــــــ ـــــه ** وهما مدى الأزمان لا ينيــــــــــــ ان
والناس لا يردونه إلا مـــــــــــن ال ** آلاف أفرادًا ذوو إيمــــــــــــ ـــــــان


اللهم ارزُقنا حبَّك وحبَّ مَن يُحبك، وحبَّ العمل الذي يقرِّبنا إلى حبك.

اللهم أَلْهِمنا ذكرك ووفِّقنا للقيام بحقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، ولا تفضَحنا بين خلقك يا خير مَن دعاه داعٍ، وأفضل من رجاه راج.

اللهم اجعلنا من أهل الصلاح والنجاح والفلاح، ومن المؤيدين بنصرك وتأييدك ورضاك.

اللهم ألهمنا ذكرك وشكرك، ووفِّقنا لامتثال أمرك واجتناب نهيك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
______________________________ ____________________ _______
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز السلمان