السؤال
قرأت كثيرًا في المنتديات بأن الذين يكرهون مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن تبعه, كالعلماء السعوديين وأئمة مساجد الحرم المكي والمدني، أفادوا بأنهم فرقة الخوارج، وهم تأولوا حديث الرسول بأنه لم يدع لأهل نجد بالبركة، بل قال: الفتنة والزلازل من المشرق، وهم يعنون بأن نجدًا هي المملكة العربية السعودية.
فنرجو منكم التوضيح، وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذه الترهات مما يلوكها من قلَّ نصيبه من العلم والإنصاف, وهي محض دعاوى لا تعتمد على برهان، والدعاوى المجردة لا يعجز عنها أحد، وهذا الكلام الساقط ونحوه مما لا يؤثر في مكانة الشيخ وعلماء تلك الدعوة المباركة, بل إنها تزداد به رفعة وشموخًا على حد قول القائل:
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
فأما الزعم بأن الشيخ وعلماء دعوته المباركة من الخوارج، فمما يعرف بطلانه بأدنى تأمل في كتبهم ومصنفاتهم، فإنهم -رحم الله ميتهم, وحفظ حيهم- من أكثر العلماء انضباطًا في مسائل التكفير, فلا يطلقون الكفر إلا على من ثبت في الشرع المطهر مروقه من الدين، وقد دفع هذه الفرية غير واحد من العلماء عن الشيخ ودعوته.
يقول السهسواني -رحمه الله- في صيانة الإنسان: إن الشيخ وأتباعه لم يكفروا أحدًا من المسلمين، ولم يعتقدوا أنهم هم المسلمون، وأن من خالفهم هم مشركون، ولم يستبيحوا قتل أهل السنة وسبي نسائهم ... ولقد لقيت غير واحد من أهل العلم من أتباع الشيخ، وطالعت كثيرًا من كتبهم، فما وجدت لهذه الأمور أصلًا وأثرًا، بل كل هذا بهتان وافتراء. انتهى.
قال الشيخ رشيد رضا -رحمه الله- معلقًا على الكلام السابق: بل في هذه الكتب خلاف ما ذكر وضده، ففيها أنهم لا يكفرون إلا من أتى بما هو كفر بإجماع المسلمين. انتهى.
وقال الشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- عن الشيخ: فإنه -رحمه الله- كان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها, فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله, وأجمع على تكفيره الأمة، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائهم, ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع، وأهدره الرسول، ومن نسب إليه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها فقد كذب وافترى، وقال ما ليس له به علم. انتهى.
ولو طفقنا نسوق من كتب الشيخ وأئمة الدعوة والعلماء المنصفين ما ندلل به على ما ذكرنا لطال المقام جدًّا، ونحيلك على كتاب صيانة الإنسان للسهسواني, وكتاب دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-
وأما الأحاديث الواردة في ذم المشرق, وأنه مقر الفتن فمنه تخرج, ومنه يطلع قرن الشيطان.. إلى آخره, فالمراد بهذه الأحاديث واضح عند أهل العلم، وقد بينا ذلك في الفتوى: 11456، بما تحسن مراجعته، وليراجع أيضًا كتاب دعاوى المناوئين فقد عقد فيه فصلًا لدفع هذه الشبهة.
وبالجملة فالشيخ وعلماء دعوته قائمون بالكتاب والسنة, ناطقون بهما, ذابون عنهما، وقد كان لهذه الدعوة المباركة أثر مشكور غير منكر في محاربة البدع والشركيات, ورد الناس إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فأثاب الله أصحابها, وجزاهم خيرًا.
والله أعلم.
السؤال
ما معنى هذا الحديث: عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا، فقالوا: وفي نجدنا يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، فقال الناس: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال ابن عمر: أظن أنه قال في المرة الثالثة: الزلازل والفتن هناك: وهناك يطلع قرن الشيطان" صحيح البخاري.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظه في صحيح البخاري: "اللهم بارك لنا في شأمنا، الله بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله في نجد؟ (قال الرواي) فأظنه قال في الثالثة: هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان".
وفي صحيح مسلم طرف منه.
والحديث فيه دلالة على فضل الشام واليمن، والدعاء لهما بالبركة، وقد وردت أحاديث أخر في فضلهما، وفضل سكناهما، وخاصة في آخر الزمان حين تكثر الفتن، فمن ذلك ما أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيصير الأمر أن تكونوا جنوداً مجندة: جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق، قال ابن حوالة: خر(أي: اختر) لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله".
ومن أراد المزيد، فليراجع أبواب الفضائل والترغيب من كتب الحديث.
وفي الحديث دلالة على أن الفتن، وما يأمر به الشيطان ويزينه من الكفر والأهواء والبدع تأتي من جهة نجد.
وقد اختلف أهل العلم في المراد بنجد، والراجح أنه جهة المشرق بالنسبة لمن كان في المدينة.
قال الحافظ في الفتح نقلا عن الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي شرق أهل المدينة.
ونقل الحافظ عن غير الخطابي من أهل العلم قوله: كان أهل المشرق يومئذٍ أهل كفر، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر، وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سبباً للفرفة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان، ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة.
ومما يدل على صحة رجحان ما رجحناه: هو أن من اطلع على ألفاظ روايات هذا الحديث وغيره من الأحاديث في هذا الباب يكاد يجزم بأن المقصود هو جهة المشرق التي هي بادية العراق وما حولها بالنسبة لمن هو في المدينة، من ذلك ما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق: "ألا إن الفتنة هاهنا، ألا أن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان".
بل هنالك رواية لهذا الحديث المسؤول عنه أخرجها الطبراني في الكبير فيها التصريح بالعراق بدل نجد.
ومن ذلك أيضاً الحديث المتقدم الذي ذكرناه في فضل الشام واليمن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى اللحوق بجند الشام أو جند اليمن، ولم يرشد إلى اللحوق بجند العراق، مما يوحي بأن تلك الجهة فيها ما ليس مرغوباً فيه شرعاً.
هذا بالإضافة إلى أن الواقع يشهد بأن تلك الجهة لم تزل على مر تاريخ الأمة مصدر فتن عظمى.
وعلى كل، فالخلاصة - والله تعالى أعلم - هي أن المراد بنجد: هو جهة العراق، وهذا لا يعني ذماً لتلك الجهة مطلقاً، ولا ذما لكل من سكنها، بل إن من كان من أهلها وصبر على ما يحصل فيها من ابتلاء، ونجاه الله تعالى من الفتن التي تحصل فيها، فهو من خير الناس، إن شاء الله تعالى.
وإن أعلام الأمة من مقرئين ومحدثين وفقهاء وزهاد وأئمة في كل فن وكل باب من البر من تلك البلاد لا يحصون كثرة، ولله الحمد.
والله أعلم.
منقول الشبكة الاسلامية