تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 15 من 15

الموضوع: إضاءات سلفية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية
    (1) الاتــبــــــــ ـــــــاع




    قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُو نَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (غافر: 7) وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - قال: خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّا، ثمّ قال: «هذا سبيل الله» ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثمّ قال: «هذه سبل متفرّقة على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه»، ثمّ قرأ: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الآنعام: 153)، رواه أحمد وصححه الألباني.
    قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: الاتّباع هو أن يتّبع الرّجل ما جاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، ثمّ هو -من بعد- في التّابعين مخيّر. وقال ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى-: الاتّباع ما ثبت عليه الحجّة، وهو اتّباع كلّ من أوجب عليك الدّليل اتّباع قوله. فالرّسول صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في اتّباع ما أمر به. وعن أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنّه قال لعبد الله بن عمر: إنّا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السّفر في القرآن، فقال له ابن عمر: «ابن أخي إنّ الله- عزّ وجلّ- بعث إلينا محمّدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا، فإنّما نفعل كما رأينا محمّدا صلى الله عليه وسلم يفعل». وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه -: «من كان منكم مستنّا فليستنّ بمن قد مات، إنّ الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمّد كانوا أفضل هذه الأمّة: أبرّها قلوبا وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا. اختارهم الله لصحبة نبيّه ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتّبعوهم على أثرهم وسيرتهم فإنّهم كانوا على الهدى المستقيم».(2) الاجتماع قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 102 - 104). وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة ربّه، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق أخفى حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» متفق عليه. ولا يختلف معنى الاجتماع في الشّرع عن المعنى الّذي يفيده في أصل اللّغة. وهو أن يلتقي المسلمون وينضمّ بعضهم إلى بعض ولا يتفرّقوا، أمّا الأمر الّذي يجتمعون حوله فهو كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم . وعن ابن مسعود- رضي الله عنه - أنّه كان يخطب ويقول: «يا أيّها النّاس، عليكم بالطّاعة والجماعة، فإنّهما حبل الله الّذي أمر به».ومن أقوال الشّعراء:
    تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسّرا
    وإذا افترقن تكسّرت أحادا
    وقال ابن حجر- رحمه الله- في المحافظة على الجماعة «في الفجر والعشاء خاصّة»: «انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النّهار، وليختموا النّهار بالاجتماع على الطّاعة ويفتتحوه كذلك».(3) الاحتساب قال ابن الأثير: الاحتساب في الأعمال الصّالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتّسليم والصّبر، أو باستعمال أنواع البرّ والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثّواب المرجوّ منها. قال الله سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 156، 157). وعن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ المسلم إذا أنفق على أهله نفقة، وهو يحتسبها، كانت له صدقة» رواه مسلم. وعن صهيب- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن! إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له.قال خبيب- رضي الله عنه - عند ما أراد قتله بنو الحارث بن عامر بن نوفل:
    فلست أبالي حين أقتل مسلما
    على أيّ جنب كان لله مصرعي
    وذلك في ذات الإله وإن يشأ
    يبارك على أوصال شلو ممزّع
    وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - قال: كأنّي أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون».والاحتساب ثلاثة أنواع هي:1- احتساب الأجر من الله تعالى عند الصّبر على المكاره، ولاسيما فقد الأبناء إذا كانوا كبارا. 2- احتساب الأجر من الله تعالى عند عمل الطّاعات يبتغى به وجهه الكريم، كما في صوم رمضان إيمانا واحتسابا، وكذا في سائر الطّاعات. 3- احتساب المولى- عزّ وجلّ- ناصرا ومعينا للعبد عند تعرّضه لأنواع الابتلاء، من نحو: منع عطاء أو خوف وقوع ضرر، ومعنى الاحتساب في هذا النّوع الثّالث الاكتفاء بالمولى- عزّ وجلّ- ناصرا ومعينا والرّضا بما قسمه للعبد إن قليلا وإن كثيرا.(4) الإحسان الإحسان يشمل الفرد والمجتمع والدّولة والحياة بأسرها؛ وأنّه لن تقوم تربية راشدة إلّا إذا غرسنا معنى الإحسان في النّفوس على أنّه من محابّ الله تعالى، وقد تضمّن الإحسان النّوايا والمقاصد والعبادات، كما تناول الأقوال والأفعال، ليس هذا فحسب وإنّما شمل أيضا الإحسان إلى المخلوقات كافّة من حيوان وجماد ونبات. قال الله عز وجل: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 112) وعن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه - أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفّر الله عنه كلّ سيّئة كان زلفها -أي اقترفها وفعلها- وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسّيّئة بمثلها، إلّا أن يتجاوز الله عنها» متفق عليه. وعن الحسن قال: «ليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، ولكن ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال، من قال حسنا، وعمل غير صالح، ردّه الله عليه».قال الشّاعر:
    أحسن إلى النّاس تستعبد قلوبهم
    فطا لما استعبد الإنسان إحسان
    قال ابن القيّم- رحمه الله-: الإحسان من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وهذه المنزلة هي لبّ الإيمان وروحه وكماله، وهي جامعة لما عداها من المنازل، فجميعها منطوية فيها، وممّا يشهد لهذه المنزلة قوله تعالى: {هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ} (الرحمن: 60)؛ إذ الإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق، وهو أن تعبد الله كأنّك تراه، والإحسان الأوّل في الآية الكريمة هو:- كما قال ابن عبّاس والمفسرون- هو قول لا إله إلّا الله، والإحسان الثّاني هو: الجنّة، والمعنى: هل جزاء من قال لا إله إلّا الله وعمل بما جاء به محمّد صلى الله عليه وسلم إلّا الجنّة؟

    اعداد: وليد دويدار





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية (2)

    الإخـــــــــــ ــاء









    قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: 10).


    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». قال ابن حجر في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ يعني في التّوادّ وشمول الدّعوة.

    وقد آخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى. وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعليّ؛ لأنّه هو الّذي كان يقوم به من عهد الصّبا من قبل البعثة واستمرّ. وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة؛ لأنّ زيدا مولاهم. وقال الكفويّ: الأخ: كلّ من جمعك وإيّاه صلب أو بطن. والأخوة تستعمل في النّسب والمشابهة والمشاركة في شيء.

    فإذا ما تمّت المؤاخاة ترتّب على ذلك حقوق وواجبات تجاه الإخوان، وذلك كالإغضاء عن الهفوات، والنّصح لهم والتّناصح، ووجوب زيارتهم، ومودّتهم، وغير ذلك من أمور من شأنها إشاعة الألفة والتّآلف بين الإخوان، وذلك كلّه بهدف تحقيق التّماسك الاجتماعيّ المطلوب بما يعين على تحقيق أهداف رسالة الإسلام.

    قال بشّار بن برد:

    إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا




    صديقك لم تلق الّذي لا تعاتبه


    فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه

    مقارف ذنب مرّة ومجانبه

    إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى

    ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه

    (6) الابتهال

    قال ابن الأثير- رحمه الله: «الابتهال: التّضرّع والمبالغة في المسألة». فالابتهال أن تمدّ يديك إلى الله بالدّعاء مخلصا متضرّعا. روى مسلم في صحيحه عن أنس- رضي الله عنه - قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدّعاء، حتّى يرى بياض إبطيه». وهكذا كان ابتهاله.

    وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ، أَوْ نَحْوَهُمَا، وَالِاسْتِغْفَا رُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا» رواه أبو داود وصححه الألباني.

    وفي ابتهال النبي (روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عزّ وجلّ- في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (إبراهيم: 36)، وقال عيسى عليه السّلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(الما ئدة: 118) فرفع يديه وقال: «اللهمّ! أمّتي أمّتي» وبكى، فقال الله عزّ وجلّ: «يا جبريل! اذهب إلى محمّد- وربّك أعلم- فسله ما يبكيك؟» فأتاه جبريل عليه الصّلاة والسّلام فسأله. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال. وهو أعلم، فقال الله: «يا جبريل، اذهب إلى محمّد فقل: «إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوؤك».

    والمباهلة ترجع إلى هذا المعنى؛ فإنّ المتباهلين يدعو كلّ واحد منهما على صاحبه، قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ-فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (آل عمران: 59 - 61).

    والبهل: اللّعن. وفي حديث أبي بكر موقوفاً: «من ولي من أمور النّاس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله» أي: فعليه لعنة الله.

    (7) الحياء

    قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (القصص: 25). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» متفق عليه. قال بعضهم: كيف جعل الحياء وهو غريزة شعبة من الإيمان وهو اكتساب؟ والجواب في ذلك: أنّ المستحيي ينقطع بالحياء عن المعاصي، فصار كالإيمان الّذي يقطع عنها، ويحول بين المؤمن وبينها.

    وقال ابن الأثير في هذا الحديث: وإنّما جعله بعض الإيمان؛ لأنّ الإيمان ينقسم إلى: ائتمار بما أمر الله به، وانتهاء عمّا نهى الله عنه، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعض الإيمان.

    نْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ. قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ. رواه الترمذي وحسّنه الألباني.

    قال عمر- رضي الله عنه -: «من قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه».

    وقال ابن مسعود- رضي الله عنه -: «من لا يستحيي من النّاس لا يستحيي من الله».

    قال الشّاعر:

    إذا لم تخش عاقبة اللّيالي

    ولم تستحي فاصنع ما تشاء

    فلا والله ما في العيش خير

    ولا الدّنيا إذا ذهب الحياء

    يعيش المرء ما استحيا بخير

    ويبقى العود ما بقي اللّحاء

    (8) التوبة

    قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً} (الفرقان: 68 - 71).

    قال الرّاغب: التّوبة في الشّرع: ترك الذّنب لقبحه والنّدم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة. وقال الجرجانيّ: التّوبة هي الرّجوع إلى الله بحلّ عقدة الإصرار عن القلب، ثمّ القيام بكلّ حقوق الرّبّ.

    قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: التّوبة واجبة من كلّ ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلّق بحقّ آدميّ فلها شروط ثلاثة وهي:

    1- أن يقلع عن المعصية.

    2- أن يندم على فعلها.

    3- أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثّلاثة لم تصحّ توبته.

    ويزاد شرط رابع إذا كان الذّنب يتعلّق بحقّ آدميّ: أن يبرأ من حقّ صاحبه؛ فإن كان مالا أو نحوه ردّه إليه، وإن كان حدّ قذف مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كان غيبة استحلّه منها، هذا إذا لم يترتّب على ذلك مفسدة أعظم. ويجب أن يتوب من جميع الذّنوب، فإن تاب من بعضها صحّت توبته من ذلك الذّنب.

    قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: التّوبة هي حقيقة دين الإسلام، والدّين كلّه داخل في مسمّى التّوبة وبهذا استحقّ التائب أن يكون حبيب الله. فإنّ الله يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين. عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل، حتّى تطلع الشّمس من مغربها» رواه مسلم.





    اعداد: وليد دويدار








  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية (3) التواضـــــــــ ع





    قال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان: 18)، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله» رواه مسلم. فالتواضع: هو تعظيم من فوقه لفضله، وقيل: التّواضع هو: الاستسلام للحقّ وترك الاعتراض في الحكم.

    وذكر ابن القيم رحمه الله أن التواضع المحمود على نوعين:
    النوع الأول: تواضع العبد عند أمر الله امتثالا، وعند نهيه اجتنابا؛ فإنّ النّفس لطلب الرّاحة تتلكأ في أمره فيبدو منها نوع إباء وشرود هربا من العبوديّة، وتثبت عند نهيه طلبا للظّفر بما منع منه، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه فقد تواضع للعبوديّة.
    والنّوع الثّاني: تواضع لعظمة الرّبّ وجلاله وخضوعه لعزّته وكبريائه فكلّما شمخت نفسه ذكر عظمة الرّبّ تعالى وتفرّده بذلك وغضبه الشّديد على من نازعه ذلك فتواضعت إليه نفسه، وانكسر لعظمة الله قلبه، واطمأنّ لهيبته، وأخبت لسلطانه، فهذا غاية التّواضع، وهو يستلزم الأوّل من غير عكس، والمتواضع حقيقة من رزق الأمرين معا.
    وعن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه أنّه قال له سلمان- رضي الله عنه -: «يا جرير تواضع لله. فإنّ من تواضع لله في الدّنيا رفعه الله يوم القيامة»، وسئل الحسن البصريّ عن التّواضع. فقال: «التّواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلّا رأيت له عليك فضلا».
    وروى البخاري في صحيحه عن عائشة- رضي الله عنها- وقد سئلت عمّا كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله قالت: كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة. وعن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذّكر، ويقلّ اللّغو، ويطيل الصّلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة. رواه النسائي وصححه الألباني.
    (10) الصوم
    قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 185).
    وعن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه - أنّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أيّ العمل أفضل؟ قال: «عليك بالصّوم فإنّه لا عدل له» أي: لا نظير له ولا مثيل. رواه النسائي وصححه الألباني.
    والصوم هو الإمساك عن الأكل والشّرب والجماع وسائر المفطرات يوما كاملا بنيّة الصّيام من طلوع الفجر الصّادق إلى غروب الشّمس.
    وعن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ في الجنّة بابا يقال له الرّيّان، يدخل منه الصّائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصّائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد» متفق عليه.
    وقال جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم صيامك وفطرك سواء».
    فالصائم موعود بالجنة ومبشّر بها، والصوم طهارة للنفس يورث الخشية، ويثمر المراقبة من الله عز وجل، كما أن فيه ناحية صحيّة؛ فالمعدة بيت الداء والجوع رأس الدواء.
    وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتّى نقول لا يفطر، ويفطر حتّى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قطّ إلّا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان» متفق عليه.



    اعداد: وليد دويدار




  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية (4)علـــــو الهـــمــــة





    علوّ الهمّة: هو استصغار ما دون النّهاية من معالي الأمور.

    قال الراغب: والكبير الهمّة على الإطلاق من يتحرّى الفضائل لا لجاه ولا لثروة ولا للذّة، ولا لاستشعار نخوة واستعلاء على البريّة، بل يتحرّى مصالح العباد شاكرا بذلك نعمة الله ومتوخّيا به مرضاته غير مكترث بقلّة مصاحبيه.
    قال الشّاعر:
    وإذا كانت النّفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
    عن الحسين بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله تعالى يحبّ معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها – أي: الحقير الرديء منها-» صححه الألباني.

    وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه -: والّذي لا إله غيره لقد أخذت مِنْ فِيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله منّي تبلّغني الإبل إليه لأتيته.
    وكان الإمام البخاريّ يقوم في اللّيلة الواحدة ما يقرب من عشرين مرّة لتدوين حديث أو فكرة طرأت عليه، كما أنّه من أعظم الرّماة، ما كان سهمه يخطئ الهدف إلّا نادرا.
    وفي ترجمة الإمام الطّبرانيّ: هو الحافظ العلّامة أبو القاسم سليمان بن أحمد اللّخميّ الشّاميّ الطّبرانيّ مسند الدّنيا، زادت مؤلّفاته عن خمسة وسبعين مؤلّفا. سئل الطّبرانيّ عن كثرة حديثه، فقال: كنت أنام على الحصير ثلاثين سنة.
    وفي ترجمة أيوب السختياني أنه حج أربعين حجة.
    وعن حماد بن سلمة قال: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يُطاع الله فيها إلا وجدناه مطيعاً، وكنا نرى أنه لا يُحسن يعصي الله.
    وعلو الهمة دليل على كمال المروءة، وهو يوصل صاحبه إلى محبة الله ومحبة الناس، ويحقق له الرفاهيّة وسعادة الدنيا والآخرة.
    (12) تلاوة القرآن وترتيله
    يراد بترتيل القرآن: تلاوته تلاوة تبيّن حروفها، ويتأنّى في أدائها ليكون أدنى إلى فهم المعاني. والتّلاوة عند القرّاء: قراءة القرآن الكريم متتابعا.
    قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة: 121) قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه -: «والّذي نفسي بيده إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه، ويقرؤه كما أنزله الله، ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئا على غير تأويله».
    وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل».
    وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ما يمنع أحدكم إذا رجع من سوقه، أو من حاجته، فاتّكأ على فراشه، أن يقرأ ثلاث آيات من القرآن؟».
    وعن كعب- رضي الله عنه- قال: «عليكم بالقرآن، فإنّه فهم العقل، ونور الحكمة وينابيع العلم، وأحدث الكتب بالرّحمن عهدا»
    عن قتادة- رضي الله عنه- في قول الله- عزّ وجلّ-: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه}(الأعراف: 58) قال: البلد الطّيّب: المؤمن سمع كتاب الله فوعاه فأخذ به فانتفع به، كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت، وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً عسرا مثل الكافر قد سمع القرآن فلم يعقله ولم يأخذ به ولم ينتفع به، كمثل هذه الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئا ولا تمرع شيئا».
    (13) قيام الليل
    قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ-تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ-فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة: 15 - 17).
    قال صلى الله عليه وسلم : «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد» رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
    وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ. رواه البخاري
    وقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُوسَى: لَا تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَذَرُهُ، وَكَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ صَلَّى قَاعِدًا. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
    وقال صلى الله عليه وسلم : «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» قال سالم بن عبد الله بن عمر: «فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا» متفق عليه.
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه.
    قال الحافظ ابن كثير عن ليل عمر رضي الله عنه: «كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر»، وقال لمعاوية بن خديج: «لئن نمت بالنهار لأضعينَّ الرعية، ولئن نمت بالليل لأضيعنَّ نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟».
    وقال علي بن بكار: منذ أربعين ما أحزنني إلا طلوع الفجر.
    بكى الباكون للرحمن ليـــــــــــــ ــــلاً
    وباتوا دمعهم لا يسأمونا
    بقاع الأرض من شوق إليهم
    تحن متى عليها يسجدونا
    (14) الخشوع
    الخشوع هو قيام القلب بين يدي الرّبّ بالخضوع والذّلّ وقيل: هو الانقياد للحقّ.
    وقال ابن القيم: والحقّ أنّ الخشوع معنى يلتئم من التّعظيم والمحبّة والذّلّ والانكسار.
    قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر: 21).
    عن سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ فَدَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «يَقُولُ مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» رواه مسلم.
    وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه -: «من تواضع لله تخشّعا، رفعه الله يوم القيامة، ومن تطاول تعظّما، وضعه الله يوم القيامة».
    و عن ابن عمر- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}(المؤ منون: 2) قال: «كانوا إذا قاموا في الصّلاة، أقبلوا على صلاتهم، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم. وعلموا أنّ الله يقبل عليهم فلا يلتفتون يمينا ولا شمالا».
    وعن الحسن البصريّ في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90). قال: «الخوف الدّائم في القلب».
    قال ابن القيم: وممّا يورث الخشوع: ترقّب آفات النّفس والعمل، ورؤية فضل كلّ ذي فضل عليك، وهذا المعنى أي انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبها لك يجعل القلب خاشعا لا محالة، لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما من: الكبر، والعجب، والرّياء، وضعف الصّدق، وقلّة اليقين، وتشتّت النّيّة وعدم إيقاع العمل على وجه يرضاه الله تعالى وغير ذلك من عيوب النّفس.
    و عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (الحديد/ 16). قال: «بلى يا ربّ، بلى يا ربّ».



    اعداد: وليد دويدار




  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية (5) تـــدبر القــــرآن



    (15) قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29). تدبّر القرآن هو: تحديق ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله وهو المقصود بإنزاله لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر.
    والتّدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما تؤول إليه عاقبته، والتّدبّر في الأمر: التّفكّر فيه. قال ابن منظور: دبّر الأمر وتدبّره: نظر في عاقبته. وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ» قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَقْرَأُ عَلَيْكَ؟ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي»، فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا }(النساء: 41) رَفَعْتُ رَأْسِي، أَوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِي، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ.
    قال ابن القيم رحمه الله: فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبّر القرآن، وإطالة التّأمّل. وجمع الفكر على معاني آياته. فإنّها تطلع العبد على معالم الخير والشّرّ بحذافيرها، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتتلّ في يده -أي: تضع فيها- مفاتيح كنوز السّعادة والعلوم النّافعة، وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيّد بنيانه، وتوطّد أركانه، وتريه صورة الدّنيا والآخرة، والجنّة والنّار في قلبه. وتحضره بين الأمم وتريه أيّام الله فيهم، وتبصّره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبّه وما يبغضه، وصراطه الموصّل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطّريق وآفاتها، وتعرّفه النّفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصحّحاتها، وتعرّفه طريق أهل الجنّة وأهل النّار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم، ومراتب أهل السّعادة وأهل الشّقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه، وافتراقهم فيما يفترقون فيه.

    وبالجملة تعرّفه بالله تعالى، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه، وتعرّفه مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشّيطان، والطّريق الموصّلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه.

    (16) الإنفاق في سبيل الله
    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٩﴾وَأَنْفِقُو ا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٠﴾وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١١﴾} (المنافقون: 9 - 11).

    وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» متفق عليه.

    قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في معنى قول الله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون}(البقزة: 245). صدّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمّن معنى الطّلب، وهو أبلغ في الطّلب من صيغة الأمر. والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن، فيجازى عليه أضعافا مضاعفة؟ وسمّي ذلك الإنفاق قرضا حسنا حثّا للنفوس، وبعثا لها على البذل؛ لأنّ الباذل متى علم أنّ عين ماله يعود إليه ولا بدّ طوّعت له نفسه، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أنّ المستقرض مليء وفيّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله وسماحة نفسه، فإن علم أنّ المستقرض يتّجر له بما اقترضه، وينمّيه له ويثمّره حتّى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنّه مع ذلك كلّه يزيده من فضله وعطائه أجرا آخر من غير جنس القرض، فإنّ ذلك القرض حظّ عظيم، وعطاء كريم؛ فإنّه لا يتخلّف عن قرضه إلّا لآفة في نفسه من البخل والشّحّ، أو عدم الثّقة بالضّمان. وذلك من ضعف إيمانه. ولهذا كانت الصّدقة برهانا لصاحبها.

    (17) الغِيبة
    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴿١٢﴾} (الحجرات: 12).
    الغيبة هي ذكر العيب بظهر الغيب.

    وفي الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه فقد بهتّه» رواه مسلم.

    قال النّوويّ- رحمه الله-: «اعلم أنّه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردّها ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فإن لم يستطع باليد ولا باللّسان، فارق ذلك المجلس».
    قال بعض السلف: «أدركنا السّلف وهم لا يرون العبادة في الصّوم ولا في الصّلاة، ولكن في الكفّ عن أعراض النّاس».

    قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «ذكر الغير ثلاثة: الغيبة، والبهتان، والإفك، وكلّ في كتاب الله- عزّ وجلّ- فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفك أن تقول ما بلغك». وقال أيضاً: «والله للغيبة أسرع في دين الرّجل من الأكلة في الجسد».
    فالغيبة بحق مرض اجتماعي يقطّع أواصر المحبة بين المسلمين، وهي دليل على خسّة المغتاب ودناءة نفسه.

    (18) هجر القرآن
    قال الله تعالى: {. وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (الفرقان: 30).
    قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: {وقال الرسول}(الفرقان: 30) مناديا لربه وشاكيا له إعراض قومه عما جاء به، ومتأسفا على ذلك منهم: {يارب إن قومي} (الفرقان: 30) الذي أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم، {اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} (الفرقان: 30) أي: قد أعرضوا عنه وهجروه وتركوه، مع أن الواجب عليهم الانقياد لحكمه والإقبال على أحكامه، والمشي خلفه.

    فهجر القرآن: هو الإعراض عنه أو اللّغو فيه والقول فيه بغير الحقّ- كالزّعم بأنّه سحر أو شعر ونحو ذلك من سيّىء القول- وترك تلاوته أو العمل به أو نسيانه بعد الحفظ.
    قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴿١٢٤﴾قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴿١٢٥﴾قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴿١٢٦﴾}(طه: 124: 126).

    عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة، ريحها طيّب، وطعمها طيّب، ومثل المؤمن الّذي لا يقرأ القرآن، مثل التّمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الّذي يقرأ القرآن مثل الرّيحانة، ريحها طيّب، وطعمها مرّ، ومثل المنافق الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مرّ».

    وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه- أنّه جمع الّذين قرؤوا القرآن فإذا هم قريب من ثلاثمائة؛ فعظّم القرآن وقال: إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا، وكائن عليكم وزرا، فاتّبعوا القرآن ولا يتّبعنّكم القرآن، فإنّه من اتّبع القرآن هبط به على رياض الجنّة، ومن تبعه القرآن زخّ في قفاه فقذفه في النّار.



    اعداد: وليد دويدار

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية(6) حسن الظن بالله



    قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: 45، 46).
    قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ} أي: يستيقنون {أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} فيجازيهم بأعمالهم {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات، ونفس عنهم الكربات، وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه.
    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قبلَ مَوْتِه بثَلاثَةِ أيّام يقولُ: «لاَ يَمُوتَنّ أحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بالله -عز وجل-» رواه مسلم.
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» متفق عليه.
    قال ابن القيم -رحمه الله-: «حسن الظن إن حمَل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية : فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطاً فهو المغرور».
    قال الحسن البصري: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل.
    (20) الإخلاص
    قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً} (الكهف: 110)، قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله-: وهذان ركنا العمل المتقبل. لا بد أن يكون خالصًا لله، صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وحقيقة الإخلاص هي تصفية السرِّ و القول و العمل، و هي ألا تطلب شاهداً لعملك إلا الله –جل جلاله-، وهي ترك الرياء.
    وفي الحديث القدسي قال ربُّ العزة سبحانه: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رواه مسلم.
    وعن الفضيل بن عياض –رحمه الله تعالى– في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (هود/7)، قال: هُوَ أَخْلُصُ الْعَمَلِ وَأَصْوَبُهُ، فَسُئِلَ عَنْ مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ، حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا فَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ.
    قال ابن القيّم: «العامل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا ينقله ولا ينفعه»
    وقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عيينة : كَانَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى يَكْتُبُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: “مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ».
    وقيل لحمدون القصَّار: «ما بالُ كلام السَّلف أنفعُ من كلامنا؟»، قال: «لأنهم تكلموا لعِزِّ الإسلام، ونجاةِ النفوس، ورضا الرحمنِ؛ ونحن نتكلمُ لِعِزِّ النَّفْس، وطلب الدنيا، وقُبولِ الخلق».


    اعداد: وليد دويدار




  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية (7)

    الأدب






    الأدب: عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.


    انظر كيف كان موسى عليه السلام مع ربه، قال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ ﴿83﴾قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } (طه:83، 84).

    وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الأدب مع ربه سبحانه ومع عباد الله، فكان يقوم لله حتى تتفطر قدماه، وكان يبدأ الناس بالسلام، وكان لا يغضب إلا أن تنتهك حرمات الله. قال تعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ } (الأنعام: 90).

    وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فآمن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذّاها فأحسن غذاءها، ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها فله أجران» ثمّ قال الشّعبيّ للخراسانيّ: خذ هذا الحديث بغير شيء. فقد كان الرّجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة» متفق عليه، واللفظ لمسلم.

    قال ابن القيّم- رحمه الله-: وحقيقة الأدب: استعمال الخلق الجميل. ولهذا كان الأدب استخراجا لما في الطّبيعة من الكمال من القول إلى الفعل.

    وقال أيضاً: «وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه. وقلّة أدبه عنوان شقاوته وبواره، فما استجلب خير الدّنيا والآخرة بمثل الأدب ولا استجلب حرمانها بمثل قلّة الأدب».

    وسئل الحسن البصريّ- رحمه الله- عن أنفع الأدب فقال: «التّفقّه في الدّين، والزّهد في الدّنيا والمعرفة بما لله عليك»

    وقال عبد الله بن المبارك- رحمه الله-: «من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السّنن، ومن تهاون بالسّنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة».

    (22) الخشية

    قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ } (الحشر: 21، 22).

    قال الرّاغب: الخشية هي خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خصّ العلماء بها في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28).

    وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيْبَاتِ الدُّنْيَا وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وحسنه الألباني.

    وعن ابن مسعود- رضي الله عنه - قال: «ليس العلم من كثرة الحديث، ولكنّ العلم من الخشية».

    إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا

    فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

    وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً

    وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ

    غَفَلْنَا الْعُــــــــــ مُرَ وَاللهِ حَتَّى تَدَارَكَتْ

    عَلَيْنَا ذُنُوبٌ بَعْدَهُنَّ ذُنُوبُ

    فَيَـــا لَيْتَ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى

    وَيَأْذَنُ فِي تَوْبَاتِنَا فَنَتُوبُ

    وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - أيضاً: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا».

    و قال مالك بن أنس- رحمه الله-: «حقّ على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية. والعلم حسن لمن رزق خيره».

    (23) خفض الصوت

    وهو: ألّا يرفع الإنسان صوته عن القدر المعتاد ولاسيما في حضور من هو أعلى منه مكانة.

    وفي وصية لقمان لابنه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (لقمان: 19)، قال ابن قتيبة- رحمه الله تعالى-: «عرّف لقمان ابنه قبح رفع الصّوت في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير».

    و قال ابن زيد- رحمه الله-: «لو كان رفع الصّوت خيرا ما جعله الله للحمير».

    قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } (الحجرات: 1 - 4).

    قال ابن أبي مُليكة: كاد الخيّران أن يهلكا- أبو بكر وعمر- لمّا قدم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التّميميّ الحنظليّ أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنّما أردت خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ } إلى قوله: {عَظِيمٌ}
    (الحجرات: 2- 3)، قال ابن أبي مُليكة: قال ابن الزّبير: فكان عمر بعد- ولم يذكر عن أبيه يعني أبا بكر- إذا حدّث النّبيّ صلى الله عليه وسلم بحديث حدّثه كأخي السّرار «أي: كالمناجي سرّاً» لم يسمعه حتّى يستفهمه. رواه البخاري.


    وعن السّائب بن يزيد- رضي الله عنه - قال: كنت قائما في المسجد فحصبني «أي: رماني بالحصى» رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطّاب فقال: «اذهب فأتني بهذين»، فجئته بهما، قال: «من أنتما- أو من أين أنتما؟» . قالا: من أهل الطّائف. قال: «لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!».

    (24) الشورى

    {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ} (آل عمران: 159)، فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم منهجاً فاستشار وأمر بالشورى وربى على ذلك أصحابه.

    والشورى هي: استنباط المرء الرّأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور، ويكون ذلك في الأمور الجزئيّة الّتي يتردّد المرء فيها بين فعلها وتركها.

    وهي أحد صفات عباد الله المؤمنين، قال تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿36﴾وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴿37﴾وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿38﴾وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴿39﴾} (الشورى: 36 - 39) قال الحسن البصري: «والله، ما استشار قوم قطّ إلّا هدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثمّ تلا {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ}(الشو رى: 38).

    وفي الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المستشار مؤتمن» رواه الترمذي وصححه الألباني.

    قال بعض الحكماء: «الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه».

    وقال بعض البلغاء: «من حقّ العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرّأي الفذّ ربّما زلّ، والعقل الفرد ربّما زلّ».

    قال الشّاعر:

    شاور صديقك في الخفيّ المشكل

    واقبل نصيحة ناصح متفضّل

    فالله قد أوصى بــــــــــــــ ـذاك نبيّه

    في قوله شــــــــــــــ ــــــــاورهم وتوكّل

    عن الحسن- رحمه الله- قال: «والله، ما استشار قوم قطّ إلّا هدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثمّ تلا {ںںﮠ} (الشورى/ 38)»

    وقال الماورديّ: «اعلم أنّ من الحزم لكلّ ذي لبّ، ألّا يبرم أمرا ولا يمضي عزما إلّا بمشورة ذي الرّأي النّاصح، ومطالعة ذي العقل الرّاجح».






    اعداد: وليد دويدار








  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية (8)

    كفالة اليتيم






    كفالة اليتيم هي: القيام بأمر الطّفل الصّغير ورعاية مصالحه وتربيته والإحسان إليه حتّى يبلغ مبلغ الرّجال إن كان ذكرا أو تتزوّج إن كان بنتا.


    وقد أخبرنا الله عز وجل أن الإحسان إلى اليتامى من البر، فقال سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَة ِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (البقرة: 177).

    وأمرنا الله تعالى بالعدل فيهم وعدم ظلمهم، قال تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (النساء: 2).

    وفي الحديث عن سهل- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا» وأشار بالسّبّابة والوسطى وفرّج بينهما شيئا» متفق عليه.

    قال ابن بطّال: حقّ على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنّة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك.

    قال مجاهد في قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (الضحى/ 9): لا تحتقره.

    وقال ابن سلام:لا تستذلّه.

    وقال سفيان: لا تظلمه بتضييع ماله.

    وقال الفرّاء: لا تمنعه حقّه.

    والقهر: هو التّسليط بما يؤذي.

    وفي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما تطيب به خواطر اليتامى في كلّ زمان ومكان فقد توفّي والده قبل أن يولد، ونشأ في كفالة جدّه عبد المطّلب يلقى من الرّعاية والعناية ما يعوّضه عن فقد أبيه.

    (26) النصيحة

    النصيحة: كلمة جامعة تتضمّن قيام النّاصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلا، والنّصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمّة المسلمين وعامّتهم.

    وهذا نبي الله نوح ينصح لقومه، قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿61﴾أُبَلِّغُكُ مْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 61 - 62). وهذا نبي الله هود وهو يثبت نصحه لقومه: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } (الأعراف: 68). وهذا نبي الله صالح، قال تعالى: {فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} (الأعراف: 79)، فضرب أئمة الهدى أروع الأمثلة في النصح لأقوامهم بالصبر عليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير ناصح لخير أمة، فما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، وما ترك شراً إلا وحذرنا منه.

    وفي الحديث: عن تميم الدّاريّ-رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدّين النّصيحة» . قلنا: لمن؟. قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» رواه مسلم.

    قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: «الواجب على المسلم أن يحبّ ظهور الحقّ ومعرفة المسلمين له، سواء كان ذلك في موافقته أم مخالفته. وهذا من النّصيحة لله ولكتابه ورسوله ودينه وأئمّة المسلمين وعامّتهم، وذلك هو الدّين كما أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ».

    وقال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «ما زال لله تعالى نصحاء، ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حقّ الله، ويعملون لله تعالى في الأرض بالنّصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض».

    وقال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:

    تعهّدني بنصحك في الفرادى

    وجنّبني النّصيحة في الجماعه

    فإنّ النّصح بين النّاس نوع

    من التّوبيخ لا أرضى استماعه

    فإن خالفتني وعصيت قولي

    فلا تغضب إذا لم تعط طاعه

    (27) الاستخارة

    عَن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُك َ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ قَالَ أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْنِي عَنْهُ (واصرفه عني) وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ». رواه البخاري

    قال ابن حجر: الاستخارة: اسم، واستخار الله طلب منه الخِيَرة , والمراد طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما .

    وصلاة الاستخارة: هي أن يصلّي المرء ركعتين من غير الفريضة في أيّ وقت من اللّيل أو النّهار يقرأ فيهما بما شاء بعد الفاتحة، ثمّ يدعو بالدّعاء الّذى ورد في هذا الحديث.

    قال ابن أبي جمرة- رحمه الله تعالى-: «الاستخارة في الأمور المباحة وفي المستحبّات إذا تعارضا في البدء بأحدهما، أمّا الواجبات وأصل المستحبّات والمحرّمات والمكروهات كلّ ذلك لا يستخار فيه».

    وقال أيضاً: «الحكمة في تقديم الصّلاة على دعاء الاستخارة: أنّ المراد حصول الجمع بين خيري الدّنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع من الصّلاة لما فيها من تعظيم الله والثّناء عليه والافتقار إليه مآلا وحالا».

    فالاستخارة دليل على تعلّق قلب المؤمن بالله- عزّ وجلّ- في سائر أحواله.

    وهي دليل على الرّضا بما قسم الله للإنسان وقدّر.

    كما أنها من أسباب السّعادة في الدّنيا والآخرة.

    (28) التبرج

    قال الطّبريّ: التّبرّج هو التّبختر، وقيل: هو إشهار الزّينة، وإبراز المرأة محاسنها للرّجال.

    قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب: 32، 33).

    عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: «جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي ولا تبرّجي تبرّج الجاهليّة الأولى». رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

    وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صنفان من أهل النّار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة. لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».

    وعن أمّ الضّياء أنّها قالت لعائشة- رضي الله عنهما-: يا أمّ المؤمنين ما تقولين في الخضاب والصّباغ والقرطين والخلخال وخاتم الذّهب وثياب الرّقاق؟. فقالت لها- رضي الله عنها-: «يا معشر النّساء قصّتكنّ كلّها واحدة أحلّ الله لكنّ الزّينة غير متبرّجات، أي لا يحلّ لكنّ أن يروا منكنّ محرّما».

    قال مجاهد بن جبر- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} (الأحزاب/ 33): «ذلك أنّ المرأة منهنّ كانت تخرج تمشي بين يدي الرّجال».

    وقال القرطبي رحمه الله: «إنّ المرأة المتشبّهة بالرّجال تكتسب من أخلاقهم حتّى يصير فيها من التّبرّج والبروز ومشابهة الرّجال ما قد يفضي ببعضهنّ إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرّجل، وتطلب أن تعلو على الرّجال كما يعلو الرّجال على النّساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء المشروع للنّساء».





    اعداد: وليد دويدار








  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية (9)اليـــــأس



    كفالة اليتيم هي: القيام بأمر الطّفل الصّغير ورعاية مصالحه وتربيته والإحسان إليه حتّى يبلغ مبلغ الرّجال إن كان ذكرا أو تتزوّج إن كان بنتا.
    وقد أخبرنا الله عز وجل أن الإحسان إلى اليتامى من البر، فقال سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَة ِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (البقرة: 177).
    قال العزّ بن عبد السلام: اليأس من رحمة الله: هو استصغار لسعة رحمته- عزّ وجلّ- ومغفرته، وذلك ذنب عظيم وتضييق لفضاء جوده. وقال الكفويّ: اليأس: انقطاع الرّجاء.
    قال تعالى: { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴿9﴾وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴿10﴾إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } (هود: 9 - 11).
    وقد قال يعقوب عليه السلام لبنيه كما اخبرنا الله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87).
    وقد عدّ ابن حجر اليأس من رحمته تعالى من الكبائر، مستدلّا بقوله سبحانه: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(ي وسف: 87) وبعد أن ذكر عددا من الأحاديث المبشّرة بسعة رحمته- عزّ وجلّ- قال: عَدُّ هذا كبيرة هو ما أطبقوا عليه، وهو ظاهر، لما فيه من الوعيد الشّديد.
    قال أبو حاتم السّجستانيّ:
    إذا اشتملت على اليأس القلوب

    وضاق لما به الصّدر الرّحيب
    وأوطأت المكاره واطمأنّــــــــ ـــــــــــــت

    وأرست في أماكنها الخطوب
    ولم تر لانكشاف الضّرّ وجها

    ولا أغـــــــــــــ ــــــــــــنى بحيلته الأريب
    أتاك على قنوط منك غوث

    يمنّ به اللّـــــــــــ ـــطيف المستجيب
    وكلّ الحادثات إذا تناهت
    فموصول بها الفرج القريب
    عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند الله من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند الله من العذاب لم يأمن من النّار».
    قال مجاهد، في قوله تعالى: { كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} (الممتحنة: 13) قال: «كما يئس الكفّار في قبورهم من رحمة الله تعالى، لأنّهم آمنوا بعد الموت بالغيب فلم ينفعهم إيمانهم حينئذ».
    (30) التطيّر
    التطيّر هو التّشاؤم بما يرى من مجيء الطّير والظّباء ونحو ذلك ناحية الشّمال أو بما يسمع من صوت طائر، كائنا ما كان وعلى أيّ حال كان.
    وأصل التطير قال عنه ابن حجر- رحمه الله تعالى-: إنّهم كانوا في الجاهليّة يعتمدون على الطّير، فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطّير طار يمنة تيمّن به واستمرّ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع.
    وقد كان التطير سمة في أهل الكفر، قال الله تعالى عن آل فرعون: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (الأعراف: 131).
    وقال سبحانه عن قوم صالح عليه السلام: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ﴿45﴾قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿46﴾قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ۖ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } (النمل: 45 - 47)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من ردّته الطّيرة من حاجة فقد أشرك» قالوا: يا رسول الله، ما كفّارة ذلك؟. قال: «أن يقول أحدهم: اللهمّ لا خير إلّا خيرك، ولا طير إلّا طيرك، ولا إله غيرك» رواه أحمد وصححه الألباني.
    قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: «واعلم أنّه قلّما يخلو من الطّيرة أحد، لا سيّما من عارضته المقادير في إرادته، وصدّه القضاء عن طلبته، فهو يرجو واليأس عليه أغلب، ويأمل والخوف إليه أقرب، فإذا عاقه القضاء، وخانه الرّجاء جعل الطّيرة عذر خيبته، وغفل عن قضاء الله- عزّ وجلّ- ومشيئته، فإذا تطيّر أحجم عن الإقدام ويئس من الظّفر، وظنّ أنّ القياس فيه مطّرد، وأنّ العبرة فيه مستمرّة، ثمّ يصير له عادة، فلا ينجح له سعي، ولا يتمّ له قصد».
    وقال أيضاً: ينبغي لمن مني بالتّطيّر أن يصرف عن نفسه دواعي الخيبة وذرائع الحرمان، ولا يجعل للشّيطان سلطانا في نقض عزائمه، ومعارضة خالقه، ويعلم أنّ قضاء- الله تعالى- عليه غالب، وأنّ رزقه له طالب، إلّا أنّ الحركة سبب، فلا يثنيه عنها مالا يضير مخلوقا ولا يدفع مقدورا، وليمض في عزائمه واثقا بالله تعالى إن أعطى، وراضيا به وإن منع.
    (31) صلة الرحم
    قال النّوويّ: صلة الرّحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزّيارة والسّلام وغير ذلك.
    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1).
    وأما حكمها فقد قال القاضي عياض: لا خلاف أنّ صلة الرّحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة، والأحاديث تشهد لهذا، ولكنّ الصّلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة بالكلام ولو بالسّلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب، ومنها مستحبّ. ولو وصل بعض الصّلة، ولم يصل غايتها لا يسمّى قاطعا، ولو قصّر عمّا يقدر عليه وينبغي له لا يسمّى واصلاً.
    عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله خلق الخلق، حتّى إذا فرغ من خلقه قامت الرّحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا ربّ. قال: فذاك لك». ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرؤوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: 22- 24).
    قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «تعلّموا أنسابكم ثمّ صلوا أرحامكم، والله إنّه ليكون بين الرّجل وبين أخيه شيء، ولو يعلم الّذي بينه وبينه من داخلة الرّحم لأوزعه «أي: كفه ومنعه» ذلك عن انتهاكه».
    (32) طلاقة الوجه
    طلاقة الوجه هي: انفساحه بالبشاشة وهشاشته عند اللّقاء؛ بحيث لا يكون كالحاً ولا عابساً. عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم : «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» رواه مسلم.
    وعن أبي ذرٍ أيضاً- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة، وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» رواه الترمذي وصححه الألباني.
    وقد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر النّاس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجّبا ممّا تحدّثوا به وخلطا لنفسه بهم، ولربّما ضحك حتّى تبدو نواجذه.
    وقال أبو جعفر بن صهبان- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: أوّل المودّة طلاقة الوجه، والثّانية التّودّد، والثّالثة قضاء حوائج النّاس».
    وقال بعض الحكماء: من جاد لك بمودّته، فقد جعلك عديل نفسه، فأوّل حقوقه اعتقاد مودّته، ثمّ إيناسه بالانبساط إليه في غير محرّم، ثمّ نصحه في السّرّ والعلانية، ثمّ تخفيف الأثقال عنه، ثمّ معاونته فيما ينوبه من حادثة، أو يناله من نكبة، فإنّ مراقبته في الظّاهر نفاق، وتركه في الشّدّة لؤم».
    فطلاقة الوجه تثمر المحبّة بين المسلمين.
    وتبعث الاطمئنان في اللّقاء بينهم.
    كما أنها تعين على مناصحة الإخوان.
    وفيها تأسّ بسيّد الخلق عليه الصلاة والسلام.


    اعداد: وليد دويدار



  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية (10) العمل الصالح



    العمل الصّالح: هو العمل المراعى من الخلل، وأصله الإخلاص في النّيّة وبلوغ الوسع في المجادلة بحسب علم العامل وإحكامه



    قال تعالى: {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّ هُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَوابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ} (آل عمران: 195).
    وعن البراء-رضي الله عنه - قال: أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل مقنّع بالحديد. فقال: يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟. قال: «أسلم ثمّ قاتل»، فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عمل قليلا وأجر كثيرا». البخاري.
    والعمل الصّالح: هو العمل المراعى من الخلل، وأصله الإخلاص في النّيّة وبلوغ الوسع في المجادلة بحسب علم العامل وإحكامه، وقال بعضهم: العمل الصّالح ما دبّر بالعلم.
    عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكلّ سيّئة يعملها تكتب له بمثلها» متفق عليه.
    وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة، إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.
    وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم.
    وقال عليّ بن أبي طالب-رضي الله عنه - «ارتحلت الدّنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل».
    (37) الحسد
    قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 109).
    وقال سبحانه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (الفلق: 1 - 5)
    قال الجرجانيّ: الحسد تمنّي زوال نعمة المحسود إلى الحاسد.
    وقال الجاحظ: الحسد: هو التألّم بما يراه الإنسان لغيره وما يجده فيه من الفضائل، والاجتهاد في إعدام ذلك الغير ما هو له، وهو خلق مكروه وقبيح بكلّ أحد.
    وعن ضمرة بن ثعلبة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلي الله عنه : «لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا» صححه الألباني.
    وقال معاوية-رضي الله عنه -: ليس في خصال الشرّ أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود.
    وقال أبو الدرداء: ما أكثر عبد ذكر الموت إلّا قلّ فرحه وقلّ حسده.
    وقال الحسن: يا بن آدم لم تحسد أخاك؟
    فإن كان الّذي أعطاه لكرامته عليه، فلم تحسد من أكرمه الله؟ وإن كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إلى النار.
    قال ابن المعتزّ: الحسد داء الجسد.
    قال عبد الله بن المعتزّ- رحمه الله-:
    اصبر على كيد الحسو
    د فإنّ صبرك قاتله
    فالنّار تأكل بعضها
    إن لم تجد ما تأكله
    وقال بعض السلف: الحسد أوّل ذنب عصي الله به في السماء، يعني حسد إبليس لآدم- عليه السلام- وأوّل ذنب عصي الله به في الأرض، يعني حسد ابن آدم لأخيه حتّى قتله.
    (38) سوء المعاملة
    سوء المعاملة هي أن يفعل الإنسان ما من شأنه أن يغمّ أو يؤذي غيره في المعاملات الشّرعيّة من بيع وإجارة ونحوهما، أو المعاملات السّلوكيّة والأخلاقيّة المتعلّقة بالنّفس أو الغير في إطار الأسرة والمجتمع والبيئة.
    وعن عبد الرّحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنهما- أنّ رجلا قال: يا رسول الله، أيّ النّاس خير؟ قال: «من طال عمره وحسن عمله» قال: فأيّ النّاس شرّ؟ قال: «من طال عمره وساء عمله» رواه الترمذي وصححه الألباني.
    وعن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه - قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة».
    وفي الحديث المتفق عليه عن أنس بن مالك- رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية- فأدركه أعرابيّ فجبذه جبذة شديدة حتّى نظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد أثّرت به حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال: مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثمّ أمر له بعطاء». فانظر إلى سوء معاملة الأعرابي وانظر إلى حسن ردة فعل النبي الأمي صلى الله عليه وسلم .
    قيل: إن داود- عليه السّلام- قال: «المرأة السّوء على بعلها كالحمل الثّقيل على الشّيخ الكبير، والمرأة الصّالحة كالتّاج المرصّع بالذّهب كلّما رآها قرّت عينه برؤيتها».
    وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقّه مائل» أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
    وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مطل الغنيّ ظلم» رواه البخاري.
    (39) اللين
    يُطلق اللين ويراد به: الكلام الرّقيق السّهل، وقال ابن كثير: الحاصل من أقوالهم في هذه الآية: أنّ دعوة موسى وهارون لفرعون تكون بكلام رقيق ليّن سهل رفيق ليكون ذلك أوقع في النّفوس وأبلغ وأنجع، أمّا لين الجلود والقلوب في قوله عزّ وجلّ: {ثُمَّ تَلِيْنُ جُلُوْدُهُمْ وَقُلُوْبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} (الزمر: 23)، ففيه إشارة إلى إذعانهم للحقّ وقبولهم له بعد تأبّيهم منه وإنكارهم إيّاه، وقال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عندما يسمعون كلام الجبّار.
    قال الله لموسى عليه السلام: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَـتِى وَلاَتَنِيَا فِى ذِكْرِى (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولاَ لَهُ قَوْلا لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } (طه: 42 - 44).
    وورد في شعر منسوب لزيد بن عمرو بن نفيل، وقيل لأميّة بن أبي الصّلت ما يشبه أن يكون من القول اللّيّن:
    فقلت له: فاذهب وهارون فادعوا
    إلى الله فرعون الّذي كان باغيا
    فقولا له: هل أنت سوّيت هذه
    بلا وتد، حتّى استقلّت كما هيا
    وقولا له: آأنت رفّعت هذه
    بلا عمد، أرفق إذن بك بانيا
    قولا له: من يخرج الشّمس بكرة
    فيصبح ما مسّت من الأرض ضاحيا
    وقولا له: من ينبت الحبّ في الثّرى
    فيصبح منه البقل يهتزّ رابيا
    ويخرج منه حبّه في رءوسه
    ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
    وقال الله عز وجل: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيْثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُوْدُ الَّذِيْنَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِيْنُ جُلُوْدُهُمْ وَقُلُوْبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِيْ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ.} (الزمر: 23).
    (40) كتمان السر
    كتمان السّرّ، قال الجاحظ: وهذا الخلق مركّب من الوقار وأداء الأمانة، فإنّ إخراج السّرّ من فضول الكلام وليس بوقور من تكلّم بالفضول.
    والكتمان نوعان:
    - الأوّل: الكتمان المحمود، وهو ضرب من الأمانة ونوع من الوفاء، وعلامة على الوقار، وهو كتمان سرّ الغير أو النّفس وهو مناط هذه الصّفة ومعقدها.
    - الآخر: الكتمان المذموم وهو على ضربين أيضا:
    أ- كتمان الشّهادة: وقد ذمّه المولى عزّ وجلّ في قوله: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } (البقرة: 283) .
    ب- كتمان ما أنزل الله: وقد أخذ المولى عز وجلّ العهد على الأنبياء والمرسلين بألّا يكتموا ممّا أوحي إليهم شيئا، وتوعّد من يفعل ذلك بذلّ الدّنيا وعذاب الآخرة فقال عزّ من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ} (البقرة: 174).
    عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ من أشرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة، الرّجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثمّ ينشر سرّها» رواه مسلم.
    وعن ثابت عن أنس- رضي الله عنهما- قال: أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأنا ألعب مع الغلمان- قال: فسلّم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمّي، فلمّا جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله[ لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنّها سرّ. قالت: لا تحدّثنّ بسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. قال أنس: والله لو حدّثت به أحدا لحدّثتك يا ثابت. رواه مسلم.
    وقال الشّاعر:
    إذا المرء أفشى سرّه بلسانه
    ولام عليه غيره فهو أحمق
    إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه
    فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق


    اعداد: وليد دويدار


  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية(11)

    - الكـــرم ومجاهدة النفس






    قال ابن مسكويه: الكرم إنفاق المال الكثير بسهولة من النّفس فى الأمور الجليلة القدر، الكثيرة النّفع.

    قال الكفويّ: الكرم إن كان بمال فهو جود. وإن كان بكفّ ضرر مع القدرة فهو عفو. وإن كان ببذل النّفس فهو شجاعة.
    قال أبو حامد الغزاليّ: والكريم من أسماء الله تعالى؛ هو الّذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرّجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب، ولا يضيع من لاذبه والتجأ. ويغنيه عن الوسائط والشّفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتّكلّف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط.
    من معاني الكرم في القرآن الكريم:
    1- الحسن، قال تعالى: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيم}ٌ (النمل/ 29) .
    2- السّهل، قال تعالى: {وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً} (الإسراء/ 23) .
    3- الكثير، قال تعالى: {وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً} (الأحزاب/ 31) .
    4- العظيم، قال تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (المؤمنون/ 116) .
    5- الفضل. ومنه قوله تعالى في (بني آدم) : {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيّ}َ (الإسراء/ 62). أي فضّلت عليّ، وفيها: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ (آية/ 70).
    6- الصّفوح، ومنه قوله تعالى في (الانفطار) (آية 6) {ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم}ِ.
    وعن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله حييّ كريم، يستحيي إذا رفع الرّجل إليه يديه أن يردّهما صفرا خائبتين» رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
    وعن أبي شريح العدويّ- رضي الله عنه- قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته «7» ، قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة، والضّيافة ثلاثة أيّام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» متفق عليه.
    مجاهدة النفس
    قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعات: 40، 41). ومجاهدة النفس هي محاربة النّفس الأمّارة بالسّوء بتحميلها ما يشقّ عليها بما هو مطلوب في الشّرع.
    قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: جهاد النّفس على أربع مراتب:
    الأولى: مجاهدتها على تعلّم الهدى ودين الحقّ.
    الثّانية: مجاهدتها على العمل به (أي: بالهدى ودين الحقّ) بعد علمه.
    الثّالثة: مجاهدتها على الدّعوة إلى الحقّ.
    الرّابعة: مجاهدتها على الصّبر على مشاقّ الدّعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمّل ذلك كلّه لله.
    ثمّ قال- رحمه الله- عقب ذلك: فإذا استكمل المسلم هذه المراتب الأربع صار من الرّبّانيّين، فإنّ السّلف مجمعون على أنّ العالم لا يستحقّ أن يسمّى ربّانيّا حتّى يعرف الحقّ ويعمل به ويعلّمه، فمن علم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السّموات.
    عن ربيعة بن كعب الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: «سل» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنّة. قال «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك. قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» رواه مسلم.
    قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- في وصيّته لعمر حين استخلفه: «إنّ أوّل ما أحذّرك: نفسك الّتي بين جنبيك». وسأل أحدهم عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن الجهاد، فقال له: «ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها».
    قال ابن القيّم- رحمه الله-: لا يسيء الظّنّ بنفسه إلّا من عرفها. ومن أحسن الظّنّ بنفسه فهو من أجهل النّاس بنفسه. قال الشّاعر:
    يا من يجاهد غازيا أعداء دي
    ن الله يرجو أن يعان وينصرا
    هلّا غشيت النّفس غزوا إنّها
    أعدى عدوّك كي تفوز وتظفرا
    مهما عنيت جهادها وعنادها
    فلقد تعاطيت الجهاد الأكبرا



    اعداد: وليد دويدار




  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية (12)
    – التقــوى والتكبير





    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴿33﴾إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (لقمان: 33- 34).

    وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتّقوا الظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» رواه مسلم.

    وعن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله يحبّ العبد التّقيّ الغنيّ الخفيّ» رواه مسلم.

    وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبي صلى الله عليه وسلم : من أكرم النّاس؟ قال: «أكرمهم أتّقاهم» ، قالوا: يا نبيّ الله، ليس عن هذا نسألك. قال: «وأكرم النّاس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» . قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «أفعن معادن العرب تسألونني؟» . قالوا: نعم. قال: «فخياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا» رواه البخاري.

    قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102) قال : أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر.

    قال طلق بن حبيب- رحمه الله-: «التّقوى العمل بطاعة الله على نور من الله، رجاء رحمة الله، والتّقوى ترك معاصي الله على نور من الله، مخافة عذاب الله».

    وسأل رجل أبا هريرة- رضي الله عنه-: ما التّقوى؟ قال: «هل أخذت طريقا ذا شوك؟» قال: نعم، قال: «فكيف صنعت؟» . قال: إذا رأيت الشّوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: «ذاك التّقوى» وأخذ أحدهم هذا المعنى فقال :

    خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقي

    واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى

    لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى

    التكبير

    قال المناويّ: يقال: التّكبير لتعظيم الله بقولك: الله أكبر ولعبادته ولاستشعار تعظيمه

    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (المدثر: 1 - 7).

    وعن قتادة قال: ذكر لنا أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعلّم أهله هذه الآية {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (الإسراء: 111) الصّغير من أهله والكبير. وكان القرظيّ يقول في هذه الآية (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً)، قال: إنّ اليهود والنّصارى قالوا اتّخذ الله ولدا، وقالت العرب لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك، وقال الصّابئون والمجوس لولا أولياء الله لذلّ الله فأنزل الله (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) أي كبّره أنت يا محمّد على ما يقولون تكبيرا.

    عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّه خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستّين وثلاثمائة مفصل، فمن كبّر الله وحمد الله وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق النّاس أو شوكة أو عظما عن طريق النّاس، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك السّتّين والثّلاثمائة السّلامى؛ فإنّه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النّار» رواه مسلم.

    وفي صحيح مسلم أيضاً عن سعد بن أبي وقّاص-رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له. الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا. سبحان الله ربّ العالمين. لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم». قال: فهؤلاء لربّي فما لي؟ قال قل: «اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني»






    اعداد: وليد دويدار








  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية(13)

    - تكريم الإنسان





    قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70).
    قال الطّبريّ في تفسير هذه الآية: يقول- تعالى ذكره- ولقد كرّمنا بني آدم بتسليطنا إيّاهم على غيرهم من الخلق، وتسخيرنا سائر الخلق لهم، وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على ظهور الدّوابّ والمراكب، وفي البحر في الفلك الّتي سخّرناها لهم، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي طيّبات المطاعم والمشارب، وهي حلالها ولذيذاتها وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا وذلك تمكّنهم من العمل بأيديهم، وأخذ الأطعمة والأشربة بها، ورفعها بها إلى أفواههم، وذلك غير متيسّر لغيرهم من الخلق» وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... الآية ) أنّ التّفضيل بالعقل.
    قال ابن كثير: تكريم الله للإنسان يتجلّى في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها وفي أن جعل له سمعا وبصرا وفؤادا، يفقه بذلك كلّه وينتفع به ويفرّق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصّها ومضارّها في الأمور الدّينيّة والدّنيويّة.
    عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخّرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع فكنت تظنّ أنّك ملاقي يومك هذا؟ قال: فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني» رواه الترمذي.
    وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «المؤمن أكرم على الله من ملائكته»
    ونظر ابن عمر- رضي الله عنهما- يوما إلى البيت- أو إلى الكعبة- فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك»
    (46) حق الجار
    قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } (النساء: 36).
    حق الجار هو امتثال الوصيّة بالجار بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطّاقة. كالهديّة، والسّلام إلى غير ذلك وكفّ أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسّيّة كانت أو معنويّة
    قال ابن حجر: واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصّديق والعدوّ، والغريب والبلديّ، والنّافع والضّارّ، والقريب والأجنبيّ والأقرب دارا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصّفات الأول كلّها ثمّ أكثرها وهلمّ جرّا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصّفات الأخرى كذلك، فيعطى كلّ حقّه بحسب حاله.
    عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: إنّ خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه. ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» رواه مسلم.
    وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره». متفق عليه. وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» متفق عليه.
    وعن أبي شريح الخزاعيّ- رضي الله عنه- أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت» رواه مسلم.
    ويروى أنّ رجلا جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه- فقال له: إنّ لي جارا يؤذيني ويشتمني ويضيّق عليّ، فقال: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه».



    اعداد: وليد دويدار




  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية(14)

    - الحكمــــــة





    النقمة هي كراهية الشّيء كراهية شديدة تصل إلى حدّ السّخط، وقد تستعمل النّقمة ويراد بها ما ينجم عنها وهو الانتقام.

    قال ابن حجر: واختلف في المراد بالحكمة فقيل: الإصابة في القول. وقيل: الفهم عن الله، وقيل ما يشهد العقل بصحّته، وقيل نور يفرّق به بين الإلهام والوسواس. وقيل: سرعة الجواب بالصّواب. وقيل غير ذلك.
    قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ} (البقرة: 268، 269).
    وعن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلّا في اثنتين، رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ، وآخر آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلّمها» متفق عليه.
    وعن عون بن عبد الله؛ قال: قال عبد الله: «نعم المجلس مجلس ينشر فيه الحكمة، وترجى فيه الرّحمة»
    وعن شرحبيل بن شريك أنّه سمع أبا عبد الرّحمن الحبليّ يقول: «ليس هديّة أفضل من كلمة حكمة تهديها لأخيك»
    وكان وهب بن منبّه يقول: «يا بنيّ عليك بالحكمة، فإنّ الخير في الحكمة كلّها، وتشرّف الصّغير على الكبير، والعبد على الحرّ، وتزيد السّيّد سؤددا، وتجلس الفقير مجالس الملوك»
    وعن موسى بن عليّ، قال: «قال ربيط بني إسرائيل: «زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصّمت»
    وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:- اسم الحكيم له سبحانه- من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله، ووضعه الأشياء في مواضعها، وإيقاعها على أحسن الوجوه.
    (48) النميمة
    قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (القلم: 10 - 15).
    النميمة هي نقل كلام النّاس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد. وقيل: إفشاء السّرّ، وهتك السّتر عمّا يكره كشفه.
    قال الذّهبيّ: النّميمة من الكبائر، وهي حرام بإجماع المسلمين، وقد تظاهرت على تحريمها الدّلائل الشّرعيّة من الكتاب والسّنّة.
    عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّه بلغه أنّ رجلا ينمّ الحديث، فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنّة نمّام» متفق عليه.
    وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبي صلى الله عليه وسلم : «تجد من شرار النّاس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الّذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه» متفق عليه.
    قال رجل لعمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «يا أمير المؤمنين، احذر قاتل الثّلاثة». قال: «ويلك، من قاتل الثّلاثة؟» قال: الرّجل يأتي الإمام بالحديث الكذب، فيقتل الإمام ذلك الرّجل بحديث هذا الكذّاب، ليكون قد قتل نفسه، وصاحبه، وإمامه».
    وقال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «من نمّ إليك نمّ عليك»
    تنحّ عن النّميمة واجتنبها ... فإنّ النّمّ يحبط كلّ أجر
    يثير أخو النّميمة كلّ شرّ ... ويكشف للخلائق كلّ سرّ
    ويقتل نفسه وسواه ظلما ... وليس النّمّ من أفعال حرّ
    (49) النقمة
    قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِين َ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (البروج: 1 - 9).
    النقمة هي كراهية الشّيء كراهية شديدة تصل إلى حدّ السّخط، وقد تستعمل النّقمة ويراد بها ما ينجم عنها وهو الانتقام.
    ويتجلّى الفرق بين النّقمة والانتقام في أنّ النّقمة من أعمال القلوب والانتقام من أعمال الجوارح، كما أنّ النّقمة تسبق الانتقام وهو كالنّتيجة لها، وأيضا فإنّ النّقمة قد لا يعقبها عقوبة ولا انتقام، أمّا الانتقام فلا بدّ أن تسبقه النّقمة.
    وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» رواه مسلم.
    عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من يهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ونافع بن أبي نافع وغازي بن عمر وزيد بن خالد وأزار بن أبي أزار وأسقع، فسألوه عمّن يؤمن به من الرّسل؟ قال: «أؤمن بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون» فأنزل الله تعالى الآية الكريمة: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } (المائدة/ 59).
    (50) الكسل
    قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿142﴾
    مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا } (النساء: 142، 143).
    وعن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهمّ إنّي أعوذبك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها. اللهمّ إنّي أعوذبك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» رواه مسلم.
    قال المناويّ: الكسل: التّغافل عمّا لا ينبغي التّغافل عنه ولذلك عدّ مذموما وضدّه النّشاط..
    والكسل قسمان: الأوّل: كسل العقل بعدم إعماله في التّفكّر والتّدبّر والنّظر في آلاء الله من ناحية وفي تركه النّظر إلى ما يصلح شأن الإنسان، ومن حوله في الدّنيا الّتي فيها معاشه. وليس تأخّر الأمم ناتجا إلّا عن كسل أصحاب العقول فيها وقلّة اكتراثهم بالقوّة الإبداعيّة المفكّرة الّتي أودعها الله فيهم.
    الثّاني: كسل البدن بما يشتمل عليه من الجوارح، وينجم عن هذا الكسل تأخّر الأفراد، بل الأمم في مجالات النّشاط المختلفة من زراعة وصناعة وغيرهما.



    اعداد: وليد دويدار






  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: إضاءات سلفية

    إضاءات سلفية(15)

    - الكـــــــذب




    قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ} (الشعراء: 221 - 223).
    قال ابن حجر: الكذب: هو الإخبار بالشّيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ
    ذكر الإمامان ابن حجر والذّهبيّ الكذب (الّذي لا رخصة فيه) من الكبائر، وأفحش الكذب ما كان كذبا على الله عزّ وجلّ أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقد صرّح العلماء بعدّ هذين النّوعين (الكذب على الله والكذب على الرّسول) من الكبائر، وذهب بعضهم إلى أنّ الكذب على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كفر، قال ابن حجر: ولا ريب أنّ تعمّد الكذب على الله ورسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض، وإنّما الكلام في الكذب عليهما فيما سوى ذلك.
    عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» متفق عليه.
    وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ كذبا عليّ ليس ككذب على أحد. من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» متفق عليه.
    قال أبو عبد الله الإمام أحمد: الكذب لا يصلح منه جدّ ولا هزل»
    قال صالح بن عبد القدّوس:
    واختر صديقك واصطفيه تفاخرا ... إنّ القرين إلى المقارن ينسب
    ودع الكذوب ولا يكن لك صاحبا ... إنّ الكذوب لبئس خلّا يصحب
    (52) ترك الصلاة
    قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}(المد ثر: 38 - 47).
    قال الإمام أبو عبد الله المروزيّ رحمه الله-: «لقد شدّد تبارك وتعالى الوعيد في تركها، ووكّده على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم بأنّ تاركها يخرج من الإيمان بتركها، ولم تجعل فريضة من أعمال العباد علامة بين الكفر والإيمان إلّا الصّلاة، فقال: ليس بين العبد وبين الكفر من الإيمان إلّا ترك الصّلاة» فأخبر أنّها نظام للتّوحيد، ويكفر بتركها، كما يكفر بترك التّوحيد».
    المقصود هنا بترك الصلاة: أن يدع الإنسان إقامة الصّلاة المفروضة عمداً حتى يخرج وقتها بغير عذر. عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة»
    وعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة- رضي الله عنهم- أنّهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، على أعواد منبره: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثمّ ليكوننّ من الغافلين» رواه مسلم.
    عن عمر- رضي الله عنه- قال: «لا إسلام لمن لم يصلّ». وقال عليّ- رضي الله عنه-: «من ترك صلاة واحدة متعمّدا، فقد برئ من الله وبرىء الله منه»
    عن عبد الله بن شقيق العقيلي- رضي الله عنه- قال: «كان أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصّلاة»
    (53) الجبن
    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (الأحزاب: 9 - 11).
    قال الفيروز آباديّ: الجبن: ضعف القلب عمّا يحقّ أن يقوى عليه.
    وقال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى-: الجبن خلق مذموم قد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نعوذ بالله ممّا استعاذ منه سيّد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « شَرَّ ما في رَجُل: شُح هَالِعٌ، وجُبْنٌ خَالعٌ». رواه أبو داود وصححه الألباني.
    وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر» متفق عليه.
    قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى.: «إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم حتّى إنّ ذلك عامّة ما يمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن»
    قال أبو الزّناد- رحمه الله تعالى-: «لمّا حضرت خالد بن الوليد الوفاة بكى، ثمّ قال: لقد حضرت كذا وكذا زحفا وما في جسدي شبر إلّا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء»
    (54) السحر
    قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُون َ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُون َ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (البقرة:102)، قال ابن قدامة- رحمه الله- عن السحر: هو عقد ورقى يتكلّم به أو يكتبه السّاحر أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له.
    قال النّوويّ: «عمل السّحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عدّه النّبيّ صلى الله عليه وسلم من السّبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كافر، وإلّا فلا، وأمّا تعلّمه وتعليمه فحرام»
    الطرق الشرعية في الوقاية من السحر والسحرة
    (1) الاستعاذة بالله، وقد أرشدنا القرآن إلى الاستعاذة في غير موضع من كتابه.
    (2) تقوى الله وحفظه عند أمر الله ونهيه، فمن اتّقى الله تولّى الله حفظه ولم يكله إلى غيره.
    (3) التّوكّل على الله والاعتماد عليه، فمن توكّل على الله فهو حسبه.
    (4) تجريد التّوبة إلى الله من الذّنوب الّتي سلّطت عليه أعداءه.
    (5) الصّدقة والإحسان؛ فإنّ لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء والسّحر والحسد.
    (6) الإكثار من قراءة القرآن والأدعية المأثورة.
    (7) استخراج السّحر وإبطاله، وهذه من طرق علاج السّحر بعد وقوعه.
    (8) استعمال الأدوية المباحة شرعا الّتي يعرفها الأطبّاء وأهل العلم.
    (55) الطموح
    الطموح هو أن ينزع الإنسان إلى معالي الأمور ويعمل على تغيير حاله إلى ما هو أسمى وأنفع، وكلّما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها، ولا يكون ذلك محمودا إلّا إذا وافق الشّرع الحنيف.
    قال الشّيخ الخضر حسين- رحمه الله-: «وممّا جبل عليه الحرّ الكريم، ألا يقنع من شرف الدّنيا والآخرة بشيء ممّا انبسط له، أملا فيما هو أسنى منه درجة وأرفع منزلة».
    وعن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله- تعالى- يحبّ معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها»
    قال الشاعر
    والحرّ لا يكتفي من نيل مكرمة
    حتّى يروم الّتي من دونها العطب
    يسعى به أمل من دونه أجل
    إن كفّه رهب يستدعه رغب
    لذاك ما سال موسى ربّه أرني
    أنظر إليك وفي تساله عجب
    يبغي التّزيّد فيما نال من كرم
    وهو النّجيّ لديه الوحي والكتب
    وقال آخر:
    لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا
    ولا ينال العلا من قدّم الحذرا
    ومن أراد العلا صفوا بلا كدر
    قضى ولم يقض من إدراكه وطرا
    وأحزم النّاس من لو مات من ظمأ
    لا يقرب الورد حتّى يعرف الصّدرا



    اعداد: وليد دويدار

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •