تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: أصول في دراسة مسائل التفسير

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,614

    افتراضي أصول في دراسة مسائل التفسير

    بسم الله الرحمن الرحيم

    أصول في دراسة مسائل التفسير
    عبد العزيز الداخل


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هداه
    أما بعد:
    فهذه خلاصة محاضرة أصول دراسة مسائل التفسير، مع زيادات وتوضيحات.

    تمهيد:
    1. بيان سعة علم التفسير وتنوّع مسائله.
    - علم التفسير من أوسع العلوم لصلته بكتاب الله تعالى الذي جعله الله هدى للناس في جميع شؤونهم العامة والخاصة، وامتنّ عليهم بأن جعله هادياً للتي هي أقوم في كلّ ما يحتاجون إلى الهدى فيه؛ في أمور الاعتقاد والعبادات والمعاملات والآداب، وفي كلّ ما يحتاجون إليه.
    - وفي القرآن تقرير لمسائل الاعتقاد من الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وتضمن الرد على المبطلين من المشركين وكفرة أهل الكتاب والمنافقين، وإبطال شبههم، ودحض حججهم ومعارضاتهم في أبواب كثيرة من أبواب الدين.
    - وقد تناول المفسّرون مسائل الاعتقاد في التفسير وفسّرها كل بحسب اعتقاده؛ وكان من المفسّرين من هو معروف باتّباع السنّة، ومنهم مفسّرون أشاعرة وماتريدية ومعتزلة وصوفية وغيرهم، وبعض هؤلاء تفاسيرهم مشتهرة.
    - إذا عرضت مسألة تتعلّق بالإيمان بالقدر وطالب العلم لم يحسن دراسة منهج أهل السنة والجماعة في مسائل القدر ثم قرأ في تفاسير بعض الأشاعرة وهم جبرية في باب القدر، أو قرأ في تفاسير بعض المعتزلة وهم قدرية في هذا الباب، إذا قرأ في تلك التفاسير وهو لا يعرف تقرير أهل السنة لمسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل وبطلان الاحتجاج بالقدر على المعاصي، فإنّه سيقع في بعض الإشكالات، بل ربّما فسّر تلك الآيات بما يوافق أقوال تلك الفرق.
    - بل ربّما غرّه أن يجد في تفاسير بعض الأشاعرة نسبة قولهم إلى أهل السنّة ؛ فيقع في تفاسير بعض الأشاعرة إذا ذكروا عقيدتهم في تلك المسألة أن يقولوا: وهذا قول أهل السنة، يريدون به أنفسهم؛ فالطالب الذي لا يعرف قول أهل السنّة في تلك المسألة قد ينسب هذا القول المبتدع إلى أهل السنة.
    - من أمثلة ذلك قول الرازي في تفسير قول الله تعالى: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} قال: (احتج أهل السنة بهذه الآية وكل ما أشبهها على تكليف ما لا يطاق)؛ وهذا القول هو قول الأشاعرة لأنهم جبرية في باب القدر، وليس بقول أهل السنة الذين هم أئمة أهل الحديث ومن اعتقد اعتقادهم.
    - وكذلك ابن عطيّة يقع منه كثيراً في تفسيره نسبة بعض الأقوال إلى أهل السنة وربما قابل بينها وبين أقوال المعتزلة فيقول: قال المعتزلة كذا، وقال أهل السنة كذا، وهو يريد الأشاعرة، وينقل عن كبار الأشاعرة كأبي الحسن الأشعري وأبي بكر الباقلاني وابن فورك والجويني.
    - وإن كان ابن عطيّة لا يوافق هؤلاء الأشاعرة في كل ما ينقله عنهم ، بل ربما استدرك عليهم، وربما كان فيما ينقله ما يوافقون فيه قول أهل السنة والجماعة حقيقة، لكن تمييز طالب العلم بين ما تصح نسبته إلى أهل السنة وما لا تصح لا يمكنه إلا بعد أن يدرس مسائل الاعتقاد دراسة حسنة.
    - الذي أوصيكم به أن تدرسوا من كتب الاعتقاد ما تنتقلون به إلى مرحلة المتوسّطين على الأقل، وهذا يكفيكم فيه كتب يسيرة وغالبها مختصرة؛ ككتاب التوحيد والعقيدة الواسطية والطحاوية.
    - وفي المعهد دورة شرح ثلاثة الأصول وأدلّتها، حرصت فيها على تلخيص مقاصد نحو سبعين كتابا من كتب أهل العلم؛ فأرجو أن تختصر عليكم كثيراً بإذن الله، وهي دورة متاحة هذه الأيام؛ فإذا درسها الطالب، ودرس بعدها العقيدة الواسطية دراسة حسنة مع التدرب على الاستفادة مما يدرسه في بحثه لمسائل التفسير ؛ فأرجو أن ينتفع بذلك كثيراً بإذن الله تعالى.
    - ودراسة مسائل الاعتقاد تفتح للطالب أبواباً في فهم بعض مسائل التفسير؛ فعلى سبيل المثال شرح أسماء الله الحسنى المذكورة في آيات كثيرة من القرآن؛ كيف يعرف الطالب سعة دلالاتها وأنواع معانيها وضوابط شرحها وهو لم يدرس قواعد الأسماء والصفات في كتب الاعتقاد، ولم يدرس شرح أسماء الله الحسنى.
    - من أمثلة ذلك: معرفة الطالب بقول أهل السنّة في معنى اسم الله "الحكيم"، وأنّه يرجع إلى ثلاثة معان "الحاكِم الذي له الحكم، والمُحْكم الذي أتقن كلّ شيء خلقه وأحكم أمره ودينه، وذو الحكمة البالغة" وهذه المعاني لها آثار في الخلق والأمر لو أفاض طالب العلم في بيانها ربما كتب فيها صفحات كثيرة، ومعرفته بهذه المعاني تفتح له أبواباً في فهم القرآن، ومناسبة ختم بعض الآيات ببعض الأسماء الحسنى وهو كثير في القرآن الكريم.
    - وكذلك يقال في اسم الله "العلي" وأنه يتضمّن علوّ القدر وعلوّ القهر وعلو الذات، و"الودود" وأنّه يأتي بمعنى "الوادّ" و"المودود"، وهكذا في سائر الأسماء الحسنى؛ يجد طالب العلم لمعرفتها أثراً حسناً يعينه على فهم معاني القرآن الكريم.
    - لو قرأ الطالب كتاباً مختصراً في قواعد الأسماء والصفات ككتاب "القواعد المثلى" لابن عثيمين، وما كتبه ابن القيّم من قواعد الأسماء والصفات وقد جمعتها في الباب الحادي والعشرين من المرتبع الأسنى، وقرأ شرح ابن القيّم لبعض الأسماء الحسنى ؛ فهذا قدر كاف بإذن الله تعالى ونافع لطالب العلم في هذا الباب.
    - وما قيل في مسائل الاعتقاد يقال نظيره في علوم اللغة، وحاجة الطالب إلى أن يكون على إلمام حسن بالأبواب المهمّة من تلك العلوم؛ فيحتاج إلى معرفة قدر من علم المفردات اللغوية وعلم النحو وعلم الصرف وعلم الاشتقاق وعلم البلاغة، ومعاني الحروف، وفي كل هذه العلوم كتب مختصرة يمكن للطالب أن يدرسها في مدّة وجيزة بإذن الله تعالى.
    - والمقصود أن طالب العلم يحتاج إلى أن يكون على قدر حسن من التأهيل في عدد من العلوم، ولا يشترط أن يبلغ في تلك العلوم مرتبة المتقدّمين لكن لا يحسن به أن يكون جاهلاً فيها، ولذلك أقترح عليكم أن تحرصوا على أن تجتازوا مرحلة المبتدئين في تلك العلوم، فمن وصل إلى مرحلة المتوسطين فيها فإن ذلك يعينه بإذن الله تعالى إعانة كبيرة على حسن التأهل لدراسة مسائل التفسير دراسة شاملة.
    - وعناية طالب العلم باجتياز مرحلة المبتدئين في تلك العلوم يختصر عليه كثيراً من الجهد والوقت في دراسة مسائل التفسير وبحثها، ومن تهاون في ذلك فقد يضيع عليه من الوقت أضعاف ما تقتضيه تلك الدراسة؛ وسيجد نفسه كثيراً ما يتوقف في بعض المسائل أو يصعب عليه فهما لتوقّفه في مسألة من مسائل تلك العلوم يعرفها المبتدؤون فيها، وقد يحجبه جهله بأساسيات تلك العلوم عن علم كثير في التفسير.

    2. الفرق بين التلخيص وبين الدراسة والبحث.
    - ينبغي أن يفرّق الطالب بين تلخيص المسائل من تفاسير معدودة وبين بحث المسألة التفسيرية وتحرير القول فيها.
    - التلخيص يكفي فيه أن يفهم الطالب ما يقرأ في تلك التفاسير ، ويتعرف على الأقوال وأدلتها ونسبتها إلى قائليها من تلك التفاسير المحددة، وهو ما درستموه في دورة "تلخيص دروس التفسير".
    - وأما دراسة المسألة التفسيرية وبحثها فيستدعي أمراً أكبر من ذلك، على ما سيفصّل باختصار في هذه المحاضرة بإذن الله تعالى.

    3. التفريق بين بحث المسألة التفسيرية وبين تفسير الآية.
    - إذا كان لدى الباحث مسألة تفسيرية يريد البحث عنها، وهذه المسألة محدّدة فينتقل إلى خطوات دراسة المسألة التفسيرية.
    - وإذا كان الباحث يريد تفسير آية ويريد أن يتعرّف على المسائل التفسيرية فيها؛ فينبغي له أولاً أن يحدّد تلك المسائل؛ ثم يصنّفها إلى أنواع على ما يأتي توضيحه؛ ثم يدرس ما يحتاج إليه منها.
    - التعرف على المسائل التفسيرية له طريقتان:
    إحداهما: أن يختار عددا من التفاسير المعروفة بالعناية بوفرة المسائل التفسيرية ويستخلص تلك المسائل منها، وهذا هو موضوع الدرس الأول من دروس دورة مهارات التفسير ( استخلاص المسائل التفسيرية من كتب التفسير).
    الثاني: أن يستخرج مسائل التفسير من الآية مباشرة؛ باستعمال الأدوات العلمية ، وهذا هو موضوع الدرس الثاني من دروس دورة "مهارات التفسير" ( استخراج المسائل التفسيرية من الآيات القرآنية ).
    - إذا استخرج الباحث المسائل التفسيرية؛ فالغالب أنه يجد أكثرها ظاهراً بيّنا يكفي فيه بيان يسير؛ يمكنه أداؤه بالاستعانة بعدد محدود من التفاسير.
    - وقد يكون منها مسائل يحتاج فيها إلى دراسة وبحث، وهذا هو موضوع هذه المحاضرة.

    4. بيان أنواع مسائل التفسير
    - المسائل التفسيرية إما أن تكون مسائل ظاهرة أو مسائل خفية؛ فأمّا المسائل الظاهرة التي يتداولها المفسّرون وتنقل عنهم الأقوال فيها فهي على نوعين:
    النوع الأول: مسائل إجماع، فيجمع المفسّرون فيها على معنى الآية أو على حكم فيها؛ فيكون إجماعهم حجة قاطعة للنزاع.
    - تحرير المراد بالإجماع في التفسير، ومظان معرفته، وطرق حكايته، وما يقدح في ثبوته وما لا يقدح، والتمثيل بأمثلة لك ذلك بأمثلة وافية يحتاج إلى دورة خاصة، أو لقاء مع أحد المعتنين بدراسة الإجماع في التفسير، وأسأل الله تعالى أن ييسرها، ويمكن للطالب أن يرجع إلى كتاب "الإجماع في التفسير" للدكتور: محمد بن عبد العزيز الخضيري؛ ففيه فوائد قيّمة في هذا الباب.
    - إذا عرف طالب العلم مواضع الإجماع في التفسير؛ أعانه ذلك تيسّر دفع ما خالفه، والرد على المبطلين الذين يثيرون الشبه للتشكيك في صحّة ما أجمع عليه المفسّرون.
    - ليس كل ما يدّعى فيه الإجماع تصحّ فيه الدعوى.

    والنوع الآخر: مسائل الخلاف المشتهرة، وهي على ثلاث درجات:
    الدرجة الأولى: مسائل الخلاف القوي، مسائل الخلاف القوي تطلق على نوعين من المسائل:
    أ. المسائل التي تكثر فيها الأقوال ، ويكون في تحريرها شيء من الصعوبة.
    ب. المسائل التي يكون يكثر التنازع فيها بالحجج والردود وإن كانت الأقوال المحكية فيها قليلة.
    - مسائل هذه الدرجة ليست كثيرة إذا ما قورنت بعدد مسائل التفسير التي ينقل فيها الخلاف.
    - غالب هذه المسائل يجد الطالب وفرة في مراجع بحثها، لكثرة كلام أهل العلم فيها، بل ربّما كان في بعضها مصنفات مفردة.
    - إذا أتقن طالب علم دراسة مسائل هذه الدرجة ، فسيكون ما سواها من المسائل أيسر عليه.
    الدرجة الثانية: مسائل الخلاف المتوسّط.
    - وهي المسائل التي يكون الخلاف فيها على أقوال قليلة، والحجج فيها قليلة كذلك، وتحريرها غير متعسّر، وغالب هذا النوع من المسائل يكون الخلاف فيه خلاف تنوّع.
    والدرجة الثالثة: مسائل الخلاف الضعيف.
    - وهي المسائل التي يكون فيها القول الصحيح ظاهراً بيّنا، والقول الضعيف بيّن الضعف لغرابته ونكارته ، أو مما يسهل بيان علته، أو لظهور ردّ المفسّرين عليه، أو لشذوذه، أو لمخالفته أصلاً صحيحاً متفقاً عليه.
    - الأقوال الضعيفة في التفسير على أنواع ودرجات؛ فمن أنواعها: الأقوال المهجورة، والأقوال المبتدعة، والأقوال التي لا أصل لها، والأقوال المعلّة، والأقوال التي تؤدّي إلى معنى فاسد، والأقوال المنكرة (أي التي تكرر إنكار المفسّرين لها).
    - تنوّعت عبارات المفسّرين في وصف الأقوال الضعيفة، ومن عباراتهم ما يشعر بشدّة الضعف والاستهجان كقول بعض المفسّرين في وصف بعض الأقوال: (باطل، مرذول، بارد، بارد جدا، لا أصل له، فاسد، سمج، تمحّل، تكلّف بعيد، غلط، مردود، منكر، شنيع).
    - ومنها عبارات تشعر بالضعف كقولهم: غيره المعتمد، غيره أولى، لا أتجاسر عليه، فيه ضعف.

    الخلاصة:
    المقصود من التمهيدات السابقة أن تحدّد المسألة التي يجدر بحثها ودراستها، وأن يرتّب الطالب أولويات بحثه عند الاختيار.

    مراحل بحث المسألة التفسيرية:
    - هذه المراحل مستفادة من معاناة البحث في مسائل التفسير سنوات طويلة ، ومما علق بالذهن من وصايا العلماء وفوائدهم وتجاربهم في طلب العلم، وما تحصّل من دراسة ما يتّصل بها المبحث من المتون العلمية وشروحها.
    - ومقصود هذه المحاضرة إعانة الطالب على رسم خطة بحث المسائل التفسيرية، وأن يكون لبحثه قيمة علمية، وأن يتجنّب بعض الأخطاء الفادحة، وأن يختصر على نفسه كثيراً من الجهد والوقت.

    اختصار بيان مراحل بحث المسألة التفسيرية:
    1: تصنيف المسألة.
    2. اختيار المراجع.
    3. جمع النقول واستخلاص الأقوال.
    4. التحقق من صحة النسبة.
    5. جمع الأدلة.
    6. تحرير المسألة.
    7. التهذيب والمراجعة والعرض.
    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,614

    افتراضي رد: أصول في دراسة مسائل التفسير

    أصول في دراسة مسائل التفسير
    عبد العزيز الداخل


    شرح مراحل بحث المسألة التفسيرية


    المرحلة الأولى: تصنيف المسألة
    - هذه المرحلة هي الأساس الذي يُبنى عليه اختيار مراجع البحث في المسألة.
    - كثير من مسائل التفسير لها تعلّق بعلوم أخرى من علوم القرآن أو علوم الحديث أو الاعتقاد أو السيرة أو العلوم اللغوية وهي متعددة.
    - إحسان الطالب لتصنيف المسألة ومعرفته بتعلقّها بتلك العلوم يعينه على أن يرجع إلى المراجع المهمّة لبحث المسألة.
    - المداومة على تصنيف المسائل تنمّي القدرة الذهنية لدى طالب العلم، وتوسّع مداركه، وتبصّره بالمراجع الأصلية لبحث تلك المسائل.
    - بعض المسائل لها تعلّق ما ببعض علوم القرآن كعلم القراءات وعلم نزول القرآن والوقف والابتداء وعدّ الآي ورسم المصاحف والمبهمات، وغيرها.
    - وكذلك المسائل التفسيرية على أنواع؛ منها مسائل لها تعلّق ببعض العلوم اللغوية، ومنها مسائل لها تعلّق ببعض الأدوات الأصولية، ومنها مسائل لها تعلّق بالأحكام الفقهية، ومنها مسائل لها تعلق بالاعتقاد.
    - كل مسألة لها أصول تستخرج منها، والباحث المدقق هو الذي يتمكّن من معرفة نشأة تلك المسألة ومراجعها الأصلية، واشتراك بحثها في عدد من العلوم.
    - مداومة بحث مسائل التفسير ودراستها بالعناية على معرفة أصول نشأة المسائل والأقوال فيها يعين الباحث على حسن فهم تلك المسائل وجمع الأقوال المعتبرة فيها، واكتشاف العلل والخطأ في تناول تلك المسائل وتداول تلك الأقوال.

    أمثلة على تصنيف المسائل:
    1. المراد بشرح الصدر في قول الله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} ؛ هذه المسألة لها تعلّق بكتب التفسير، ولا سيّما أقوال السلف في هذه المسألة، ولها تعلّق بكتب السيرة، وما روي من حوادث شرح صدر النبي صلى الله عليه وسلم.
    2. المراد بالكرسي في قول الله تعالى: {وسع كرسيّه السموات والأرض} ؛ هذه المسألة لها تعلّق بكتب التفسير، ولها تعلّق بكتب الاعتقاد.
    3. المراد ببلوغ الكتاب أجله في قول الله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} ؛ هذه المسألة لها تعلّق بكتب التفسير، وكتب الفقه.
    4. الوقف على قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلّ من عند ربّنا} ؛ هذه المسألة لها تعلّق بكتب التفسير، وكتب الوقف والابتداء.
    5. أمد منع قربان الحائض في قوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} ؛ هذه المسألة لها تعلّق بكتب التفسير، وكتب توجيه القراءات للقراءتين الواردتين فيها {حتى يَطْهُرْن} و {حتى يَطَّهَّرْن}، وكتب الفقه.
    6. المراد ببطن مكة في قول الله تعالى: {وهو الذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} هذه المسألة لها تعلّق أيضا بكتب التفسير، ولها تعلّق بكتب السيرة.
    7. معنى الاستفهام في قوله تعالى: {عمّ يتساءلون} ، هذه المسألة لها تعلّق بكتب التفسير، وكتب أسباب النزول، وكتب البلاغة.
    8. معنى الأمر في قول الله تعالى: {اعملوا ما شئتم}؛ هذه المسألة لها تعلّق بالتفسير وبأصول الفقه وبالبلاغة.
    9. معنى "ضيزى" في قول الله تعالى: {تلك إذا قسمة ضيزى}؛ هذه المسألة لها تعلق بكتب التفسير، وكتب مفردات اللغة ومعاجمها.

    تنبيهات:
    1. ينبغي للمفسّر أن يكون على معرفة جيدة بالمراجع المهمة لكل نوع من أنواع المسائل التي يريد البحث عنها ودراستها.
    2. يشير بعض المفسّرين والعلماء في تناولها لبعض المسائل إلى كتب ومراجع مهمّة؛ فينبغي أن يُعتنى بها.
    3. ينبغي للباحث أن يكون حسن الملاحظة؛ فيعرف ما لبعض العلماء والباحثين من عناية حسنة ببعض أنواع المسائل؛ فيحرص على الرجوع إلى أقوالهم وكتبهم عند الحاجة إلى بحث ذلك النوع من أنواع المسائل.
    4. إذا اكتشف الباحث علّة الخطأ في مسألة ما فليعتنِ بشأن تلك العلة وطرق اكتشافها؛ لأن تلك العلة قد تتكرر أمثلتها كثيراً؛ فيسهل عليه أن يعرفها بعد ذلك.

    المرحلة الثانية: اختيار المراجع
    - إذا عرف الباحث نوع المسألة ؛ فينبغي عليه أن يعرف المراجع المهمّة لبحث تلك المسألة.
    - هذه المرحلة هي أهم مراحل البحث العلمي في مسائل التفسير، ومن أحسن اختيار مراجع المسألة؛ فقد أسّس بحثه على أساس متين.
    - يعتمد تحديد المراجع على عنصرين مهمّين:
    العنصر الأول: نوع المسألة؛ فكلّ مسألة لها مراجعها الأصلية ونشأتها التي ينبغي للطالب أن يتعرّف على مظانّها.
    العنصر الثاني: مقصد الباحث؛ فالباحث حين بحثه ودراسته تعرض له احتياجات علمية متنوّعة، ولهذه الاحتياجات أثرها في تحديد المراجع.
    - ويمكن تقسيم المسائل التي يبحثها المفسّر مع مقاصد بحثها إلى أنواع أشهرها:
    1. ما يحتاج فيه إلى التحقق من صحة النقل كالتفسير النبوي وكثير من تفاسير الصحابة والتابعين ؛ وفي هذا النوع من المسائل يكون الرجوع لكتب التفسير بالمأثور كتفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وعبد الرزاق والدر المنثور وتفسير ابن كثير والبغوي وغيرها، وفي كثير من الأحيان يحتاج الباحث إلى مراجعة دواوين السنة ، وقد يجد فيها ما لا يجده في هذه الكتب على أهميتها.
    [ومشروع "جمهرة تفاسير السلف" في جمهرة العلوم، يختصر على الباحث شيئاً كثيراً في هذا النوع بإذن الله تعالى، ونسأل الله الإعانة على إتمامه].
    2. مسائل في التفسير لها تعلّق ببعض العلوم اللغوية؛ فينصح الكاتب بالرجوع إلى التفاسير المعتنية بهذا النوع من المسائل كمعاني القرآن للفراء والزجاج والنحاس، ومجاز القرآن لأبي عبيدة وغريب القرآن لابن قتيبة وتأويل مشكل القرآن له وغريب أبي عبيد ونحو هذه الكتب.
    وفي كثير من الأحيان يحتاج الباحث إلى مراجعة دواوين اللغة ومن أجلها تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، ومن أجمعها لسان العرب لابن منظور، ومن أحسنها المحكم والمخصص لابن سيده ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس.
    [ومشروع "جمهرة التفسير اللغوي" يجمع للباحث عامّة أقوال هؤلاء العلماء وغيرهم، وينظر في تفصيله إلى هذا الموضوع: مقدّمة جمهرة التفسير اللغوي]
    3. مسائل يريد الباحث أن يجمع فيها أقوال المفسرين في الآية ويحاول أن يحصرها؛ فينصح بالرجوع إلى تفسير ابن جرير الطبري والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، والنكت والعيون للماوردي، وتفسير الثعلبي، فهذه التفاسير قد حوت عامّة أقوال المفسّرين، وإن رجع معها إلى تفسير القرطبي فحسن.
    4. مسائل يريد الباحث نقد الأقوال المذكورة فيها وتمييز صحيحها من ضعيفها والترجيح بين الأقوال المعتبرة، والتعرف على علل الأقوال الخاطئة، ونحو ذلك فيوصى بالرجوع إلى تفاسير العلماء الذين لهم عناية بهذا الباب، ومنهم: ابن جرير وابن عطية وابن كثير وابن عاشور ومحمد الأمين للشنقيطي، وما جمع من تفاسير شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، ونحو هذه التفاسير التي عُرف عن أصحابها عنايتهم بالتحرير العلمي ونقد الأقوال وتمييزها.
    واعتياد الطالب على البحث في كتبهم يعينه على سرعة الوصول إلى مراده، ونسعى في مشروع "جمهرة التفاسير" إلى جمع أقوالهم في كل آية في موضعها، وما زلنا في مراحل العمل لإتمام هذا المشروع الكبير، ونسأل الله تعالى الإعانة والتسديد.
    5. مسائل تفسيرية لها صلة بالاعتقاد؛ فيعتني بالرجوع إلى التفاسير التي عُرف أصحابها باتّباع السنّة ونصرتها، والتنبيه على البدع والانحرافات؛ كتفسير ابن جرير، وتفسير أبي المظفّر السمعاني، وتفسير ابن كثير،وأضواء البيان للشنقيطي، وما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم في التفسير والتنبيه على انحرافات أهل البدع والأهواء.
    ومن الخطأ البيّن أن يأخذ الباحث تقرير مسائل الاعتقاد من التفاسير التي سلك أصحابها غير طريقة أهل السنة في تقرير تلك المسائل.
    6. مسائل تفسيرية لها صلة بعلم البلاغة؛ فيرجع إلى تحرير ابن عاشور وإرشاد أبي السعود وكشاف الزمخشري وروح المعاني للألوسي وبعض حواشي البيضاوي، ويحتاج مع هذا إلى النظر في بعض كتب البلاغة، وكتب بيان المشكل.
    - وهكذا في سائر أنواع المسائل التفسيرية؛ يجد الطالب أن طائفة من التفاسير اعتنت بذلك النوع عناية حسنة، وذلك النوع وثيق الصلة بعلم من العلوم له كتبه المرجعية وأئمته المعروفون، وأصولهم في دراسة تلك المسائل.
    - تنبيه: هذا التقسيم لتلك الكتب إنما هو على ما يغلب من عناية أصحابها، وليس المقصود منه خلو تلك الكتب من العلوم الأخرى، ولكن لكل علم مصادره وأئمته.
    - ومداومة الطالب على البحث والكتابة تعينه على بناء ملكة حسنة في انتقاء المصادر، وسرعة الوصول إلى ما يبحث عنه.

    أنواع المصادر:
    النوع الأول: مصادر أصيلة، وهي المصادر التي تنقل أقوال السلف بالإسناد؛ كتفسير عبد الرزاق وتفسير ابن جرير وتفسير ابن أبي حاتم وما كتبه أهل الحديث في دواوين السنّة من كتب في التفسير؛ ككتاب تفسير القرآن من صحيح البخاري، وكتاب التفسير من جامع الترمذي وغيرها.
    النوع الثاني: مصادر بديلة، وهي المصادر التي تنقل عن مصادر أصلية مفقودة؛ كالدرّ المنثور ينقل فيه السيوطي عن تفاسير مفقودة لا نصل إليها إلا بواسطة؛ كتفسير سفيان ابن عيينة وتفسير ابن مردوية وتفسير النقاش وما لم يطبع من تفسير ابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وغيرها؛ فهذه التفاسير إذا نقل عنها أحد العلماء في كتابه فيكون ذلك الكتاب مصدراً بديلاً.
    النوع الثالث: مصادر ناقلة، وهي المصادر التي تنقل عن كتب أصيلة أو بديلة أو ناقلة ما يمكننا أن نتوثّق منه بالرجوع إلى تلك المصادر.

    ما يتوقّف على النقل:
    - ما يتوقّف البحث فيه على صحة النقل نوعان:
    النوع الأول: الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والآثار المروية عن الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومراجع هذا النوع سبقت الإشارة إليها.
    والنوع الثاني: أقوال علماء اللغة، وعلماء اللغة الذين تكلّموا في تفسير القرآن أو في بيان بعض المسائل اللغوية المتّصلة بالتفسير على ثلاث درجات:
    ... الدرجة الأولى: الذين لهم كتب في بيان معاني القرآن؛ كيحيى بن سلام البصري والفراء والأخفش وأبي عبيدة معمر بن المثنى وابن قتيبة والزجاج والنحاس ونحوهم؛ فهؤلاء يرجع إلى كتبهم لنقل أقوالهم.
    ... والدرجة الثانية: الذين تنقل أقوالهم في كتب التفسير وليس لهم تفاسير مفردة لكن لهم كتب معروفة؛ كالخليل بن أحمد وسيبويه والأصمعي وأبي عبيد القاسم بن سلام وابن السكيت والمبرّد وثعلب وأبي علي القالي؛ فهؤلاء يمكن الرجوع إلى كتبهم عند الحاجة إلى توثيق النقل عنهم.
    ... والدرجة الثالثة: الذين تنقل أقوالهم في كتب التفسير وليس لهم كتب مطبوعة كعيسى بن عمر الثقفي وأبي عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب الضبي؛ فهؤلاء يرجع إلى أقوالهم بأحد طريقين:
    أحدهما: الرجوع إلى كتب تلاميذهم وما نقلوه عنهم.
    والآخر: الرجوع إلى معاجم اللغة التي اعتنت بجمع أقوالهم وما روي عنهم.
    وينظر هنا في ( كتب علماء اللغة المطبوعة مرتبة على القرون )

    المرحلة الثالثة: مرحلة جمع النقول واستخلاص الأقوال.
    - بعد معرفة الباحث لنوع المسألة وتعلّقها بما تتعلق به من العلوم، ومعرفته مصادر بحث هذه المسألة ووقوفه عليها تأتي مرحلة استيعاب الأقوال في المسألة.
    - هذه المرحلة هي بمثابة إعداد العدّة لدراسة المسألة؛ لأنّها تتضمّن جمع ما يتعلق بهذه المسألة بالاعتماد على المراجع المهمّة.
    - يفضّل في المرحلة الأولى عند السعة أن يدوّن الباحث الأقوال بنصّها في مسودة البحث، وأن يرتّبها على التسلسل التاريخي باعتبار المؤلفين.
    - النقول جمع نقل، ونقصد به ما يذكره المؤلف في المسألة؛ سواء من قوله أو من مما رواه أو نقله عن غيره.
    - ترتيب النقول على التسلسل التاريخي مهم جداً للباحث؛ لأنّه يعرّفه بنشأة القول في المسألة وأوّل ذكر لها في الكتب، ثم كيف تناقلها العلماء وتداولوا بحثها.
    - إذا وجد الباحث في كلام بعض أهل العلم إشارة إلى كتاب أو قول لعالم له كتاب مطبوع أو له أصحاب ورواة ينقلون علمه فينبغي له أن يبحث عن قوله بنصّه، ويضيفه إلى النقول التي جمعها.
    - تختلف المسائل من حيث وفرة النقول وندرتها؛ فالمسائل المشتهرة قد يتمكن الباحث من جمع نقول كثيرة فيها، وأمّا المسائل الخفية والنادرة أو التي طرأت بسبب إشكال فغالباً ما يجد الباحث صعوبة في جمع النقول المتعلّقة بها، وربما يجدها في غير مظانّها.
    - إذا جمع الباحث ما يستطيع من النقول ثمّ رأى أن النقول لم تكتمل لديه، وأنه ينقصه الوقوف على أقوال معينة لم يجدها بعد اجتهاده؛ فينبغي له أن يستعين بسؤال أهل العلم والباحثين المتقدّمين ليوقفوه عليها أو يدلوه على مظانها، وليستفد من طرقهم في التوصّل إليها.
    - إذا اجتمعت النقول الكافية للباحث أمكنه الانتقال إلى المرحلة التالية، وإذا لم تكتمل لديه النقول في المسألة بعد اجتهاده وكان مضطراً للبحث والدراسة فليعلم أنّ لهذا النقص أثره في دراسته؛ فليدع في بحثه فرصة لزيادة التوثق.
    - إذا جمع الباحث النقول المتعلّقة بمسألته التي يريد دراستها؛ فليبدأ باستخلاص الأقوال التي قيلت في المسألة منها.
    - استخلاص الأقوال في هذه المرحلة هو استخلاص مبدئي؛ يراد منه استيعاب ما قيل في المسألة ولو كان بين تلك الأقوال توافق أو –تقارب، ولذلك قد يجمع الباحث في المسألة الواحدة عشرين قولاً أو أكثر، وهي في حقيقتها ترجع إلى قولين أو ثلاثة أو أربعة.
    - هذا الاستخلاص المبدئي ستتبعه مرحلة مهمّة قبل البدء بتحرير الأقوال.
    يتبع





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,614

    افتراضي رد: أصول في دراسة مسائل التفسير

    أصول في دراسة مسائل التفسير
    عبد العزيز الداخل


    المرحلة الرابعة: التحقق من صحة نسبة الأقوال
    - بعد أن عرف الباحث الأقوال التي قيلت في المسألة؛ واجتهد في استيعابها وحصرها، فيبقى عليه أن يتحقق من صحّة نسبة تلك الأقوال إلى من ذُكر أنه قال بها.
    التحقق من صحة النسبة على درجتين:
    الدرجة الأولى: التحقق من وجود نسبة القول إلى المفسّر من السلف في مصدر أصيل أو بديل.
    الدرجة الثانية: التحقق من صحّة إسناد ذلك القول إليه رواية أو فهماً.
    - الدرجة الأولى من التحقق ممكنة لأكثر الباحثين ، ولو لم يكونوا على دراية بالحكم على الأسانيد؛ لأنها لا تتطلّب النظر في الأسانيد، وإنما تتطلّب التحقق من وجود نسبة القول إلى ذلك العالم في مصدر أصيل أو بديل.
    - مثال ذلك: قد يجد الباحث قولاً منسوباً إلى ابن عباس في تفسير ابن عطية أو تفسير الماوردي أو تفسير ابن الجوزي أو غيرها من التفاسير التي تعدّ مصادر ناقلة.
    - نعلم أنّ هؤلاء العلماء لم يرووا هذا القول بالإسناد إلى ابن عباس، وإنّما نقلوا هذا القول عنه من مصادر أصيلة أو مصادر ناقلة عن المصادر الأصيلة؛ وحذفوا الإسناد اختصاراً.
    - ينبغي للباحث المدقق أن يرجع إلى أصول هذه الأقوال من المصادر الأصيلة؛ وأن يعرف نصوص تلك الأقوال، وسياقاتها، وسبب نسبتها إليهم؛ وهل هي أقوال منصوصة أو أقوال مستخرجة.

    أنواع الأقوال:
    - من المهمّ التنبّه إلى أن الأقوال المنسوبة إلى المفسّرين على نوعين:
    النوع الأول: أقوال منصوصة، وهي الأقوال التي هي نصّ كلامهم، وهذه الأقوال من المهمّ للباحث أن يجمع طرقها ليتعرّف على سياقاتها؛ لأن من الأقوال المنصوص ما يجتزأ من سياقه فيفيد معنى غير مراد لقائله.
    والنوع الثاني: أقوال مستخرجة على أصحابها؛ لم يقولوا بنصّها؛ لكنّها فهمت من قصّة وقعت لهم، أو من نصّ آخر على مسألة أخرى ففهم من ذلك النص أنه يلزم منه أن يقول في هذه المسألة بكذا وكذا، أو بطرق أخرى من طرق الاستخراج.
    - استخراج الأقوال منه ما هو استخراج ظاهر؛ لظهور الدلالة عليه ولزومه لقول صاحبه مع ظهور التزامه به، فهذا النوع قد جرى عمل العلماء على نسبته، ومع هذا فيفضّل عند السعة والبسط أن يبيّن أنه قول مستخرج.
    - ومنه استخراج غير ظاهر؛ إما لخفاء وجه الدلالة، أو عدم ظهور وجه اللزوم، أو عدم ظهور التزامه؛ وهذا الاستخراج لا يصحّ أن ينسب إلى العام القول بموجبه؛ وقد تساهل في ذلك بعض العلماء، ومنهم من يستخرج القول؛ فينُقل عنه ويشيع.




    أمثلة على الدرجة الأولى من التحقق من صحة النسبة.


    المثال الأول: أقوال العلماء في المراد بالسبع الطوال.


    1. قال الماوردي (ت:450هـ) في تفسير قول الله تعالى {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} : (الثاني: أنها السبع الطوَل: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد).


    2. قال ابن عطية (ت:541هـ) في تفسير قول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}: (قال ابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر وابن مسعود ومجاهد وابن جبير: «السبع» هنا هي السبع الطوال: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والمص والأنفال مع براءة، وقال ابن جبير: بل السابعة يونس وليست الأنفال وبراءة منها).


    3. قال العيني (ت:855هـ): (وقال قوم: إن السّبع المثاني هي السّبع الطوال، وهي: البقرة وآل عمران والنّساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتّوبة معًا، وهما سورة واحدة، ولهذا لم تكتب بينهما بسملة، وهو قول ابن عمر وابن عبّاس وسعيد بن جبير والضّحّاك).


    التحقق من صحة النسبة:


    - في هذه النقول تعيين السبع الطوال ونسبة ذلك إلى عدد من الصحابة على قولين مختلفين.


    - هذه المصادر مصادر ناقلة وليست أصيلة في حكاية الأقوال ونسبتها؛ فينبغي أن نبحث عن أصول هذه الأقوال في كتب التفسير المسندة وفي دواوين السنة، ويمكن الاستعانة بجمهرة التفاسير ( هنا ).


    - بعد البحث ظهر لنا ما يلي:


    1. ابن عمر وابن مسعود لم يفصّلا ما هي سور السبع الطوال، وإنما روى عنهما ابن جرير قولهما بأن السبع المثاني هي السبع الطوال.


    2. ابن عباس روي عنه ذكر ستّ سور من السبع الطوال ونسي أحد الرواة السورة السابعة؛ فقد روى ابن جرير من طريق عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {سبعًا من المثاني} قال: " البقرة، وآل عمران، والنّساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف " قال إسرائيل: وذكر السّابعة فنسيتها). وقد رواه النسائي في السنن الكبرى بنحوه من دون قول إسرائيل واقتصر على ذكر السور الست على اختلاف في الترتيب.


    3. مجاهد بن جبر روى عنه ابن جرير في تفسير قول اللّه تعالى: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم} قال: " من القرآن السّبع الطّول، السّبع الأُوَل ".، ولم يعدّد هذه السور، وهذا قد يُحمل على ما استقرّ من ترتيب السور على جمع عثمان رضي الله عنه، وهو قول مخالف لما ذكر في المصادر السابقة.


    4. وأما سعيد بن جبير فقد روى عنه أبو عبيد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي أن السبع الطوال هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس.
    وقال بمثل قول سعيد بن جبير من قراء الأمصار الأوائل: عطية بن قيس، وشداد بن عبيد الله، ويحيى بن الحارث الذماري، وقد أسند ذلك عنهم أبو عبيد القاسم بن سلام
    .


    وهذا التعداد موافق لما نقله الماوردي وابن عطية، ومخالف لما نقله العيني.


    5. وأما الضحّاك فروى عنه ابن جرير بإسناد فيه مجهول حيث قال ابن جرير: (حُدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {سبعًا من المثاني} " يعني السّبع الطّول). فهذه الرواية على ما فيها من الانقطاع لم يسمّ فيها الضحاك أسماء السور السبع الطوال.


    6. فتلخّص مما سبق ما يلي:


    أ: أنّ القدر الذي يسوغ أن يُقال: إنه رُوي عن هؤلاء الصحابة والتابعين هو قولهم بأن المراد بالسبع من المثاني هي السبع الطوال.


    ب: خطأ ما نسبه العيني إلى سعيد بن جبير.


    ج: خطأ القول الذي نسبه ابن عطية والعيني إلى ابن مسعود وابن عمر وابن عباس ومجاهد في تعداد سور السبع الطوال.
    د. أنه لا يصحّ أن ينسب تعداد سور السبع الطوال إلى ابن مسعود وابن عمر والضحاك؛ وأما البقية فقد رويت عنهم آثار في تعدادها.
    هـ: أن نسبة هذا القول إلى مجاهد فيها مخالفة لظاهر لفظه؛ ونحتاج إلى الوقوف على رواية ابن أبي حاتم لهذا الأثر عن مجاهد فهي من الجزء المفقود من تفسيره.



    تنبيه: يُمكن أن يستخرج لابن عباس قول في هذه المسألة من قصته المشتهرة مع عثمان وقوله له: (ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، فوضعتموها في السبع الطوال؟). وقد رواها الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي والنسائي وغيرهم من طريق عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي عن ابن عباس، ويزيد مختلف فيه.


    فهذا الأثر عن ابن عباس يوافق ما روي عن سعيد بن جبير.

    المثال الثاني: أقوال السلف في المراد بالنفاثات في العقد.
    قال ابن كثير: (وقوله: {ومن شر النفاثات في العقد} قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك: "يعني السواحر"، قال مجاهد: "إذا رقين ونفثن في العقد").
    - هذا الكلام إذا قرأه طالب العلم لأول وهلة قد يفهمُ منه إجماعَ المفسرين على أن المراد بالنفاثات: النساء السواحر، لأنه نقل هذا التفسير عن هؤلاء الأئمة ولم يذكر قولاً غيره.
    - وهذا الكلام اختصره ابن كثير من تفسير ابن جرير لكنه كان اختصاراً غير دقيق، ولعل مما يعتذر له به أن ابن جرير صدر تفسيره للنفاثات بأنهن السواحر ثم قال: (وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل).
    ثم أورد آثاراً عن هؤلاء الأئمة، لكن هذه الآثار ليس فيها نص على أن المراد بالنفاثات السواحر إلا ما رواه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. [ينظر هنا لمعرفة أقوال السلف في تفسير هذه الآية]
    1. فالحسن البصري قال: (السواحر والسحرة).
    2. وقتادة لما تلا قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} قال: (إياكم وما خالط السحر من هذه الرقى).
    ومجاهد قال في تفسير النفاثات: (الرقى في عقد الخيط).
    وعكرمة قال: (الأُخَذُ في عُقَد الخيط) الأُخَذ جمع أُخذة ، وهي أخذة السحر.
    فهؤلاء كلهم لم ينصوا على أن النفاثات السواحر.
    على أن الإسناد إلى مجاهد وعكرمة فيه جابر بن يزيد الجعفي وهو رافضي متهم بالكذب.
    بل قول الحسن البصري (النفاثات: السواحر والسحرة)، خارج عن هذا القول.
    ومجاهد وعكرمة وقتادة لا يصح أن يُنسب إليهم هذا القول.
    وقول ابن كثير عن مجاهد أنه قال: (إذا رقين ونفثن في العقد) هذا نقل بالمعنى ، وفيه تجوّز أداه إليه اختياره للقول ثم اعتماده وحكايته عن هؤلاء الأئمة ثم تغيير الضمير لأجل أن يتناسب مع ذلك.
    ونص كلام مجاهد فيما رواه ابن جرير في تفسير النفاثات: (الرقى في عقد الخيط).
    وابن جرير استدل بأقوالهم على أن هذه الآيات في الاستعاذة من شر السحر، وهذا القدر مجمع عليه لا خلاف فيه.
    ولعل هذا هو ما فهمه ابن كثير أيضاً، وبذلك يعتذر له فيه، فتكون مسألة شمول لفظ الآية للسحرة من الرجال مسألةً أخرى زائدة على القدر الذي وقع عليه الإجماع.
    فابن جرير استدل بأقوال من نقل أقوالهم على أن المراد بالآية الاستعاذة من شر السحرة، وهذا يُخرِج قول المعتزلة الذين ينكرون حقيقة السحر.
    وأما هل المراد بالنفاثات النساء السواحر فقط أم هل يشمل اللفظ السواحر والسحرة؟ فهذه مسألة أخرى.
    [وينظر لمزيد البحث في هذه المسألة: تفسير قول الله تعالى: {ومن شرّ النفاثات في العقد} ]

    تنبيهات:
    1.
    هذا التحقق بالدرجة الأولى لم نحتج مع إلى النظر إلى الأسانيد، وإنما كان القصد منه التحقق من وجود هذا القول مرويا عن أولئك الصحابة والتابعين في مصادر أصيلة؛ وقد أفادت هذه الطريقة في تمييز بعض ما لا يصح أن يُنسب إلى أولئك الصحابة والتابعين، وهذا القدر من التحقق ينبغي أن لا يغفله الباحث في مسائل التفسير، وهو سهل ميسور لكنّه بحاجة إلى دربة ومران.
    2. ينبغي لطالب العلم أن يوسع العذر للعلماء إذا وجد خطأ في نسبة بعض الأقوال؛ فقد يكون نظرهم إلى مسألة غير المسألة التي تبحث عنها؛ كما في هذا المثال؛ فإنّهم كانوا يبحثون في مسألة المراد بالسبع من المثاني؛ وأن من الصحابة والتابعين من قال بأنها السبع الطوال، وهذا القدر مروي عن أولئك الصحابة والتابعين فعلاً، لكن حصل الخطأ بتعداد تلك السور في معرض نسبة القول إليهم.


    الدرجة الثانية من التحقق من صحة النسبة:

    - الدرجة الثانية من التحقق من صحة نسبة القول المروي عن أحد من السلف تعتمد على تحقق الدرجة الأولى.
    - إذا لم توجد نسبة القول إلى أحد من السلف في مصدر أصيل أو بديل فهو قول لا أصل له.
    - إذا وجدت تلك النسبة في مصدر أصيل أو بديل فيأتي هنا دور دراسة صحّة النسبة.
    - التحقق هنا على نوعين: تحقق من صحّة الإسناد في الأقوال المروية بالإسناد، وتحقق من صحة الاستخراج في الأقوال المستخرجة غير المنصوصة.
    - إذا كان القول له وجه صحيح في الدلالة وتناقله المفسّرون من غير إنكار ولا اعتراض؛ فعامّة أهل العلم على التساهل في نسبة ذلك القول، وعدم التدقيق في صحّة الإسناد.
    - إذا كان القول مستغرباً أو فيه نكارة أو يعارض ظاهره دليلاً صحيحاً ؛ فهنا لا بدّ من التدقيق في الإسناد.
    - دراسة أسانيد التفسير ستعقد لها دورة مخصصة بإذن الله تعالى، لكن سأذكر هنا خلاصة يتبلّغ بها الباحث بإذن الله تعالى.
    - الأقوال المروية عن بعض السلف وفيها نكارة لا تكاد تخلو من بيان العلماء المفضي إلى ردّها وكشف خطئها أو توجيهها بما تصحّ به في حال صحة الإسناد وصحّة الدلالة على ذلك المعنى؛ وفي هذه الحالة يحتاج الدارس إلى البحث في كتب العلماء المعتنين بالتحرير العلمي ونقد الأقوال وقد سبقت الإشارة إلى كتبهم، ويضيف إليها النظر في كتب مشكل القرآن.
    - إذا ظفر الباحث بنقد أولئك العلماء وبيانهم فقد كفي أكثر المؤونة، ويمكنه أن يبني دراسته على ذلك البيان.
    - إذا لم يظفر الدارس بهذا البيان أو كان الإشكال حديث النشأة فيحتاج إلى سؤال أهل العلم عن تلك الرواية، ويعتني بجوابهم؛ ليستفيد منه في نظائره.
    - أسانيد التفسير منها أسانيد صحيحة باتّفاق، ومنها أسانيد ضعيفة باتّفاق، ومنها أسانيد مختلف فيها.
    - صحّة الإسناد لا تقتضي صحّة القول؛ لأن العلة قد تكون في المتن، وقد تكون في سياق القول في موضع يحيل المعنى، وقد تكون الرواية مختصرة اختصاراً مخلاً، فهذه العلل ونحوها مما يقدح في صحة القول ولو كان الإسناد صحيحاً.
    - من أهمّ الوسائل المعينة على اكتشاف العلة جمع الطرق، وقد قال علي بن المديني: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم يتبيّن خطؤه).
    - الأسانيد المتّفق على ضعفها كثيرة ويمكن للباحث أن يعرفها بمداومته على البحث، وأن يتحفّظها؛ فإذا وردت رواية منكرة بإسناد من تلك الأسانيد سهل عليه ردّه ببطلان ثبوته إذا لم يرو إلا من تلك الأسانيد الباطلة.
    - هذا القدر من التحقق فيه بلغة للباحث بإذن الله تعالى، ويمكنه أن يردّ به كثيراً من الأقوال الواهية المروية بأسانيد باطلة.
    - بقيت مسألة مهمّة وهي الأقوال المستخرجة لأحد من السلف ؛ فهذه بالإضافة إلى ما تقدّم؛ ينظر في صحّة الاستخراج وطريقته؛ فإذا كان أصل الرواية صحيحاً لكن طريقة الاستخراج فيها خطأ فإنّه يبيّن أن هذا القول ليس منصوصاً وإنما هو مستخرج، وأن طريقة الاستخراج فيها خطأ، ولا تسلّم.
    يتبع




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,614

    افتراضي رد: أصول في دراسة مسائل التفسير

    أصول في دراسة مسائل التفسير
    عبد العزيز الداخل


    المرحلة الخامسة: جمع الأدلة وتمييزها
    - بعد جمع الباحث للأقوال واجتهاده في استيعابها وحصرها وتحققه من صحة النسبة؛ حتى لا يقع في إشاعة الخطأ أو سوء الفهم، ينتقل إلى مرحلة مهمّة وهي مرحلة جمع الأدلة لتلك الأقوال وتمييزها.
    - قد تكثر الأدلة وقد تقلّ، وقد تذكر بعض الأقوال من دون أدلّة، وعمل الباحث في أوّل الأمر هو جمع الأدلّة التي تحصّلت له من بحثه في المسألة.
    - قد تكون الأدلة صحيحة وقد تكون غير صحيحة، وقد تكون صريحة الدلالة على المراد، وقد يكون في الاستدلال بها نظر، وكلّ ذلك لا يمنع الباحث من أن يجمع ما يتحصّل له في مسودة بحثه.
    - بعد جمع الأدلّة وتصنيفها على الأقوال؛ ومعرفته باستدلالات أصحاب كلّ قول؛ ينظر الباحث في تلك الأدلّة بعين فاحصة لتمييز ما يصح مما لا يصح بحسب اجتهاده فيما يتبيّنه، وسؤاله لأهل العلم فيما يشكل عليه.
    - قد يظهر للباحث أدلّة أخرى على المسألة لم يذكرها بعض أصحاب تلك الأقوال فينبغي له أن يضيفها؛ فإن كثرت أضاف أهمّها وأصحّها وأصرحها.
    - للباحث سعة في التعبير عما يضيفه من الأدلة؛ ومن ذلك أن يقول: (ويمكن أن يستدل لهذا القول بكذا وكذا..) أو (ومن أدلّة هذا القول كذا وكذا..) وغير ذلك من الصيغ التي لا يفهم منها ما يشبه التصريح بأن أولئك العلماء قد استدلوا بها، وسبب هذا التنبيه: خشية وقوع الباحث في خطأ في استدلاله فينسب إلى أولئك العلماء، وقد يكون لهم دليل صحيح لم يذكره.
    - إذا تعدد الأدلة فيوصى الباحث أن يرتّبها ترتيباً له اعتبار موضوعي؛ كأن يبدأ بالأصرح أو بالأصح أو بما ذكره المتقدّمون.
    - ينبغي للباحث أن يكون فطناً لاستدلالات العلماء ومآخذها؛ فمنهم من يشير إلى الدليل إشارة خفية؛ ومنهم من يذكر الدليل ويكون في وجه الدلالة منه خفاء وغموض.
    - ما يتبع الاستدلال من الاعتراضات ودفعها والعلل وكشفها ينبغي أن يوليه الباحث عناية بالغة؛ لأن عماد ترجيحه بين الأقوال قائم على دراسته للأدلة.
    - مداومة الباحث على محاولة تمييز ما يصح من الاستدلالات وما لا يصح، والتعرف على مآخذ الاستدلالات وعللها وطرق كشفها وبيانها كل ذلك مما ينمّي ملكته العلمية ويوسّع مداركه.
    - من المهمّ التفطّن لنظائر المسألة؛ فقد تكون للمسألة التفسيرية التي يبحثها نظير في آية أخرى قد تكلم العلماء عنها، وحكيت فيها الأقوال؛ فينبغي له أن يضمّ النظير إلى نظيره ، ويجمع المادة العلمية في موضع واحد، ويدرسه دراسة متكاملة.
    - قبل أن يبدأ الباحث بالترجيح ينبغي له أن يتعرّف على ترجيحات العلماء قبله، واختياراتهم من تلك الأقوال، ويرصدها.
    - بعد الموازنة بين الأقوال والأدلة واختيارات العلماء وترجيحاتهم قد يظهر للباحث أدلّة أخرى أو تتبيّن له علّة من العلل فيلجتهد في إحسان استخراجها وبيانها.

    المرحلة السادسة: تحرير المسألة

    - بعد جمع الباحث للأقوال في المسألة واستيعابها واستيعاب أدلّة العلماء، ومعرفة مآخذها وعللها، وتمييز ما تصح نسبته مما لا تصح يأتي الباحث إلى تحرير المسألة ، وهي أهمّ مراحل البحث، وما سبق كله إعداد لهذه المرحلة.
    - أقوال العلماء في المسائل إما أن تكون متوافقة أو متقاربة أو متباينة:
    أ. فالأقوال المتوافقة يعبّر عنها الباحث بأبين تلك العبارات ثمّ يذكر من توافقوا على هذا القول، ويفضّل أن يرتّبهم ترتيبا تاريخياً.
    ب. والأقوال المتقاربة؛ يحاول الباحث أن يستخرج المعنى الكلي الجامع لها؛ ثمّ يعبّر به عن هذا القول، ويشير إلى ما قاله العلماء في تلك المسألة، وللباحث في هذا النوع ثلاث خيارات:
    الأول: أن يبدأ بعرض الأقوال المتقاربة عرضاً موجزاً ؛ ثم يعقّب بالقول الجامع الذي استخرجه من تلك الأقوال وأدلتها ومن تدبره للآية وما استخرجه من فوائدها.
    الثاني: أن يبدأ بذكر القول الجامع ؛ وذكر من قال بما يقارب هذا المعنى من العلماء، ثم ينتقي من النقول ما يناسب ذكره.
    الثالث: أن يلخّص المعنى الكلي ويشير إلى من قال بهذا القول من العلماء، وهذا إنما يكون في حال الاختصار، وأمّا البسط والتفصيل فيناسبها الخياران الأولان.
    ج. والأقوال المتباينة ينبغي للباحث أن يحصر عددها، ويقسّمها إلى أقوال؛ ويعبّر عن كل قول بما يكفي، ثم يذكر من قال به، ويفضّل أن يرتّبهم ترتيبا تاريخياً، وقد يتغاضى عن الخطأ في ترتيب المتقاربين ما لا يتغاضى عنه في ترتيب المتباعدين؛ فإذا رأيت الباحث يقول: وهذا القول قال به ابن كثير وابن جرير؛ فهو إما جاهل جهلاً ذريعاً بتاريخ الوفيات، وإما غير مدرك لأهمية ترتيب الأقوال.

    تنبيهات مهمة:
    1. التحرير العلمي على درجات ؛ ويتفاوت فيه العلماء؛ والبارعون من الباحثين هم الذين يكون لهم ملكة حسنة في استخراج محور التقسيم؛ فيقسّمون الأقول بناء على ذلك المحور الذي ربما لم يكن منصوصاً عليه، لكنّهم استخرجوه بالموازنة بين الأقوال ومحاولة معرفة القدر المشترك بينها وما يتميّز به كلّ قول عن الآخر؛ فيظهر لهم بذلك محور يصلح للتقسيم.

    مثال: مسألة المراد بشرح الصدر.
    ومن تعسّر عليه ذلك؛ أو غاب عن ذهنه عند البحث أو كانت النقول في تلك المسألة لا تسعفه في إيجاد محور صحيح للتقسيم؛ فلا أقل من أن يميّز الأقوال المتباينة من الأقوال المتقاربة، وهذه الدرجة من التحرير هي التي يعدّ البحث الذي يخلّ بها بحثاً غير محرر.
    2. يجب على الباحث أن يتجنّب الأخطاء القادحة في التحرير العلمي كأن يعدّ النقلين المتوافقين قولين في المسألة.
    3. من الخطأ البيّن أن يرجع الباحث في مسألة اعتقادية في التفسير إلى تفاسير غير أهل السنة؛ كأن يرجع في مسائل الإيمان إلى تفاسير الأشاعرة وهم مرجئة في هذا الباب، أو يرجع في مسائل آيات الصفات إلى تفاسير المؤولة أو المفوّضة.
    4. ومن الخطأ البيّن أيضاً الخلط بين أقوال العلماء في التفسير وأقوالهم في أسباب النزول؛ فيعرض الأٌقوال الواردة في سبب النزول مع الأقوال الواردة في المسألة التفسيرية التي يبحثها، والواجب أن يعامل الأقوال في سبب النزول معاملة مستقلة، ويحرر القول في سبب النزول، ثمّ يحرر القول في المسألة التفسيرية التي يبحث فيها، وقد يستفاد مما صحّ في أسباب النزول في الترجيح بين الأقوال المتباينة أو الجمع بين الأقوال المتقاربة؛ لكن لا يصلح أن يجعل المسألتين مسألة واحدة؛ إلا في حال التطابق بينهما؛ كأن يكون الكلام في تلك المسألة التفسيرية لا يخرج عن الكلام في سبب النزول؛ كمسألة المراد بصاحب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
    5. إذا كان الباحث ذا عناية بالأسانيد فلا بأس أن يذكر الأحاديث والآثار من مخارجها، وأمّا إذا لم يكن لديه معرفة حديثية ؛ فينبغي أن يحذف الأسانيد مع بقاء العزو، وأن يذكر ما ظفر به من أقوال العلماء في الحكم على هذا الأثر تصحيحاً أو تضعيفاً أو تنبيها على علة أو شرح لغريب أو غير ذلك مما تتمّ به الفائدة.
    6. من المهم للباحث أن يحسن توظيف النقول التي يظفر بها في المسألة؛ وأن يسلك سبيلاً متوسّطاً بين إغفال النقول جملة، وبين إثقال البحث بذكرها كلها، فيذكر من النقول ما تكون عبارته حسنة محررة، وما كان لبعض المحققين من أهل العلم الذي يتأيّد ترجيحه بكلامهم وترجيحهم؛ فيزدان البحث بذلك ولا يثقل على القارئ.
    7. ينبغي للباحث أن لا يخلي بحثه من الفوائد واللطائف والملح فيذكر منها ما يطرّز به بحثه ويثريه؛ وكان من عادة العلماء أن يذكروا في رسائلهم وبحوثهم من الفوائد واللطائف والنقول المفيدة والمؤثرة وربما بعض القصص والأشعار التي لها مناسبة ما بالبحث أو ببعض مسائله ما يجعل النفوس تستروح لقراءتها من غير إكثار؛ فالإكثار منها يشغل عن إداراك مقاصد البحث، وإخلاء البحث منها غير سديد.
    8. ينبغي أن تظهر شخصية الباحث ولغته العلمية في كتابته وتحريره، وأن لا يكون عمله مقتصراً على مجرّد الجمع والتلخيص؛ بل ينبغي أن يحسن التعبير عن الأقوال، ويبيّنها بما يوضّح المراد بها، ويزيل الإشكالات.
    9. من أحسن ما يعين الباحث على إجادة التحرير العلمي مداومة الاطلاع على الرسائل التفسيرية المحررة، ومحاولة محاكاتها، وأن يعرض ما يكتبه من الرسائل على عالم بالتفسير ليقوّم له بحثه وينبهه على ما أخطأ فيه، ويرشده إلى ما يحسن الأخذ به.


    المرحلة السابعة: المراجعة والتهذيب وتحسن العرض.
    - المرحلة الأخيرة من البحث هي مرحلة المراجعة والتهذيب وتحسين عرض البحث.
    - هذه المرحلة مهمّة جداً، وفيها تتجنّب عدد من الأخطاء، وينتبّه لبعض النواقص، فيسعى الباحث إلى تصحيح الخطأ، وسد الخلل، وتتميم النقص، وتجويد العبارة، وتحسين الأسلوب، وطريقة عرض المادّة العلمية.
    - من أهمّ ما ينبغي في هذه المرحلة أن يحرص الباحث على استيفاء البحث لأركانه وأصوله، والتزام الباحث بقواعد الاستدلال، وانضباط منهجه العلمي؛ فإذا رأى قولاً فاته تحرير صحة نسبته، أو فاته عزوه لقائله، أو رأى خللا في طريقة عرض الأحاديث والآثار، حرص على تصحيح ما يلزم من ذلك.
    - ومن المهمّ في هذه المرحلة أن يعتني الباحث بعلامات الترقيم، وحسن تقسيم فقرات البحث، ومسائله، وسلامة كتابته من الأخطاء الإملائية والنحوية واللغوية.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •