خطبة الجمعة الأخيرة من رمضان
الحمدُ للهِ الخلاَّقِ العليمِ؛ خلَقَ الزَّمَانَ، وكوَّرَ الليلَ علَى النَّهارِ، وكُلُّ شيءٍ عندَهُ بِمِقدَارٍ، نَحمَدُهُ علَى إِدْرَاكِ هذَا الشَّهرِ الكَريمِ، ونشْكُرُهُ علَى مَا حَبَانَا فيهِ مِنَ الخَيرِ العَظِيمِ، ونسأَلُهُ سُبحَانَهُ صَلاحَ نِيَّاتِنَا، وقبولَ أعمَالِنَا، واسْتِقَامَتَنَ ا علَى أمرِهِ، واستمْرَارَنَا علَى عهدِهِ، وإعَانَتَنَا علَى مَا يُرضِيهِ، واجْتِنَابَنَا لِمَا يُسخِطُهُ.
وأشهدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ؛ كَانَ يَصومُ حتَّى يقُولَ القَائِلُ: لاَ يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لاَ يصُومُ، وصَلَّى مِنَ اللَّيلِ كُلِّهِ، وكَانَ يَتَهَجَّدُ بالقرآنِ، فيُطِيلُ القِيَامَ، ويُرَتِّلُ القُرآنَ، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلَى آلِهِ وأصحَابِهِ وأتبَاعِهِ إِلى يَومِ الدِّينِ... أمَّا بَعدُ:
فاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وأَطِيعُوهُ، وأَحْسِنُوا خِتَامَ شَهْرِكُمْ بَخيرِ عَمَلِكُم، وأَلْزِمُوا أنْفُسَكُم بعَهْدِكُمْ، والاسْتِمرَارِ علَى طَاعةِ رَبِّكُمْ، وأَكْثِروا مِنَ الاسْتِغْفَارِ؛ فإنَّهُ مُرَقِّعٌ لما تخرَّقَ مِن صِيَامِكُمْ، والْهَجُوا للهِ تعَالى بالحمدِ والشُّكرِ علَى رحمتِهِ بكُم، وفضْلِهِ عليْكُمْ؛ فَلَقَدْ أدْرَكْتُمْ رَمَضَانَ صِحَاحًا مُعَافِينَ مُسَلَّمِينَ، فَصُمْتُمْ وقُمْتُمْ وقَرَأْتُمْ وتَصَدَّقْتُمْ، وفَعَلْتُمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا دُوِّن في صَحَائِفِكُمْ، وأَتَيْتُمْ مِنَ الْبِرِّ مَا لَمْ يُوَفَّقْ لَه غَيْرُكُمْ؛ وذَلِكَ مَحْضُ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْكُمْ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل: 18، 19].
فهَذِهِ آخرُ جُمعَةٍ مِن رَمضَانَ، وهكَذَا تمضِي الأَعْمَارُ، هكَذَا هِيَ الدُّنيَا، وإِنَّمَا العبدُ جُملةٌ مِن أَيَّامٍ؛ كلَّمَا ذهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعضُهُ.
مِنْ فَضلِ اللهِ علَيْكُم - أيُّها المؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ- أَنِ اعْتَدْتُمْ فِي هَذَا الشهرِ الكريمِ على عِبَادَاتٍ جَلِيلَةٍ، وطَاعَاتٍ عظِيمَةٍ، بَلْ إِنَّكُمْ مَا إِنْ تَفْرُغُوا مِنْ عِبَادَةٍ إِلاَّ وَتَنْتَظِرُكُم ْ عِبَادةٌ أخْرَى، حَسناتٌ يُزَاحِمُ بعضُهَا بعْضًا، صَلاةٌ وصِيامٌ، وذِكرٌ وقِيَامٌ، وتَلاوَةُ كَلامِ الرَّحمنِ، وإنفَاقٌ وإِحْسَانٌ، بُيوتُ اللهِ عُمِّرَتْ بالذَّاكِرِينَ.. . لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، كَمْ منَ الأُجُورِ قَدْ سُجِّلَتْ فِي مَوَازِينِ حَسَنَاتِكُمْ، وكَمْ مِنَ السِّيئاتِ قَد مُحِيَتْ عَنكُمْ، وهَذَا فَضْلُ اللهِ وتَوْفِيقُهُ لَكُمْ.
عَبدَ اللهِ...عَاهِدْ نَفسَكَ وأنْتَ فِي آخِرِ هذَا الشَّهرِ الكريمِ أنْ تَستَمِرَّ علَى طَاعةِ رَبِّكَ، ادْعُ اللهَ بكُلِّ إخْلاصٍ وتَجَرُّدٍ وإلحَاحٍ أنْ يُدِيمَ عليْكَ نِعْمَةَ الطَّاعَةِ، وأنْ يَرْزُقَكَ حُبَّهَا، وأَنْ تكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سُوَاهَا مِن مُتعِ الدُّنيَا الفَانِيَةِ.
وبعدَ رمضَانَ -واسْمَعْ جَيِّداً- وفي أوَّلِ أيَّامِ شهرِ شَوَّالٍ لا تَقْطَعَ ذَلكَ الْحَبلَ الَّذِي مَدَدتَهُ، وَلا ذَلكَ الخيرَ الَّذِي رَسَمْتَهُ، بَلْ واصِلِ العَطَاءَ مَعَ اللهِ، واستعِنْ باللهِ فِي ذلكَ وَضَعْ نصْبَ عَيْنَيْكَ قَولَ اللهِ تعَالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] اسْتَغِلَّ قُوَّةَ الدعَاءِ فِي الأوقَاتِ الفَاضِلَةِ التي سَتَمُرُّ عليكَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ أيَّامِ هذَا الشَّهرِ العَظِيمَةِ، ادْعُ اللهَ بإلْحَاحٍ أَنْ يجْعَلَكَ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.. مِنْ عِبَادِهِ المتقينَ، وأنْ يَمُنَّ عليكَ بِمَا مَنَّ عَليهِمْ، ثُمَّ انظُرْ بعدَ ذلكَ إلَى عَطَاءِ الرَّبِّ عليكَ، انظُرْ إِلى هِبَاتِ الكَريمِ إليكَ، انْشَراحُ الصَّدْرِ، وسَعَةُ البَالِ، وسُكُونُ النَّفْسِ، الغِنَى عمَّا فِي أيْدِي النَّاسِ، هذَا بَعْضٌ مِنْ عَطَاءِ الدُّنيَا، أمَّا فِي الآخِرَةِ فشَيءٌ يَعْجَزُ الوَاصِفُونَ عَنْ وَصْفِهِ بَلْ هِيَ {جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54، 55] نَعَمْ.. إنَّ فِي الدُّنيَا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الآخِرَةِ.
عِبادَ اللهِ... هَذَا النَّعِيمُ، وهو - واللهِ- لا يُدْرَكُ بالنَّعيمِ وَلا بالتَّوَاكُلِ ولا التَّمَنِّي والتَّسْوِيفِ والتَّأْجِيلِ.
بَلْ إنَّ مَنْ ذَاقَ لَذَّةَ الطَّاعةِ علَى الحقِيقَةِ لاَ يَسْأَمُ العبادةَ ولا يملُّهَا، اسمَعْ لِقَولِ اللهِ تعَالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] فالحياةُ الطَيِّبةُ هِيَ لذَّةُ الْمُنَاجَاةِ للهِ، وَقوَّةُ الاتِّصَالِ باللهِ والثِّقةُ باللهِ، والاعْتِمَادُ على اللهِ، والأُنسُ بطَاعَةِ اللهِ، والرَّاحَةُ بالقِيَامِ بِمَا أوْجَبَ اللهُ.
عِبادَ اللهِ... لَقدْ أَوْشَكَتْ هذِه الأيَّامُ على الرَّحيلِ بعدَ أنْ سَعِدَ بها أهلُ الإيمانِ وأَوْدَعُوا فيهَا مَا استَطَاعُوا مِن عَملٍ صَالحٍ كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فيهِ علَى ما يُقَرِّبُهُم إِلى ربِّهِم ويرْفَعُ درَجَتَهُم ويُعْلِي مكَانَتَهُم.
إنَّ لهذهِ الأيامِ العَظِيمةِ رَوْحَانِيَّةً لِمَن عَرفَهَا وأدرَكَهَا وعَمِلَ فيهَا بمَا استطَاعَ مِنْ جَهْدٍ.
أقولُ الذي عَرَفَهَا.. عَرَفَ أنَّها أغْلَى الأيَّامِ، وأثَمنُ الأوقاتِ، واللهُ سبحانَه يُسْدِي لعبادِهِ الفُرَصَ فمَن أَخَذَهَا بِجِدٍّ ونَافسَ فيهَا بُورِكَ لَه في عُمُرِهِ وعَظُمَ فيهِ أجرُهُ؛ فالصِّيامُ والقِيَامُ وقِرَاءَةُ القرآنِ، والعُمْرةُ إلى بيتِ اللهِ الحَرامِ، والصَّدقةُ والإحْسَانُ، وقيامُ العَشرِ الأوَاخرِ وليلةِ القدرِ، وأداءُ زَكاةِ الفطرِ.. كُلُّهَا فُرصٌ عظيمةٌ مَنْ نَافَسَ فيها رَبِحَ رِبْحاً لا خَسارةَ بعدَهُ ومَن تهَاوَنَ وتَقَاعَسَ ورَضِيَ بحُطامِ الدُّنيا الفَانِي فهُو الخَاسِرُ؛ لأَنَّه ربَّما لا تَتكَرَّرُ له تلكَ الفُرصَةُ!
أيها الناسُ.. لِنَتأَمَّلَ أحْوالَ غيرِنَا فِي هذا الشهرِ الكريمِ؛ لِنعرِفَ فضْلَ اللهِ تعالى علَينا، فنَشْكُرَه على نِعَمِه، ونَلْهَجَ بذِكْرِهِ وحمْدِهِ.
في هذا الشهرِ الكريمِ حُرِمَ هذهِ اللذَّةَ العظيمةَ مِليارَاتٌ مِنَ البَشَرِ مِمَّن كَفَروا باللهِ تعالى جَهلاً بهِ، أو اسْتِكْبَارًا عن عِبادَتِهِ، فلَمْ يعرِفُوا رمضانَ، ولم يَعيشُوا لَذَّة الصيامِ والقيامِ والقرآنِ.
وفي رمضانَ، ونحنُ نَنْعَمُ بالأمنِ والاسْتقرارِ، قَضَى الملايينُ مِنَ المسلمينَ رمضانَ فِي رُعْبٍ وخوفٍ؛ فهُمْ بينَ حُروبٍ طَاحِنَةٍ، وقَلاقِلَ مُسْتَمِرَّةٍ، ومِحَنٍ دَائِمَةٍ.
وفي رمضانَ، وفي لَحَظَاتِ الغُروبِ، أوِ السَّحَرِ مَوائِدُنَا تُبْسَطُ وتُملأُ مِن نِعَمِ اللهِ تعالى فَمَا تَدْرِي نفسٌ مَاذا تَأكُلُ وماذَا تَتْرُكُ، بينَما يُفْطِرُ قومٌ منَ المسلمينَ علَى الشَّيءِ اليَسِيرِ وقَد شَاهَدْنَا هذا كَثِيراً عبرَ مَوَاقِعِ التَّواصُلِ الاجتِمَاعِيِّ.
وفي رمضانَ، متَّعنَا اللهُ تعالى بأجْسَادِنَا، وأكْمَلَ صِحَّتَنَا وعَافِيَتَنَا في حينِ أَنَّ في المستشفياتِ وبعضِ البيوتِ مَرضَى يَئِنُّونَ مِن آلامِهِمْ، ويُعَالِجُونَ أمرَاضَهُم، قَد أَلْهَاهُمْ مَا هُم فيهِ, عنِ الفَرَحِ برمضانَ ومظَاهِرِهِ، وحُرِمُوا إِقَامةَ شَعَائِرِهِ.
وَمِنْهُم مَن حُبِسُوا في دُيُونِهِم، أو في جِنَايَاتٍ كَانتْ عليهِمْ؛ فَلْنَشْكُرِ اللهَ تعالى أَنْ عَافَانَا مِن البَلاءِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ، وَأَنْ يُكْتَبَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِي نَ الْعِتْقَ مِنَ النَّارِ، وَأَنْ يَجْعَلَ حَالَنَا بَعْدَ رَمَضَانَ خَيْرًا مِنْ حَالِنَا فِيهِ، وَأَنْ يَفْتَحَ لَنَا أَبْوَابَ الْخَيْرِ، وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا رَمَضَانَ بِخَيْرٍ، وَأَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ الْقَادِمَ وَنَحْنُ نَنْعَمُ بِالْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَا رِ وَالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ
♦ ♦ ♦
أيها الإخوةُ المؤمنونَ: كَتبَ عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ- رحمهُ اللهُ تعَالى - إلى الأَمْصَارِ يأْمُرُهُمْ بخَتْمِ شهرِ رمضانَ بالاستغفارِ والصدقةِ - صَدَقةِ الفطرِ -، فصَدَقَةُ الفِطْرِ طُهرةٌ للصائمِ من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، والاستغفارُ يُرَقِّعُ مَا تَخَرَّقَ مِن الصِّيَامِ باللغوِ والرَّفَثِ، ولهذَا قالَ بعضُ الْمُتَقَدِّمِي نَ: "إنَّ صَدقةَ الفِطْرِ للصَّائِمِ كسجدَتَيِ السَّهْوِ للصَّلاَةِ".
وتَجِبُ هذِه الزَّكاةُ على كلِّ مسلمٍ فَضُلَ لَه يومَ العيدِ وليلَتَهُ-عَن قُوتِهِ وقوتِ عِيَالهِ وحَوائِجِهِ الأصْلِيَّةِ- شَيئًا مِن طَعامٍ، لا فَرقَ بينَ ذكرٍ وأنُثْى ولا بينَ صَغيرٍ وكبيرٍ، بَل لا فَرقَ بينَ غَنِيٍّ وفَقَيرٍ، ولا بينَ صَائمٍ وغيرِ صَائمٍ.
ويجبُ إخراجُهَا عَمَّن تَلزَمُهُ مَؤُونَتُه مِن زَوجةٍ أو قريبٍ إذا لَم يَستطِيعُوا إخْراجَهَا عَن أنفُسِهِم، فإنِ اسْتَطَاعُوا فالأَوْلى أَن يُخْرِجُوهَا عن أَنفُسِهِم، لأَنَّهم المخَاطَبُونَ بِهَا أصْلاً.
وأمَّا الجَنِينُ في بطنِ أمِّهِ إذَا أَكملَ أربعةَ أشْهُرٍ اسْتَحَبَّ بعضُ أهلِ العلمِ أَن تُخْرَجَ عَنه زَكاةُ الفطرِ تَطَوُّعاً من غيرِ وُجوبٍ؛ لفِعْلِ عُثمانَ بْنِ عَفَّان.
والواجبُ في صدقةِ الفطرِ صَاعٌ، والمرادُ بالصَّاعِ: الصَّاعُ النَبَوِيُّ، وصاعُ المَدِينةِ يُسَاوِي بالكيلو في زماننا الحاضِرِ =(كِيلوين وأربعينَ جراماً) مِنَ الْبُرِّ الجيِّدِ،وأمَا الأَرُزُّ ومَا أشبهَ ذَلكَ من الأطعمةِ الثقيلةِ فيزيدُ وزْنُه، والوزنُ المعتدِلُ(ثلاثَ كِيلو تقريباً).
فاعتبارُ الصَّاعِ هو الأساسُ وهو الأحوطُ في الأحوالِ والأطمعةِ كلِّهَا، خُروجاً من الخِلافِ واتِّبَاعاً للنصِّ الثابتِ بيقينٍ.
تُؤَدَّى صدقةُ الفطرِ مِن غَالبِ قُوتِ البلَدِ، وإنْ لَمْ يُنَصَّ عليهِ فِي الحديثِ، كالأُرزِ مثلاً.
وعلَى هذَا فَلا يُجزِئُ إخرَاجُهَا مِن الدَّرَاهِمِ والفُرُشِ واللِّباسِ وأقواتِ البهَائمِ والأمتعةِ وغيرِهَا لأنَّ ذلكَ خِلافُ ما أَمَرَ بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وأمَّا زَمَنُ إخْرَاجِهَا فلَه وقْتَانِ: وقتُ فَضِيلةٍ، ووقتُ جَوَازٍ.
فأمَّا وقتُ الفضيلةِ: فهو صَباحُ العيدِ قبلَ الصلاةِ.
ويجُوزُ إخرَاجُهَا قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومينِ ولا يجوزُ تأخيرُهَا عن صلاةِ العيدِ، فإنْ أخَّرَهَا عَن صلاةِ العيدِ بِلا عُذرٍ لَم تُقبلْ مِنهُ لأنَّه خِلافُ ما أمَرَ بهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وفِي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ مَنْ أَدَّاهَا قَبلَ الصلاةِ فهي زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ، رواهُ أَبو داودَ.... وأمَّا إنْ أخَّرَهَا لعُذرٍ فَلا بأسَ.
أيها المسلمونَ: لزكاةِ الفطرِ خُصُوصِيَّتُهَا في مصَارِفِهَا، فلهَا مَصْرِفَانِ فقط،وهمُ الفقراءُ والمساكينُ.
وأمَّا مكانُ دفْعِهَا فتُدْفَعْ إلى فُقرَاءِ المكانِ الذي هوَ فيهِ.
عبادَ اللهِ.. أكثِروا مِن التكبيرِ ليلةَ العيدِ إلى صلاةِ العيدِ تعظيماً للهِ وشكراً له على إتمامِ النعمةِ؛ يقولُ جلَّ وَعَلا: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
عباد الله... لقدْ أوْشَكَ شهرُكُم علَى الرَّحِيلِ وخَتْمِ مَا أوْدَعتُمُوهُ فيهِ من أعْمَالٍ وأقوالٍ فمَنْ أحسنَ فيهِ وجَوَّدَ فهُو الآنَ يحصِدُ آثَارَهُ الْمُشْرِقَةَ وأنوَارَهُ الْمُبْهِجَةَ فإنَّ للطاعةِ أثراً على صاحبِهَا في وقتِه ومالِه وصحَّتِه وعيالِهِ.
عبادَ اللهِ... مَن كَانَ مَنعَ نفسَهُ في شهرِ رمضانَ من الحرامِ فلْيَمْنَعْهَا فيمَا بعدَه من الشهورِ والأعوامِ فإنَّ إلَه الشهرينِ واحدٌ وهو على الزَّمَانَيْنِ مُطَّلِعٌ وشَاهِدٌ. جزَانا اللهُ وإياكمْ عَلى فِرَاقِ شهرِ البركةِ وأجْزَلَ أقْسَامَنَا وأقسَامَكُم من رحمتهِ المشتركةِ وباركَ لنَا ولكُم في بقيَّتِه وسَلكَ بِنَا وبكُم طَريقَ هِدَايتِهِ بفضلِه ورحمتِه.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى إِتْمَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى الوَجْهِ الذِيْ يُرْضِيكَ عَنَّا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ
اللهم لا يبلغُ مِدْحتَك قولُ قَائلٍ، ولا يَجزِي بآلائِكَ أَحدٌ. ربَّنا وجهُكَ أكرمُ الوُجُوهِ، وجَاهُكَ أعظمُ الجَاهِ، وعَطِيَّتُكَ أفضلُ العطَايا. تُطَاعُ ربَّنَا فتشكُرُ، وتُعصَى فتَغْفِرُ، وتُجِيبَ المضطرَّ، وتكشف الضُّرَّ.
اللهمَّ اختِمْ لنَا شهرَ رمضانَ برِضوَانِكَ، وأعِذْنَا مِن عُقُوبَتِكَ ونِيرانِكَ. اللهمَّ اجعلْ موعِدَنَا بَحْبُوحَةَ جِنَانِكَ. اللهمَّ اجعلْنَا مِمَّن قَبِلْتَ صِيامَهُ، وأسعَدْتَه بطاعَتِكَ فاسْتَعَدَّ لما أمَامَه، وغَفَرْتَ زلَلَه وإجْرَامَه. اللهمَّ لا تجعلْ حَظَّنَا مِن صِيَامِنَا الجوعَ والعطشَ، ولا تجعلْ حَظَّنَا مِن قِيامِنَا التَّعَبَ والسَّهَرَ. اللهمَّ واجْعَلْنَا مِمَّن وافَقَ ليلةَ القدرِ، فحازَ عظيمَ الثوابِ والأجرِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!
اللهمَّ واجْعَلْنَا مِمَّن صَامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً. اللهمَّ اجْعَلْنَا مِمَّن قَامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً. اللهمَّ لا تُفَرِّقْ هَذَا الْجَمْعَ إلاَّ وقَدْ غَفَرْتَ جَميعَ ذُنُوبِهِ.. اللهمَّ اعْتِقْ رِقَابَنَا، ورِقَابَ آبَائِنَا، وأمهَاتِنَا، وذريَّاتِنَا ومَنْ لَه حَقٌّ عَلَينَا، اللهمَّ اعْتِقْنَا جميعاً مِنَ النارِ.
اللهمَّ إنا نسأَلُكَ رِضَاكَ والْجَنَّةَ، ونعوذُ بكَ مِن سَخَطِكَ والنارِ، بِرحمَتِكَ يَا أرحمَ الراحمينَ!
سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزَّةِ عمَّا يصفونَ وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ....
______________________________ __________________________
الكاتب: أحمد بن عبدالله الحزيمي