أذكاري (قصة للأشبال)
أحمد الجوهري عبد الجواد





قصص أشبال الإيمان (10) أذكاري



لو كان لبقعةٍ أن تفتخر على بقاع الأرض جميعِها بجوارها لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا وميتًا، كنتُ أنا.
فقد جاورتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في حياته إحدى عشرةَ سَنة، يُصلِّي ويحدِّث أصحابَه بالقرآن والسُّنَّة في داخلي، بل قبل ذلك فإنَّه صلى الله عليه وسلم شارك في بنائي بنفسه؛ حيث ساعد الصحابةَ في حمل الأحجار، ورفع التراب، ووضع اللبنات، وقد شجَّع موقفُه هذا كلَّ الصحابة على العمل، وأخذوا ينشدون:
لئن قعدنا والنبيُّ يعملُ ♦♦♦ لذاك منَّا العملُ المضللُ

وبعدها سعدتُ بالنبي صلى الله عليه وسلم جارًا، فقد بنى نبيُّنا بيتَه بجواري، فكنت أراه كلَّ يوم أكثر مما يراه جميعُ المسلمين!
ثم تُوفِّي النبي صلى الله عليه وسلم، فدُفن في بيته بجواري أيضًا، فنعمتُ بجوار النبي صلى الله عليه وسلم حيًّا وميتًا.
يا للسعادة والهناء بهذا النصيب الذي قسمه اللهُ لي من نبيِّي صلى الله عليه وسلم!
وفي هذا العمر الطويل رأيت قَصصًا وحكايات عجيبة، هل تشتاقون أن أُسمعكم شيئًا منها، فأحكي لكم بعضَها؟
نعم، على الرحب والسعة.

سأحكي لكم عن ليلةٍ كان يبيت فيها أبو هريرة رضي الله عنه في داخلي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بذلك، فقد جمع النبيُّ الزكاةَ من الأغنياء ووضعها عندي، وأمر أبا هريرة رضي الله عنه أن يحرسها إلى الصباح؛ حتى لا يأخذ أحدٌ منها شيئًا؛ لأن النبيَّ يريد أن يعطيَها للفقراء والمساكين مساعدةً لهم، وهكذا ينبغي أن يساعد الغنيُّ الفقير، وألا يبيت شبعانَ وفقراءُ المسلمين جَوْعى.

وبالفعل - يا أحبابي - بات أبو هريرة تلك الليلةَ إلى جوار الزكاة، وفي أثناء الليل أحسَّ بحركة غريبة، فقام لينظر، فوجد رجلًا لا يعرفه يأخذ من طعام الزكاة، فأمسَك به أبو هريرة، وقال له: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الرجل الغريب قال لأبي هريرة: إني محتاج، وعليَّ عيالٌ، ولي حاجةٌ شديدة، وأخذ يعتذر لأبي هريرة؛ حتى رقَّ له أبو هريرة وخلَّى عنه.
وفي صلاة الفجر، جاء النبيُّ والصحابةُ فصلَّوا، وبعد الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرُك البارحة؟)).

أوَّه!
لقد علم النبي صلى الله عليه وسلم بما حدث، مَن أخبَرَه؟ إن أبا هريرة لم يبرح المكان، ولم يكن معه أحدٌ آخر، فكيف عرَف رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أحبابي؟!
لقد أوحى اللهُ إليه بما حدث، أخبره ربُّنا سبحانه وتعالى، أليس هو رسولَ الله؟ فلذلك يخبره ربُّه سبحانه وتعالى بما يشاء وبما يريد.

ولما سأل نبيُّنا أبا هريرة، أجابه فقال: يا رسولَ الله، شكا حاجةً شديدةً وعيالًا، فرحمته فخلَّيت سبيله، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال شيئًا عجيبًا، لقد قال: ((أمَا إنه قد كذَبَك وسيعود))، قال أبو هريرة: فعَرَفت أنه سيعود؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه سيعود))، فرصدته فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيالٌ، ولن أعود، فرحمته فخلَّيتُ سبيلَه، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟))، قلت: يا رسول الله، شكا حاجةً شديدةً وعيالًا؛ فرحمته فخلَّيتُ سبيله، قال: ((أمَا إنه قد كذبك وسيعود))، فرصدتُه الثالثة فجاء يحثو من الطعام، فأخذتُه فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاث مرَّات تزعم أنك لا تعود ثم تعود، قال: دعني وسوف أعلِّمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، فإنك إن قرأتها لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربنَّك شيطانٌ حتى تصبح؛ فلما سمع أبو هريرة ذلك منه خلَّى سبيلَه، فقد كان أبو هريرة شديدَ الحرص على الخير، وكذلك كان صحابةُ النبي جميعًا رضوان الله عليهم، فلما دلَّه على هذه المسألة من الخير ترَكَه يذهب.

كان هذا ما دار بين أبي هريرة رضي الله عنه، وبين هذا الرجل الغريب في الليالي الثلاث، فلما أصبح أبو هريرة ولقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما فعل أسيرك البارحة؟))، قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلِّمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخلَّيتُ سبيلَه، قال: ((وما هي؟))، قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: ﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم ﴾ [البقرة:255]، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح.

فالأذكار تحفظُنا من كلِّ الشرور، وقد وصَّانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقراءة الأذكار في الصباح والمساء.
ومن الأذكار التي نقولها في الصباح: ((اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور)).
ومن الأذكار التي نقولها في المساء: ((اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا وبك نموت، وإليك المصير)).

وهناك أذكار نقولها قبل دخول الحمَّام، وأذكار نقولها بعد أن نخرج من الحمام:
فنقول قبل دخول الحمام: ((بسم الله، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الـخُبث والـخبائث)).
ونقول بعد الخروج منه: ((غفرانك)).
وهناك أذكار نقولها قبل الأكل، وأذكار نقولها بعده.
فنقول قبل الأكل: ((بسم الله، اللهمَّ بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرًا منه)).
ونقول بعده: ((الحمدُ للَّه الذي أطعمني هذا، ورزقنيه، من غير حَوْلٍ منِّي ولا قوَّة)).
وهناك أذكار نقولها قبل أن ننام، وأذكار نقولها بعد أن نقوم من النوم.

فنقول قبل النوم: ((باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادَك الصالحين)).
ونقول بعد أن نقوم من النوم: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور)).
وهكذا تَملأ الأذكار حياتَنا، فتحفظنا وتحمينا بإذن الله، ويبارك الله لنا بسبب المحافظة عليها.
كما قال ذلك الرجل لأبي هريرة: "لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح".

وماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة عن ذلك؟ لقد قال له: ((أمَا إنه قد صدقك، وهو كذوب))، يعني هذا الرجل صدق في هذه المرَّة رغم أنه كذب عليك كثيرًا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: ((أتعلم من تُخاطِب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟)).
فقال أبو هريرة: لا.
فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بمفاجأة كبيرة، قال له: ((ذاك الشيطان)).

يعني هذا الرجل الغريب الذي كان يسرق من مال وطعام الزكاة كان شيطانًا، وكان يأتي في صورةِ رَجُلٍ.
وكانت هذه قصة عجيبة حدثت مع أبي هريرة، وشاهدتُها أنا أيضًا، وكم هي كثيرة تلك القَصص العجيبة التي رأيتها وسمعتها في هذه الأيام الجميلة!

فوائد:
ونستفيد من هذه القصة الجميلة أنَّ:
المسجد هو بيت الله يعمُره المؤمنون بالصلاة والذِّكر والعبادة، ويعاون أهلُه فقراءَ المسلمين على فقرهم وحاجتهم.
الزكاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي حقُّ الفقراء على الأغنياء، ويبارك الله لهم في حياتهم بسببها.
ذِكر الله تعالى من أفضل الأعمال، وهو يحفظُنا من كلِّ شرٍّ، ومن الأذكار النافعة: آية الكرسي، وسورة الإخلاص، والمعوذتان.