من آداب الصيام: عدم ترك السحور
أخرج النَّسَائِيُّ بسند صحيح عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الحَارِثِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالَ: «إِنَّهَا بَرَكَةٌ أَعْطَاكُم اللَّهُ إِيَّاهَا فَلَا تَدَعُوهَا»؛ أَيْ: فَلَا تَتْرُكُوهَا.
قال ابن المنذر رحمه الله: أجمع العلماء أن السحور مندوب إليه مستحب، ولا مأثم على من تركه، وحض النبي صلى الله عليه وسلم أمته عليه؛ ليكون قوة لهم على صيامهم؛ (انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال:٤/ ٤٥).
وأَخْرَج الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «البَرَكَةُ فِي ثَلَاثَةٍ؛ فِي الجَمَاعَةِ وَالثَّرِيدِ وَالسُّحُورِ»؛ (الصحيحة:1045).
وَأخرج الإمامُ أحمد وَأبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِي عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَدعو إلى السَّحورِ في شهرِ رمضانَ المباركِ، وقال: «هلمُّوا إلى الغداءِ المبارَكِ»؛ (صحيح النسائي:2162).
وأخرج الإمام أحمد والنسائي واللفظ له، عن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِغَدَاءِ السُّحُورِ[1]، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَدَاءُ الْمُبَارَكُ»؛ (صحيح النسائي: 2163) (صحيح الجامع:4081).
وأخرج ابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الغذاء المبارك» يعني: السحور؛ (صحيح الترغيب والترهيب:1068).
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: وفي هذه الأحاديث دليلٌ على استحباب السحور للصائم وتعليل ذلك بأن فيه بركة، وهذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية، فإن إقامة السنة توجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية؛ كقوة البدن على الصوم، وتيسيره من غير إضرار بالصائم؛ (إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام:1/167) (انظر فتح الباري لابن حجر:٤/ ١٤٠).
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً».
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في فتح الباري، 4/172: البركة في السحور تحصل بجهات متعددة؛ منها: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، التقوِّي به على العبادة والزيادة على النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يسيِّره الجوع، والتسبب بالذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نِيَّة الصوم لمَن أغفلها قبل أن ينام.
وأخرج ابن حبان في صحيحه عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ»؛ (قال الألباني: حسن صحيح).
ومن بركة أكلة السحور: مخالفة أهل الكتاب، فالسحور أصبح شعار المسلمين لما فيه من مخالفة أهل الكتاب، فإنهم لا يتسَحَّرون؛ كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ[2]، أَكْلَةُ السَّحَرِ[3]»، وأخرج الدارمي بسند صحيح عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصْنَعَ لَهُ الطَّعَامَ يَتَسَحَّرُ بِهِ فَلَا يُصِيبُ مِنْهُ كَثِيرًا، فَقُلْنَا لَهُ: تَأْمُرُنَا بِهِ وَلَا تُصِيبُ مِنْهُ كَثِيرًا؟ قَالَ: إِنِّي لَا آمُرُكُمْ بِهِ أَنِّي أَشْتَهِيهِ وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ».
قال النووي رحمه الله: أي الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم: السحور، فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحبُّ لنا السحور؛ اهـ.
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: ومما يعلل به استحباب السحور: المخالفة لأهل الكتاب؛ لأنه ممتنع عندهم، وهذا أحد الوجوه المتقضية للزيادة في الأجور الأخروية؛ اهـ (فتح الباري لابن حجر:٤/ ١٤٠).
وقال الصنعاني رحمه الله كما في سبل السلام عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تسحَّروا فإن في السحور بركة»: والبركة المشار إليها في الحديث هي: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، للحديث الذي أخرجه مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أَكَلَةُ السَّحَر[4]»، والتَّقوِّي بأكلة السحور على العبادة وزيادة النشاط؛ اهـ.
ومن بركة أكلة السحور كذلك أن الله وملائكته يصلون على المتسحرين، فقد أخرج ابن حبان والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ[5] عَلَى الْمُتَسَحِّرِي نَ»؛ (صحيح الترغيب والترهيب:1066) (صحيح الجامع: 1844).
وأخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السحور بركة فلا تدعوه، ولو أن يتجرَّع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يُصلُّون على المتسحرين»؛ (صحيح الجامع:3683).
• يستحب أن يجعل في السَّحُورِ تمرًا: وذلك للحديث الذي أخرجه أبو داود وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ»؛ (صحيح أبي داود: 2345).
وفي التسحر بالتمر بركة عظيمة، فيطلب تقديمه في السحور، وكذا في الفطور إن لم يوجد رطب، وإلا فهو أفضل في وقته.
[1] السَّحور: بالفتح اسم لما يُؤكل وقت السحر، والسُّحور: هو المصدر أو فعل الفاعل، وكلا الضبطين مناسب إذا ذُكر لفظ الطعام، أما إذا لم يُذكر فلا يصح إلا لفظ السَّحور بالفتح؛ لأن السَّحور هو الذي يُؤكل. (انظر: معجم الصواب اللغوي دليل المثقف العربي، د/ أحمد مختار:١/ ٤٣٩).
[2] فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أي الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم: السحور، فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور، (أفاده النووي).
[3] أكلة السحر: هي السحور: وأكله: المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشية وإن كثر المأكول فيها، والأكلة: بضم الهمزة: اللقمة، والصواب: فتح الهمزة، (أفاده النووي - رحمه الله).
[4] يقول القرطبي- رحمه الله -: هذا الحديث يدل على أن السحور من خصائص هذه الأمة، ومما يخفف به عنهم أكلة السحر؛ (الديباج على مسلم:3/196).
[5] والمقصود بصلاة الله: هي الثناء على العبد في الملأ الأعلى (قاله أبو العالية؛ نقل هذا عنه البخاري في صحيحه).
وصلاة الملائكة: هي الدعاء للعبد كما ورد في الحديث الإمام مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم، ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له: اللهم اغفر له [اللهم تب عليه]،......؛ الحديث.
______________________________ ________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد