نحو صوم حقيقي
كثير من الناس قصروا معنى الصوم على الجوع والعطش، دون استصحاب للمعاني الجوهرية التي شرع من أجلها الصيام، هؤلاء، إذا أقبل رمضان تنقبض صدورهم، وتكتئب نفوسهم، فيسارعون للاستزادة من الأطعمة والمشروبات، والاستمتاع بالشهوات والمحرمات، كأنهم مقبلون على سفر لا زاد فيه ولا أنيس!
رمضان عندهم ضيف ثقيل، إذا دخل عليهم تشاغلوا عنه بالملهيات، من فوازير، وأغانٍ، ومسلسلات، ومسابقات، وجلسات؛ فإذا حزم أمتعته وودعهم، تنفسوا الصعداء، وفرحوا لأنهم استراحوا منه، كأنهم تخلصوا من هم جثم على صدورهم؛ ليهدروا فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار!
غاب عن هؤلاء أن الصيام مدرسة يتربى فيها الصائمون على تهذيب النفوس وتشذيب الطباع، والتحلي بخصال الصبر والأناة والحلم والرحمة؛ تحقيفاً للغاية الكبرى من الصيام: تقوى الله -عزَّ وجلَّ- في السر والعلن، التقوى التي تمثل خير زاد للمسلم في سيره إلى الله، والتي تمنح تأشيرة القبول للأعمال الصالحة؛ مصداقاً لقول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: 27).
من أدرك هذه المعاني السامية، وعمل بمقتضاها مقبلاً على رمضان، مستبشراً بقدومه، مشمراً عن ساعد الجد والاجتهاد؛ حق له أن يفوز بالجائزة الكبرى: مغفرة الذنوب والعتق من النيران.
وأما من غابت عنه هذه المعاني، واقتصر في تعامله مع رمضان على الجانب المادي، دون نفاذ إلى الجانب الروحي، وضيَّع أوقات رمضان الثمينة فيما يغضب الله -جل وعلا-؛ وتكاسل عن الطاعات والقربات؛ فقد استحق أن يكتب عليه الشقاء، مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبل أن يُغفَرَ له» رواه الترمذي وصححه الألباني.
علي صالح طمبل