الرسالة العذراء، في موازين البلاغة وأدوات الكتابة، تـ د. زكي مبارك، الطبعة الثانية 1350هـ مصر، ص: 22
3- جمال التعبير:
أشرنا في المقال السابق إلى ضرورة القراءة في كُتب النّاجحين والمتميّزين والنّوابغ وكبار الكُتّاب، لاكتساب المعارف والمصطلحات الجديدة، وشحن الذاكرة بثروة لغوية وأسلوبية، ونضيفُ هنا نقطة مهمّة وهي أن تكتب بلغة سليمة وتعبيرٍ جميل باستخدام جُملٍ واضحة وموجزة، وأن تراعي التنسيق بين أجزاء الكلام، والتوازن في استخدام الأوصاف، وألا تكثر من الإطناب والمترادفات، والتكرار والمبالغات، وأن تكتفي بالتلميح في كثير من الموضوعات فاللبيب بالإشارة يفهم، وأن تتجنّب الكلمات الغامضة والمبتذلة التي يحمرّ منها وجه جدّتك خَجَلا كما يقولُ قانون الصحافة في الغرب، وألا تحاول اقتناص نصوص الآخرين وعزوها إلى نفسك، فهذا كسحبِ ذيلِ حُلّة غيره حسب تعبير صاحب الرسالة العذراء، ولتجمع في كتابتك بجانب الحقائق اللمسة الجمالية الإنسانية فتخاطبَ العقول والعواطف معًا.
4- قوة الاستشهاد:
حاول أن توثّق الكتابة بالمعلومات من الإحصائيات والأرقام الصحيحة، وأن تدعمها بالنصوص الشرعية والشواهد التاريخية، وتقوّيها بالنوادر الأدبية من الأمثال وأبيات الشعر المناسبة، وأن توظّف طاقتك لربط المعلومات بعضها ببعض وكأنك تشيد قصرًا أنيقًا منيِّفًا.
ومن الأفضل أن يكون استخدامك لهذه الأدوات في حدود المعقول والمقبول، فلا يصحّ أن تكون كتابتك كلّها أقوال الآخرين ونقولاتهم، فتذوبُ شخصيتك بين الاستشهادات، فلا تكون في العير من الكتابة ولا في النفير.
5- وقت الإبداع:
يذكر النّقاد أن للإبداع الأدبي أوقات: منها وقت السحر عندما يطيب الهواء، وعند مشاهدة الطبيعة، واعتدال المزاج ووقت فراغ القلب وساعة النشاط، ((وارتصدْ لكتابتك فراغ قلبك وساعة نشاطك فتجدُ ما يمتنعُ عليك بالكدّ و التكلف)). الرسالة العذراء: 30.
وعلى الكاتب أن يجعل الكتابة جزءًا من ممارسته اليومية حتى يتعوّد عليها ويشتدّ ساعده، فقد أُثر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنّه كان يؤلف كتابًا في جلسةٍ واحدةٍ، وكلّما كتبتَ أكثر تحسّنَ أسلوبك، ومنْ سار على الدّرب وصل.
6- التخمير والإتقان:
يقولونَ منْ صنّف فقد استُهدف، وبما أنّ الكاتب يعرضُ عقله وفكره على الناس، فمن الأجدر به التأنّي والتّروي وعدم الاستعجال في النشر، "فخمير الرأي خير من فطيره". كما يقول ابن الجوزي.
صيد الخاطر، تـ محمد بن إبراهيم الشامي، الطبعة الأولى 1431هـ مصر، ص: 269
وينبغي له أن يراجع ما كتبه مراجعة نقدية فاحصة، فيهذّبه وينقّحه ويعدّل فيه، ويحذف الكلمات غير الضرورية والتعبيرات الركيكة، وحروف الربط الكثيرة، والجمل الضعيفة أو الصعبة والطويلة، ويختار من الألفاظ أنسبها للغرض وأدلّها على المعنى وأٌقربها إلى القصد، فـ ( تخيّرُ الألفاظ، وإبدالُ بعضها من بعض يوجب التئام الكلام؛ وهو من أحسن نعوته وأزين صفاته).
كتاب الصناعتين، الحسن بن سهل العسكري، تـ علي محمد البجاوي، ط القاهرة، ص: 147
7- النهاية المشوّقة:
النهاية القويّة مهمّة كالبداية، وهي أرض خِصبة لتشويق القارئ إلى الكتابات القادمة، فحاول أن تربط بين موضوعك الحالي والقادم بشيءٍ من التلميح والتشويق، ويمكن أن تشير فيها إلى الاستنتاجات والتوصيات، أو تلخّص فيها ما ذكرته في المقال ولكن بشكلٍ جديد وموجز.
شمعة أخيرة:
"كان قلمُ ابن المُقَفَّع يقفُ كثيرا، فقيل له في ذلك، فقال: إن الكلامَ يزدحمُ في صَدري، فيقفُ قَلَمي ليَتَخيَّر" مما يدل على ضرورة انتقاء الكلمات والألفاظ والتعابير للكاتب.
زهر الآداب وثمر الألباب، إبراهيم بن علي الحصري، الطبعة الثانية 2011م بيروت، ج 1 ص:115