نبذة عن كتاب: مقاربات لسانية في مسائل من التصريف
أ.د. عبدالحميد النوري عبدالواحد
هذا الكتاب صادرٌ عن دار عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع إربد - الأردن، ولقد جاء في 188 صفحة من القطع المتوسط.
ويتناول الكتاب مسائلَ متفرقة من التصريف، قيلت أو كُتبت في مناسبات مختلفة، إلا أن محورها واحد، وذلك على امتداد عقدين من الزمان أو أكثر، وما المسائل المطروحة في الكتاب إلا نماذجُ من عموم التصريف، مسائل كنا نحس أنها بحاجة إلى قراءة وإعادة نظر، ولنا فيها رأيٌ أو قول، وهي تمثل التصريف بنوعيه: الاشتقاقي والصوتي، (أو الإعرابي).
والغرض من دراسة هذه المسائل هو الكشف عن غوامض التصريف ولُطفه، وتبيان مدى التداخل الحاصل بين مسائله وتشابُكها، وتداخل الحقول المعرفية التي ينتمي إليها، ومحاولة وضع حواجز بيِّنة تفصل بين هذه المجالات، أو الحقول المعرفية المنضوية إلى علم التصريف، وهذه المسائل مثلما يتَّضح من خلال فصول الكتاب ومباحثه، تتصل في جوهرها بتصريف الأفعال؛ وذلك تبعًا للصِّيغ والضمائر، وبناء الفعل وإعرابه، مثلما تتعلق بالتغيرات الصوتية الطارئة على الكلمات، وتتعلق بالتمييز الدقيق بين الجوانب الصوتية والصوتية الوظيفية، ونقد بعض المفاهيم والمصطلحات.
ولقد اقتضت هذه المادة المقدمة في الكتاب أن تقسَّم إلى أربعة فصول:
• يتعلق الفصل الأول منها بالتصريف في حد ذاته، موضوعًا ومجالاتٍ معرفيةً، واصطلاحًا.
• في حين يتعلق الفصل الثاني بمسائل من التصريف الاشتقاقي.
• في الوقت الذي يتعلق فيه الفصل الثالث بنماذجَ من التغيرات الطارئة على الكلمات، وقد حصرناها أساسًا في ظاهرتي القلب والبدل.
• ويتعلق الفصل الرابع والأخير بمسائل صوتية أو مسائل يتداخل فيها الصوتي بالتصريفي.
والمباحث المدرَجة في كلِّ فصلٍ من هذه الفصول، يُعد كل مبحث منها عنوانًا قائمًا بذاته، وكل عنوان يَطرح قضية محددة، حاولنا أن نقترحَ من خلالها وجهة نظرٍ لعلها تدَّعي الجدة فيما تُقدِّم، وعساها أن تكون مثار جدلٍ ونقاشٍ لمزيدِ تعميقها.
ومن باب المنهج المتوخَّى في طرح هذه المسائل، توسَّلنا في تحليلها أو مقاربتها بأدوات لسانية حديثة، تتكون من مجموعة من المبادئ العامة في الدرس اللساني عمومًا، وذلك بالنظر إلى ما ترسَّخ لدينا من معارفَ في هذا المجال، وإن آثَرنا البقاء في إطار النظرية التصريفية القديمة، ونحن أبعدُ من أن نقوِّض دعائم هذه النظرية، وذلك لما تتمتَّع به من انسجامٍ في التحليل، ومن دقة في الوصف والتعليل، وقدرة على استنباط الأحكام أو القواعد.
وليس خافيًا أن المبادئ اللسانية المعتمدة في هذه المقاربة، دعَتنا إلى عدم التقيد بتبعات نظرية لسانية بعينها والتقيُّد الصارم بمبادئها، وذاك لِما قد يترتب عن هذا التطبيق من إسقاطات أو انزلاقات منهجية، وعليه فقد عمَدنا إلى أن نستفيد من المبادئ العامة للسانيات الحديثة بمختلف توجُّهاتها، سواء منها البنيوية الوصفية أو الوظيفية، أو التوليدية التحويلية.
ولقد اقتضَت هذه المقاربات - وفي الجانب الإجرائي - أن نلتجئ إلى استعمال جملة من الرموز؛ لكي نتمكَّن من حُسن تحليل بنية الأفعال، والتمييز بين الكلمة ووَحداتها التصريفية المكونة لها، والتمييز بين الجذع والجذر، واللواصق التابعة للكلمة.
مثلما التجأنا إلى صياغة بعض القواعد التصريفية صياغةً صورية، تأخُذ أشكالَ معادلات رياضية، تقضي بإعادة كتابة عنصر أو مجموعة من العناصر بعنصرٍ أو عناصر أخرى، وذلك في سياقات محددة، وبشروط معينة، ولا يخفى أن من شأن هذه القواعد أن تساعدنا على وضع أنساقٍ تصريفية (أو نحوية) تُبرز أبعاد حدود النظرية التصريفية القديمة وأهميتها.
ولعل من المفيد أن نُشير في هذا المضمار إلى أننا قد التجأنا في الكثير من الحالات إلى التزام الخط العربي في كتابة الكثير من الأمثلة كتابةً صوتية، بُغية تحليلها انطلاقًا من الصِّيغ المجردة المفترضة للوصول إلى الصيغ السليمة المتحققة.
ولقد اقتَضَت هذه الكتابة أن نلتزَم بوضع كلِّ الحركات، فضلًا عن السكون، وفك الإدغام، وإبراز التنوين في آخر الكلمة المنونة.
وليس مِن غاية هذه المقاربات في حدود ما طبَّقناه، هدمُ مقومات النظرية التصريفية القديمة ومبادئها، أو التشكيك فيها، ولا إيجاد قطيعة معرفية بين القديم والحديث، وإنما الهدف منها إعادة بناء أو حُسن تمثُّل ما بدا لنا ناقصًا، أو بحاجة إلى إعادة صياغة؛ لتكون النظرية التصريفية أكثر تماسكًا وانسجامًا، وحتى لا تظلَّ هذه النظرية في حدود المعارف القديمة، بل تسعى إلى أن تنفتح على علوم العصر، ولا سيما اللسانيات.
إن هذه الآراء التي توصَّلنا إليها في بعض المسائل المطروحة، والحق يُقال، ما هي إلا آراء أو وجهات نظرٍ، لا يغيظنا مَن مالتْ حَمِيَّتُه إلى صرف النظر عنها، ولا مَن أقبَل عليها وأحبَّ النظر فيها، ويُهمنا أمرُ مَن سَمَت به نفسُه إلى مناقشتها ومزيد تعميقها وبَلْوَرَتِها، للوصول إلى نتائج أفضل، سواء فيما يخص الجوانب النظرية، أو الإجرائية.