القمار المعاصر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
كثر في الآونة الأخيرة السؤال عن المسابقات التي تطرح في التليفزيونات والجوالات والصحف والمجلات وغيره من وسائل الاتصال الحديثة، سيما مع الكثرة غير المسبوقة من القنوات الفضائية.
وتلك المسابقات عبارة عن سؤالٍ يُطرح على المشاهدين، وغالبا ما يتعلق بالفن، وأهل الفن، أو الرياضة، وغيره من هذه الأمور، ثم يقوم المشاهِد أو المتصل بإرسال رسالة بمبلغ بسيط من المال، على أمل أن يكون هو الفائز أو أحد الفائزين بتلك المسابقة، والتي تكون جائزتها في الغالب مغرية جدا.
مثل مسابقة: "من سيربح المليون"، وشركات الاتصالات، وما شاكلها.
وبيانا للحق، وإبراء للذمة، أقول -وبالله التوفيق- : إن هذه المسابقات من الميسر الصريح، الذي لا مِرْية فيه؛ إذ الدافع لهذا المبلغ الزهيد، إما أن يعود عليه مبلغُه مضاعفًا أضعافًا كثيرة، وإما أن يذهب عليه هدرا، وهذا هو حد الميسر الصريح، وهو المال المدفوع الدائر بين الغنم والغرم، مع تخويل الأمر إلى الحظ والنصيب، وعدم العلم بالغانم أو الغارم.
ومن المتقرِّر شرعا أن المسابقات والرهان محرَّمة في الشرع إلا فيما استثني، ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ فِي حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ "، والسَّبَق أي ما يجعل رهنا من مال في المسابقة، فقد نفاه النبي صلى الله عليه وسلم شرعا، إلا في هذه الثلاثة: وهي النصل أي الرمح ونحوه، والخف، والمراد البعير، والحافر، أي الخيل، وهي أمور معينة على الجهاد ودحر العدو، وهزيمته، وما كان هذا شأنُه فمصلحته أعظم من مفسدة القمار، فمن ثَمَّ انغمرت تلك المفسدة في مصلحة الجهاد والنصرة للإسلام العظيمة.
فهذا النوع من المسابقات جائز لما فيه من الإعانة على الجهاد والنصر، فيجوز فيه دفع المال والرهان، وسواء كان الدفع من المتسابقَيْن أو أحدِهما، أو ثالثٍ أجنبيٍّ عنهما.
وأُلحق بهذا النوع المسابقاتُ على تعليم الشرع وحفظ القرآن والسنة، كما هو مذهب أبي حنيفة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، خلافا للجمهور القائلين بالمنع مطلقا، إلا فيما استثنى الشارع.
أما ما سوى ذلك من المسابقات، فإن الأصل فيها التحريم والمنع، ويزداد التحريم حينما تكون المسابقة عن فنان أو فنانة أو اسم فيلم ونحوه، مما لا نفع فيه، بل مضرته أعظم، ومفسدته أكبر، فإن كان الشارع حرَّم المسابقة بمال في المباحات ، فكيف بالمسابقة على نشر الفساد، وتضييع الأوقات؟! فلا شك أن التحريم أشد.
وليعلم أن كل مسابقة يدفع المتسابق فيها مبلغا ?ولو زهيدا من المال- على أمل أن يربح، أيًّا كانت الجائزة، فهذا من القمار، وهو ما صدرت به فتوى الأزهر واللجنة الدائمة بالسعودية، وهو قرار المجمع الفقهي الدولي.
كما أود التنبيه على أنه إذا كانت المسابقات في أمور مباحة، وبغير عوض، فليس فيها بأس، والله تعالى أعلم.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي