الإيمان بربوبية الله -تعالى


الإيمان بالله -تعالى- يتضمن أربعة أمور، الإيمان بوجوده -سبحانه وتعالى-، والثاني: الإيمان بربوبيته، والثالث: الإيمان بألوهيته، والرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته، وفي هذه المقالة سنفرد الكلام على الإيمان بربوبيته -سبحانه وتعالى.
الإيمان بربوبية الله تعالى
الإيمان بربوبية الله -تعالى- يعني الإيمان بأن الله وحده هو الرب لا شريك له ولا معين‏، والرب‏:‏ من له الخلق والملك والأمر -أي أمر تدبير هذا الكون -، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا هو، ولا آمر إلا هو.
قال -تعالى مبينا انفراده بالخلق-: {‏أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}، ‏وقال {بديع السماوات والأرض‏}، وقال {الحمد لله فاطر السماوات والأرض}.
أعظم ما خلق الله
وأعظم ما خلق الله عشرة، وهي السماوات والأرض والشمس والقمر والليل والنهار والناس والدواب والمطر والرياح، وقد امتدح الله -تعالى- خلقها كثيرا في القرآن ولاسيما في أوائل بعض السور كسورة الجاثية، قال -تعالى- {حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِين َ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
انفراد الله تعالى بالملك
ودليل انفراده بالملك قوله -تعالى-: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}، وقوله‏: {‏ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ}.
فراد الله -تع- بالأمر


ودليل انفراده بالأمر قوله -تعالى-: {ألا له الخلق والأمر}، وقال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، وقوله: {وإليه يرجع الأمر كله}.
والأمر نوعان، أمرٌ شرعيٌّ ديني وأمرٌ كوني، فأمره الشرعي الديني هو أمره المتعلق بالشرائع والنبوات؛ فإن الله هو وحده الذي يأمر بما شاء من الشرائع، وينسخ ما يشاء منها، بحسب ما تقتضيه حكمته -جلَّ وعلا-، وهو الذي يُشَرِّع للناس ما يناسبهم وما يُصلِح حالهم، وما هو مقبول عنده من العبادات والأعمال؛ لأنه هو الخبير بحالهم، العليم بما يصلحهم، الرحيم بهم.

الأمر الكوني
والنوع الثاني من أمر الله هو الأمر الكوني، وهو المتعلق بتدبير أمور الكون؛ فالله وحده هو الذي يأمر بجريان السحاب ونزول المطر، والحياة والموت، والرزق والخلق، والزلازل وتفريج الكربات ونهاية العالم ونحو ذلك من الأمور التي تحدث في الكون، فإذا أمر الله بشيءٍ منها حصل لا محالة، لا مُغالب له ولا مُبطل، كما قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، وقال -تعالى-: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}، أي: وما أمرُنا للشيء إذا أردنا حصوله إلا أن نقول قولةً واحدة وهي (كن) فيكون ذلك الشيء كلمح البصر، لا يتأخر طرفة عين. فالحاصل أن أمر الله ينقسم إلى نوعين، أمرٌ كونيٌّ، وأمرٌ ديني شرعي، يترتب عليه أحكام الجزاء يوم القيامة.
إنكار ربوبية الله -تعالى
ولم يُعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله -سبحانه-، إلا أن يكون مكابرًا غير معتقد لما يقول، كما حصل من فرعون حين قال لقومه‏: {‏أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}، ‏وقال:‏ {‏يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلـه غَيْرِي}، لكن ذلك ليـس عن عقيدة، بل عن تَكـبُّـرٍ وتَـجَبُّـرٍ، قال الله -تعالى- {وَجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْه َا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}.
المشركون والإقرار بربوبية الله -تعالى
والمشركون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يُقِـــرُّون بربوبية الله -تعالى-؛ فقد كانوا يؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر لهذا الكون، ولكنهم مع هذا كانوا يشركون معه غيره في العبادة، من الأصنام والأوثان، ويتوجهون لها بأنواع العبادات، من دعاء وذبح ونذر وسجود وغير ذلك، فصاروا كفارا، ولم ينفعهم إيمانهم بربوبية الله -تعالى- على خلقه؛ لأنهم لم يؤمنوا بما يستلزمه توحيد الربوبية، وهو توحيد الألوهية، وِمن المعلوم أن الإقرار بالربوبية لا يكفي للدخول في الإسلام حتى يُضم إليه إفرادُه بالعبودية، قال -تعالى- في كتابه العظيم مبينا أن المشركين كانوا مقرين لله بربوبيته على خلقه {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}.
منقول