النجاة من الشرك إنما تكون بتحقيق التوحيد علما وعملا
- د. الربيع: الشرك أعظم ذنب عصي الله به وهو أعظم









أكد الأستاذ بكلية الشريعة جامعة الكويت أ. د. وليد خالد الربيع أنَّ دين الإسلام -وهو دين رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ودين كل الأنبياء والمرسلين- يقوم على تعظيم الله -تعالى-، وإفراده بالوحدانية، والتصديق الجازم بوجوده -سبحانه-، والإيمان بربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وحده لا شريك له، فقال -تعالى-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل:36)، وقال -سبحانه-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25).

وأمر -عزوجل- نبيه بتوحيده في العبادة والخضوع له وحده فقال -سبحانه-: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين} (الزمر:2) أي: فاعبد الله وحده لا شريك له، وادع الخلق إلى ذلك، وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده، وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد؛ ولهذا قال: {ألا لله الدين الخالص} أي: لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له. وقال أيضا: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (الزمر:11).

ترك الشرك بأنواعه كلها


وبين د. الربيع أن توحيد الله -تعالى- لا يتحقق إلا بترك الشرك بأنواعه كلها، ظاهره وباطنه؛ لأن الشرك ضد التوحيد، وحقيقته تعظيم غير الله -تعالى- بالاعتقاد أو العمل، وهو اتخاذ الشريك أو الند مع الله -جل وعلا- في الربوبية أو في العبادة أو في الأسماء والصفات، وهو أن يعبد المخلوق كما يعبد الله، أو يعظم كما يعظم الله، أو يصرف له شيء من خصائص الربوبية أو الألوهية.


تعظيم غير الله


وأضاف، وهذا خطر الشرك الذي قد يتساهل فيه بعض الناس؛ لأنه يجهل أنه بالشرك يعظّم غير الله العظيم المحسن إليه، وذلك بصرف حقوق الرب العظيم إلى مخلوق حقير، ومن هنا كان الشرك أعظم ذنب عصي الله به، وهو أعظم الظلم، قال -عز وجل-: {إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان:13)، وهو الذنب الذي لا يغفره الله لصاحبه إن مات عليه من غير توبة قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء:48).


سبب للحرمان من دخول الجنة


وعن خطورة الشرك وآثاره على الفرد قال د. الربيع: الشرك سبب لحرمان فاعله من دخول الجنة كما قال -تعالى-: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة:72)، ولأن الشرك باللّه محبط للأعمال، مفسد للأحوال، قال -سبحانه-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر:65)، قال ابن سعدي: «ففي نبوة جميع الأنبياء، أن الشرك محبط للأعمال، كما قال -تعالى في سورة الأنعام لما عدد كثيرا من أنبيائه ورسله- قال عنهم: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام:88)، وفي الحديث القدسي:» قال -عزوجل-: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رواه مسلم.


خفاؤه وسهولة دخوله على المسلم


وخطورة الشرك تكمن في خفائه وسهولة دخوله على المسلم؛ ولهذا جاء في الحديث: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صَفاةٍ سوداء في ظُلمة الليل» وعن معقل بن يسار قال: انطلقتُ مع أبي بكر الصديق -]- إلى النبي -[- فقال يا أبا بكر، للشِّركُ فيكم أخفى من دبيب النم؛ فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا مَنْ جعل مع الله إلهاً آخر؟ قال النبي -[-: «والذي نفسي بيده للشِّركُ أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيءٍ إذا قلته ذهب عنك قليلهُ وكثيرهُ. قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم» رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، وتأمل دعاء إبراهيم الخليل -عليه السلام- حين قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (إبراهيم:35)، وكان إبراهيم التيمي يقول: «من يأمن البلاء بعد الخليل؟»، فعموم الناس أولى بالخوف من الشرك لخطورته وخفاء مداخله.


النجاة من الشرك


وعن النجاة من الشرك قال د. الربيع: النجاة من الشرك إنما تكون بتحقيق التوحيد علما وعملا، كما قال ربنا -سبحانه-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ} (محمد:19)، قال ابن سعدي:» وهذا العلم الذي أمر الله به -وهو العلم بتوحيد الله- فرض عين على كل إنسان، لا يسقط عن أحد، كائنا من كان، بل كل مضطرا إلى ذلك»، وقال -سبحانه-: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (الطلاق:12)، قال ابن سعدي:» أخبر -تعالى- أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن، وما بينهن، وأنزل الأمر، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها، وإحاطة علمه بجميع الأشياء فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه وقاموا بحقه، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر معرفة الله وعبادته»، وقال -تعالى-:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة:98).

أول دعوة الرسل توحيد الله -تعالى


ولهذا كان أول دعوة الرسل توحيد الله -تعالى-، وفي حديث ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أولَ ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» -وفي رواية: «إلى أن يوحدوا الله».الحديث متفق عليه.


تعليم التوحيد واجب شرعي


ثم ختم د. الربيع كلامه بالتأكيد على أنَّ تعليم التوحيد واجب شرعي وضرورة ملحة للنجاة من الشرك، وطريق لتحقيق منهج الإسلام الشامل القائم على العبودية لرب العالمين كما قال -تعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام 162، 163)


د.وليد خالد الربيع