العبرة من بني إسرائيل
هاني مراد
تناول القرآن الكريم قصص بني إسرائيل أكثر من غيرها. وفي ذلك تحذير وبيان لسير الأمم، وارتقائها ثم انحطاطها.
وكان الهدف من قصص بني إسرائيل في المرحلة المكية، هو تثبيت المؤمنين في مكة. أما في المدينة، فقد كان الهدف هو تحذير المؤمنين الذين عاشوا في المدينة مع اليهود، من صفات اليهود ومكرهم وحقدهم، وتحذير المؤمنين من بعدهم ألا ينحطوا مثلما انحط اليهود بعد أن فُضّلوا على العالمين. فالقرآن الكريم يقول لنا: لا تفعلوا مثلما فعل اليهود، ولا تتعرضوا للنقمة بعد النعمة، مثلما فعلوا.
فبعد أن أرسل تعالى لهم العدد العديد من الرسل، ونجاهم من فرعون، وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة، ورزقهم من الطيبات، تعنتوا وجحدوا وكفروا وقتلوا أنبياءهم.
والملاحظ أن انحرافهم قد وصل إلى أن فرض الله عليهم أن يقتلوا أنفسهم لكي يتوب عليهم! فهذه الطبيعة الناكرة القاسية، لا ينفع معها سوى ذلك التطهير الشديد! ومع ذلك، فقد طلبوا من موسى عليه السلام أن يروا الله جهرة، ورفضوا قتال الأعداء معه، مع أن الله تعالى ظلل عليهم الغمام في الصحراء القاحلة، وأظهر لهم الآيات والمعجزات، وأنزل عليهم المن والسلوى، فاستحقوا أخذ الصاعقة لهم، واستحقوا العذاب بالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وإنزال الرجز عليهم من السماء، حتى كتب الله عليهم التيه أربعين سنة.
إن الذلّ الذي تعودوا عليه، وانتكاس فطرتهم الذي أصابتهم به العبودية في ظل حكم الفرعون، قد وصل بهم إلى ضرورة استئصال جيل كامل لم يكن ينفع معه علاج أو توجيه، وقد انتهى ذلك الجيل خلال التيه، حتى ظهر الجيل الجديد؛ جيل النصر الذي دخل الأرض المقدسة.