نقاش هادئ (1)
كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمعلوم أن السَّلَف الصالح هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان، ومَن تابعهم على نهجهم وطريقتهم إلى يوم الدِّين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم كما في صحيح البخاري: "خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -قالَ عِمْرانُ: لا أدْرِي: ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أوْ ثَلاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ- ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ، يَنْذِرُونَ ولا يَفُونَ، ويَخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ، ويَشْهَدُونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ ...".
فالصحابة رضوان الله عليهم والقرون الثلاثة الأولى هم أهل الخيرية بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وهم أولى الناس باتباع طريقتهم؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمدٍ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه..."
فإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلوبهم خير قلوب العباد، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم وزراء النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين اختارهم الله ليقاتلوا عن دينه ويبلغوه، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أشد الخلق محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم مَن بلَّغونا الدِّين غضًّا طريًّا كما أراده الله وجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان سلف الأمة في القرون الثلاثة الأولى هم خير الأمة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف من القرون الثلاثة الأولى لم يحتفلوا قط بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يحتفون فقط بيوم مولده بصيام ذلك اليوم الاثنين من كل أسبوع، كما كان يفعل ذلك حبيبهم محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، وكما أمر بذلك؛ فلماذا نزيد نحن ذلك؟!
ولماذا نبتدع في الدين ما ليس منه؟!
ولماذا نُلبِّس على الناس الأمر بعدم ذكر طريقة الصحابة ولا القرون الثلاثة الأولى الصحيحة في احتفائهم بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بصيام يوم الاثنين من كل أسبوع؟!
ولماذا هذا النكوص عن بيان الحق بالاستشهاد بما أحدثته الفرق المبتدعة بدأ من القرنين الرابع والخامس الهجريين، وترك ما كان في القرون الثلاثة الخيرية الأولى؟!
ولماذا هذا التلبيس اللغوي بعدم التفريق بين الاحتفاء والاحتفال؟!
فالاحتفاء مصدر احْتَفَى، "نقول: خَرَجَ النَّاسُ احْتِفَاءً بِقُدُومِهِ: تَرْحِيبًا وَتَكْرِيمًا"؛ فهو تكريم وعناية بالشخص؛ وفي التنزيل: "إنه كان بي حفيًّا"، وصورته هنا هو :ما شُرع من صيام يوم الاثنين من كل أسبوع إكرامًا للنبي صلى الله عليه وسلم. والاحتفال: إقامة نشاط ما؛ كاِجْتِمَاعُ النَّاسِ فِي حَفْلٍ بِمُنَاسَبَةِ مَّا في يوم مَّا، يَتِمُّ فِيهِ تَبَادُلُ التَّهَانِي والطعام والشراب وخلافه، وهذا ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ولا الصحابة من بعده، ولا السلف الصالح من القرون الثلاثة الأولى الخيرية.
فلماذا لا نلتزم بهدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم أهل المحبة الحقيقية الذين أمُرنا باتباع نهجهم من حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم؟!
ولماذا نحاول أن نخترع في الدين ما ليس منه بالاحتفال بمولده في يوم واحد في العام نملئه بالطعام والشراب، والتمايل والرقص، وما لا يرضي الرب سبحانه وتعالى؛ وكأننا أشد منهم حبًّا للنبي صلى الله عليه وسلم، أو أكثر منهم علمًا، أو أعمق منهم فهمًا؟!
والعجيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حسم الأمر في مثل هذه الاختلافات التي أخبر بوقوعها منذ خمسة عشر قرنًا، ووجهنا بما يجب علينا فيها، كما جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه من يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعَضوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ"، فتمسكوا بهديه وهدي أصحابه يا أحبابي إن كنتم حقًّا صادقين في محبته صلى الله عليه وسلم؛ فـ"الاتباع أصل المحبة" كما قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم".
وللحديث بقية إن شاء الله.