تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مفاتيح الأرزاق

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي مفاتيح الأرزاق



    مفاتيح الأرزاق (1)









    كتبه/ حسن حسونة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقضية الرزق قضية مهمة وقديمة تشغل جل تفكير الناس في كل وقتٍ، وخصوصًا في هذه الأيام وهذا الوقت العصيب الذي يمر به العالم عامة وأمتنا خاصة، وما ترتب على ذلك مِن خوف فوات الرزق أو ضياعه، فنعرض لهذه القضية خلال هذه السطور من الناحية الشرعية، من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان من فعل السلف الصالح رضي الله عنهم في مثل هذه الأحوال.

    الرزق كما يقول الراغب: العطاء الجاري، وتارة يكون دنيويًّا، وتارة أخرويًّا، وقد ذكر الله كلمة الرزق بمشتقاتها في القرآن حوالي 105 مرة.

    والرزق من مقومات الحياة، والنفس إذا ضمنت رزقها اطمأنت، وحينما نتكلم عن الرزق؛ فلا بد أن يتسع الأفق لاستيعاب ذلك، فهناك رزق مادي ملموس، وهناك رزق معنوي "وإن تَعدوا نعمتَ الله لا تُحصوها"، فنعمة الدِّين رزق، والهداية له رزق، والفهم رزق، وكذا الصحة والعافية، والنَّفَس والطعام والشراب، والولد البار، والزوجة المطيعة، والعلم، والمال؛ كل ذلك -وغيره كثير- مِن الأرزاق، منها ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه، حتى لا نُقْصِر الرزق على صنفٍ واحدٍ إن حُرمه العبد ظن أنه حُرِم الرزق كله.

    وهناك قواعد مهمة لا بد أن نكون على يقين منها، وهي:

    أولًا: ما خلق الله حيًّا من الأحياء إلا وتكفَّل برزقه، أيًّا كان، فانظر إلى ما حولك: هل تعيش أنت وحدك على الأرض؟ لا! بل يعيش معك عالم الجن، والطيور، والحيوانات، والحشرات، والأسماك، والنباتات، ومخلوقات كثيرة لاتعلمها، والله يرزق جميعها "وما كان ربك نسيًّا"، "وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها"، فهذه مسألة مُسلمٌ بها؛ أن أرزاق العباد بيد الله، وليس على المخلوق الضعيف البخيل الشحيح، "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورًا"، فثق بالله، وعلِّق قلبك به، فمهما كنت فسيأتيك رزقك لا محالة.

    ثانيًا: قضية الرزق بالنسبة لك أمر مُسلمٌ به وأنت لا زلت جنيًا في رحم أمك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ *فَيَنْفُخُ *فِيهِ *الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ"، فرزقك لن يأخذه غيرك، لكن ما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب التي شرعها الله، وقلبك معلَّق بالله.

    ثالثًا: الناس متفاوتون في أرزاقهم ومعايشهم؛ فهذا غنيٌ وآخر فقيرٌ، وهذا موسعٌ عليه وآخر مقترٌ عليه، وكل ذلك بحكمة من الله، "والله فضَّل بعضكم على بعضٍ في الرزق"، "وأنه هو أغنى وأقنى"، أي: وأفقر.

    كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى: "واقنع برزقك من الدنيا؛ فإن الرحمن فضَّل بعض عباده على بعض"، فإذا ما أيقنت بذلك، فاقنع بما آتاك الله من الرزق يُبارك لك فيه، فيَشكرُ الغنيُ على النعمة، ويصبر الفقير ويتحقق التكافل الاجتماعي بين أوصال المجتمع الواحد، فينظر الغني إلى أخيه الفقير نظرة رحمة وأُخوة، فيخرج له الحق الذي أوجبه الله في ماله، "والذين في أموالهم حقٌ معلوم . للسائل والمحروم".

    رابعًا: أعظم أسباب الحرمان والضيق الشرك بالله ومعصيته، وأعظم أسباب العطاء والبركة الإيمان والتقوى، وهذا على المستوى الفردي والمجتمعي، والقرآن يُخبرك بذلك، "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفُ عن كثير"، "ظهر الفساد في البرِ والبحر بما كسبت أيدي الناس"، أي: من أمراض، ووباء، وغلاء في الأسعار، وتسلط فجرة وفسقة، وغير ذلك، فالسبب هو: "فبما كسبت أيديكم"، والقرآن مليء بالأمثلة على هذا الأصل، فعلى المستوى الفردي: قصة قارون وما وقع له، وقصة أصحاب البستان، وعلى المستوى المجتمعي: قصة سبأ وما وقع لها، واقرأ إن شئت: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً *كَانَتْ *آمِنَةً *مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"، فالشرك والمعصية سببٌ لكلِّ وبالٍ وشرٍ وحرمانٍ، والإيمانُ والتقوى سببٌ لكل خيرٍ ورخاءٍ، "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا *لَفَتَحْنَا *عَلَيْهِمْ *بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"، فهذه قواعد أربعة لا بد أن نكون على يقين منها، وهناك مفاتيح شرعية تُستجلبُ بها الأرزاق وتُستمطر بها الرحمات.

    نتعرف عليها في المقال القادم بإذن الله.




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مفاتيح الأرزاق



    مفاتيح الأرزاق (٢)









    كتبه/ حسن حسونة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فمفاتيحُ الأرزاق مفاتيح شرعية نستجلب بها الخيرات، ونستمطر بها الرحمات والبركات، وهذه المفاتيح جاء خبرها إما في القرآن، أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك مِن فعلِ سلفنا الصالح من جيل الصحابة إلى مَن بعدهم رضوان الله عليهم، فمنها:

    1- الالتزام بالدين ظاهرًا وباطنًا: وتحقيق التوحيد لله رب العالمين، ورؤية أثر ذلك في أنفسنا وبيوتنا، وأعمالنا وشوارعنا، وسِلمنا وحربنا، وحياتنا كلها؛ هذا المفتاح الذي حَّول الجيل الأول من رُعاة للغنم إلى قادة أُمم، وفتحوا المشارق والمغارب في غضونِ ربع قرن من الزمن، دانت لهم فيها العرب، ودفعت لهم العجم الجزية، وقصص السيرة تشهد بذلك.

    وتوحيد الربوبية في قضية الرزق: "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين".

    وتوحيد الإلهية: "فابتغوا عند الله الرزق".

    وتوحيد الأسماء والصفات: أن الله تعالى من أسمائه الحسنى الرزاق، فندعوه بهذا الاسم: يا رزاق ارزقني، وأعطني، وبارك لي، مع تعلق القلب به عز وجل، "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها"، وهذا مفتاح عظيم لمن تدبره وتأمله، وفي حقيقة الأمر أن كل المفاتيح الآتية مردُها ومرجعها إليه.

    2- أن تُصبح والآخرة هَمك: أي: أن تبحث عن رضا ربك إذا أصبحت في أقوالك وأفعالك، وأخلاقك وسلوكك؛ هل ما تقوله وتفعله يرضي الله أم لا؟ وبناءً على إجابتك يتحدد حالك ووضعك؛ فإن كنت في هؤلاء الذين يبحثون عن رضا الله؛ فأبشر بالخير "من أصبح والآخرة همه جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة"، فلا شك أنها بشرى سارة وعظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان كذلك.

    3- كثرة الاستغفار: بأي صيغة كانت؛ فتجعل لنفسك وردًا يوميًّا من الاستغفار مائة مرة أو أكثر، كما يكون لك وردٌ من القران، ومن أذكار الصباح والمساء، ومن الصلاة على رسول الله، وقد نصح نوحٌ عليه السلام بالاستغفار وبشَّر بالخير العميم الذي يحصل من ورائه، كما قال تعالى عنه في دعوته لقومه: "فقلتُ استغفروا ربكم إنه كان غفارًا . يرسل السماء عليكم مدرارًا . ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارًا".

    4- صلة الرحم: كما ورد في الحديث: "من أحب أن يُنسأ له في عُمره ويبسط له في رزقه؛ فليصل رحمه".

    5- حُسنُ التوكل على الله: "وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"، وهذا يكون بتعلق القلب بالله جل وعلا، ومباشرة الأسباب المباحة دون الركون للأسباب.

    6- الإنفاق في سبيل الله: ولا تعتقد أن النفقة تنقص مالك، بل يخلفها الله لك: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"، "وما نقص مال من صدقة"، فنفقتك يبارك الله لك فيها، ويخلفها لك.

    7- الدعاء والتضرع لله: بأن يفتح الله عز وجل لك من البركات والخيرات، ويرزقك الخير ويبارك لك فيه، ولا يسلِّط عليك ظالمًا أو فاسقًا، ويكون ذلك في أوقات مَظِنة الإجابة؛ في سجودك، وثلث الليل الآخر، ويوم الجمعة، وغير ذلك، "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم".

    فهذه بعض المفاتيح الشرعية التي نستجلب بها الخير والبركة، والرزق من الله تبارك وتعالى؛ فلا تجعل أيها المسلم ما تسمعه وتشاهده من غلاء الأسعار، والأوبئة، والحروب، والأزمات الاقتصادية، وغير ذلك، يقعدك عن السعي والعمل، فنحن أمة الأمل، وأمة الخير والعمل، وقد مَرَّ في حياة الأنبياء أكثر مما تتخيل، ومع ذلك لم ينقطع عنهم الأمل، "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، ودوام الحال من المحال؛ فثق بالله وتعلق به، وتوكل عليه ولا تيأس، وخذ بما شرعه الله من الأسباب، يأتيك الخير العظيم منه سبحانه وتعالى.


    أسأل الله أن يرفع البلاء والغلاء عنا وعن المسلمين في كلِّ مكان.




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •