التذكير بأجمل ما قال لقمان الحكيم
أحمد عبد المجيد مكي
1- كان لقمان عبدًا حبشيًّا نجارًا، فقال له مولاه: اذبَح لنا هذه الشاة، فذبحها، قال: أخرج أطيب مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، ثم مكث ما شاء الله، ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها، فقال: أخرج أخبث مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما، فقال له لقمان: إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبُثا.
2- كان لقمان في مجلس يحدث الناس، فأتاه رجل، فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا؟ قال: نعم، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يَعْنِينِي.
3- رُوي أن لقمان الحكيم دخل على داود عليه السلام وهو يصنع درعًا، ولم يكن لقمان رآها قبل ذلك اليوم، فأخذ يتعجب مما رأى، فأراد أن يسأل داود عما يصنع، فمنعته حكمته، فأمسك نفسه ولم يسأله حتى أتَم داود الدرع وقام فلبسها، وقال: نعم أداة الحرب، فقال لقمان: (الصمت حُكْم - أي حِكْمة - وقليل فاعله).
ومعنى: (الصمت حُكْم) بضم الحاء؛ أي حِكْمة؛ لأنه يمنع من الجهل والسفه، قالوا: سُمي حكمة لأنه ينشأ عنها، أو لأن الصمت عما لا خير فيه يُثمر الحكمة في قلب الصامت، والمراد الصمت عن غير نشر العلم والحق والعدل.
وقليل فاعله؛ أي قَلَّ من يمنع نفسه عما لا يعنيه، وعن التسارع إلى النطق بما لا ثمرة له، لغلبة النفس الأمارة بالسوء، وعدم تهذيبها.
4- إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
معلوم أن أكثر خطايا بني آدم من اللسان، فإذا ملك الإنسان لسانه فَكَفَّه عما لا يجوز، فقد أتى بابًا عظيما من أبواب العبادة.
5- ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاث: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا الأخ إلى عند الحاجة إليه.
6- يا بُنَيَّ، جالِس العلماء وزاحِمهم بركبتيك، فإن الله سبحانه يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل القَطْر.
7- ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبي، وإذا كان في القوم وجد رجلًا.
قلت: يعني يتبسط معهم ويداعبهم ولا يتجهم في وجوههم، لكن لا ينبسط في الدعابة لحد يسقط هيبته، بل يراعي الاعتدال.
8- يا بُنَيَّ، استغنِ بالكسب الحلال عن الفقر، فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به.
9- اتق المرأة السوء، فإنها تشيبك قبل الشيب، واتَّق شرار النساء، فإنهنَّ لا يدعون إلى خيرٍ، وكن من خيارهن على حذرٍ.
10- إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
11- إنك اسْتَدْبَرْتَ الدنيا منذ يوم نزلتها، واسْتَقْبَلْتَ الآخرة، فأنت إلى دار تَقْرُبُ منها، أقرب منك إلى دار تُبَاعِدُ عنها.
12- أمر لا تدري متى يلقاك، استعد له قبل أن يفجأك.
13- يا بُنَيَّ الدنيا بحر عميق، غرق فيه ناس كثير، فاجعل سفينتك فيها القناعة.
14- خذ من الدنيا بلاغك، وأنفِق فضولَ كسبك لآخرتك، ولا ترفُض الدنيا كلَّ الرفض، فتكون عِيالًا (أي: عالة)، وعلى أعناق الرجال كلًّا.
15- ارْجُ الله رجاءً لا يُجَرِّئُكَ على معصيته، وخَفِ الله خَوْفًا لا يُؤَيِّسُكَ مِنْ رحمته.
16- إن المؤمن إذا أبصر العاقبة أمن الندامة.
17- مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ عَذَّبَ نَفْسَهُ، ومَنْ كَذَبَ ذَهَبَ جَمَالُهُ.
18- كَذَبَ من قال: إن الشر يطفئ الشر؟ فإن كان صادقًا فليوقد نارًا إلى جنب نار، ثم لينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى؟ ألا فإن الخير يطفئ الشر كما يطفئ الماء النار.
19- ضَرْب الوالد لولده كالسماد للزرع.
20- اعْتَزِلِ الشَّرَّ يَعْتَزِلْكَ الشَّرُّ، فَإِنَّ الشَّرَّ لِلشَّرِّ خُلِق.
21 - ذُقْتُ المرار كُلَّهُ، فَلَمْ أَذُقْ شَيْئًا أَمَرَّ مِنَ الفَقْرِ.
22- يَا بُنَيَّ، حَمَلْتُ الجَنْدَلَ (الصخر العظيم) والحديد، وكُلَّ حِمْلٍ ثقيل، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَثْقَلَ مِنْ جار السُّوءِ.
23- يا بُنَيَّ، إياك والمِرَاءَ (الجدال والمنازعة)، فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة بين الإخوان.
24- لا تكن حُلوًا فَتُبْلع ولا مُرًّا فَتُلْفَظ.
25- نقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم.