اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم..
محمد سيد حسين عبد الواحد
أيها الإخوة الكرام:
أخرج الإمام أحمد بسند رجاله رجال الصحيح من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : «عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ» ..
«فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، فقَالَ : أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ ؟ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ ؟!»
«فَقَالَ الراعي : يَا عَجَبِي، ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ.؟!»
«فَقَالَ الذِّئْبُ : أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ ؟ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف هذا الوادي، يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ!! قَالَ أبو سعيد: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بأمر الذئب وكلامه فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ : الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي : " أَخْبِرْهُمْ ". فَأَخْبَرَهُمْ بخبر الذئب وكلامه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَدَقَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ "» .
هذا الحديث دلالته خطيرة..
هذا الحديث: يقول إننا لا نعيش في هذا العالم وحدنا، ولسنا وحدنا من يعبد الله عز وجل، ولسنا وحدنا من يخش الله ويخاف الله قال مجاهد : ما تردى حجر من رأس جبل ، ولا تفجر نهر من حجر ، ولا خرج منه ماء إلا من خشية الله ، نزل بذلك القرآن الكريم
{ لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُۥ خَٰشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَمْثَٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
لسنا وحدنا في هذا العالم من نؤمن بالله عزوجل، ولسنا وحدنا من نذكر الله قياما وقعودا وعلى جنب، ولسنا وحدنا من يسمع ويرى ويتكلم..
فبين يدي سليمان عليه السلام قالت النملة لأخواتها { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُوا۟ مَسَٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
وقال الهدهد بين يدي سليمان أيضا { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِۦ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍۭ بِنَبَإٍ يَقِينٍ، إِنِّى وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ، وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}
كل ما في الوجود من شجر وحجر ومن واد وجبل، الكل يسمع ويرى ويتكلم الكل يؤمن بالله العظيم ويخشاه ويذكره قال الله تعالى فى داود عليه السلام { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلْجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلْإِشْرَاقِ، وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَّهُۥٓ أَوَّابٌ}
وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» .
وعن عبد الله - رضي الله عنه - قال : «لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل» .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : ما من صباح ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضا . يا جاراه .
هل مر بك اليوم عبد فصلى لله أو ذكر الله عليك ؟ فمن قائلة لا ، ومن قائلة نعم ، فإذا قالت نعم رأت لها بذلك فضلا عليها .
﴿ { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } ﴾
«عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ : " إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ : أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ". ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : " لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ". »
كل ما في الوجود من حجر وشجر وأرض وسماء وهواء وماء يسمع ويرى ويتكلم ويخش الله جل في علاه ويخافه ويخشاه ..
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
الكون كله من أصغر مخلوق فيه إلى أكبر مخلوق، الكل وبلا استثناء قد أسلم واستسلم وانقاد طوعا غير مكره وخضع وخشع لله رب العالمين..
{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِىَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ}
انظر إلى السماء وارتفاعها، والأفلاك ومدارها، والأرض واتساعها، والجبال وثبوتها، والبحار وأمواجها الكل يؤمن بالله ويقر بجلاله وكماله ولا يغفل عن ذكره {هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ}
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.. إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول:
إن القضية ليست فقط في أن جميع الخلائق من حج وشجر تسمع وترى ووتكلم وتسبح وتخضع وتخشع..
ليست القضية في ذلك وفقط بل إن القضية في أنها ستحضر الموقف يوم القيامة لتشهد على ابن آدم بما فعل عليها وبما قال بالقرب منها..
سيتكلم الحجر والشجر سيتكلم الوادي والجبل.. ستتكلم كل البقاع عن الخير وعن الشر الذي وقع عليها وأمامها وكانت عليه من الشاهدين..
تقول: يا رب فلان ركع، فلان سجد، فلان قال كلمة طيبة، فلان غض بصره، فلان كف يده وأمسك لسانه، فلان أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فلان جهر بالحق لم يخف في الله لومة لائم..
«قال أبو سعيد الْخُدْرِيَّ لأبي صعصعة : إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ " لَا يَسْمَعُ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ، وَلَا إِنْسٌ، وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. »
وكما تشهد الخلائق بالخير الذي وقع عليها.. إن وقع عليها شرا شهدت به..
فلان سرق، فلان حرق، فلان قتل، فلان ظلم، فلان عق والديه، فلان قطع أرحامه، فلان قال كلمة الكفر وهم بما لم ينال..
«قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ : { يومئذ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ؟ ". قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : " فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ : عَمِلْتَ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ". قَالَ عليه الصلاة والسلام : " فَهُوَ أَخْبَارُهَا "» .
قلت وإن تعجبوا من شهادة الحجر والشجر فاعجبوا أكثر من شهادة أنفسكم على أنفسكم!!
«عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، فَقَالَ : " هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ؟ " قَالَ : قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : " مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ : يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ قَالَ : يَقُولُ : بَلَى. قَالَ : فَيَقُولُ : فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي. قَالَ : فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا. قَالَ : فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ : انْطِقِي. قَالَ : فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ : ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ : فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ » ".
وذلك قول الله تعالى {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ، وَقَالُوا۟ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوٓا۟ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِىٓ أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَآ أَبْصَٰرُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ}
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكفنا شر أنفسنا وشر كل نفس هو آخذ بناصيتها..