(صفة السعي بين العلمين الأخضرين) قال ابن عبدالبر في الاستذكار(4/231) : وَلَا خِلَافَ فِي السَّعْيِ فِي الْمَسِيلِ وَهُوَ الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا أَنَّ مِنَ السَّلَفِ مَنْ كَانَ يَسْعَى الْمَسَافَةَ كُلَّهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ) انتهى
١- قال السرخسي في المبسوط (4/ 50 ) :فَأَمَّا السَّعْيُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَالْمَشْيُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ أَدَبٌ أَوْ سُنَّةٌ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ إلَّا الْإِسَاءَةَ كَتَرْكِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ اهـقال زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (المتوفى: 666هـ) في تحفة الملوك: ( ثمَّ سعى بَين الصَّفَا والمروة سَبْعَة أَشْوَاط يُهَرْوِل فِيهَا بَين الميلين الأخضرين ) انتهىقال بدر الدين العيني ت 855 في البناية شرح الهداية (4/252) :م: (ويسعى في بطن الوادي في كل شوط) ش: المراد من السعي الهرولة ) انتهىوقال في منحة السلوك شرح تحفة الملوك ص 304 :قوله: (يهرول فيما بين الميلين الأخضرين) والهرولة: المشي بالسرعة، لما روى جابر "أنه عليه السلام نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه: رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى" رواه أبو داود.) انتهىقال ابن عابدين في حاشيته (٢/٥٠١) : "وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ دُونَ الْعَدْوِ" اهـ




٢-قال ابن عبدالبر في الاستذكار(4/231) : (وَالسَّعْيُ الْمَذْكُورُ فِيهِ هُوَ الِاشْتِدَادُ فِي الْمَشْيِ وَالْهَرْوَلَةِ ) انتهىقال الباجي في المنتقى (2/305) :(وَصِفَةُ السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ سَعْيُهَا بَيْنَ سَعْيَيْنِ وَهُوَ الْخَبَبُ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ ) انتهى
٣-قال ابن شهبة في بداية المحتاج (١/٦٦٧) : "وأن يمشي أولَ المسعى وآخره) على هِينَته وسجيته (ويعدوَ في الوسط) أي: يسعى سعيًا شديدًا فوق الرَّمَل؛ كما قاله في "شرح المهذب" للاتباع " اهـقال النووي في المجموع (٨/٧٥) : "الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ سَعْيُهُ فِي مَوْضِعِ السَّعْيِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ سَعْيًا شَدِيدًا فَوْقَ الرَّمَلِ" اهـ

٤- قال الخرقي في مختصر :( فَيَرْمُلَ مِنْ الْعَلَمِ إلَى الْعَلَمِ) اهـ والرمل لفظ أحمد كما ذكر ابن تيمية في شرح العمدة وذكر : أن القاضي ومن بعده قال : يسعى سعيا شديدا قال ابن قدامة في المغني (3/350) شارحا كلام الخرقي: (فَإِذَا كَانَ مِنْهُ نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا، حَتَّى يُحَاذِيَ الْعَلَمَ الْآخَرَ، وَهُوَ الْمِيلَانِ الْأَخْضَرَانِ اللَّذَانِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِد، وَحِذَاءِ دَارِ الْعَبَّاس، ثُمَّ يَتْرُكُ السَّعْيَ، وَيَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ ) انتهىوهو بهذا صرف لفظ الرمل إلى السعي قال في المبدع شرح المقنع (3/205 ) :(فَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا إِلَى الْعَلَمِ) وَهُوَ الْمَيْلُ الْأَخْضَرُ بفناء المسجد حِذَاءَ دَارِ الْعَبَّاسِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْمَلُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ كَالْمُؤَلِّفِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: بَلَى لِوُرُودِهِ فِي الْخَبَرِ ) انتهىقال ابن تيمية في شرح العمدة (2/464) :وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ: أَنَّهُ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ سَعْيًا شَدِيدًا، وَلَفْظُ أَحْمَدَ: وَامْشِ حَتَّى تَأْتِيَ الْعَلَمَ الَّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي فَارْمُلْ مِنَ الْعَلَمِ إِلَى الْعَلَمِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَثْرَمُ: يَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ أَشَدَّ مِنَ الرَّمَلِ قَلِيلًا، وَيَقُولُ فِي رَمَلِهِ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ.) انتهىوالمعنى على قول القاضي ومن بعده المشي بالسرعة وليس معناه العدو ولا يصح قصر السعي على العدو فقد روى ابن جرير في تفسيره (22/637)حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: 9] قَالَ: فَاسْعَوْا فِي الْعَمَلِ، وَلَيْسَ السَّعْيُ فِي الْمَشْيِ ) اهـ فسماه مشيا وجاء عن ابن عباس أنه فسر قوله تعالى : (فاسعوا) امشوا ذكره ابن الجوزي في تفسيره وقال الثعلبي في الكشف والبيان (9/311)فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فالسعي أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها قال: وكان يتأوّل هذه الآية فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ يقول فلما مشى معه، وقال: الكلبي فلما عمل مثله عمله.)انتهىوقال الواحدي في تفسيره (4/300)قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: 9] قال عطاء: يعني: الذهاب والمشي إلى الصلاة.قال الفراء: المضي، والسعي، والذهاب في معنى واحد.)انتهىوقال الرازي في تفسيره (30/542) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ أَيْ فَامْضُوا، وَقِيلَ: فَامْشُوا وَعَلَى هَذَا مَعْنَى، السَّعْيِ: الْمَشْيُ لَا الْعَدْوُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُضِيُّ وَالسَّعْيُ وَالذَّهَابُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وقال ابن جزي في تفسيره (1/36) عند كلامه عن معنى السعي قال :(ومشى، ومنه: (فاسعوا إلى ذكر الله) ، وأسرع في مشيه، ومنه: رجل يسعى )انتهى

قال أبو حيان في تفسيره (10/174)(وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ السَّعْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ)، وَأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمَشْيِ خِفَّةٌ وَبِدَارٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ: إِنَّمَا تُؤْتَى الصَّلَاةُ بِالسَّكِينَةِ، وَالسَّعْيُ هُوَ بِالنِّيَّةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعَمَلِ، وَلَيْسَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ، كَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى ، فَالْقِيَامُ وَالْوُضُوءُ وَلِبْسُ الثَّوْبِ وَالْمَشْيُ كُلُّهُ سَعْيٌ)اهـوقال ابن كثير في تفسيره (8/120) :فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أَيِ: اقْصِدُوا وَاعْمَدُوا وَاهْتَمُّوا فِي مَسيركم إِلَيْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بالسعي هاهنا الْمَشْيُ السَّرِيعُ، وَإِنَّمَا هُوَ الِاهْتِمَامُ بِهَا ) انتهى
٥- دليل المسألة قول النبي : ( حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي ، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مشى ) رواه مسلم وغيره ولأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة ( حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي) وفي الموطأ وأحمد والنسائي ( حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ)كلهم أخرجه من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال النووي في شرح مسلم (8/178): (انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ وَفِيهِ إِسْقَاطُ لَفْظَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا وَهِيَ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَلَا بُدَّ مِنْهَا وَقَدْ ثَبَتَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَذَا ذَكَرَهَا الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْمُوَطَّأِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ وَهُوَ بِمَعْنَى رَمَلَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى كَمَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ السَّعْيِ الشَّدِيدِ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى يَصْعَدَ ثُمَّ يَمْشِي بَاقِي الْمَسَافَةِ إِلَى الْمَرْوَةِ عَلَى عَادَةِ مَشْيِهِ وَهَذَا السَّعْيُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنَ الْمَرَّاتِ السَّبْعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْمَشْيُ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا قَبْلَ الْوَادِي وَبَعْدَهُ وَلَوْ مَشَى فِي الْجَمِيعِ أَوْ سَعَى فِي الْجَمِيعِ أَجْزَأَهُ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ الشَّدِيدَ فِي مَوْضِعِهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَمَا ذُكِرَ وَالثَّانِيَةُ تَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ) انتهى وقال الزرقاني في شرح الموطأ (2/477) : (فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى) ، أَيْ مَشَى بِقُوَّةٍ، أَيْ أَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: رَمَلَ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ) ، أَيْ بَطْنِ الْوَادِي، فَيَمْشِي عَلَى الْعَادَةِ بَاقِيَ السَّعْيِ، فَيُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بِبَطْنِ الْوَادِي، وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْن ِيُّ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: أَخْبَرَتْنِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُنَّ «رَأَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْعَى وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، وَيَقُولُ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» ، فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ فِيهِ ضَعْفٌ، لَكِنْ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ مُخْتَصَرَةٌ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَالْأَوَّلِ، وَإِذَا انْضَمَّتْ إِلَى الْأُولَى قَوِيَتْ. انتهى
وقال الساعاتي في بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني (11/78) :أى سعى وأسرع فى المشي فى بطن الوادى، وقد صرح بذلك فى رواية أبى داود . انتهىوقال العلامة محمد بن آدم الأتيوبي في ذخيرة العقبى شرح المجتبى (25/295) : وقوله: "حتى إذا انصبّت قدماه سعى الخ": بتشديد الباء: أي انحدرتا بسهولة، حتى وصلتا إلى بطن الوادي أسرع في المشي حتى يخرج من بطن الوادي. انتهى تنبيه :قال الشيخ محمد بن عثيمين في شرح حديث جابر : وقوله: «سعى» أي: ركض ركضاً شديداً حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي. انتهىقلت : لم أقف على أثر في ذلك فمن بلغه شيء فليفدنا .
فوائد :
١-قول الماتن قاله جماعة وقدم غير واحد أنه يمشي حتى يأتي العلم، وما صرفه إليه الشارح، وهو أنه يمشي إلى أن يصير بينه وبينه ستة أذرع قاله آخرون، واختاروه واستظهره في الفروع، وصححه في التصحيح، وخرج بقوله: ماشيًا الراكب، وحامل المعذور، والمرأة، والصحيح من المذهب أن السعي راكبًا، كالطواف راكبًا، فإنه صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم سعى ماشيًا، فلما كثروا عليه أتمه راكبًا، وقطع الموفق، والشارح، وغيرهما بجواز السعي راكبًا، لعذر وغيره، لأن المعنى الذي منع من أجله الطواف راكبًا غير موجود فيه، وقال أحمد: لابأس به على الدواب لضرورة.حاشية الروض لابن القاسم
٢- قال ابن القيم في زاد المعاد (2/221) : ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ يَمْشِي، فَلَمَّا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، سَعَى حَتَّى إِذَا جَاوَزَ الْوَادِيَ وَأَصْعَدَ، مَشَى، هَذَا الَّذِي صَحَّ عَنْهُ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ قَبْلَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ فِي أَوَّلِ الْمَسْعَى وَآخِرِهِ.وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْوَادِيَ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ وَضْعِهِ هَكَذَا قَالَ جابر عَنْهُ فِي " صَحِيحِ مسلم "، وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ كَانَ مَاشِيًا، وَقَدْ رَوَى مسلم فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ أبي الزبير، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ، وَلِيَسْأَلُوهُ ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ غَشُوهُ» .وَرَوَى مسلم عَنْ أبي الزبير عَنْ جابر: «لَمْ يَطُفْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الْأَوَّلَ» .قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الرَّاكِبَ إِذَا انْصَبَّ بِهِ بَعِيرُهُ، فَقَدِ انْصَبَّ كُلُّهُ، وَانْصَبَّتْ قَدَمَاهُ أَيْضًا مَعَ سَائِرِ جَسَدِهِ.وَعِنْدِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَجْهٌ آخَرُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ سَعَى مَاشِيًا أَوَّلًا، ثُمَّ أَتَمَّ سَعْيَهُ رَاكِبًا، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ، فَفِي " صَحِيحِ مسلم ": «عَنْ أبي الطفيل، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قَالَ: قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ» .انتهى وفي سعيه راكبا خلاف