"لا إله إلا الله" ... إعراب وفوائد لغوية وبلاغية









كتبه/ طلعت مرزوق


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فـ(لا): حرف لنفي الجنس، مبني على السكون، لا محل له مِن الإعراب (الجنس أعم مِن النوع، والمراد به هنا الماهية، أي حقيقة ذلك الشيء)، ومعنى كونها نافية للجنس: أنها تنفي الحكم عن كل فرد مِن أفراد جنس الشيء الذي دخلت عليه.

وتُسمى أيضًا: "لا التبرئة"؛ لأنها تدل على تبرئة جنس اسمها كله مِن معنى خبرها.

و(إلهَ): اسم مبني على الفتح، واسم (لا) مُعرب ومبني، فيُبنى إذا كان مفردًا نكرة على ما كان يُنصب به، و(لا) واسمها في محل رفع بالابتداء. ولفظ (إلهَ) في كلمة الشهادة نكرة في سياق النفي فيعمُّ بلا شك، وخبر (لا) محذوف: تقديره حق؛ لأن آلهة الباطل موجودة. والمقصود: نفي ما عدا إله الحق.

(إلا): حرف استثناء، مبني على السكون، لا محل له مِن الإعراب، والاستثناء مِن النفي إثبات، وبالعكس، فالنكرة بعد (لا) لنفي العام، فتفيد نفي كل آلهة، و(إلا) لإثبات ضده، وهو ثبوت الإلهية لله تعالى.

وقد بدأ بالنفي لتفريغ القلب، فإذا كان خاليًا؛ كان أقرب إلى ارتسامِ التوحيد فيه، وإشراق نور الله عليه.

ولفظ (اللهُ): مرفوع بدل مِن (إلهَ) باعتبار محله، وهو الرفع على الابتداء، وأجاز بعض النحاة فيه النصب على الاستثناء، بناءً على جواز الرفع والنصب في المستثنى الذى جاء بعد النفي، مثل قوله تعالى: "مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ"، فقد قرأ الجمهور (قَلِيلٌ) بالرفع على البدلية، وقرأ ابن عامر بالنصب مع التنوين (قَلِيلًا) على الاستثناء، وكلاهما ثبت متواترًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ به جماعة مِن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم؛ بيد أنه لم تأتِ كلمة التوحيد في القرآن بنصب الاسم بعد (لا) في قراءة، ولو شاذة.

وقول: (لَا إِلَـهَ إِلَّا اللَّـهُ) على هذه الصيغة الخاصة الجامعة بين النفي والإثبات، يدلُّ على حصر الإلهية لله تعالى، فإن الجمع بين النفي والإثبات أبلغ صيغ الحصر.

والمتأمل في كلمة التوحيد (لَا إِلَـهَ إِلَّا اللَّـهُ) يجد أن جميع حروفها جوفية (أي: مَخرج نطقها مِن الجوف، ليس فيها مِن الحروف الشفهية التي تخرج مِن الشفتين)؛ للإشارة إلى الإتيان بها مِن خالص جوفه، وهو القلب لا مِن الشفتين، لكي تكون مقبولة عند الله تعالى، لا في أحكام الدنيا فقط.

كما أنها مُجردة عن النقط؛ ليس فيها حرفًا مُعجمًا (الحرف المعجم هو الذي له نقط فوقه أو تحته)؛ إشارة إلى التجرُّد عن كلِّ معبود سوى الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.